قصة الأطفال “السلحفاة العجيبة” في اليوم السابع

ق

القدس 3-2-2022من ديمة جمعة السمان- ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية المقدسيّة قصّة الأطفال “لسلحفاة العجيبة” وهي قصّة للكاتبة نزهة أبو غوش تزال مخطوطة.

افتتحت الأمسية ديمة جمعة السمان مديرة الندوة فقالت:

تحمل القصة في طيّاتها العديد من الرسائل والنّصائح غير المباشرة لكل طفل تقع القصّة بين يديه.

تقسّم القصّة إلى ثلاثة أقسام:

الأول: رفضت السّلحفاة ” سلحوفة” ( القوقعة) أي درعها الذي يحمي جسمها من كل ما يؤذيها، واعتبرته عائقا لحركتها، جعل منها بطيئة الحركة، عكس الزّواحف الأخرى التي تتحرك بحرّية، وأصبحت تخجل من  الدّرع معتبرة أنّه عائقا لها.

لم تأخذ بعين الاعتبار أن ما يناسب غيرها لا يناسبها في معظم الأحيان، بل قد يشكّل لها متاعب أخرى هي في غنى عنها.

الثّاني: أصرّت على خلع درعها ونجحت في ذلك دون الالتفات لرأي أخيها “غيلم” الأكبر سنا. مع أنّه ذكر لها فوائد الدّرع، وبيّن لها خطورة عدم وجوده على جسمها الرّقيق، ولكنها رمت بكل ما سمعته من نصائح خلف ظهرها وأصرّت على تنفيذ خطّتها، كانت نظرتها نظرة ضيّقة، فدفعت ثمن ذلك باهظا، وكانت النتيجة النّدم الشديد، وتمنّت أن تستعيد درعها الحامي.

الثّالث: تجمّع الأطفال فيما بينهم لمساعدة سلحوفة بعد صرخات الاستغاثة التي تسببها شعورها بالألم دون الدّرع، وتباحثوا جميعا باستعمال العقل والتّحليل لإيجاد الحل الأنسب، كما أنّهم استشاروا معلمتهم، لأنها أكثر خبرة. وأخيرا ارتأوا أن يصنعوا لها درعا من الجلد المقوّى، وليس من الخشب الثّقيل على جسدها، أو الكرتون الذي يبتلّ ويذوب مع الماء، أو البلاستيك الّذي يذوب من حرارة الشّمس. كانوا رحيمين، لم يفكرّوا بإيذاء السّلحفاة بل اجتهدوا ليقدّموا لها المساعدة والحل الأفضل لها.

رابعا: رغم أنّ الدّرع الجديد المصنوع من الجلد المقوّى كان الحلّ المعقول الذي يساعد السّلحفاة على تحمّل ظروف الطّبيعة، إلا أنّ الأصل يبقى هو الأفضل.

لذلك استمرّوا بالبحث عن الدّرع الأصلي، الذي لن يعوّضه أيّ درع آخر، من أيّ مادّة أخرى.

وقد أجادت الكاتبة بتسمية شقيق “سلحوفة” ( الغيلم)، وهو ذكر السّلحفاة.

القصة جميلة وشيقة، لغتها سليمة وبسيطة مناسبة للأطفال.

وقال الدكتور عزالدين أبو ميزر:

 المغزى الكبير الذي أرادت كاتبتنا تدعيمه في أذهان الصغار هو قول الله تعالى في علاه أنه قدّر فهدى، وأنه قال : إنا كل شيء خلقناه بقدر.

وبقصتها تثبت أن الله المطلق في علمه خلق كل شيء بمقدار هو علمه وقدّره.

وجاءت القصة على لسان السلحفاة التي لم يعجبها هذا الدرع الذي سجنت فيه، فأعاق حركتها وأبطأ سرعتها وأتعبها بثقل وزنه على جسمها، فطلبت من أخيها أن يساعدها على التخلص منه، فرفض أن يجاريها في الخطأ وعدم القناعة بما تطلبه منه، فلجأت إلى حيلة ذكية بحشر قوقعتها بين صخرتين وغادرت ما كانت تعتقده سجنا لها، وخرجت إلى الحرية المزعومة؛ لتجد نفسها في ورطة كبيرة لا تقدر على مواجهتها.

وتعاون أصدقاؤها الأطفال على صنع درع مزركش من الجلود الملونة لها بعدد سني عمرها، وفرحت به رغم عدم إيفائه بالغرض كما الدرع والبيت الأصلي.

ممّا دعا أصدقاءها السحلية والأفعى وأخاها الغيلم للذهاب باحثين عن بيتها القديم الذى خلقه الله لها.

القصة جميلة ومشوقة وتبعث على التفكر، وتحث على المساعدة والعمل والابتكار والخلق والابداع، ولكن تبارك الله أحسن الخالقين.

ولكن كاتبتنا نزهة وقعت في أول سطرين بخطا لغوي عندما قالت :

كانت سلحوفة تتنزه وأخيها الغيلم .

فلم كسرت أخيها ولم ترفعه إذا اعتبرنا أن الواو قبل أخيها هي واو العطف، ولم تنصبه على اعتبار الواو هي واو المعيّة.؟ ولو استبدلت الواو بحرف الجر (مع) لاستقام القول.

ووقعت في خطأ علمي ولو على سبيل المزاح بمعرفة سن الإنسان من أسنانه وهذا خطأ لأنها لم تثبت نفيه،

وصحيح أن بعض الحيوانات يعرف عمرها من أسنانها.

وأخيرا إن الله تعالى قد ذم على لسان إبليس من يغير خلق الله :

ولآمرنّهم فليغيّرن خلق الله، ولكن القيام بعمليات تصحيح اعوجاج العمود الفقري وتقويم الأسنان، وإخفاء أو إزالة بعض ما يقال عنه الوحمة فلا بأس بذلك وليس فيه مخالفة شرعية.

وقالت رفيقة عثمان:

  من الأهداف الأساسيّة للقصّة، هي إكساب قيمة تقبّل الذّات على حالتها، مهما كانت مختلفة عن الآخرين، كما ورد على لسان الطفلة سيليا: ” لازم يعجبنا ذاتنا مهما كان”؛ ونفهم من ذلك بأنّه يجب أن نتمسك بأصلنا مهما انتقلنا وتغيّرت أماكننا واختلطنا بالآخرين، والحفاظ على مكانتنا وتراثنا وهويّتنا الشّخصيّة، دون التأثّر بهويّة الغير.

  هذه القصّة ترمي إلى تعزيز الثقّة بالنفس، وعدم زعزعتها مهما تعرّضت لتأثيرات خارجيّة، مثال على ذلك: الاعتزاز بلغتنا العربيّة، وعدم التمسّك بلغة الغرب كوسيلة لإظهار الوجه الحضاري كما دارج عند البعض.

  يرمز بيت السّلحفاة إلى الحيّز الذي يمتلكه الكائن الحي، وفي هذه القصّة تحثّ قدرة الحفاظ على هذه المساحة؛ لأنّها ملكه ولا يجوز التخلّي عنه مهما حصل، ربّما هي رمز الوطن، وضرورة الحفاظ عليه منذ الصّغر.

  تظهر في القصّة أهداف ذات قيم تربويّة أخرى، ومنها تشجيع طريقة التفكير المنطقي والتّحليلي؛ لحل المشاكل التي تصادف الأطفال في حياتهم؛ كما ظهر عندما اقترح الأطفال عدّة خيارات بديلة لبيت السّلحفاة (القوقعة). ومواجهة المشاكل وعدم التملّص منها.

كما تشجّع على صفة التأنّي قبل اتّخاذ القرارات بالحياة، وإكساب صفة التّعاون الجماعي والمشترك، والشّعور مع الآخرين، والتّعاطف معهم عند حزنهم وفرحهم أيضًا؛ كا أولت الكاتبة أهميّة لدور الكبار في المساعدة في حل المشكلات؛ كما ساهمت المعلّمة في تنفيذ بناء البيت البديل للسلحفاة.

  “قصة السّلحفاة العجيبة” أضفت مخزونًا لغويًا ثريًا، يثري القاموس اللّغوي عند الأطفال؛ مثل: (الغيلم – القوقعة – الزّواحف – ثغاء – جحر – حراشف – قشور – عمود فقري – تأرجح ).

وكما احتوت القصّة على معلومات علميّة حول بعض الزّواحف، وطبيعة حياتها باختلاف أنواعها وأشكالها وأسمائها؛ مثال على ذلك: عندما تقشر الأفعى جلدها، كذلك ممكن معرفة عمر السّلحفاة وفقًا لعدد الأشكال الهندسيّة التي فوق ظهر القوقعة.

  اهتمّت القصّة أعلاه؛ بالتعبيرعن المشاعرالذّاتيّة المختلفة من حزن، غضب، فرح، قلق؛ وأمان؛ لِما لها من أهميّة في حياة الأطفال، والتّماهي مع مشاعر الحيوانات، كما حصل عندما تأثّر الأطفال عندما شاهدوا السلحفاة العارية، بعد أن تخلّصت من قوقعتها، فكانت تتأوّه من الألم، ومليئىة بالأشواك والأتربة، وبكت السّحليّة وأنزلت دمعتين ساخنتين؟

  استخدمت الكاتبة بعض الزّواحف الأخرى أي صديقات السّلحفاة، مثل الأفعى والسّحليّة.برأيي من الأفضل عدم استخدام الأفعى واستبدالها بنوع من الزّواحف غير المضرّة ؛ كي لا تظهر بأنّها ودودة، ويطمئن الأطفال لوجودها، فيتضرّروا منها. اقترح على الكاتبة باستخدام الحرباء بدلًا من الأفعى. خاصّة عندما تجمّع الأولاد حول الحيوان العجيب، وكانت الأفعى قريبة أخرجت رأسها من جحرها؛ لتشاهد هذا الحيوان.

  ظهر الحوار بين الأطفال بطريقة جميلة، وساهم في التفكير الجماعي لإيجاد الحلول المناسبة لمشكلة السّلحفاة، والتوصّل لحلول معقولة ومُرضية للسّلحفاة المُتألّمة. كما وظهر الحوار الدّاخلي في القصّة، عندما أعربت سلحوفة عن ندمها لخلعها من قوقعتها.

  ساهم عدد من الشّخصيّات في بطولة القصّة، منها الحيوانات مثل: السّلحفاة وأخوها الغيلم، والأفعى والسّحليّة، بينما أسماء الشّخصيّات الإنسانيّة تقلّد بطولتها الأطفال: مصطفى ومينا وسيليا ونايا. (الأسماء مستوحاة من أسماء الأحفاد، التي ساهمت الكاتبة الجدّة في تسميتهم).

  من الجميل الدّمج بين الشّخصيات الحيوانيّة والإنسانيّة، وتفاعلها مع بعضها؛ لتقريب الأطفال من الطبيعة؛ ونظرا لحب الأطفال للحيوانات، فمن الممكن توصيل الرّسائل التربويّة عبرها بسهولة وبطريقة غير مباشرة.

 أنهت الكاتبة قصّة “السّلحفاء العجيبة” نهاية تبعث الأمل في نفوس الأطفال، فهي نهاية مفتوحة، ” أمّا غيلم والسّحليّة والأفعى، فقد راحت تفتّش بين الصّخور والأعشاب عن بيت (سلحوفة) الحقيقي الّذي بعثرته الرّياح، فربّما يجدنه يوما!”. هذه النهاية تحثّ الأطفال على التفكير بنهاية يختارونها لأنفسهم، لم تقرّر الكاتبة نهاية مغلقة؛ لأنّها تحدّ من تفكير الأطفال.

  برأيي لو شارك الأطفال بالبحث عن بيت السلحفاة. أيضًا.

      اشتملت القصّة على عنصرالتشويق، الّذي صنعته الكاتبة؛ والذي يشجّع الطّفل على معرفة تسلسل الأحداث القادمة في القصّة، كما وتحتوي على عنصر حس الفكاهة؛ كما ورد على لسان الطّفل مصطفى عندما سأل: ” كيف أعمر عمري”؟ أجابته الطّفلة سيليا ” قالت سيليا مازحة: من عدد أسنانك طبعا.”.

هذه القصّة ملائمة لجيل الصّفوف الابتدائيّة، كما ذكرات الكاتبة في بداية القصّة، برأيي من الممكن تبسيط القصّة للأجيال ما تحت الابتدائي، وفقا لاستخدام الصّور المُرفقة، وشرح المعلّمات.

  خلاصة القول: هذه القصّة قيّمة وتستحق تعميمها في المدارس الابتدائيّة.

وقالت رائدة أبو الصوي:

أبدعت وتألقت الكاتبة في هذه القصة . جميل جدا أن يقدم الكاتب الجديد والمفيد والمواكب للعصر. القصة تتحدث عن سلحفاة بحثت عن التغيير، لم يعجبها شكلها وأرادت أن تغيره، لإشارة من الكاتبة بذكاء إلى ظاهرة الاتجاه إلى عمليات التجميل، وعدم الرضا عن الشكل الخارجي، ومحاولة التقليد الأعمى للغير، لم ترضى بالشكل الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، في القصة عدة رسائل قيمة منها:

  ا – خطورة عدم الإستماع إلى النصيحة من الأشخاص الذين يهتمون بنا . وأظهرت الكاتبة هذه الرسالة بشكل واضح جدا عندما نصح ( غيلم) أخته  “سلحوفة”،  بعدم التخلص من قوقعتها.

 2- عدم التسرع باتخاذ القرارات وضرورة التفكير بالعواقب.

3-التفكير بحل المشكلة بعد وقوعها.

 4-طرحت الكاتبة الحل .

5- معلومات عن السلحفاة كانت موفقة جدا بطريقة تقديم الكاتبة لها.

 جميل جدا ادخال العنصر البشري للقصة واختيار الأسماء مثير للتفكير، اختارت الكاتبة أسماء مينا، نايا، سيليا، مصطفى، الأسماء التي اختارتها استخدمتها بأسلوب مناسب جدا. لكل امرئ نصيب من اسمه . في القصة إثارة عند تعرض السلحفاة للأشواك بعد خلعها القوقعة . وفي نهاية القصة تأكيد جاء على لسان السلحفاة، لا بيت يشبه بيتها الأصلي وهذه حكمة قيمة جدا .

ومن المغرب كتب لنا حسن المصلوحي:

يقول سيغموند فرويد: “الطفل أب الرجل”، في عبارة عميقة عمق الكائن البشري الذي وصفه في مواضع كثيرة بكونه “قارة مظلمة”، فما نكونه عند الكبر هو تطور طبيعي لما عشناه في مرحلة الطفولة… لذلك يمكن أن نقول بكل ثقة أنه في البدء كانت الطفولة وستبقى أبدا ما حيينا، في البداية كان الطفل وكانت ألعابه وحكاياته وأحلامه وخياله… من هذا المنطلق البسيط تفرض الطفولة نفسها كمرحلة عمرية بالغة الحساسية والتأثير في كينونة الإنسان، ورسم الإنسانية التي نريدها. إن الطفولة بلا شك هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارة.

ومثل كل مهمش في التاريخ تم تهميش الطفل منظورا إليه باعتباره كائنا لا يمتلك قيمة كبيرة، ولا ننكر بأن الطفل العربي هُمش لردح من الزمن في مجال الأدب، لذلك لم يكن يجد من يكتب من أجله أو ما يقرأ باستثناء النزر اليسير؛ ليجد نفسه بين أحضان الحكايات الشعبية التي رغم أهميتها إلا أنها كانت مسؤولة عن خلق عقل ميتافيزيقي مستعد لتقبل الأسطورة، والنفور من التناول المنطقي للأشياء.

و حين أتحدث عن الكاتبة والروائية الفلسطينية نزهة أبو غوش، فأنا أستحضر امرأة تحمل في قلبها حضن الأمومة، وحنان المرأة التي جعلت من كل أطفال العالم أطفالها، ولا أدلّ على ذلك من أقصوصتها الجميلة الماتعة “السلحفاة الغريبة”، قصة أطفال تدور أحداثها حول سلحفاة يعتريها الخجل من شكلها ومشيتها البطيئة، و يغمرها الحماس لتقليد السحلية التي تستطيع التسلق، ودون أن تفكر مليا أو أن تنصت لنصائح أخيها الغيلم تقرر التخلص من قوقعتها، مع غضب شديد من أخيها الذي لم يطاوعها في قرارها. يصادف قيامها بالتخلص من بيتها مرور أطفال كانوا عائدين من مدرستهم باتجاه بيوتهم؛ ليتناهى إلى مسامعهم صراخها وأنينها نتيجة لهاته الخطوة الخرقاء التي أقدمت عليها. يتدخل الأطفال صحبة أستاذتهم ويجدون حلا للسلحفاة بأن يصنعوا لها بيتا جديدا من الجلد؛ ليعود إليها الإحساس بالأمان بعد أن اعتراها الندم على ما قامت به، ولتخلص الكاتبة في الأخير إلى أنه “لا بيت في هذا العالم يشبه البيت الأصلي”…

القصة لطيفة وبسيطة بساطة الطفولة، كتبتها الكاتبة بقلب طفل بريء يحب الخير و يسعى للفضيلة… وبقليل من التمعن في ما وراء النص يمكن أن نستخرج ما لا حصر له من القيم الإنسانية النبيلة التي تقدمها الكاتبة للطفل في هودج الحكي اللذيذ؛ توقفتُ أولا عند عتبة النص وهو العنوان “السلحفاة العجيبة”، بما يحمله هذا الكائن من دلالات الحكمة والرزانة و التروي، وربما كان ذلك سببا في الأمد الطويل الذي تعيشه، ربما تكون العجلة/الاندفاع الأهوج سببا في موتنا قبل الأوان !

إن ما يهمنا نحن من هاته القصة التي أبدعت الكاتبة إذ مزجت فيها بين شخوص إنسانية وبعض الحيوانات في دعوة صريحة للطفل؛ ليستدمج قيم الانسجام مع الطبيعة عوض النظر إليها من منظور براغماتي أداتي، لعلنا نعود أدراجنا إلى ما قبل هاته الحداثة المقيتة التي حولت العالم إلى مجرد موارد ميتة في يد الإنسان، هذا الكائن الذي نصب نفسه سيدا على العالم مذ أعلن ديكارت دعوته العمياء “للتحكم في الطبيعة”، رسالة تجعل الطفل يدرك أن الطبيعة تحس و تحب وتتألم وأنها بحاجة لمساعدتنا كما أننا أيضا في حاجة إليها، أننا شيء واحد… إن ما يهمنا هو الإنسان، هو استخلاص العبر؛ لنمكن أطفالنا من استدماج تلك القيم دون أن نلقنها لهم تلقينا.

تنطلق القصة من تسليط الضوء على معضلة كبيرة نعاني منها، وهي الخجل من الذات وعدم تقبل أنفسنا وتحقيق ذلك السلام وتلك المصالحة الداخلية التي تجعلنا نحب أنفسنا، لكي نستطيع حب العالم، ولست أدري لماذا استحضرت في هاته اللحظة آخر ما قاله سقراط موجها الحديث لصديقه أقريطون:

“آه أقريطون

نحن مدينون لأسكليبيوس بديك

ادفعه له

لا تنسَ”

وأسكليبيوس هو إله الشفاء عن اليونان القدامى، فهل كان يقصد سقراط أن موته شفاء وحياته كانت هي المرض؟ لا وألف لا، فالرجل كان محبا للحياة مقبلا عليها، والمقصود كان أن موت سقراط بالنسبة إليه شفاء من مرض خطير وهو مرض “نسيان الذات” نتيجة لكلام الناس التافه، الذي لا قيمة له (دوكصا)، ومن المؤكد أن سلحفاتنا المسكينة نسيت ذاتها حين حاولت تقليد السحلية، فلا هي استطاعت التسلق ولا هي ظلت في قوقعتها التي ألفتها ! تستحق هاته المعضلة أكثر من دراسة في ظل هذا الوضع الذي أصبح فيه أبناؤنا يقلدون النماذج السيئة تقليدا أعمى. فلربما كانت السحلية أسرع، لكن السلحفاة تمتلك عمرا مديدا.

قيمة أخرى تزكيها القصة، قيمة التأمل والتفكير وممارسة النقد الذاتي والتخلص من الميولات الحمقاء التي يمكن أن تودي بنا، يقول سقراط “إن حياة بدون تأمل لا تستحق أن تعاش”، أمّا الغيلم فمن خلال عدم مطاوعة أخته يعلمنا ألا نقوم إلا بما نقتنع به، بهذا الشكل نعلم الطفل ألا يكون إمّعة وأن يكون قراره قرارا حرا نابعا من الذات، و ليس من تلقي الأوامر من الآخرين. وأمّا غضب أخته ففيه رسالة مفادها أن القرارات المدفوعة بالميولات والعواطف غالبا ما تكون كارثية، وأن الدوغمائية حمقاء، وأن الحكمة تكمن في الموضوعية والتريث قبل التقرير؛ وما أحوجنا لهذا في عالمنا هذا الذي غمرته الفردانية من كل جانب، فغاب الأخذ بالنصيحة واستحضار آراء الآخرين وأخذها بعين الاعتبار.

كان استدعاء الإنسان ليحضر إلى جانب الحيوان أمرا يحمل رمزية بديعة، وأبدأ من الشخصية المحورية وهي “مينا” وهي كلمة عربية وفارسية وتعني المرآة ملونة الزجاج، وأما في المصرية القديمة (ميني) فتدل على المؤسس أو المشيد ولعل في هذا ما يمكن أن نستشفه، فنحن مرآة ملونة لهذا العالم، نحن من نحمل مسؤولية التأسيس للقيم النبيلة وبناء عالم يسوده الحب والجمال، وكم كانت جميلة قيمة التعاون التي تم إدراجها في النص من خلال تعاون الجميع مع السلحفاة المأزومة، إننا أمام قيمة “الغيرية” التي تحدث عنها مطولا عالم الاجتماع الفرنسي “أوغيست كونت”؛ فمثلما نعيش بفضل الغير علينا أيضا أن نعيش من أجل الغير، وهاته مسألة منطقية، ألا نكون أنانيين نرجسيين، وهذا من شأنه أن يجعل العالم مكانا أفضل للعيش.

تحضر أيضا قيمة الهوية، فحين غابت القوقعة فقدت المسكينة هويتها (ما تكون به هي هي) وتحولت إلى كائن آخر تتلاعب به الريح وتجرحه الأشواك، وفي هذا دعوة صريحة إلى ضرورة الانطلاق من الذات كما هي باعتبارها المرتكز للانفتاح على العالم، وأن الحرية لم تكن يوما شيئا مطلقا؛ إننا أحرار بالقدر الذي ندرك به الضرورات والحتميات التي تحيط بنا، إن الحرية هي التصرف باستقلالية انطلاقا من وضعك الذي فرض عليك، وهاته رسالة مهمة لجيل ود لو يصبح بسرعة الصاروخ وبين ليلة وضحاها ممثلا مشهورا أو مغنية ألمعية… أحلام بعيدة بعد هؤلاء الشباب عن هويتهم.

أدارت الكاتبة الحوار بحرفية وسلاسلة، وقدمت للأطفال طبقا معرفيا شهيا دون أن نشعر بأنها حشرت تلك الأفكار بشكل مبتذل (تجديد الأفعى لجلدها)، لتحول دفة النص بعدما استقر في ذهن الطفل وجود مشكلة كبيرة نحو البحث عن حل، وهنا تحضر المعلمة سحر، وكأنها نزلت من السماء، تمنيت لو تم التقديم لهذا الحضور الفجائي الذي لربما يربك الطفل، كأن نجعل المعلمة حاضرة من بداية الحدث وفق حبكة ترتئيها الكاتبة.

حضرت المزحة وروح الدعابة أيضا لتكسر الطابع الجاد للقصة، وحضر معها دفء كبير رافق اكتشاف الحل، فقدر من يبحث دائما كان “أن يجد” و قدر من يسعى لمساعدة الآخرين أن يوفق في ذلك، وهاته قيمة أصبحت نادرة، قيمة المساعدة وما أحوجنا لغرسها بهذا الشكل التلقائي في نفوس أطفالنا.

اختتمت الكاتبة قصتها بعبارة جميلة تفتح المجال للذهاب بعيدا في التأويل: “لا بيت في هذا العالم يشبه البيت الأصلي” في إشارة صريحة إلى ضرورة التمسك بالأرضية التي نرتكز عليها، فلكي تناطح الشجرة السماء كان لزوما عليها الضرب بجذورها في عمق أديم الأرض، وكأن السمو ابن الأرض التي منها خلقنا وإليها نعود… لتختم القصة بفتح أفق جديد للتفكير، وبإغناء للمخيال عند الطفل عبر التعبير عن بحث بعض الحيوانات عن القوقعة/ البيت التي لربما يجدونها يوما ولو أنني لم أجد الريح سببا مقبولا عقليا لغياب القوقعة، ربما تدحرجها مثلا من أعلى التل كان سببا أكثر إقناعا، لتنتهي القصة بسؤال يتبادر إلى ذهن الطفل “هل سيجدونها أم لا” أليست المعرفة سؤالا يتردد في الأذهان؟

قصة غنية وخصبة وضاربة في الرمزية من كاتبة متميزة تجيد صناعة الأخلاق والقيم عبر القصص والحكايات، ومن هاته الفكرة أفتح نقاشا آخر؛ ما هي القيم التي نريد صناعتها في أطفال المستقبل؟ أليس حريا بنا أن نفكر مليا في نوع القيم التي تتناسب مع هذا العصر قبل تصديرها للطفل؟ فنقول: نريد قيمة السلام والمحبة، أتساءل هنا: ماذا لو كان الصراع والهيمنة مفيدان في بعض الأحيان؟ ندعم قيمة التسامح، ماذا لو كانت الجسارة وردّ الصاع صاعين لمن أساء إلينا عوض إدارة خدنا الأيسر مسألة نافعة؟ ماذا لو كانت هاته الأخلاق الجديدة أكثر نفعا لنا ولأطفالنا من تلك الأخلاق التي صنعها الأسياد لعبيدهم؛ كي يجتروها ليظل السيد سيدا والعبد عبدا؟ و يحضرني هنا كتاب العظيم الألماني فريديريك نيتشه “ما وراء الخير والشر” الذي يعتبر فيه كثيرا من القيم المقدسة مجرد قيم للعبيد تكرس التبعية و الخنوع، وحقيقة ألمس هذا في كثير من مناهجنا لمرحلة الابتدائي، حيث في الوقت الذي يعلم فيه الآخر مثلا ابنه الكراهية والاستعداد للحرب، نعلم نحن أطفالنا السلام والمحبة، سلام من موضع الضعيف فأي سلام ذاك؟ أنا هنا أتساءل ولا أدعي أنني أمتلك أجوبة، أتساءل: لماذا سيكون على السلحفاة أن تقبل بوضعها كما هو؟ لماذا لا نمجد ما قامت به؟ لماذا نعتبرها غريبة؟ أليس أشرف لها كونها فكرت خارج الإطار عوض القبول بالوصاية؟ فكرت، حتى وإن كان قرارها كان مدمرا، على الأقل هي فكرت أن تتحرر في زمن يتم فيه تقديس العبودية، وفي هذا رمزية رائعة للتحرر والانعتاق، مع دعم الفكرة القائلة: بأنه ليس كل تفكير هو تفكير سديد، علينا أن نفكر ونفكر بطريقة سديدة، نفكر وفق منهج مضبوط، وليس باتباع ما تمليه علينا رغباتنا وشهواتنا.

بالإمكان التوسع أكثر في قراءة هاته القصة الجميلة التي تعتبر هدية مقدمة بعناية للطفل العربي من كاتبة تجيد تقديم الهدايا للقاصي قبل الداني و للصغير قبل الكبير، و هذا القلب الذي ينبض بهذا الشكل من أجل الطفولة يستحق أن نحتفي به و بصاحبته في زمن الأنانية القاتلة والنرجسية الرعناء.

ومن العراق كتب إلينا ستار زكم:

يحتل أدب الأطفال أهمية بالغة ومؤثرة في الأوساط الثقافية والتربوية بشكل عامّ، لما لهذا الأدب من تأثير بالغ الأهمية على تنشئة الأجيال بصورة عميقة، من خلال غرس الأفكار والمبادىء القيّمة والصحيحة، كأساس توعوي متين يعطي للطفل صورة واضحة عن الحياة، وكل مايحيط بها من تداخلات عديدة، يستفيد منها في حياته المستقبلية في اتخاذ القرار الصائب؛ ليسلك طريقا قويما، ويتخذ بمفرده فيما بعد القرارات الحياتية الهامّة، التي تتعلق بحياته ومستقبله المنشود . وقد يتحقق هذا الفعل من خلال النزعة الإنسانية التي يتحلى بها العديد من الكتاب تجاه هذا النوع من الأدب، من خلال الابداع السردي الذي يتوافر فيه العديد من العناصر المهمة، التي تغذي الروح العقلية للطفل . وما يهمني من هذه المقدمة هو الكتابة القصصية للكاتبة نزهة ابو غوش التي استطاعت أن تقدم لنا قصة قصيرة للأطفال، احتلت فيها العديد من العناصر الأساسية التي تقف خلف هذا النمط من الإشتغال السردي الخاص بأدب الطفل . وذلك من خلال بث الطرائق السردية على مسامع الطفل بغية اكتساب المهارات والتوعية، إضافة الى تقويم السلوك الاجتماعي من خلال تقديم الأحداث السردية نحو بياضات العقل الناشىء والتفكير الفتي، وفقا لأسلوب قصصي يجذب ويتناسب مع مخيلة الطفولة.  ولعل القصة القصيرة التي حملت عنوان ( السلحفاة العجيبة ) جاءت ضمن النسق الإبداعي الذي نتحدث عنه هنا . وعلى الرغم من عنصر الزمن المفقود في هذه القصة إلا أن الحدث السردي استطاع أن يغطي على تلك العثرة . فالحدث السردي كان ينمو بشكل تصاعدي في هذه القصة، وبطريقة فنية متواترة وصولا الى ذروة البناء الفني في إكمال المعنى التام للقصة ( الهدف ) . إن فكرة القصة تحمل بين طياتها مستويات مختلفة ذات طابع تأويلي من خلال امتهان الرمز كوسيلة الى قصدية الهدف، لذلك استطاعت الكاتبة نزهة ابو غوش أن تخلق لنا صورا ذهنية تتناسب مع فهم الطفل، الذي يتعلم أحيانا من الأشياء البسيطة وغير المعقدة، وهذا يحتاج الى مهارة عالية في الكتابة كونها كتابة تخصصية من خلال تداخل الصور والأحداث معا . صفة التشويق كانت حاضرة في هذه القصة كونها كتبت بطريقة تتلائم مع الفكرة والحدث والجهة المستهدفة من هذا الخطاب . وقد جاء الهدف الرئيسي للقصة؛ ليركز على مفاهيم وقيم عديدة منها” حب الوطن، العلاقات الحميمة، عدم انفراد الصغار في اتخاذ القرار، مساعدة الغير وهو جانب إنساني يتحقق بين أفراد المجتمع.  وقبل ختام ورقتي هذه أرى أن المرأة المبدعة هي الأقرب الى مثل هكذا كتابات، كونها الأم التي تحتضن الطفولة وتعرف كيفية الوصول الى عالم الطفولة. وماهي الرغبات والغرائز داخل هذا الكائن البريء. بالاضافة الى كيفية جذب الطفل الى جادة التحول والفهم والإدراك والنمو العقلي، وأن تسعى به الى مستويات خارج الفهم الراكد وإخراجه من ممارسات اللهو الضار، بغية اقتراب الطفل من محركات الوعي الذي يتشكل بفعل هكذا كتابات إبداعية قيمة ومهمة .

ومن شيكاغو كتبت لنا هناء عبيد:

اختارت الأديبة عنوان القصّة؛ ليكون جاذبًا للأطفال، حيث الدّهشة الّتي تثير شغفهم وتشجّعهم على القراءة؛ للتّعرف على سبب نعت السّلحفاة بالعجيبة، تدور أحداث القصّة حول سلحفاة تذهب برفقة أخيها الغيلم؛ للتّنزه بين الأعشاب والصّخور، وتحت الأشجار، وفي الطّريق تخبر أخاها عن خجلها من شكلها ومن مشيتها البطيئة، وأمنيتها بأن تكون مثل صديقتها السّحلية؛ كي تستطيع تسلّق الجدران والأشجار، وقد عزت سبب ذلك إلى قوقعتها الّتي تحتويها، ثم تخبر أخاها عن رغبتها بالتخلّص من قوقعتها، الأمر الذي لم يعجب أخاها، لهذا حاول أن يثنيها عن تنفيذ رغبتها، لأنّ قوقعتها حسب رأيه هي جزء من جسمها وتقوم بحمايتها من الأخطار كالبرد والحرّ والحيوانات المفترسة، وكلّ شيء ضار. ترفض السّلحفاة نصيحة أخيها وتطلب منه أن يساعدها في التّخلّص من قوقعتها، لكنّه لا يستجيب لها. لم تستمع السّلحفاة إلى نصيحة أخيها وقامت بحشر نفسها بين صخرتين قريبتين من بعضهما، ثمّ أخذت تشدّ نفسها بشدّة عدّة مرّات حتّى استطاعت أن تتخلّص من القوقعة، لكنّها تشعر بالنّدم بعد ذلك، ويحاول أصدقاؤها مساعدتها حتى تستطيع العيش بأمان. القصّة ذات أهداف متعددة، فيها دعوة إلى الأطفال؛ لتقبّل أجسامهم وأشكالهم وكلّ ما وهبه الله لهم، كما تحثّهم على التّفكير في كلّ جزء من جسدهم؛ ليتعرّفوا على فائدته، وتبيّن لهم أنّه من الصّعب التّخلي عن أيّ عضو للجسم لأنّ ذلك سيعرّضهم إلى الخطر، وسيلحق بهم الضّرر. ولعلّ الأطفال بحاجة إلى مثل هذه القصص الّتي تعزز لديهم القناعة بما وهبه الله لهم، فهم يتعرّضون إلى غزو إعلامي فتّاك، ويتشرّبون مبادئ هدامة في كلّ وسائل التواصل الاجتماعية الّتي طغت على تفكيرهم، إذ أنّ الكثير من هذه الوسائل الإعلاميّة تحاول ترسيخ أفكار هدّامة في ذهن الطّفل، منها على سبيل المثال فرض معايير للجمال، وأنّ من يخرج عن هذه المعايير فإنّه يندرج تحت نعت القبيح، وقد يتعرّض للتنمّر، هذه الفكرة بدأت تتعمّق في وعي الأطفال، لدرجة أنّ البعض منهم بدأ يدّخر مصروفه لإجراء عمليّات تجميل في المستقبل، فهم لا يعتبرون أشكالهم تتماشى مع معايير الجمال، وهذه من أخطر المواضيع الّتي تسيطر على الميديا، والّتي وجدت رواجا وقبولا كبيرا بين كلّ الفئات العمريّة بما فيها الأطفال، وهي ظاهرة خطيرة أضرارها كبيرة سواء من النّاحية الجسديّة أو النّفسية، ومن الواجب على الآباء والأمّهات التنبّه إلى هذه الأمور لمدى خطورتها حاضرا ومستقبلا. أيضا القصّة تزخر بالمعلومات الوافرة عن السّلحفاة منها مثلا بيئتها، وفائدة القوقعة الّتي تختبّئ فيها، فالقوقعة أبدع الله في خلقها؛ لتحمي السّلحفاة من البرد والحرّ والحيوانات المفترسة وكلّ ما هو ضارّ بها، وقد لفتت هذه الملاحظة انتباهي، إذ لم أكن أعلم كيف تواجه السّلحفاة الحيوانات المفترسة من خلال قوقعتها، فقد كنت أظنّ بأنّ الحيوانات المفترسة الكبيرة يمكنها ابتلاع السّلحفاة مع قوقعتها، هذا الأمر حثّني على مشاهدة بعض الفيديوهات الّتي يظهر من خلالها مدى أهميّة القوقعة للسّلحفاة، حيث أنّ الحيوانات المفترسة تستهجن شكل القوقعة، بل وإنّ بعضها يخاف الاقتراب منها. أيضا شملت القصّة بعض المعلومات الّتي تزيد من موسوعة إدراك الطّفل، مثل أماكن سكن الحيوانات كالجحر، وعمليّة تقشير الأفعى لجلدها، كذلك بيّنت القّصة مدى أهميّة التّعاون بين الأصدقاء لإيجاد الحلول الممكنة، وحثّت على التّفكير، وذلك من خلال اقتراح خيارات متعددة لمساعدة السّلحفاة؛ فهناك من اقترح الصّندوق الخشبيّ، وهناك من اقترح القماش وغيرها من الخطط. تميّزت الأديبة بالخيال الخصب كما هو واضح في القصّة، حيث الفكرة المتفرّدة الّتي أدرجتها، والّتي تمثّلت بكره السّلحفاة لقوقعتها، كذلك استغلال الكاتبة طبيعة بطء السّلاحف كأحد العيوب الّتي ارتكزت عليها؛ لتكون سبب تذمّر السّلحفاة على قوقعتها، أيضا عمليّة خلع السّلحفاة لقوقعتها بين الصّخرتين، كان أحد الدّلائل على سعة خيال الكاتبة.  

عنصر التّشويق كان طاغيًا، بحيث يجعل القارئ متفاعلا مع الحدث إلى النّهاية، وهو بلا شكّ من العناصر المهمّة الّتي يجب توفّرها في قصص الأطفال، أمّا لغة السّرد فقد كانت متينة ومتقنة وانسيابة، وجاءت سهلة؛ لتتناسب مع الفئة العمريّة الموجّهة إليها، المفردات غنيّة وأضافت ثراء إلى قاموس مفردات الأطفال، من هذه المفردات، الغيلم، قوقعة الّسلحفاة، وغيرها، من ضمن الملاحظات الّتي أثارت انتباهي، وجود الأفعى من ضمن الأصدقاء الّذين ساعدوا السّلحفاة لإيجاد الحلّ البديل لقوقعتها، فهل كان اختيار الأفعى مناسبا، ومقنعا؟ ربما كان من الأفضل استبدالها بحيوان آخر أكثر لطفا، فالأفعى كما نعلم تتصف بالخبث وهي شعار للمكر والشّر والأذى، ولا يمكن أن نلتمس منها الخير، لعلّ للأديبة رمزيّة معيّنة من اختيارها الأفعى. كما ورد في القصة أن صوت الأفعى يسمّى”ثغاء” بينما الصحيح هو “فحيح” السّلحفاة العجيبة؛ قصّة متكاملة العناصر، تناسب عمر أطفال الابتدائيّة، تضيف ثراء وقيمة إلى مكتبة الطّفل.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

بطلة القصة السّلحفاة التي تنفر من شكلها وتغار من الآخرين، فتصرّ على نزع قوقعتها بين صخرتين، وتشدّ جسدها بقوة فتنجح، وثمّ تتألم وتصرخ على أثر ذلك، وتتوالى الأحداث ويتمّ مساعدتها بواسطة بعض الشخصيات من الحيوان والإنسان، وخياطة قطعة قماش من الجلد المبطن؛ لتضعها بدل القوقعة. جاءت البداية مكثفة، حيث اجتمع الزمان والمكان،أي الخريف والمكان بين الصخور وتحت الأشجار، أعجبني في القصّة ربط الخريف مع السّلحفاة، إذ أنّ الخريف رمز للتساقط، والسّلحفاة نزعت قوقعتها. في القصّة عدّة قيّم إنسانية أهمّها الحثّ على تقبل الشخص لشكله، الثقة بالنفس، التّضامن الجماعي من أجل مساعدة الآخرين. استخدمت الكاتبة نزهة أبوغوش الحوارلخلق التفاعل بين الشخصيات، ولإبراز مختلف المعلومات. برزت العاطفة وصور الإنسانيّة في مساعدة البشر للحيوان والرفق به. برزت الغيرة في القصّة من قبل السّلحفاة، التي تمنت تغيير شكلها؛ لتكون كالسّحلية لتتسلّق الأشجار، وتلك إشارة إلى عدم الاكتفاء بما لدى الإنسان، ومحاولته تقليد غيره يؤثر عليه بشكل سلبي. استخدمت الكاتبة التأنيس كباقي قصصها الموجهة للأطفال من أجل جذبهم لهدف وفكرة القصّة. حاولت الكاتبة إبراز الصورة الطبيعية للخلق وكيف أنّ الله ميّز كلّ واحد منّا بشكلّ مختلف، وقد صورت ذلك من خلال شخصية الثعبان الذي كان يحدث نفسه حول خاصية جلده، الذي يتجدد. من الملفت للقارىء عدم وجود السّخرية عند الشخصيات تجاه السّلحفاة، فعادة الأطفال يسخرون من الآخرين، بل وجدنا الجانب الإيجابي في حبّ المساعدة،  تنتهي القصّة بصرخة موجهة للقارىء بصورة غير مباشرة في الحفاظ على ما منحنا الله من نٖعم خاصة الشكل، وتجدر الإشارة إلى أنّنا نعيش في عالم متطور، فيه كلّ شيء مدهش، وهناك من يحاولون تغيير شكلهم؛ ليكونوا كفنّانة أو ممثلة أو شخصية مشهورة.

ملاحظات صغيرة حول القصّة من وجهة نظري وهي: حبذا لو قلّصت الكاتبة عدد الشخصيات؛ ليتسنى للطفل فهم دور كلّ منهم؛ ولترسخ أقوالهم في عقله. الأفضل استخدام جملة: ردّ الجميع بذهول مرة واحدة، وليس كما كتبت الكاتبة بصوت مسرحي، فهل سيفهم الطفل هذه الجملة التي تحتاج إلى تفسير، وتدخله إلى استفسار في معنى المسرح.

وقالت دولت الجنيدي:

 قصة جميلة وذات مغزى عميق. قرأنا للكاتبة عدة قصص للأطفال، أبطال معظمها من الحيونات، فالأطفال يحبون الحيوانات ومنها الزواحف، وهي في قصصها تُؤَنِسُ الحيوانات، فيدور الحديث بين الأطفال والحيوانات، وبين الحيوانات مع بعضها بأريَحيّة تامة، ومن خلال ذلك تبعث رسائل تعليمية وتثقيفية للطفال وحتى للكبار أيضا.

القصة جميلة كتبت بأسلوب جميل ولغة سهلة تشجع الأطفال على القراءة. ومن هذه القصة يتعلم الأطفال دروسا عديدة: أولها القناعة والرضا بالشكل الذي خلقنا الله عليه كيفما كان، وعدم التشبه بالآخرين وتقليدهم كما يحصل في هذه الأيام. وثانيها رفض المساعدة على الخطأ مثلما فعل الغيلم حينما رفض مساعدة أخته سلحوفة في خلع قوقعتها، وطلبه منها التفكير والتّروي قبل اتخاذ القرار. وثالثها عدم التسرع في اتخاذ القرار بعناد وإصرار، كما فعلت سلحوفة عندما رفضت نصيحة أخيها بذلك، وخلعت قوقعتها.  ورابعها تقديم المساعدة للغير والرفق بالمخلوقات الأخرى مثلما قام التلاميذ مينا ومصطفى وناياد وسلينا بالإهتمام بسلحوفة ومساعدتها، حينما كانت تتألم وتطلب المساعدة، وهي تختبئ بين الصخور تتلاعب بها الرياح، وتلتصق الأشواك والأتربة بجسمها الشفّاف، بعد خلع قوقعتها، وذلك بعمل بيت لها بدل قوقعتها من الجلد الشفاف المبطن بقماش ناعم، وبأشكال هندسية بعدد سنين عمرها، بمساعدة المعلمة سحر، مع أنه لن يكون مثل قوقعتها الحقيقية، كما يتعلم الأطفال أن قوقعة السلحفاة جزء من جسمها تحميها من الأخطار، وتمكنها من أن تتكيف مع الطبيعة، فلا يحاولون خلعها، ويتعلمون أن الأفعى تقشِّر جلدها حينما يصبح جافّا، ثم ينمو من جديد، وأن الزواحف كما بقية الحيوانات تساعد بعضه مثلما قام الغيلم والسحلية والأفعى بالتفتيش بين الصخور والأعشاب عن بيت السلحفاة الحقيقي الذي بعثرته الرياح على أمل العثور عليه، وأما المغزى العميق في هذه القصة فهو الحفاظ على البيت والوطن الذي يحتوينا؛ لأنه اذا ضاع منا سنتألم كثيرا ونقاسي الأمرّين في استعادته، فالبيت البديل لم يكن يوما كالبيت الأصلي ولن يكون.

وكتبت رويدة ابراهيم:

هذه القصة فيها الدروس البليغة التي توجه للطفل في السنوات المبكرة من حياته، حيث أنه تواق لتجربة كل شيء حتى ولو كان خطيرا، وقد يؤذي نفسه، سرحت الكاتبة بخيالها آخذة الطفل الصغير الى عالم جميل وقريب الى روحه، وبالأخص الى عالم حيوان ظريف وهي السلحفاة؛ لتتكلم عن تجربة السلحفاة الصغيرة حين حاولت أن تتخلص من قشرتها الخارجية؛ لتصبح مثل الأفعى أو السحلية، معبرة عن الصراع الداخلي لدى الطفل حين ينزعج من مظهره الخارجي مثل لون الشعر أو البشرة الخ من الصفات الخارجية لدى الطفل، والتي قد تسبب له الإنزعاج أو الخجل، وهذا الموضوع يقودونا الى ظاهرة التنمر التي تسبب الكثير من المتاعب النفسية لدى الأطفال واليافعين، لقد فتحت الكاتبة الباب على مصراعيه؛ لتشارك الطفل التجربة الفاشلة للسلحفاة حين خلعت عنها قشرتها، فظهرت ملامحها الداخلية؛ لتبدو للعيان بشكل قبيح وضعيف، بالإضافة الى أنها تعرضت للألم النفسي والجسدي بعد ذلك، لولا أن اسعفها الأطفال الصغار والمعلمة، وساعدوها في وضعها داخل صندوق صغير حتى يقيها من الظروف الخارجية كالبرد أو الحر. القصة فيها الدروس والعبر للأطفال حيث العواقب التي تنتظره في تجربة خاطئة مثل تجربة السلحفاة، كانت القاصة موفقة في الحوار الفني بين أبطال القصة. بناء القصة وموضوعها مدروس بشكل لطيف قريب الى أذهان الأطفال. استخدام الحوارات القصيرة أضافت شيئا من التفاعل والتعاون بين الصغار، تساعد مثل هذه القصص في تطوير قابليات الطفل اللغوية في اللغة العربية في المراحل الأولى من الدراسة، بالأخص في الابتدائية وتعلمه مساعدة الآخرين وحب الطبيعة والمخلوقات التي تعيش حوله.

وقالت نزهة الرملاوي:
من عادة الكاتبة نزهة أبو غوش أن تطرح مواضيع جادة وهادفة للصغار بأسلوبها الشائق ولغتها السلسة الجميلة، وقد تجلى ذكاء الكاتبة عندما جعلت البطلة أنثى لأن الإناث أكثر إهتماما بمظهرهن وإعجابا بالتغيير ولحاقا بعالم الموضة والجمال، وأسقطت فكرة القصة والتي تمثّلت بالغيرة والتقليد الأعمى وعدم تقبل الذات على الحيوان (السلحفاة)، ولا شك أن هناك صفات مشتركة مماثلة بين البشر والحيوانات، وقد بين ابن عاشور – رحمه الله – المقصود بالمماثلة في هذه الآية: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الْأَنْعَام: 38]، بقوله:” والمماثلة في قوله (أَمْثالُكُمْ): التشابه في فصول الحقائق والخاصات التي تميز كل نوع من غيره، وهي النظم الفطرية التي فطر الله عليها أنواع المخلوقات، فالدواب والطير تماثل الناس في أنها خلقت على طبيعة تشترك فيها أفراد أنواعها، وأنها مخلوقة لله معطاة حياة مقدرة مع تقدير أرزاقها وولادتها وشبابها وهرمها، ولها نظم لا تستطيع تبديلها” إلا أنها لا تماثل الإنسان في التفكير والحضارة المكتسبة من الفكر الذي اختص به الإنسان”.

تطرقت الكاتبة إلى موضوع الغيرة والتقليد الأعمى عندما باحت السلحفاة لنفسها عن غيرتها من السحلية، التي كانت تتسلق الأشجار وتركض أمامها بكل خفّة ونشاط، في الحين نفسه كانت السلحفاة بطيئة الحركة، معتقدة أن قوقعتها هي السبب في بطئها. ولو طبقنا هذه القصة على سلوك الصغار وغيرتهم، فمن الطبيعي أنهم يغارون ويقلدون أقرانهم والآخرين في حركاتهم وسلوكياتهم وملابسهم، وربما تكون تلك الغيرة غير محفّزة لنشاط إنساني إبداعي، أي تكون غيرة عمياء، وإذا تملكت الغيرة العمياء النفس، تؤدي إلى عواقب وخيمة وعدوانية تجاه الآخرين، لذا من واجب الأهل الاهتمام بتقويم أيّ سلوك ذميم في أبنائهم، للحدّ من استفحاله وتحوّله إلى مرض يصعب الشفاء منه.

بيّنت الكاتبة صفة الخجل التي لازمت السلحفاة وعدم تقبلها لدرعها الذي تحمله، وعندما فقدته بإرادتها، ندمت كثيرا، وكأنما تلفت الكاتبة انتباهنا إلى عمليات التجميل القائمة على إظهار المفاتن والتلاعب بخلق الله، وكم غيرت تلك العمليات ملامح نساء جميلات، وقادهن تقليدهن الأعمى لنواتج سلبية قلبت حالهن، وشوّهت رسمهنّ، فسكنهنّ الحزن والندم.

تطرقت الكاتبة إلى صفتي العناد والتّحدي اللتين ولدتا في تفكير السلحفاة حينما قررت خلع قوقعتها تشبّها بالآخرين، وقراراتها غير المدروسة، وضعتها في تأزم حقيقي إثر عدم تقبل نصائح أخيها غيلم، ممّا أدى إلى تشكل خطر عليها، وندمها على تسرعها وعدم تكيفها وملائمة جسدها بالبيئة دون درعها الواقي. تجلت صفات الخير والتعاون والمساعدة والنصيحة في القصة، وقد عمقت الكاتبة مبدأ تقبّل الذات وعدم تقبّل إستبدال الوطن، وشكر الله بعد الندم الذي أحدثه التغيير.

شجعت الكاتبة طرق التفكير والبحث والتجريب ووضع الحلول لإعادة ما يشبه هيكل السلحفاة الطبيعي، ومدى تعاون طلاب المدرسة لعمل بيت من الجلد الناعم ليخفف من ألم السلحفاة وغريب شكلها الذي لم يرق للآخرين.

أقترح على الكاتبة أن تقدم حوارا داخليا أكثر عمقا للسلحوفة تبين فيه مدى وجعها وندمها على ما آل إليه حالها، واعترافها أن القوقعة خلقت لتناسبها ولتشعرها بالسلامة والأمان بعيدا عن الخطر، واقتناعها بأنها لم تستطع الركض واللحاق بالسحلية إثر تخليها عن درعها كما كانت تتوهم. إضافة نص تتحدّثين فيه عن مسابقة حدثت بين السلحوفة والسلحية للتسلق أو الركض اقترحتها سلحوفة المتمردة، الا أنها تخفق في المراحل الأولى من السباق، وهنا تكتبين الفقرة التي تبين جلد السلحفاة الناعم الشفاف، وتحرك عمودها الفقري وضعفه نتيجة خلعها للقوقعة.

أقترح أن تذهب سلحوفة مع أصدقائها؛ لتفتش عن قوقعتها وترشدهم الى المكان الذي خلعته فيه لعلهم يجدونها، ويمكن هنا أن تجد القوقعة وتدخلها من جديد بمساعدتهم، وتظهرين مشاعر السعادة والتوجّه إلى الله وشكره على نعمة القوقعة التي وهبت لها؛ كي تكون في أمان.

أقترح أن تفصلي بين الحوار الآدمي والحوار الحيواني، الآدميون يتحاورون معا لمساعدة سلحوفة دون سؤالها، والزواحف تتحاور مع بعضها البعض أيضا للمساعدة، وذلك لن يخلّ في البناء القصصي بل يجعله أكثر صدقا وواقعية. وأقترح أن تستبعدي الثعبان عن الزواحف الصغيرة، لأن الثعبان سيلتهمها، وأن تشيري إلى تغيير جلده من قبل المعلمة والطالبات.

أقترح تسمية القصة (السلحوفة المتمرّدة) لا السلحوفة العجيبة، فسلوك التمرد والعصيان وعدم التقبل والغيرة ليس غريبا عن عالمنا، بل واقعا من حولنا.

وكتبت سامية ياسين شاهين:

قصة تعالج عدة قيم وقضايا اجتماعية نفسية في حياة الأطفال اليافعين، ومنها قضية القناعة والثقة بالنفس، وبرز ذالك عندما قررت السلحفاة خلع درعها والتحور مثل كائنات أخرى بنظرها هي أفضل منها.

ومنها قضية التغيير بحياتنا أحيانا يسبب لنا المعاناة. وكذلك قضية العناد في أمر معين يجلب التعب وأحيانا الفشل، وهذا ما لمسناه في شخصية السلحفاة، وبالتالي أصابها الندم، وماذا ينفع الندم بعد مرور الوقت؟ ومنها قضية التشبث بالأصل والموروث الشعبي الوطني، فالعادات جزء من مكونات شخصيتنا، والتنازل عنها قد يوقعنا بمأزق. وكذلك ابراز قضية التعاون والرفق بالآخرين عندما قرروا وضع بديل لقوقعة السلحفاة، وإعطاء حلول وبالتالي الاهتمام بصناعة قوقعة من الجلد المناسب لها.

 أمّا عن الشخصيات فكانت مناسبة للمضمون الذي أرادت الكاتبة إيصاله. سلحوفة والغيلم حيوانات محببة للأطفال. صفة البطء بالسلحفاة هي صفة موجودة عند بعض الأطفال ويعانون منها، ويتعرضون أحيانا لتنمّر الآخرين.

 أمّا أسلوب السرد فكان شيّقا وفيه عنصر تشويق حين التقى بالسلحفاة الأطفال سيليا ومصطفى، ولم يعلموا أنها سلحفاة حتى أخبرهم شقيقها الغيلم. هناك مفارقة بقضية الكائنات المفترسة كالأفعى وتعاونها مع السلحفاة، وهل الأعداء يتعاونون من أجل زرع الخير؟ الأفعى ترمز للخطر والضرر.

 اللغة: لغة القصة واضحة وقريبة لقلب الأطفال ومفهومة، استعمال أسلوب الفكاهة باللغة هذا يجعل الأطفال أكثر متعة لقراءة القصة.

 النهاية تركت مفتوحة؛ لتتيح للطفل أن يحلق بمخيلته، ويبدع في تكوين أحداث ونهاية تلائم فكره وإحساسه.

وقالت خالدية أبو جبل:

قصة جميلة برسالتها التربوية، والتي تطرقت حول تقبّلنا لأشكالنا كما خلقنا الله عليها، بل وأبعد من هذا الحفاظ على هذا الشكل وحمايته من المخاطر والاعتزاز به، وعدم إلحاق الأذى به بأيّ وسيلة كانت لتغيير أصله. وتضمنت القصة رسالة أخرى مفادها التعاون ومدّ يد المساعدة لمن أخطأ، وعدم تركه لوحده يجابه نتيجه خطأه. وقد ظهر ذلك جليا في مشاركة الأطفال ومعلمتهم في إعداد بيت أو قوقعة جديدة للسلحفاة من جهة، وفي بحث الغيلم والأفعى والسحلية عن قطع قوقعة السلحفاة لجمعها مرة أخرى من جهة اخرى. أمّا من حيث سرد القصة فرأيي الخاص كقارئة أنه كان بالإمكان توجيه السرد بطريقة أخرى، وتحقق هدفها دون إلحاق الأذى بجسم السلحفاة، والذي ظهر كشكل من أشكال العقاب لها على رأيها، وهذا يعطي رسالة سلبية للطفل، فليس كل من اعترض أو حاول أن يتساءل، يحب أن يطاله هذا الأذى الكبير.

 طريقة الحوار بين السلحفاة وأخيها أخذت شكل الأمر والنهي، وليس الحوار والإقناع، فالغيلم اكتفى بالقول أن الأمر سوف يؤذيها وهو رافض للفكرة تماما. في نفس الوقت لم يُقدم على حمايتها وهو المدرك أأن موتها قد يكون وراء قرارها، وقد تركها وذهب،  في هذا المكان بالذات كنت أفضل أن يبقى الغيلم معها، ويبين لها محاسن قوقعتها وما اختصها الله بها وميزها بها عن غيرها.  فهي الصلبة القوية، صاحبة الإرادة التي لا تكسر، وهي الحكيمة الصابرة، عدا جمال بيتها الهندسي الذي لا يملكه غيرها، ويذكرها بأنها الوحيدة التي تحمل بيتها معها أنّى ذهبت، تلجأ اليه وقت الحاجة؛ ليقيها العدو والشمس والمطر، فلا تحتاج لعناء كثير في الركض نحوه، كان على الغيلم أن يطلب منها التأني برفق، وأن يرافقها في جولة؛ ليعرفها على ميزاتها الحسنة من خلال الكائنات الحية الأخرى، على سبيل المثال جمال الفراشة مقابل قصر عمرها، وكيف يصلها الأذى بسبب جمال ألوانها، حيث يتسابق الأطفال للحاق بها لإمساكها وهي صاحبة الجسم الهش الرقيق، أيضا تلك الدودة التي تدوسها الأقدام دون أن تشعر بها، لصغر حجمها وليونة جسمها.  أمّا أن تتعرض السلحفاة للألم المذكور في القصة، فقد رايت به مشهدا مؤلما لخيال الطفل، بل وقد يكون منظر السلحفاة بدون القوقعة مخيف نوعا ما، كان جميلا إشراك الإطفال في مجريات الأحداث، لكن لو اتخذ اتجاها آخر، كأن يلتقي الغيلم والسلحفاة بالأطفال الأربعة، ويشاهدوا الاختلاف الموجود بين أشكال الأطفال، كاللون، الشّعر، الطول …إلخ . كما اختلاف أسمائهم التي اختلفت أصولها ونغماتها، لكن هذه الفوارق لم تشكل لهم عائقا  إشراك الافعى في القصة لم يكن له ضرورة إلا لأن الكاتبة أرادت أن تعطي معلومة بأن الأفعى تغير جلدها وينمو له غيره، كان بالإمكان ذكر المعلومة على لسان الغيلم في سياق إقناعه لأخته. فالأفعى وجودها خطر ولا يجب أن يأمن لها الأطفال.  لماذا غاب عن ذهن الكاتبة أن البيت الذي خاطته المعلمة والأطفال، لا يملك خواص البيت الأصلي، وأنه لا يضمن الحياة من حيث الخصائص البيولوجية، وأن الأمر بعيد عن المنطق، وأن عقل الطفل لا يتقبله ولا يجب أن يتقبله، وأنها ( الكاتبة ) بطريقة غير مباشرة أعطت لمن يريد أن يغير شيئا ما بجسمه حلّا! أرى أن الكاتبة هنا أرادت إقحام فكرة الوطن واللجوء، فالبيت الذي تَساعد الأطفال والمعلمة على بنائه هو اللجوء، خاصة وـنها ذكرت أن لا بيت كالبيت الأصلي على لسان السلحفاة . وذهاب الغيلم والسحلية والأفعى للبحث عن أجزاء القوقعة على مل جمعها مرة أخرى، هي فكرة البحث عن الوطن وعن جمعه من الشتات، الفكرة جميلة جدا ، لكن لها أن تكون قصة ثانية بسرد أكثر وضوحا للطفل، أمّا وجودها في هذه القصة فيشوّش على الفكرة الأساسية للقصة، وهي أن نحب ونتقبل أنفسنا كما خلقنا الله.

وكتبت جمان نمر:
القصة تصف لنا حالة سلحفاة تعيش داخل قوقعتها، تولول وتبكي حظها العاثر لا لسبب إلا لأنها خُلقت سلحفاة، فكل حياتها ويومها تقضيها داخل هذه القوقعة، فتقرر أن تتخلص منها. أخوها الغيلم يحاول منعها من ذلك إلا أنها لم تستجب له وراحت تفتش على صخرتين قريبتين من بعضهما محاولة نزع هذه القوقعة، كان ذلك صعبا في البداية، إلا أنها نجحت بعد تكرار المحاولة، ومن هنا تبدأ السلحفاة بالشعور بالألم في جميع أنحاء جسمها، ولم تقدر على الحركة، يمر بعض الأصدقاء من هناك محاولين مساعدتها إلخ… الغيلم .. وهو اسم ذكر السلحفاة، ربما هنا الكاتبة أرادت تعريف الطلاب على المذكر والمؤنث، منع الأخ من أن تنزع السلحفاة قوقعتها … تحاول الكاتبة إعطاء معلومة للطلاب عن الجزء المكون والأساسي لظهر السلحفاة، ويسمى بالقوقعة( مكملة بذلك عن أهميته) والذي بدوره يحميها من الأخطار ومن كل شيء ضار كالحيوانات المفترسة،  الأفعى عندما قالت ( أنا أقشر جلدي عنما يصبح جافا ثم ينمو من جديد)، وهنا يكمن في معرفة تجديد الأفعى لجلدها المعروف بعملية السلخ، لكني أشك أن المعلومة صحيحة، فالأفعى حيث يكون جلدها على شكل قطعة طويلة من القشرة، ثم تبدله معالجة لنفسها حتى لا تصاب بالجفاف) ولا تنتظر أن تجف حتى تغير جلدها ( اذا كان فهمي للمصطلح صحيح)!! مساعدة السلحفاة وعرض حلول كالكرتون، البلاستيك، صندوق الخشب ليس صدفة، وإنما ليدل على مدى انصهار المواد وتجانسها، فصندوق الخشب لا يحميها من أشعة الشمس. الكرتون عند المطر يبتل ويذوب، البلاستيك بامتصاصه للشمس يُسبب الحروق، مغزى القصة أن نتقبل ذاتنا وأن نعرف كيف نتعامل ونتعايش مع ذاتنا بفخر وعز. القصة دعوة لاكتشاف الذات بأن نقتنع أن أجمل ما في الكون هو نحن، وهذا ما يميزنا عن غيرنا. رأيي لا حاجة لنا للبحث عن بدائل لذاتنا فإن الله يعرف تماما ما هو مناسب لكل منا، الاختلاف جزء من حياتنا فلكل منا رأيه… أفكاره…شكله إلخ، وهذا كما كتبت سابقا ما يميزنا عن الآخرين فالاختلاف يجعلنا أجمل .

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات