شرعنة الاحتلال

ش

 قبل رحيل ادارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في العشرين من شهر كانون ثاني 2009 أصرت هذه الادارة حتى ساعتها الأخيرة أن تكون منحازة بشكل فاضح الى اسرائيل، كما كان حالها منذ بداية وصولها الى الحكم ، وهذا الانحياز كان على حساب الشرعية الدولية والقانون الدولي ، والقانون الانساني ، ولوائح حقوق الانسان ، تماماً مثلما فعلت ذلك في احتلالها غير المشروع للعراق وأفغانستان ، ولدعمها اللامحدود في الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز 2006 ، وفي حرب اسرائيل الأخيرة على قطاع غزة . حتى أن أمريكا لم تتورع كما أكدت منظمة العفو الدولية من ارسال سفينة محملة بقنابل الفوسفور الأبيض المحرم استعمالها دولياً لاسرائيل أثناء الحرب لتلقيها على المدنيين والمؤسسات الصحية والتعليمية والدينية والدولية الفلسطينية في قطاع غزة .

وفي الساعات الأخيرة من حكم ادارة بوش الصغير وقعت وزيرة خارجيته كونداليزا رايس اتفاقية مع تسيبي ليفني وزيرة خارجية اسرائيل تتعهد فيها أمريكا بمراقبة البحار لمنع تهريب الأسلحة لقطاع غزة ، وهذه الاتفاقية سينفذها الأسطول السادس الأمريكي الذي يجوب البحر المتوسط ، والأسطول السابع الأمريكي الذي يجوب المحيط الهندي ،ويتحكم بمضيق باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأمر . وقد تبع ذلك ارسال فرقاطة فرنسية الى شواطىء قطاع غزة للمساعدة في تنفيذ نفس المهمة ، كما ان دول الاتحاد الأوروبي أبدت قلقها من محاولات تهريب الأسلحة لقطاع غزة ، وما صاحب ذلك من تحميل حركة حماس مسؤولية حرب اسرائيل على قطاع غزة، مع ما صاحب هذه الحرب من جرائم حرب ارتكبها الجيش الاسرائيلي . حتى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما صرح بأنه ” يتفهم ماذا يعني أن يطلق البعض صورايخ على بيتي ” .

ومع التقدير لكل الجهود الاقليمية والدولية الداعية الى تثبيت وقف اطلاق النار والعمل على تهدئة دائمة ” مع التحفظ على عبارة وقف اطلاق النار والتي تحمل في طياتها مفهوم وجود جيشين متحاربين ، مع أن الحرب يشنها جيش نظامي يملك مختلف أنواع الأسلحة الحديثة جداً ، على مناطق مدنية فيها بعض المسلحين المزودين بأسلحة خفيفة” .

الا أن تغيب أسباب هذا الصراع تبدو واضحة للعيان ، والأسباب تتمثل في الاحتلال الاسرائيلي الذي مضى عليه اثنان وأربعون عاماً ، ويجب أن تكون الضغوطات ومنع التزويد بالسلاح لدولة الاحتلال لاجبارها على الرضوخ للشرعية الدولية ، وقرارات مجلس الأمن الدولي التي ترفض تطبيقها حتى الآن ، وما تناسي أسباب الصراع المتمثلة بالاحتلال الا شرعنة لهذا الاحتلال ، ودعم غير مباشر لاستمرار هذا الاحتلال الذي يتحمل كافة المسؤوليات الأخلاقية والقانونية عن الخسائر البشرية والمادية في جانبي الصراع ، فلولا وجود هذا الاحتلال لما كانت هناك مقاومة ، ولما كان هناك تهريب للأسلحة ، علماً أن هذا الاحتلال لا يكتفي بالسيطرة العسكرية على المناطق العربية المحتلة ، بل يتعداها الى جريمة مستمرة تتمثل في الاستيطان ، وتغيير الطابع الجغرافي والديمقراطي للأراضي المحتلة ، واقتلاع شعب من أرضه لإحلال آخرين مكانه ،وفي هذا منع للشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني كبقية الشعوب .

وبما ان العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز قد أكد في مؤتمر الكويت الاقتصادي بأن المبادرة العربية التي تحمل اسمه لن تبقى الى الأبد على الطاولة ، فإنه لا يغيب عن البال أنه لم يتم تسويق هذه المبادرة ، ولم يتم العمل على تطبيقها منذ صدورها في العام 2002 وحتى الآن ، وقد أثبتت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ اتفاقات أوسلو في أيلول 1993 وحتى الآن على الأقل بأنها غير معنية بالسلام ، وقد أثبتت ذلك على أرض الواقع من خلال مضاعفة البناء الاستيطاني ، واقامة جدران التوسع الاحتلالي ، وهذا ما أكده الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما قال:” اسرائيل لا تريد السلام ، وعدوانها على غزة ومواصلتها الاستيطان يثبت ذلك” .

واذا كانت شعوب المنطقة والعالم أجمع يبنون آمالاً على ادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط ، حيث كانت أولى أعماله تعيين مبعوث وأرساله للمنطقة ، واتصاله هو ووزيرة خارجيته هاتفيا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، الا أنه يجب أن لا يغيب عن العقل أن رئيس أمريكا يسعى لتحقيق مصالح بلاده ، وقد أثبت التاريخ أن المصالح الأمريكية مُؤمّنة في المنطقة من خلال اسرائيل قوية ، ودول عربية ضعيفة ، فالأنظمة العربية الموالية لأمريكا قامت بهذه المهمة مع الأسف على حساب مصالح دولها وأُمّتها ، فهل يتداعى القادة العرب لاقناع العالم بالمبادرة العربية من خلال الحفاظ على مصالح دولهم وشعوبهم ، واستغلال مكامن قوتهم لتعديل ميزان المصالح المتبادلة مع امريكا خصوصا من أجل الضغط للوصول الى حلّ عادل للصراع في المنطقة وذلك باقناع أمريكا وغيرها من الدول أن مصالحها في المنطقة مهددة باستمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية ،وأن صبر الشعوب العربية على هذا الحال لن يبقى الى الأبد.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات