شكوى العبيد الى العبيد

ش

رحم الله زيتونة فلسطين وشاعرها الرحل عبد الكريم الكرمي(أبو سلمى) صاحب القصيدة الشهيرة التي مطلعها:

انشر على لهب القصيد****شكوى العبيد الى العبيد

والتي كتبها بعد أن أجهض القادة العرب اضراب الشعب الفلسطيني في ثورة العام، بناء على وعود الصديقة بريطانيا العظمى- التي كانت تستعمر فلسطين- بوقف الهجرات اليهودية الى فلسطين، وبما أن التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على مأساة، ومرة على شكل ملهاة، فان المأساة والملهاة العربية تعود مرات ومرات، لأننا أمة لا تقرأ التاريخ، وان قرأته فانها لا تستوعب الدروس والعبر منه، ولعل خير مثال على ذلك هو الأزمة الحالية الناتجة عن اقتحام البحرية الاسرائيلية لسفن قافلة الحرية التي كانت متجهة الى قطاع غزة المحاصر حاملة مساعدات انسانية، فقتلت وجرحت العشرات، واقتادت السفن والناشطين الدوليين الذين كانوا على متنها الى الموانئ والسجون الاسرائيلية، فأوقعت اسرائيل نفسها في مواجهة مع العالم أجمع باستثناء العرب أصحاب القضية، ومما لا شك فيه لو أن اسرائيل التي تعتبر نفسها فوق القانون الدولي بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، ما كانت لترتكب هكذا حماقة لو كانت تعرف ما ستكون عليه ردة فعل الدول الأجنبية والرأي العام العالمي، لكنها وهي التي تسقط من حساباتها أي ردة فعل عربية رسمية، لعلمها بعدم وجود ردات فعل أصلا، لم تنتبه لردود الفعل الدولية، وماذا ستكون عليه؟ فنتنياهو صاحب نظرية(التكيف العربي) مطمئن تماما لضعف أو انعدام ردة الفعل العربي، لأن العرب حسب رأيه يرفضون ويستنكرون كل شيء، ثم لا يلبثون أن يتكيفوا معه، وها هو الموقف العربي لم يخيب نظرية نتنياهو فهولا يتعدى الشجب والاستنكار والادانة الخجولة، بينما كانت هناك ردود فعل ساخطة وغاضبة وقوية وحازمة ومهددة ومتوعدة من دولة مثل تركيا، التي تربطها باسرائيل معاهدات تحالف استراتيجي وعسكري، وقد كان خطاب السيد رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا ناريا وتحذيريا لاسرائيل واصفا اياها بما تستحقه على عملها الاجرامي، ومطالبا بايقاع عقوبات عليها،وواضح أن تركيا بشعبها المسلم تحاول التخلص من تركة كمال أتاتورك الذي سلخها عن محيطها وامتدادها الاسلامي بعد الحرب الكونية الأولى، وما نتج عنها من هدم وتفكيك دولة الخلافة العثمانية الاسلامية، وحاول ربطها بالعالم الغربي، غير أن التجربة التركية في التسعين سنة الماضية كانت كافية لاقناع تركيا بأن الغرب يرفضها، وأقرب مثال على ذلك رفض قبولها في مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، مع أنها عضو في حلف شمال الأطلسي، وتركيا ذات التاريخ العريق دولة قوية عسكريا واقتصاديا، وهي دولة محورية ورئيسية في الشرق الأوسط، وتحاول أن تكون الدولة القائدة والرائدة في هذا الاقليم، خصوصا بعد أن تخلت مصر عن دورها القيادي والفاعل والمؤثر بوفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وانتهاء دور العراق القيادي باحتلاله في العام 2003فان الباب بات مفتوحا أمام ايران وتركيا لاستلام هذا الدور بدون منازع، خصوصا وأن اسرائيل لا يزال قادتها يرفضون أن يكونوا جزءا من الشرق الأوسط، ويتذيلون للعالم الغربي الذي يوفر لهم القوة العسكرية والاقتصادية، لاعتبار اسرائيل ذراعهم وقاعدتهم المتقدمة في المنطقة، والجاهزة لقمع أي بادرة للخروج عن التبعية العمياء للغرب، ومهما كانت أهداف تركيا الا أن أحدا لا يستطيع تجاهل دورها الايجابي في المنطقة وتحديدا من السياسة الاسرائيلية اللا عقلانية والقائمة على استعمال القوة العسكرية المفرطة ضد المدنيين، والتي لم تكن الحرب على غزة في آواخر عام 2008 آخرتها، وجاءت قافلة الحرية وبمشاركة ناشطين وبرلمانيين دوليين من أكثر من اربعين دولة لاغاثة قطاع غزة المنكوب والمحاصر، وما تعرضت له من عدوان اسرائيلي، لتكشف عقم السياسة الاسرائيلية، ولتعري الدعاية الاسرائيلية المضللة للعالم، ولتفضح مواقف حكومات داعمة لاسرائيل أمام شعوبها، فما قامت به اسرائيل بدءا من احتلالها واستمراره للأراضي العربية، ومرورا بحروبها وحصارها الجائر لقطاع غزة وليس انتهاء باحتلال سفن الاغاثة الدولية، يشكل خرقا فاضحا للوائح حقوق النسان، ولاتفاقات جنيف الرابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري، تماما مثلما هي خرق للقانون الدولي، لكن اسرائيل ما كانت لتقدم على حماقتها هذه لو كانت تعلم بردة فعل العالم على هذا التصرف الأرعن، وها هي تركيا تواصل استغلال هذه القضية قولا وفعلا لانهاء الحصار على قطاع غزة، لكن الدول العربية لم ترتق الى مستوى ردة الفعل التركية، ولم تعمل ما يرضي شعوبها، وما يمليه الواجب القومي والديني والانساني عليها في قضية يفترض أن تكون قضيتها الأولى، لما لها من أبعاد على أمن واستقرار شعوبها ودولها، وموقف الدول العربية الذي لم يرتق الى مستوى الحدث كان سببا كافيا لمواصلة أمريكا ضغوطاتها في مجلس الأمن الدولي، ليقتصر دوره على بيان هزيل من رئاسة المجلس، في حين لو أن دولة أخرى ارتكبت ما ارتكبته اسرائيل في المياه الدولية، لكان سببا كافيا لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يتيح استعمال القوة ضد الدولة المرتكبة للجريمة، لكن يبدو أن الدول العربية ما زالت تبني آمالها على الثقة بما ستعمله(الصديقة)أمريكا بهذا الخصوص، ليعيد الى الذاكرة اجهاض أطول اضراب في التاريخ في العام 1936، ولتبقى شكاوي الفلسطينيين المحاصرين شكاوي عبيد الى عبيد كما قال الراحل أبو سلمى قبل خمسة وسبعين عاما.

2-6-2010

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات