دولة تحارب شعبها

د

قرار اللجنة الوزارية الاسرائيلية لشؤون التشريع القاضي باعتبار كل مواطن يحيي ذكرى النكبة عملا اجراميا يحاسب عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات ، وما تبعه قرار البرلمان الاسرائيلي الكنيست بالقراءة الأولى بسجن كل من ينكر يهودية الدولة يكشف بما لا يدع مجالا للشك الوجه العنصري للفكر الصهيوني ، فحكومة اليمين المتطرف في اسرائيل تريد من الفلسطينيين الذين عضوا على تراب وطنهم بالنواجذ وبقوا داخل اسرائيل بعد قيامها في 15 أيار 1948 تريد منهم ان يرقصوا طربا على دماء من فقدوهم من آبائهم واخوانهم وأبناء شعبهم في تلك المناسبة ، وتريد منهم ان ينشدوا النشيد الوطني الاسرائيلي على بقايا اخوانهم واقاربهم الذين شردوا في كافة اصقاع الارض ، وان يضحكوا قهقهة على اراضيهم المصادرة ، أو على طردهم من بيوتهم ،وأن يرحلوا من ديارهم كي تبقى اسرائيل دولة  يهودية نقية من “الغوييم” الغرباء، وان لم يفعلوا ذلك فإن تهمة الجريمة ستلصق بهم ، وسيحاكمون عليها ، فهل هذا تأكيد على مقولة المرحوم عبد العزيز الزعبي ” بأن دولتي تحارب شعبي ” أم ماذا يريد متطرفو الفكر الصهيوني ؟؟

فمن المعروف للقاصي والداني ان العرب في اسرائيل يعاملون ضمن سياسة تمييزية واضحة ، فعدا عن اضطهادهم القومي والديني فإنهم مضطهدون اجتماعيا واقتصاديا في مختلف مناحي الحياة ، ويريدون منهم الآن ان يتقبلوا المصائب والعذاب برحابة صدر، وان يقدموا الشكر لمضطهديهم ، بدلا من الألم الذي يختزن في صدورهم ، مطلوب من المهجرين منهم عن قراهم ومدنهم وأرضهم ان يقروا بالأمر الواقع، وان يفرحوا به ، والا فإنهم مجرمون ارهابيون ستطالهم يد عدالة القضاء في ” واحة الديمقراطية في الشرق الاوسط ” كما يحلو ” للديمقرطيات الغربية ” ان تصف اسرائيل .

مطلوب من الفلسطيني داخل اسرائيل ان ينسى اكثر من خمسمائة قرية وتجمع سكاني مُحيت عن الوجود ، ومطلوب منه ان ينسى ابناء عائلته الذين قتلوا أو شردوا في ارض اللجوء ، ومطلوب منه ان يبارك ويدعو بطول العمر لمن استولى على ارضه ويستغلها امام عينيه .

وبالتأكيد ما كان لهذا الفكر الشوفيني العنصري ان ينمو الى درجة منع الانسان من التعبير عن مشاعره واحاسيسه لولا الدعم المادي والمعنوي والعسكري والسياسي اللا محدود لاسرائيل من قبل الدولة الأعظم وحلفائها على مدى العقود الستة الأخيرة ، هذا الدعم الذي تعامل مع اسرائيل وكأنها فوق القانون الدولي ، وفوق حقوق الانسان ، وفوق قرارات الشرعية الدولية .

ان فكر حزب” اسرائيل بيتنا ” الذي يتزعمه لبيرمان وزير خارجية اسرائيل الحالي -والذي يقف وراء هكذا قانون وهكذا تشريع- ،  لا يعي أبعاد مدى  هكذا موضوع ، ومدى الضرر الذي سيلحق بدولته قبل الآخرين ، فهكذا تفكير بلا شك يؤكد مقولة ” ان اليمين المتطرف يلتقي مع اليسار المتطرف بالحاق الأذى بنفسه وبغيره ” وهكذا قرار وفي حالة تطبيقه سيلحق الأذى باسرائيل اكثر من الحاقه الأذى بالفلسطينيين الذين لم يعد لديهم شيء يخسرونه ، واسرائيل لا تستطيع ان تسجن مليون ونصف المليون فلسطيني هم مواطنون فيها ويحملون جنسيتها ، وكان الأجدر بمن شرعوا هكذا قانون ، ان يتعلموا من اسيادهم في بلاد العم سام ، عندما عادوا الى رشدهم واعترفوا بالظلم والجرائم الذي الحقوها بالهنود الحمر مواطني امريكا الاصليين ، ويحاولون ان يكفروا عن جرائم آبائهم بانصاف مواطنيهم الحمر كالسماح لهم باستثمار اراضيهم وممارسة حقوقهم المدنية بامتياز كاعفائهم من الضرائب وغيرها ، وعندما اوصلوا رئيسا اسود الى البيت الابيض ، بعد ان استعبدوا السود واختطفوهم من افريقيا وطنهم الاصلي ، ولو فعل الاسرائيليون ذلك لكان الأمر في صالحهم ، ولكان الأمر في صالح السلام المنشود الذي سيحفظ حقوق جميع شعوب ودول المنطقة ، ويبدو ان عقلاء الفكر الصهيوني قد تنبهوا لمخاطر هكذا قرار ، وكتبوا ضده كما نلاحظ في الصحافة العبرية هذه الأيام وواضح جدا ان مناهضتهم لهكذا قرار ليس حبا في الفلسطينيين بمقدار ما هو وعي وحرص منهم للحفاظ على شعبهم ودولتهم .

27-5-2009

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات