ذات خريف لكاملة بدارنة في اليوم السابع

ذ
القدس:5 تموز 2012 استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس الأديبة الفلسطينية كاملة بدارنة، حيث ناقشت مجموعتها القصصية الجديدة” ذات خريف” والتي صدرت عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس في أيار الماضي، وتقع في 116 صفحة من الحجم المتوسط، وصمّم(الريشة)غلافها الخارجي.
بدأ النقاش حليمة جوهر فقالت:
هناك بعض العناوين أدرجت تحت القصة القصيرة، لكنها تفتقد لشروط القصة مثل: نص نور السعادة، الصبار، زيتونة وتينة ورمانة وخضراء الأحلام.النصوص متنوعة ومكثفة تكشف وتنقد الكثير من القضايا الاجتماعية المختلفة التي تسود مجتمعنا، فهي تذكرنا وتكشف عن حقائق كثيرة ربما نغفل عنها كالسلبية والخنوع والطمع والجشع والجهل… والهروب الى أحلام اليقظة أو عالم الغيب أو اختلاق الأعذار نتيجة العجز عن مواجهة الحقيقة.كما قلت النصوص كثيرة ومتنوعة، لذا اخترت بعضا منها للحديث:ففي القصة الأولى (الامتحان) تخبرنا الكاتبة على لسان البطل بأحداث اليوم الأخير لامتحانات المرحلة الثانوية، البطل يعيد شريط الأحداث في ذاكرته خلال آدائه للصلاة. وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على تأنيب ضميره وانزعاجه لموقفه من زميله الذي لم يستطع مساعدته وإعطاءه قليلا من الماء.وقد استطاعت الكاتبة أن توفق بأسلوب ذكي بين سرد الأحداث والأدعية والسور القرآنية التي يقرؤها المصلي ولكن يبقى السؤال: هل أرادت الكاتبة أن تنقل لنا هذه الصورة المجردة للقصة أم أن وراءها رمز؟ نعم لقد أرادت الكاتبة أن تكشف وتعري السلبية وظاهرة الخوف من ناحيتين: الأولى خوف البطل من المراقب الذي سيطر على وجدانه، وأخافه بمجرد وضع علامة على دفتره وتهديده مما أفزعه ومنعه من الالتفات الى جاره، وهذا ينطبق على حال الكثيرين ممن يخافون من أصحاب السلطة أو على رؤساء وحكومات العرب متمثلة في مصر التي لم تبادر بفتح الحدود مع غزه اثناء الحصار الجائر الذي فرض عليها.أما من الناحية الثانية فهو خوف الطالب الآخر الذي كان يهمس لجاره همسا لطلب حاجة مشروعة ولا تناقض شروط الامتحان، فلماذا خاف الطالب ولماذا همس همسا؟ وكأني بالكاتبة تقول: لماذا لم يدق جدران الخزان؟؟ في قصة ” يغضبون”: صورة حقيقية لمعظم الآباء الذين يريدون مصلحة ابنائهم، ويرون أن الابن الناجح هو الذي يحصل على معدلات عالية، وان الأهل يدركون مصلحة الابناء أكثر منهم لذا فهم يختارون لهم تخصصاتهم ويدفعونهم لدراستها ضاربين بعرض الحائط رغباتهم واهتماماتهم. وأكثر ما يسيء للأبناء تربويا ونفسيا مقارنتهم بإخوتهم أو بأبناء الآخرين من المعارف والأهل.إضافة الى تقريعهم ونعتهم بالفشل وفي كثير من الأحيان ضربهم، مما يجعلهم يفقدون ثقتهم بالأهل، وتبدأ لديهم المشاكل والاضطرابات السلوكية مما يجعلهم يبدأون بالبحث عن مكان يرتاحون فيه بديلا عن البيت ينتمون له بدلا من الاسرة، فتكون النتيجة الجنوح والفساد.تنهي الكاتبة القصة باستغاثة الابن أين كنت يا أبي؟ أين أنت؟ لماذا تأخرت ص52 الأب الذي تركه لم يتعامل معه بوعي، لكنه جاء في الوقت المناسب لينقذه، لكن كم من الأباء الذين يضيعون أبناءهم ولا يدركون ذلك إلّا بعد فوات الاوانّ!!في القصة استطاعت الكاتبة أن ترسم صورة منفرة ومقززة ومرعبة لجماعة ” عبدة الشيطان” صحيح أنه لا يوجد في مجتمعنا مثل هذه الجماعة، إلّا أنه يوجد ما هو أشد خطرا منها، والنتيجة واحدة الهروب من حضن الأسرة الآمن الى حضن هذه الجماعات.في قصة “رحل أبوك”:الوجه الآخر للأب الذي يراقب ابنه ويتابع خطواته، ويمنعه من السهر ليلا، وفيها إشارة للشباب المراهقين الذين يقودون سيارات الأهل وهم غير مؤهلين. فكم من الضحايا الذين يسقطون نتيجة تهور هؤلاء المراهقين؟ وكم من المراهقين أنفسهم كانوا ضحايا لتهورهم؟ّ تنهي الكاتبة القصة باقتناع الابن بأسباب غضب الأب، مما يجعله يجري نحو المقبرة نادما باكيا على والده الذي أصيب بالجلطة نتيجة غضبه على ابنه.في قصة ” حقل الغريب” إشارة واضحة للتمسك بالأرض وعدم التخلي عنها ببيعها أو تأجيرها ” فالأرض كالعرض لا تفريط بها ولا مساومة عليها” وهي دعوة الى التمسك بكل ما هو أصيل بعيدا عن مظاهر الحضارة الزائفة، فكما ورد في القصة :” الويل لأمّة لا تأكل خبزها من قمح حقلها” ص62.قصة ” ذات خريف” هناك مثل يردده بعض العامه:” الشجرة اللي ما بتثمر قطعها حلال” وهو إشارة الى المرأة العاقر ودعوة لزوجها بتركها والزواج من أخرى، لكن التينة هنا مثمرة ولا تزال تجود بثمارها الشهية، وترخي ظلالها الوارفة وهي جذر من جذور الدار لها ماضيها، وجذورها لها عزها ومجدها، شهدت الجلسات السعيدة وسمعت حكايات وقصص أهل الحيّ، وهي الشجرة المباركة التي امتد عطاؤها لأجيال أكلوا من ثمارها الطازجة والمجففة، وهي الشجرة التي ربطتها بصاحب البيت ذكريات الطفولة والشباب، تلك الشجرة المباركة التي تمثل الماضي والحاضر، يضطر صاحبها لقطعها تحت الحاح زوجته الجاهلة بقيمتها، لكن الزوج يدرك بعد فوات الأوان أنه قطع جذور الماضي وما يربطه به، فيندم أشد الندم وهو غير راضٍ عن فعلته، لذا يعزو الحادث الذي تعرض له ابنه الى قطع الشجرة والبركه من الدار فيسارع الى العناية بجذورها لإعادتها مثمرة مورقة.قصة “عصي الدمع” قصة واقعية تظهر صورة واضحة للاعتقال التعسفي والظلم والتنكيل بالمعتقلين وظروف الاعتقال الصعبة، أسلوبها جميل ومشوق رغم الألم الذي تنضح به كلماتها، استطاعت الكاتبة أن تصور بقدر الامكان ما يحدث داخل المعتقل وفي الزنازين، لكن يبقى السؤال لماذا اختارت الكاتبة للبطل أن يبكي في نهاية القصة بعد كل ما وصفته من صموده وتحديه لجلاديه؟ القصص القصيرة جدا:بالنسبة لهذه القصص فقد تميزت معظمها بالصور الفنية الجميلة والهادفة حتى إن فكرتها مبتكرة في بعض القصص مثل قصة ” ثوب” ص100 حيث يخاطب ثوب الافعى :” يا لتعاسة من خلعتك!! تراها تفعل ذلك بضع مرات في السنة بجهد وحذر أمّا أنا فإني استطيع خلع ثوبي وارتداء آخر كل يوم وأكثر من مرة وبدون صوت” ( انتهى الاقتباس)- طبعا وهنا سر مآسينا.قصة ” يأس كرامة” فكرتها جميلة ويمكن استخدامها كلغز لغوي تعليمي.وهناك قصص أخرى جميلة وواقعية مثل قصتي ” صمم” ص94 و ” جشع”ص99 وخاطرة نور السعادة ص74.الأسلوب واللغة: أسلوب الكاتبة سلس وجميل حيث تنوع بين السرد والحوار الخارجي والداخلي” والفلاش باك” يميزه عنصر التشويق. أما بالنسبة للغة فقد استخدمت الكاتبة الكثير من الصور الفنية والأدبية الجميلة، إلّا أنها في كثير من القصص جاءت متكلفة بشكل واضح.
وقال موسى أبو دويح:
أسمت الكاتبة قصصها (ذات خريف)، وهذا العنوان هو قصّة من قصص الكتاب القصيرة مفادها أنّ الزّوجة سئمت من شجرة التّين في فناء بيتها؛ ِلتساقطِ ثمرها، وتجمّع الذّباب والحشرات عليه، وتساقطِ أوراقها في الخريف؛ حيث تعجز الزّوجة عن تنظيف ساحة البيت، فألحّت على زوجها فقطعها، فندم على ذلك، وجاء بالماء لريّ جذورها مخاطبًا إيّاها: (يجب أن تورقي وتثمري… يجب أن تعود البركة إلى هذا البيت). صفحة (58).
ضمّنت الكاتبة قصصها، وعلى الأخصّ القصّة الأولى (امتحان) باقتباسات وتضمينات من القرآن الكريم والحديث الشّريف والأدعية المأثورة؛ مثل: (بسم الله الرّحمن الرّحيم)، (الحمد لله رب العالمين)، (سمع الله لمن حمده)، (الله أكبر)، (ربنا ولك الحمد)، (اللّهم صلّ على محمّد)، (السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين). صفحة (14، 15).
وفي هذه القصّة (امتحان) يعاتب أحد الطّلاب صديقه بعد نهاية الامتحان بقوله: (استكثرت أن تتكرّم عليّ بجرعة ماء تلطّف جفاف حلقي، وتخفّف من توتري)؟! صفحة (15). وهذه القصّة عجيبة من العجائب، فهل هناك امتحان ما، يمنع فيه الممتحَن من طلب الماء وشربه؟!.
وظهر السّجع جليًّا في القصص مثل قولها في صفحة (65): (ويزيد في قلبكِ اليقين، ويُِعينُكِ على تحقيق ما تبغين). (ومن ماء الموجة السّابعة اغسلي وجهك، ودعي الماء يبلّل كلّ جسدك). (ليزيل عنك الشّرور، وتبدئي حياة الفرح والسّرور). وفي صفحة (66): (وانتابها شعور بغياب البصيرة، المعينة على تجاوز الكثير من الأمور الخطيرة). (وتسهيل صعوبات الأقدار، واعدًا إيّاهم بعدم إفشاء الأسرار)، حيث يظهر في هذا السّجع بعض التّكلف.
أمّا الأخطاء فقليلة نسبيًّا: بعضها إملائيّ، وبعضها نحويّ، وبعضها من النّاشر مطبعيّ، وهذه بعض الأخطاء:
1. ففي الصّفحة (13): (وهي ووالدي قد رعماني جيدًا). و الصّحيح: رعياني.
2. وفي صفحة (17): (ابتلعت صرخات أمّي التّكبيرات). والأحسن طغت صرخات أمّي على التّكبيرات.
3. وفي صفحة (22): (هو شابّ قتلني بدون عمد). والأحسن قتلني خطأً أو دون قصد. وفيها: (لم أعرف بما أجيب) والصّحيح: بِمَ أجيب؛ لأنّ ألف ما الاستفهاميّة تحذف إذا دخل عليها حرف جرّ؛ (عمّ يتساءلون).
4. وفي صفحة (23): (إلى أن فطنت بالأمانة). والأحسن إلى أن تذكّرت الأمانة.
5. وفي صفحة (25): (إنّ وقفته هناك كرمى لها). والصّحيح: إكرامًا لها، وفيها: (أو أن تسرع الخطى لتسبقه). والصّواب: الخطا بألف قائمة لا على شكل الياء؛ لأنّ مفردها خطوة.
6. في صفحة (26): (تذكّرتُ وِقْفَتَهُ خلال الثّلاث السّنين الأخيرة). والأحسن: خلال السّنوات الثّلاث أو خلال السّنين الثّلاث.
7. وفي صفحة (28): (وها أنت قابع ها هنا)، والصّحيح: ها أنت ذا؛ (ها أنتم أولاء تحبّونهم).
8. في صفحة(37): (إثر جدال وأحد زبوناته) والأحسن إثر جدال مع أحد زبائنه.
9. في صفحة(45): (أرطال الغضب الّتي أثقلت على صدره). والأحسن الّتي أثقلت صدره بحذف على. وفيها: (وتذكّر أنّهما كانا في نفس المدرسة). والصّحيح: أنّهم كانوا في المدرسة نفسها؛ لأنّ الحديث عن مجموعة من الشّبّان وليس عن طالبين اثنين فقط.
10. في صفحة (47): (ها هو رأسه يكاد ينفجر). والصّحيح: ها هو ذا رأسه. وفيها: (قبل الإدلاء بيمين القسم). والأحسن قبل الإدلاء بالقسم.
11. في صفحة (48): (وإظهار القبول والرّضا) والصّحيح: والرّضى بألف على شكل الياء. وجاءت هذه الكلمة أيضًا في صفحة (56) وفي صفحة (71).
12. في صفحة (54): (ها هي التّينة) والصّحيح: ها هي ذي التّينة.
13. في صفحة (71): (ترى هل كان بسماع الخبر نوع من الرّضا) والصّحيح: هل كان لسماع الخبر.
14. في صفحة (82): (اعتاد أبو صابر أن يستظلّ وأصدقاءه) والأحسن: وأصدقاؤه.
15. في صفحة(92): (فانفرطت حبّات العقد وتدحرجت على الخدّ الأسيل). والعقد عادة يوضع في العنق، وإذا انفرط تسقط حبّاته على الصّدر أو في الحِجْرِ، فكيف لها أن تتدحرج على الخدّ النّاعم الأسيل؟!!.
16. في صفحة (108): (فها هو الدّوار) والصّحيح: فها هو ذا الدّوار.
وهناك غير هذه الأخطاء.
وقال ابراهيم جوهر:
في مجموعتها القصصية التي بين أيدينا تتقدم الكاتبة كاملة بدارنة خطوة أخرى نحو تحقيق مشروعها التربوي – الاجتماعي والوطني – الأدبي ، إذ وفرت نجاحا آخر فوق ما حققته في مجموعتها الأولى ( زخات المطر ( .لقد غطت خريطة مضامينها مساحة واسعة من القضايا الاجتماعية والتربوية والوطنية . وتناولت موضوعة الحرية والقيم والجذور الثقافية المتوارثة ( ورمزت لها بشجرة التين ) في قصة ( ذات خريف(في أسلوبها اهتمام بيّن باللغة التي حرصت على فصاحتها ، لكن النمط التقليدي للقصة الكلاسيكية كان سائدا في قصصها وهو يحاور الحكاية التي يهمها تقديم الحدث بوصف خارجي بعيد عن التعمق فيه ، والتعامل معه بفنية أسلوبية .
استفادت الكاتبة من أسلوب ( كليلة ودمنة ) وأسلوب الكتابة للأطفال بحكم عملها التربوي مما وجد له أثرا في قصصها في هذه المجموعة .وجدت وصفا بطيئا لا تحتمله القصة القصيرة ، كما وجدت راويا كليّ العلم لم يترك شخصياته تنمو لتقدم نفسها . لقد حققت الكاتبة نجاحا واضحا في القصة القصيرة جدا على حساب القصة القصيرة . وهي متمكنة إلى حد بعيد من هذا اللون الفني الحديث . وكم تمنيت لو توقفت الكاتبة عند اختيار العناوين لقصصها لتكون أكثر تعبيرا وتشويقا لأنها المدخل للقصة . ومن خلال متابعة ما تقدمه الكاتبة للحركة الثقافية المحلية فإنها قادرة على تحقيق مشروعها الثقافي الذي تدأب عليه لأن فكرتها ورسالتها واضحتان.
وقال سمير الجندي:
غلاف الرواية باللون الأصفر المائل إلى البرتقالي وعليه بعض أوراق الشجر المتساقطة ويتلاءم الغلاف مع اسم المجموعة “ذات خريف” تلاؤما تاما.استهلت المجموعة بإهداء يمثل رمزاً معنوياً عند الكاتبة ألا وهي الروح وربما تكون هذه الروح محلقة في فضاء الكاتبة فتوفر لها الأمان والاستقرار .وقد افتتحت مجموعتها بنص “امتحان” الذي تُعبر من خلاله على أهمية امتحان الثانوية وما يسببه من قلق نفسي ومعنوي عند الطلبة، وتوظف فيه الكثير من الآيات القرآنية التي تتكئ عليها في رسم حالة الذعر التي تسبق ليلة امتحان الثانوية العامة وهي تقول:” وبعدما ربتت على كتفي طمعت منها بالدعاء كي يسهل الله أمري، “سمع الله لمن حمد” ص 13.وتكرر اللفظ القرآني في مواطن عديدة في هذا النص، اللغة صحيحة، والتراكيب مناسبة، والأخطاء تكاد تكون معدومة.أما نص(بالروح بالدم) فقد استهلته الكاتبة بشعار تردد كثيراً إبان الانتفاضة الفلسطينية التي سقط فيها عددا كبير من الشهداء عند تصديهم لجيش الاحتلال الصهيوني، فهي تقول:” بالروح بالدم نفديك يا شهيد، يا أمّ الشهيد لا تزعلي كل الشباب ولادك” ص 32.في هذا النص تلج الكاتبة إلى دهاليز النفس البشرية عندما تحاول إثبات أن كرامة الإنسان وخاصة الذات الإنسانية أهم من أي قيمة أُخرى، عندما لم تشفع الشهادة وهي منزلة عظيمة يصل إليها الشهيد عند رب العالمين، لكنها هنا لم تشفع له عند الفتاه التي حاول هذا الشهيد فيما مضى التحرش بها، لدرجة أنها لم تستطع نسيان سلوكه الشائن معها، فهي إشارة ذكية من الكاتبة بأن على كل شخص الالتزام بالسلوك القويم لأن التاريخ لا يرحم المخطئ مهما طال الزمن أو قصر.
أما في نص (ذات خريف) فهو يتحدث عن أهمية المحافظة على ما تركه لنا الأجداد من إرث، كما توظف الكاتبة خلفيتها الدينية توظيفاً يخدم النص، فابتعادنا عن أصالتنا وتراثنا يخلق لنا جيلا مصاباً بلعنة المكان . فشجرة التين العملاقة التي زرعها جدّ جدّه الأكبر قد هانت عليه، فقطعها بناءً على رغبة زوجِه التي أخذت تزن على رأسه لقطعها تفادياً لتساقط الأوراق في ساحة بيتها، علماً بأن الشجرة مرتبطة ارتباطاً تاريخياً مع جذور العائلة، وكأن قلع شجرة تين بهذه العراقة يوازي قلع العائلة من جذورها، فقطع شجرة التين المباركة، قد يجلب النحس والسوء ولعنة الملائكة. في القصة رمزية للمكان وللزمان وللشجرة نفسها، تلك الشجرة التي عاصرت أبناء العائلة من الجدّ الأكبر إلى حفيد الحفيد الذي غضب على قطع الشجرة، وثمة إشارة عن المرأة المستهترة قليلة الحيلة، والتي تفضل قطع الشجرة، وما تعنيه من قيم، على العناية بنظافة المكان، وهذه صورة نمطية لبعض النساء المستهترات في مجتمعاتنا.أما النص الذي لفت انتباهي وجعلني انشد التركيز، هو نص (العجوز) إذ أن شخصية العجوز في هذا النص هي شخصية رمزية، وهي المعادل الموضوعي للقيم التي تتحلى بها الشخصية ، إن هذا النص لا يمكن دراسته دراسة فنية بعيداً عن الاتكاء على المنهج النفسي في تحليله، فالبحر هنا له دلالات عميقة عمق البحر، إذ يقتلع البحر براثن التفكير، ويريح النفس، ويحقق السكينة، فهي تغسل وجهها بماء البحر، وتبلّل كلّ جسدها حتى يزيل عنها الشرور، فتبدأ عندها حياة الفرح والسرور، فهي تقول:”اغسلي وجهك ودعي الماء يبلل كل جسدك وتزيلي عنك الشرور وتبدئي حياة الفرح والسرور” ص 65.هي امرأة مترددة تعيش متناقضات حياتها هي تعي بأن جميع مشاكلها وخيباتها وسواد أيامها لابد أن يكون مصيرها اليمّ، واليمّ هنا له دلالة رمزية مرتبطاً بصورة او بأخرى بحالة اللاشعور في داخلها، والذي يدلّ على أن كل همومها سوف تذهب عند عناق البحر، وهي في غمرة شرودها هذا أي في غمرة حيرتها بل في غمرة وحدتها، يلوح لها طائر السنونو عند الفجر لينقذها من مخالب التفكير القاسي، فهي تفكر في السنونو الذي جعلها تسترجع الأمل بعد أن فقدته، فهي بحاجة لولوج البحر، لكنها مترددة، فالتردد مع الحاجة أفقدها البصيرة، هي محرومة ممن يجلب لها كنوز الحياة، وربما يكون كنزها هنا مال أو ولد أو مكانة أو سلطة فتسقط ترددها هذا على القدر… وبعد اللقاء مع البحر وتفريغ ما تحمله من هموم في عرضه، تعود إليها بصيرتها. إذن، هي حسمت أمرها بعد تفكير استغرقها طيلة ساعات الليل، فطائر الدوري طائر عادي لا إثارة فيه، أما طائر السنونو فهو المعادل الموضوعي لفتى أحلامها، هو الطائر اللعوب الذي لا يقف عند حد فهو يريد أن يتملكها قلبا ولحما وعظما، هو آلمها لكنها سعيدة بهذا الألم بعد أن أخرجها من حالة أشدّ إيلاماً، فهي تريد التخلص مما بداخلها من الآلام وأن تستسلم لموج البحر.وتتحدث بصراحة عن غسلها لوجهها بماء الحب وهذا ما تقصده بماء البحر…
إذن، البحر هو المعادل الموضوعي لحالة الحب التي تعتمل في صدرها لكنها تتراجع، تعود إلى ترددها كأنها أفاقت من حلم جميل، لترتمي في فراغ الوحدة، أي لحالتها الأولى، لخوفها من الاستسلام للحب، لاعتقادها أنه يصادر سكينتها واستقرارها فترجع إلى ترددها وتعود إلى العجوز أي إلى قيمها التي تربت عليها، وهي في نظرها صمام الأمان لحياتها.
وقال رفعت زيتون:
تناولت الكاتبة في مجموعتها هذه الكثير من القضايا، والظواهر الإجتماعيّة، والمعتقدات السّائدة في المجتمع بأسلوبٍ أدبيّ راقٍ ولغةٍ سامية وقويّة، بعيدة عن مبتذل القول، وفاحشِ اللفظ، وفي قالب تربويّ رفيع، معتمدة على عناصر القصّ الأدبيّ المختلفة كالتّشويق، والتّكثيف، والمباغتة كما كان في خاتمة القصّة الأولى ” امتحان”، حيث ظنَّ القارئ في البداية أنّ أحداث القصّة كانت في قاعة امتحان ليكتشف لاحقًا أن الأحداث كانت كلّها في صلاة يسهو فيها، وتتداخل صلاته بأحداث الامتحان الذي قدّمه قبل ذلك في مزج استغربه القارئ بداية، ولكنّه يفهمُ كنهه عندما يختم قراءة القصّة. وأبدعتِ الكاتبة في كتابة القصّة القصيرة جدا ( ق ق ج )، مثلما كان في قصّة خسوف”، حيث الرّمز الجميل عن فتاة تحلم بالحريّة، وتتوق لها فتبني على ذلك الآمال، ولكنّ حلكة الليل كانت أقوى من أحلامها. وسوف أتناول قصّة واحدة لتحليلها بشكل أوسع قليلا، وهي قصّة بالرّوح بالدّم”، حيث تطرّقتِ الكاتبة لقضيّتين بشكلٍ متوازٍ وقضيّة ثالثة على هامش القضيّتين. القضيّة الأولى: هي قصّة قتل الجسد الذي يمارسه الاحتلال، فهو يغتال كلّ شيء حتّى أحلامنا، وأهمّ ضحايا اغتياله هم الشّباب، فكانت صورة الجنازات التي لا تنتهي، والتي لم تغبْ عن ذاكرتنا والتي أصبحت من كثرتها أليفة عاديّة، يمرّ عليها البعض مرور الكرام عبر النشرات الإخباريّة، وغالبا ما يكتوي بنارها الأهل والأصدقاء المقربون فقط، هنا كان قتل الجسد رغم القناعة بأنّ الشهيد حيّ عند ربّه. والقضيّة الأخرى الموازية: هي قضيّة قتل الرّوح، حيث تتحدّث القصّة عن فتاة تتعرّض لحادثة تحرّش جنسيّ من صبيّ صغير أرادت الكاتبة أن يكون هو الشهيد في القصّة لسبب سندركه لاحقا. الكاتبة أرادتها قصّة تحرّش وليس اغتصاب، إذا فهمت هدف الكاتبة بشكل صحيح، كيْ تقول أنّ هذه الحادثة التي لم تترك أثرا على جسد الفتاة لكنّها تركت كلّ الأثر في نفسها فتلت روحها، فكيف لو كانت الحادثة حادثة اغتصاب، وهذا يحسب للكاتبة. والسّؤال هنا: لماذا هذا الرّبط بين القصّتين وبين شخوصهما؟ ولماذا اختارت الشّاب الذي تحرّش بالفتاة ليكونَ هو الشّهيد؟ بينما كانت تستطيع أن تختار إنسانا عاديّا أو أحد المجرمين، لكنّها لم تفعل، بل اختارت من هو أكرم خلق الله قاطبة ليكون هو المذنب في حقّ الفتاة في قضيّة التّحرّش، هنا أرادت الكاتبة أن تُبرز حجم الجرح الذي تركته حادثة التّحرّش على نفس الفتاة رغم أنها لمْ تؤذَ جسديّا، وأنّها لم تستطع أن تنسى حتّى ولو كان فاعلها شهيدا، هي شاركت في جنازته وربّما غفرت له في النّهاية، ولكنّها لمْ تنسَ.هذه هي الرّسالة التي أرادتها الكاتبة حسب ما رؤيتي الشّخصيّة. أمّا القضيّة الثّالثة: فهي تسليط الضوْء على تلك العلاقة الهشّة التي تربط الآباء بالأبناء، وتلك المتابعة اللامسؤولة من الأهل في بعض المجتمعات من قبل أولياء الأمور، فالفتاة تدخل البيت وتذهب الى الحمام وملابسها متّسخة، ويبدو عليها آثار حادثة ما، ولا أحد يتنبه متى دخلت؟ ومتى خرجت؟ وما هي الحالة التي كانت عليها الفتاة في دخولها وخروجها؟ وهذه إشارة ولو من بعيد إلى أهمية متابعة أدقّ التفاصيل التي يمكن أن تكون كارثيّة على حياة أبنائهم في المستقبل. وكما تقول كاتبتنا كاملة بدارنة دائما أن لا كمال إلا لكتاب الله عزّ وجلّ، فإنّ هذه المقولة تأبى إلا أن تحقّق ذاتها فتقع الكاتبة في بعض السهو الإملائيّ والمطبعيّ هنا وهناك على قلّته، وهذا ليس منها حتما.
وقال جميل السلحوت:
واضح أننا أمام كاتبة استفادت من عملها كمدرسة، ومما يدور في مجتمعها، ومن ثقافتها الدينية لالتقاط مضامين قصصها، فخلطت فنّ القص الكلاسيكي بفن الحكاية الشعبية، متكئة على الثقافة الشعبية السائدة.فقصتها الأولى في المجموعة(امتحان) قصة تعليمية حسب الفهم الاسلامي للطلاب الذين يذهبون لتقديم الامتحانات، بما فيها امتحان الثانوية العامة الذي يشكل مفصلا هاما في حياة الطلبة، فعلى الطالب أن يطلب رضى والديه منذ الصباح”طلبت من والدتي المسامحة على ما سببته لها من إجهاد في إيقاظي”ص13. وعليه أن يطلب منهما الدعاء له بالنجاح” طمعت منها بالدعاء، كي يسهل الله أمري”سمع الله لمن حمده”ص13. وعليه أن يبدأ إجاباته بالبسملة”بدأت رحلتي الكتابية بالورقة الأولى “بسم الله الرحمن الرحيم”ص14. وبعد أن يقرأ الأسئلة ويستوعبها عليه أن يحمد الله. وعليه أن يصبر اذا ما لحق به ظلم عن قصد وعن دون قصد، وهذه وصية والدته له. وعليه أن يعتمد على نفسه بأن لا يغشّ ولا يغشش غيره”لكم دينكم ولي دين”ص15. وعند الانتهاء من الامتحان عليه أن يصلي على النبي….وعليه أن يخلص النية في صلاته، واذا ما سها فيها فعليه اعادتها كي ينال ثوابها.ويلاحظ أن الكاتبة قد أوصلت فكرتها التعليمية الدينية هذه بدون طلب مباشر، بل من خلال القصّ الذي جاء على لسان طالب ما…وهذا يسجل لصالح الكاتبة، وفي تقديري أن الكاتبة لم توفق بما جاء على لسان الطالب بعد أن فهم المراقب التفاتته خطأ ورسم له إشارة تنبيه، فجاء على لسان الطالب”اجتاحتني رغبة جارفة في لَكْمِ الرجل، لكنني تذكرت دعاء والدتي بالاصطبار”ص14، وهذا خطأ تر ببوي، فعلى الطالب أن يحترم معلميه في كل الظروف والأحوال، وأن لا يلجأ حتى الى مجرد التفكيربالاعتداء على معلمه.أمّا القصة الثانية”بين عشية وضحاها” وملخصها أن امرأة فقدت ابنها صباح يوم عيد، وحزنت عليه حزنا شديدا، حتى أنها نسيت أن تعتني بطفلتيها، واتهمها الناس بالجنون، وعملت لها”شيخة”رقية، وزارها شيوخ آخرون، وبالتالي اعتبروها قديسة، وأصبح الآخرون يرتادون بيتها للعلاج…ويروى على لسان الأمّ أنه جاءها عارض في الليل واصطحبها لرؤية ابنها الميت، وهناك أخبرها بأنها تحرق ابنها بدموعها، واقتنعت بعدم البكاء، وهناك أي في المقبرة أعطتها فتاة قتيلة منديلا أحمر لفّوا رأسها به عند دفنها، ليكون شاهدا على صدقها، وطلبت منها أن تبلغ أهلها “أنا فتاة بريئة، قُتلت واتهم الناس أخي-الذي لم يفلح في تبرئة نفسه- أنه قتلني حفاظا على شرف العائلة، وها أنا أتعذب بسبب ظلمهم له، فأخبريهم أن قاتلي هو شاب قتلني بدون عمد”ص22. وفي نهاية القصة تساءلت ابنة المرأة وهي الساردة في القصة اذا ما كانت أمّها مصابة بمرض الهلوسة، أم أن هذه هي قصتها الحقيقية.والكاتبة روت قصتها هذه بحيادية تامة على لسان فتاة، وحاولت أن تزرع بذور الشك بمدى صحتها في نهاية القصة….ومع أن هكذا خزعبلات موجودة في مجتمعاتنا مع الأسف، إلّا أنني أتساءل عن الجدوى من طرحها وتعميمها؟ فبكاء الأمّ الثكلى على ابنها أمر مشروع دينيا وانسانيا، والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بكى ابنه ابراهيم وحزن عليه، أمّا أن دموع الحزن على الميت نار تحرقه فهذا ثقافة شعبية لا أصول دينية لها…والزمن كفيل بتخفيف الحزن وإنهائه…أما نشر الخرافة فهو المريب في الموضوع…صحيح أن أصحاب اللحى والعمائم الخضراء وغير الخضراء، يدعون الكرامات ويوزعونها ويوزعون البركات، لكنهم نصابون محتالون، وبعضهم يستغل دجله وشعوذته لسلب الناس أموالهم، وللاعتداء على أعراض الناس، وهذا ما يجب فضحه وتعريته.وقد توقفت كثيرا عند قصة الفتاة القتيلة “بدافع الشرف”، فهل تبرئتها لأخيها لأنه بريء حقيقة، أم أن المرأة الضحية دائما مدانة، وجلادها بريء؟قصة”سكين العشق قتال” تدور أحداث القصة حول فتاة أسموها خطيبة لفتى منذ يوم ولادتها، وعندما شبّت رفضته وتزوجت من غيره، فتسللل الى بيتهما وقتلهما، وتسمية البنات منذ الولادة ليكن خطيبات لذكور آخرين -وغالبا ما يكونون من نفس العائلة-، كانت موجودة بشكل لافت في مجتمعاتنا، وهي معدومة أو شبه معدومة في أيامنا هذه، وهذه العادة القبيحة كانت لها ضحايا كثيرات، حيث كثيرون من الذكور تزوجوا من أخريات بعد أن “حجزوا” الفتيات على أسمائهم لسنوات طويلة، وقد ولّدت هذه العادات عداوات بين أفراد العائلة نفسها، وكانت ضحاياها الفتيات، اللواتي كانت العنوسة أو الزواج من كبار السنّ أو من متزوجين من نصيبهن.غير أن كاتبتنا خرجت عن المألوف هنا فجعلت الفتاة هي التي ترفض من خطبوها له منذ ولادتها. وقد أسمت الفتاة نبيهة، وهذا الاسم مقصود، وليس عفويا، فبنباهتها رأت أن”ثائر” ليس كفؤا لها فرفضته وتزوجت من غيره، غير أن ثائر أيضا لم يكن ثائرا، بل كان مجرما وقاتلا. أمّا قصة”بالروح بالدم…”ملخص القصة شاب اغتصب فتاة ثم استشهد فقالت”هذا هو اليوم الذي انتظرته طويلا…لقد تحققت عدالة السماء”ص35. بداية “بالروح بالدم نفديك يا شهيد” شعار خاطئ رغم شيوعه، فالشهيد غادر الحياة الدنيا ويستحيل أن يعود اليها، فكيف سيفتديه مردّدو هكذا كلام؟ وأعجب كيف اختارت الكاتبة المغتصب ليكون شهيدا، فهذا الاختيار فيه تكريم للمغتصب وإهانة للشهداء ولمفهوم الشهادة.أمّا قصة “ذات خريف” التي تحمل المجموعة اسمها فانني أعجب كيف أصبحت لشجرة التين المقطوعة”خطيّة” وتسببت بحادث طرق لابن مالكها الذي قطعها.أمّا القصص القصيرة جدا، ؟ فانني أرى أنها كانت موفقة علما بأن القص القصير جدا لم يستقر بعد على قواعد فنية ثابتة .
ومن حيفا كتبت لنا هند اسماعيل تحليلا نفسيا لقصّة العجوز في مجموعة كاملة بدارنه القصصية هذه فقالت:
لوحة فنيّة أدبيّة روحانيّة رائعة، ريشة فنّانة نجحت بالامتزاج بكلمات مدهشة، لتنقل القارئ عبر رحلة تطهير روحيّ بحثا عن السّكينة والفرح. تبهرك الصّور بدقّتها، وتشدّك بتفاصيلها، فلا يسع القارئ سوى متابعتها والغوص في تأمّلها. يزيدها التّناقض سحرا وتبهرك فيها المفاجأة، فتدفعك لتلاحقها حتّى النّهاية. فالقارئ ينتقل بفكرهِ بين غفلة الشّعور وصحوة الكينونة، بين العجوز المتأمّل بجانب البحر، والبطلة التّائهة وسط الزّحام، بين خربة الأوهام وعمارة الحاضر، تلفّ بين صناديق الهموم، تُفرَغ لتمتلئ بياقوت الأحلام. صور تنقلك بانسيابيّة لتتماهى وهموم البطلة التي تبحث عن السّعادة… فتناديها الحكمة للتّأمّل والتّفكّر .” وتفكُّر ساعة خير من عبادة سنة”. لم تكتفِ الكاتبة بتصوير صامت، بل عمدت إلى صور متحرّكة تارة، تتحرّك تارة بانسيابيّة، فيرقص نظرك بين حركات المدّ والجزر، وتتابِع انسياب الموجات السّبع ، تنفصل الواحدة عن الأخرى؛ لتتقدّم بدورها للغسل والتّطهير. ولا يسعك إلّا أن تغوص أكثر بنظرك في الأعماق، لتعيَ ما تقوم به الموجات، وتمتزج بالرّقص الأبديّ مع البطلة. صور شاعريّة رائعة تقود أفكارك إلى أعماق البحر السّبع ( الموجات) فيما تحلّق روحك لتصل إلى السّموات السّبع. تفكّك الكاتبة الصّور بحرَفيّة عالية إلى أجزاء دقيقة – موجات تنفصل بدقّة ثمّ تجمع بمهارة معلّم روحيّ لتخلق التّجربة الواحدة، تجربة الإنسان الباحث عن اليقين والسّعادة والسّكينة… فتتجسّد رحلة جهاد أكبر ضد النّفس لغسلها من براثن الأنا وشهواتها. فهي تستسلم للموج ليلفّ ما ترفضه – ذات – فالذّات تقاوم التّطهير وتُقاد إليه. وخلال الرّحلة تعيش تجربة روحيّة وفق طريقة صوفيّة فيها التّواصل مع الأعماق يضمن التّطهير. تغرق كقارئ في الفكرة فتسكر مع البطلة، وتستسلم بدورك للموجة… وكمن يتبع معلّما روحيّا عارفا ومدركا لا يسعك إلّا تسليم نفسك للكلمات؛ لتنقلك إلى هذه التّجربة التي هي طريقة فيها الكثير من المعرفة الإنسانيّة، والوعي الكونيّ. تنقلك الكلمات بتعابير أدبيّة قرآنيّة تعطيك إحساسا بالأمان، والثّقة للاستسلام والمتابعة؛ لتبحث كقارئ عن السّكينة المرجُوّة … فتبدأ والبطلة بنثر أثواب الشّكّ والجشع والجهل والحزن، واليأس والضّغينة لتتلفّع مثلها كما هي بأثواب اليقين، القناعة، العلم، الفرح والأمل لتمتلئ حبّا. وفي أعلى درجات النّشوة والاستغراق في إلقاء أثواب الذّات الدّنيويّة، تصحو البطلة ونصحو وإيّاها وهي تلغي إنسانيّتها وتتحوّل إلى عدم إلى اللاحياة… حينها تُبصر وتنتفض : “فبصرك اليوم حديد” . ومع حدّة البصر نداء الحكمة وعودة الحكيم، فتعود إلى دنيويّتها بخلاصة روحيّة تتلخّص بتجربة وجوديّة إنسانيّة، تختار فيها روح البطلة ما اختاره أبَوا البشريّة، الصّحوة والمعرفة رغم ما في ذلك من عذاب للذّات وتقبّل لشهواتها. آدم وحوّاء تركا جنّة النّعيم بإيعاز من إبليس. عرفا وتعرّفا إلى ذواتهما بغرائزهما، فكان الألم عقابا، ولكن لولا هذا ما كانت الحياة على الأرض ،أمّا البطلة فقد اختارت الدّنيا بصبغة سماويّة. فتتبّعت إيعاز الحكمة، وتمسّكت بالصّحوة والطّهر . إنّها ليست الحياة الأرضيّة الغافلة الغريزيّة، واتّباع إبليس بل الصّحوة الكونيّة، واتّباع الحكمة نهجًا للوصول إلى السّعادة. وبذلك، تلخّص الكاتبة تجربة روحيّة مميّزة بمضمونها وصورها وموسيقاها، فتبدو بريشتها فنّانة توقظك من غفلتك بجميل الصّور “كومض الفكرة في عتم الفكر”. وتسحرك بكلمات من أُمّهات قواميس الأدب حبكت أحيانا بسجع موسيقي أضفى إلى جماليّة الصّورة الكثير؛ موظّفة هنا وهناك جماليّات من وحي القرآن؛ لتزيد النّداء رهبة وقدسيّة، فيخوض القارئ بروحه راضِخا مستسلما، رحلة توصله إلى الشّاطئ الذي أرادت له بفكرها. وبذلك تكون قد أدّت رسالة سامية لاتّباع الصّحوة والحكمة كنهج إلى السّعادة الأرضيّة.
وبعد النقاش ردّت صاحبة المجموعة الكاتبة كاملة بدارنة فقالت:
قرأت من قبل – على صفحات النّت – ما كتبه جميل السلحوت من قراءة أو تلخيص لأحداث بعض القصص التي وردت في المجموعة القصصيّة (ذات خريف)، ممّا أتاح لي الفرصة لإبداء الرّأي. يبدو لي من خلال القراءة أخي جميل أنّ هناك لَبسا ما، وأنّك فهمت المقصود بشكل مغاير ومغالط لما جاء في القصص. ومع إيماني بأنّ النّصوص إذا ما خرجت من يد الكاتب تصبح ملكا للقارئ إلّا أنّي أحببت المداخلة فيما يتعلّق ببعض النّقاط. فاسمح لي بذلك. ذكرت في البداية: “… فخلطت فنّ القص الكلاسيكي بفن الحكاية الشّعبية، متكئة على الثقافة الشعبية السائدة” هذه جملة مركّبة من حيث المضمون نظرا لشموليّتها. أين ظهر الخلط بين القصّ الكلاسيكي والحكاية الشّعبيّة ، أهو خلط في المضامين أم الأسلوب ؟ وكيف ظهر فن الحكاية الشّعبيّة؟ تلك الحكاية المتعدّدة الأنواع مثلما صنّفها الدّكتور عمر السّاريسي. هناك عدّة قصص رمزيّة، والواقعيّة سردت في القصص المصنّفة كواقعيّة بأكثر من أسلوب من حيث طريقة السّرد. كنت أتمنّى التّحديد أكثر كي أنتفع من الملاحظة. في قصّة (امتحان) المراقب لم يكن أستاذا مثلما تفضّلت: ” فجاء على لسان الطالب”اجتاحتني رغبة جارفة في لكم الرجل، لكنني تذكرت دعاء والدتي بالاصطبار”ص14، وهذا خطأ تربوي، فعلى الطالب أن يحترم معلميه في كل الظروف والأحوال، وأن لا يلجأ حتى الى مجرد التفكير بالاعتداء على معلمه” . هو رجل يراقب ولم تحدّد مهنته. ومشاعر الطّالب وتصرّفه بعد ضغوطات جاره، وتصرّف المراقب أظنّهما طبيعيين. والقصّة وما ورد فيها تتحدّث عن سهونا في صلاتنا، حيث نغادر مصلّانا إلى مشاكلنا وأمورنا الدّنيويّة ناسين أنّنا بين يديّ الله. والأستاذ جميل وقع في مصيدة النّص – مثلما وقع غيره من قبل – وهي الجمل المأخوذة من الصّلاة نفسها – المحجوزة بعلامة الاقتباس – والتي كانت الرّمز الخفيّ أو الإشارة لحدث الصّلاة، ولكنّه كان وقوعا إبداعيّا أعطى النّصّ مفهوما تربويّا دينيّا آخر، وأعتبره نجاحا للقصّة. قصّة (ذات خريف) لم تكن قصّة خطيّة . معتقد (خطيّة) ظهر في قصّة بالرّوح بالدّم … هناك أبعاد كثيرة لشجرة التّين ودلالتها وقطعها والإصرار على نموّها بعد القطع، وفيها الرّمزيّة المغلّفة بالواقعيّة… تمنّيت لو أعطيتها حقّها في قراءتك. أمّا الشّهيد في قصّة (بالرّوح بالدّمّ…) فلم يكن مغتصبا… تحرّش بالطّفلة وهو فتى تعرّض لمراهنة زملائه على جرأته في تصرفه الصّبياني … وبقيّة الأحداث يطول شرحها وتحليلها وهي من حقّ القرّاء الآخرين. شكرا لك وأرجو أن يتّسع صدرك للرّدّ. …وشكرا لكم جميعا على هذه الأمسية الجميلة.
بعدها قدّمت الندوة درعها للأديبة كاملة بدارنة، كما قدمت بدارنة درعا تذكاريا للندوة.

ذات خريف لكاملة بدارنة في اليوم السابع

القدس:5 تموز 2012 استضافت ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس الأديبة الفلسطينية كاملة بدارنة، حيث ناقشت مجموعتها القصصية الجديدة” ذات خريف” والتي صدرت عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس في أيار الماضي، وتقع في 116 صفحة من الحجم المتوسط، وصمّم(الريشة)غلافها الخارجي.بدأ النقاش حليمة جوهر فقالت:هناك بعض العناوين أدرجت تحت القصة القصيرة، لكنها تفتقد لشروط القصة مثل: نص نور السعادة، الصبار، زيتونة وتينة ورمانة وخضراء الأحلام.النصوص متنوعة ومكثفة تكشف وتنقد الكثير من القضايا الاجتماعية المختلفة التي تسود مجتمعنا، فهي تذكرنا وتكشف عن حقائق كثيرة ربما نغفل عنها كالسلبية والخنوع والطمع والجشع والجهل… والهروب الى أحلام اليقظة أو عالم الغيب أو اختلاق الأعذار نتيجة العجز عن مواجهة الحقيقة.كما قلت النصوص كثيرة ومتنوعة، لذا اخترت بعضا منها للحديث:ففي القصة الأولى (الامتحان) تخبرنا الكاتبة على لسان البطل بأحداث اليوم الأخير لامتحانات المرحلة الثانوية، البطل يعيد شريط الأحداث في ذاكرته خلال آدائه للصلاة. وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على تأنيب ضميره وانزعاجه لموقفه من زميله الذي لم يستطع مساعدته وإعطاءه قليلا من الماء.وقد استطاعت الكاتبة أن توفق بأسلوب ذكي بين سرد الأحداث والأدعية والسور القرآنية التي يقرؤها المصلي ولكن يبقى السؤال: هل أرادت الكاتبة أن تنقل لنا هذه الصورة المجردة للقصة أم أن وراءها رمز؟ نعم لقد أرادت الكاتبة أن تكشف وتعري السلبية وظاهرة الخوف من ناحيتين: الأولى خوف البطل من المراقب الذي سيطر على وجدانه، وأخافه بمجرد وضع علامة على دفتره وتهديده مما أفزعه ومنعه من الالتفات الى جاره، وهذا ينطبق على حال الكثيرين ممن يخافون من أصحاب السلطة أو على رؤساء وحكومات العرب متمثلة في مصر التي لم تبادر بفتح الحدود مع غزه اثناء الحصار الجائر الذي فرض عليها.أما من الناحية الثانية فهو خوف الطالب الآخر الذي كان يهمس لجاره همسا لطلب حاجة مشروعة ولا تناقض شروط الامتحان، فلماذا خاف الطالب ولماذا همس همسا؟ وكأني بالكاتبة تقول: لماذا لم يدق جدران الخزان؟؟ في قصة ” يغضبون”: صورة حقيقية لمعظم الآباء الذين يريدون مصلحة ابنائهم، ويرون أن الابن الناجح هو الذي يحصل على معدلات عالية، وان الأهل يدركون مصلحة الابناء أكثر منهم لذا فهم يختارون لهم تخصصاتهم ويدفعونهم لدراستها ضاربين بعرض الحائط رغباتهم واهتماماتهم. وأكثر ما يسيء للأبناء تربويا ونفسيا مقارنتهم بإخوتهم أو بأبناء الآخرين من المعارف والأهل.إضافة الى تقريعهم ونعتهم بالفشل وفي كثير من الأحيان ضربهم، مما يجعلهم يفقدون ثقتهم بالأهل، وتبدأ لديهم المشاكل والاضطرابات السلوكية مما يجعلهم يبدأون بالبحث عن مكان يرتاحون فيه بديلا عن البيت ينتمون له بدلا من الاسرة، فتكون النتيجة الجنوح والفساد.تنهي الكاتبة القصة باستغاثة الابن أين كنت يا أبي؟ أين أنت؟ لماذا تأخرت ص52 الأب الذي تركه لم يتعامل معه بوعي، لكنه جاء في الوقت المناسب لينقذه، لكن كم من الأباء الذين يضيعون أبناءهم ولا يدركون ذلك إلّا بعد فوات الاوانّ!!في القصة استطاعت الكاتبة أن ترسم صورة منفرة ومقززة ومرعبة لجماعة ” عبدة الشيطان” صحيح أنه لا يوجد في مجتمعنا مثل هذه الجماعة، إلّا أنه يوجد ما هو أشد خطرا منها، والنتيجة واحدة الهروب من حضن الأسرة الآمن الى حضن هذه الجماعات.في قصة “رحل أبوك”:الوجه الآخر للأب الذي يراقب ابنه ويتابع خطواته، ويمنعه من السهر ليلا، وفيها إشارة للشباب المراهقين الذين يقودون سيارات الأهل وهم غير مؤهلين. فكم من الضحايا الذين يسقطون نتيجة تهور هؤلاء المراهقين؟ وكم من المراهقين أنفسهم كانوا ضحايا لتهورهم؟ّ تنهي الكاتبة القصة باقتناع الابن بأسباب غضب الأب، مما يجعله يجري نحو المقبرة نادما باكيا على والده الذي أصيب بالجلطة نتيجة غضبه على ابنه.في قصة ” حقل الغريب” إشارة واضحة للتمسك بالأرض وعدم التخلي عنها ببيعها أو تأجيرها ” فالأرض كالعرض لا تفريط بها ولا مساومة عليها” وهي دعوة الى التمسك بكل ما هو أصيل بعيدا عن مظاهر الحضارة الزائفة، فكما ورد في القصة :” الويل لأمّة لا تأكل خبزها من قمح حقلها” ص62.قصة ” ذات خريف” هناك مثل يردده بعض العامه:” الشجرة اللي ما بتثمر قطعها حلال” وهو إشارة الى المرأة العاقر ودعوة لزوجها بتركها والزواج من أخرى، لكن التينة هنا مثمرة ولا تزال تجود بثمارها الشهية، وترخي ظلالها الوارفة وهي جذر من جذور الدار لها ماضيها، وجذورها لها عزها ومجدها، شهدت الجلسات السعيدة وسمعت حكايات وقصص أهل الحيّ، وهي الشجرة المباركة التي امتد عطاؤها لأجيال أكلوا من ثمارها الطازجة والمجففة، وهي الشجرة التي ربطتها بصاحب البيت ذكريات الطفولة والشباب، تلك الشجرة المباركة التي تمثل الماضي والحاضر، يضطر صاحبها لقطعها تحت الحاح زوجته الجاهلة بقيمتها، لكن الزوج يدرك بعد فوات الأوان أنه قطع جذور الماضي وما يربطه به، فيندم أشد الندم وهو غير راضٍ عن فعلته، لذا يعزو الحادث الذي تعرض له ابنه الى قطع الشجرة والبركه من الدار فيسارع الى العناية بجذورها لإعادتها مثمرة مورقة.قصة “عصي الدمع” قصة واقعية تظهر صورة واضحة للاعتقال التعسفي والظلم والتنكيل بالمعتقلين وظروف الاعتقال الصعبة، أسلوبها جميل ومشوق رغم الألم الذي تنضح به كلماتها، استطاعت الكاتبة أن تصور بقدر الامكان ما يحدث داخل المعتقل وفي الزنازين، لكن يبقى السؤال لماذا اختارت الكاتبة للبطل أن يبكي في نهاية القصة بعد كل ما وصفته من صموده وتحديه لجلاديه؟ القصص القصيرة جدا:بالنسبة لهذه القصص فقد تميزت معظمها بالصور الفنية الجميلة والهادفة حتى إن فكرتها مبتكرة في بعض القصص مثل قصة ” ثوب” ص100 حيث يخاطب ثوب الافعى :” يا لتعاسة من خلعتك!! تراها تفعل ذلك بضع مرات في السنة بجهد وحذر أمّا أنا فإني استطيع خلع ثوبي وارتداء آخر كل يوم وأكثر من مرة وبدون صوت” ( انتهى الاقتباس)- طبعا وهنا سر مآسينا.قصة ” يأس كرامة” فكرتها جميلة ويمكن استخدامها كلغز لغوي تعليمي.وهناك قصص أخرى جميلة وواقعية مثل قصتي ” صمم” ص94 و ” جشع”ص99 وخاطرة نور السعادة ص74.الأسلوب واللغة: أسلوب الكاتبة سلس وجميل حيث تنوع بين السرد والحوار الخارجي والداخلي” والفلاش باك” يميزه عنصر التشويق. أما بالنسبة للغة فقد استخدمت الكاتبة الكثير من الصور الفنية والأدبية الجميلة، إلّا أنها في كثير من القصص جاءت متكلفة بشكل واضح.

وقال موسى أبو دويح:أسمت الكاتبة قصصها (ذات خريف)، وهذا العنوان هو قصّة من قصص الكتاب القصيرة مفادها أنّ الزّوجة سئمت من شجرة التّين في فناء بيتها؛ ِلتساقطِ ثمرها، وتجمّع الذّباب والحشرات عليه، وتساقطِ أوراقها في الخريف؛ حيث تعجز الزّوجة عن تنظيف ساحة البيت، فألحّت على زوجها فقطعها، فندم على ذلك، وجاء بالماء لريّ جذورها مخاطبًا إيّاها: (يجب أن تورقي وتثمري… يجب أن تعود البركة إلى هذا البيت). صفحة (58).

ضمّنت الكاتبة قصصها، وعلى الأخصّ القصّة الأولى (امتحان) باقتباسات وتضمينات من القرآن الكريم والحديث الشّريف والأدعية المأثورة؛ مثل: (بسم الله الرّحمن الرّحيم)، (الحمد لله رب العالمين)، (سمع الله لمن حمده)، (الله أكبر)، (ربنا ولك الحمد)، (اللّهم صلّ على محمّد)، (السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين). صفحة (14، 15).

وفي هذه القصّة (امتحان) يعاتب أحد الطّلاب صديقه بعد نهاية الامتحان بقوله: (استكثرت أن تتكرّم عليّ بجرعة ماء تلطّف جفاف حلقي، وتخفّف من توتري)؟! صفحة (15). وهذه القصّة عجيبة من العجائب، فهل هناك امتحان ما، يمنع فيه الممتحَن من طلب الماء وشربه؟!.

وظهر السّجع جليًّا في القصص مثل قولها في صفحة (65): (ويزيد في قلبكِ اليقين، ويُِعينُكِ على تحقيق ما تبغين). (ومن ماء الموجة السّابعة اغسلي وجهك، ودعي الماء يبلّل كلّ جسدك). (ليزيل عنك الشّرور، وتبدئي حياة الفرح والسّرور). وفي صفحة (66): (وانتابها شعور بغياب البصيرة، المعينة على تجاوز الكثير من الأمور الخطيرة). (وتسهيل صعوبات الأقدار، واعدًا إيّاهم بعدم إفشاء الأسرار)، حيث يظهر في هذا السّجع بعض التّكلف.

أمّا الأخطاء فقليلة نسبيًّا: بعضها إملائيّ، وبعضها نحويّ، وبعضها من النّاشر مطبعيّ، وهذه بعض الأخطاء:

1. ففي الصّفحة (13): (وهي ووالدي قد رعماني جيدًا). و الصّحيح: رعياني.

2. وفي صفحة (17): (ابتلعت صرخات أمّي التّكبيرات). والأحسن طغت صرخات أمّي على التّكبيرات.

3. وفي صفحة (22): (هو شابّ قتلني بدون عمد). والأحسن قتلني خطأً أو دون قصد. وفيها: (لم أعرف بما أجيب) والصّحيح: بِمَ أجيب؛ لأنّ ألف ما الاستفهاميّة تحذف إذا دخل عليها حرف جرّ؛ (عمّ يتساءلون).

4. وفي صفحة (23): (إلى أن فطنت بالأمانة). والأحسن إلى أن تذكّرت الأمانة.

5. وفي صفحة (25): (إنّ وقفته هناك كرمى لها). والصّحيح: إكرامًا لها، وفيها: (أو أن تسرع الخطى لتسبقه). والصّواب: الخطا بألف قائمة لا على شكل الياء؛ لأنّ مفردها خطوة.

6. في صفحة (26): (تذكّرتُ وِقْفَتَهُ خلال الثّلاث السّنين الأخيرة). والأحسن: خلال السّنوات الثّلاث أو خلال السّنين الثّلاث.

7. وفي صفحة (28): (وها أنت قابع ها هنا)، والصّحيح: ها أنت ذا؛ (ها أنتم أولاء تحبّونهم).

8. في صفحة(37): (إثر جدال وأحد زبوناته) والأحسن إثر جدال مع أحد زبائنه.

9. في صفحة(45): (أرطال الغضب الّتي أثقلت على صدره). والأحسن الّتي أثقلت صدره بحذف على. وفيها: (وتذكّر أنّهما كانا في نفس المدرسة). والصّحيح: أنّهم كانوا في المدرسة نفسها؛ لأنّ الحديث عن مجموعة من الشّبّان وليس عن طالبين اثنين فقط.

10. في صفحة (47): (ها هو رأسه يكاد ينفجر). والصّحيح: ها هو ذا رأسه. وفيها: (قبل الإدلاء بيمين القسم). والأحسن قبل الإدلاء بالقسم.

11. في صفحة (48): (وإظهار القبول والرّضا) والصّحيح: والرّضى بألف على شكل الياء. وجاءت هذه الكلمة أيضًا في صفحة (56) وفي صفحة (71).

12. في صفحة (54): (ها هي التّينة) والصّحيح: ها هي ذي التّينة.

13. في صفحة (71): (ترى هل كان بسماع الخبر نوع من الرّضا) والصّحيح: هل كان لسماع الخبر.

14. في صفحة (82): (اعتاد أبو صابر أن يستظلّ وأصدقاءه) والأحسن: وأصدقاؤه.

15. في صفحة(92): (فانفرطت حبّات العقد وتدحرجت على الخدّ الأسيل). والعقد عادة يوضع في العنق، وإذا انفرط تسقط حبّاته على الصّدر أو في الحِجْرِ، فكيف لها أن تتدحرج على الخدّ النّاعم الأسيل؟!!.

16. في صفحة (108): (فها هو الدّوار) والصّحيح: فها هو ذا الدّوار.

وهناك غير هذه الأخطاء.

وقال ابراهيم جوهر:في مجموعتها القصصية التي بين أيدينا تتقدم الكاتبة كاملة بدارنة خطوة أخرى نحو تحقيق مشروعها التربوي – الاجتماعي والوطني – الأدبي ، إذ وفرت نجاحا آخر فوق ما حققته في مجموعتها الأولى ( زخات المطر ( .لقد غطت خريطة مضامينها مساحة واسعة من القضايا الاجتماعية والتربوية والوطنية . وتناولت موضوعة الحرية والقيم والجذور الثقافية المتوارثة ( ورمزت لها بشجرة التين ) في قصة ( ذات خريف(في أسلوبها اهتمام بيّن باللغة التي حرصت على فصاحتها ، لكن النمط التقليدي للقصة الكلاسيكية كان سائدا في قصصها وهو يحاور الحكاية التي يهمها تقديم الحدث بوصف خارجي بعيد عن التعمق فيه ، والتعامل معه بفنية أسلوبية .

استفادت الكاتبة من أسلوب ( كليلة ودمنة ) وأسلوب الكتابة للأطفال بحكم عملها التربوي مما وجد له أثرا في قصصها في هذه المجموعة .وجدت وصفا بطيئا لا تحتمله القصة القصيرة ، كما وجدت راويا كليّ العلم لم يترك شخصياته تنمو لتقدم نفسها . لقد حققت الكاتبة نجاحا واضحا في القصة القصيرة جدا على حساب القصة القصيرة . وهي متمكنة إلى حد بعيد من هذا اللون الفني الحديث . وكم تمنيت لو توقفت الكاتبة عند اختيار العناوين لقصصها لتكون أكثر تعبيرا وتشويقا لأنها المدخل للقصة . ومن خلال متابعة ما تقدمه الكاتبة للحركة الثقافية المحلية فإنها قادرة على تحقيق مشروعها الثقافي الذي تدأب عليه لأن فكرتها ورسالتها واضحتان.وقال سمير الجندي:غلاف الرواية باللون الأصفر المائل إلى البرتقالي وعليه بعض أوراق الشجر المتساقطة ويتلاءم الغلاف مع اسم المجموعة “ذات خريف” تلاؤما تاما.استهلت المجموعة بإهداء يمثل رمزاً معنوياً عند الكاتبة ألا وهي الروح وربما تكون هذه الروح محلقة في فضاء الكاتبة فتوفر لها الأمان والاستقرار .وقد افتتحت مجموعتها بنص “امتحان” الذي تُعبر من خلاله على أهمية امتحان الثانوية وما يسببه من قلق نفسي ومعنوي عند الطلبة، وتوظف فيه الكثير من الآيات القرآنية التي تتكئ عليها في رسم حالة الذعر التي تسبق ليلة امتحان الثانوية العامة وهي تقول:” وبعدما ربتت على كتفي طمعت منها بالدعاء كي يسهل الله أمري، “سمع الله لمن حمد” ص 13.وتكرر اللفظ القرآني في مواطن عديدة في هذا النص، اللغة صحيحة، والتراكيب مناسبة، والأخطاء تكاد تكون معدومة.أما نص(بالروح بالدم) فقد استهلته الكاتبة بشعار تردد كثيراً إبان الانتفاضة الفلسطينية التي سقط فيها عددا كبير من الشهداء عند تصديهم لجيش الاحتلال الصهيوني، فهي تقول:” بالروح بالدم نفديك يا شهيد، يا أمّ الشهيد لا تزعلي كل الشباب ولادك” ص 32.في هذا النص تلج الكاتبة إلى دهاليز النفس البشرية عندما تحاول إثبات أن كرامة الإنسان وخاصة الذات الإنسانية أهم من أي قيمة أُخرى، عندما لم تشفع الشهادة وهي منزلة عظيمة يصل إليها الشهيد عند رب العالمين، لكنها هنا لم تشفع له عند الفتاه التي حاول هذا الشهيد فيما مضى التحرش بها، لدرجة أنها لم تستطع نسيان سلوكه الشائن معها، فهي إشارة ذكية من الكاتبة بأن على كل شخص الالتزام بالسلوك القويم لأن التاريخ لا يرحم المخطئ مهما طال الزمن أو قصر.

أما في نص (ذات خريف) فهو يتحدث عن أهمية المحافظة على ما تركه لنا الأجداد من إرث، كما توظف الكاتبة خلفيتها الدينية توظيفاً يخدم النص، فابتعادنا عن أصالتنا وتراثنا يخلق لنا جيلا مصاباً بلعنة المكان . فشجرة التين العملاقة التي زرعها جدّ جدّه الأكبر قد هانت عليه، فقطعها بناءً على رغبة زوجِه التي أخذت تزن على رأسه لقطعها تفادياً لتساقط الأوراق في ساحة بيتها، علماً بأن الشجرة مرتبطة ارتباطاً تاريخياً مع جذور العائلة، وكأن قلع شجرة تين بهذه العراقة يوازي قلع العائلة من جذورها، فقطع شجرة التين المباركة، قد يجلب النحس والسوء ولعنة الملائكة. في القصة رمزية للمكان وللزمان وللشجرة نفسها، تلك الشجرة التي عاصرت أبناء العائلة من الجدّ الأكبر إلى حفيد الحفيد الذي غضب على قطع الشجرة، وثمة إشارة عن المرأة المستهترة قليلة الحيلة، والتي تفضل قطع الشجرة، وما تعنيه من قيم، على العناية بنظافة المكان، وهذه صورة نمطية لبعض النساء المستهترات في مجتمعاتنا.أما النص الذي لفت انتباهي وجعلني انشد التركيز، هو نص (العجوز) إذ أن شخصية العجوز في هذا النص هي شخصية رمزية، وهي المعادل الموضوعي للقيم التي تتحلى بها الشخصية ، إن هذا النص لا يمكن دراسته دراسة فنية بعيداً عن الاتكاء على المنهج النفسي في تحليله، فالبحر هنا له دلالات عميقة عمق البحر، إذ يقتلع البحر براثن التفكير، ويريح النفس، ويحقق السكينة، فهي تغسل وجهها بماء البحر، وتبلّل كلّ جسدها حتى يزيل عنها الشرور، فتبدأ عندها حياة الفرح والسرور، فهي تقول:”اغسلي وجهك ودعي الماء يبلل كل جسدك وتزيلي عنك الشرور وتبدئي حياة الفرح والسرور” ص 65.هي امرأة مترددة تعيش متناقضات حياتها هي تعي بأن جميع مشاكلها وخيباتها وسواد أيامها لابد أن يكون مصيرها اليمّ، واليمّ هنا له دلالة رمزية مرتبطاً بصورة او بأخرى بحالة اللاشعور في داخلها، والذي يدلّ على أن كل همومها سوف تذهب عند عناق البحر، وهي في غمرة شرودها هذا أي في غمرة حيرتها بل في غمرة وحدتها، يلوح لها طائر السنونو عند الفجر لينقذها من مخالب التفكير القاسي، فهي تفكر في السنونو الذي جعلها تسترجع الأمل بعد أن فقدته، فهي بحاجة لولوج البحر، لكنها مترددة، فالتردد مع الحاجة أفقدها البصيرة، هي محرومة ممن يجلب لها كنوز الحياة، وربما يكون كنزها هنا مال أو ولد أو مكانة أو سلطة فتسقط ترددها هذا على القدر… وبعد اللقاء مع البحر وتفريغ ما تحمله من هموم في عرضه، تعود إليها بصيرتها. إذن، هي حسمت أمرها بعد تفكير استغرقها طيلة ساعات الليل، فطائر الدوري طائر عادي لا إثارة فيه، أما طائر السنونو فهو المعادل الموضوعي لفتى أحلامها، هو الطائر اللعوب الذي لا يقف عند حد فهو يريد أن يتملكها قلبا ولحما وعظما، هو آلمها لكنها سعيدة بهذا الألم بعد أن أخرجها من حالة أشدّ إيلاماً، فهي تريد التخلص مما بداخلها من الآلام وأن تستسلم لموج البحر.وتتحدث بصراحة عن غسلها لوجهها بماء الحب وهذا ما تقصده بماء البحر…

إذن، البحر هو المعادل الموضوعي لحالة الحب التي تعتمل في صدرها لكنها تتراجع، تعود إلى ترددها كأنها أفاقت من حلم جميل، لترتمي في فراغ الوحدة، أي لحالتها الأولى، لخوفها من الاستسلام للحب، لاعتقادها أنه يصادر سكينتها واستقرارها فترجع إلى ترددها وتعود إلى العجوز أي إلى قيمها التي تربت عليها، وهي في نظرها صمام الأمان لحياتها.

وقال رفعت زيتون: تناولت الكاتبة في مجموعتها هذه الكثير من القضايا، والظواهر الإجتماعيّة، والمعتقدات السّائدة في المجتمع بأسلوبٍ أدبيّ راقٍ ولغةٍ سامية وقويّة، بعيدة عن مبتذل القول، وفاحشِ اللفظ، وفي قالب تربويّ رفيع، معتمدة على عناصر القصّ الأدبيّ المختلفة كالتّشويق، والتّكثيف، والمباغتة كما كان في خاتمة القصّة الأولى ” امتحان”، حيث ظنَّ القارئ في البداية أنّ أحداث القصّة كانت في قاعة امتحان ليكتشف لاحقًا أن الأحداث كانت كلّها في صلاة يسهو فيها، وتتداخل صلاته بأحداث الامتحان الذي قدّمه قبل ذلك في مزج استغربه القارئ بداية، ولكنّه يفهمُ كنهه عندما يختم قراءة القصّة. وأبدعتِ الكاتبة في كتابة القصّة القصيرة جدا ( ق ق ج )، مثلما كان في قصّة خسوف”، حيث الرّمز الجميل عن فتاة تحلم بالحريّة، وتتوق لها فتبني على ذلك الآمال، ولكنّ حلكة الليل كانت أقوى من أحلامها. وسوف أتناول قصّة واحدة لتحليلها بشكل أوسع قليلا، وهي قصّة بالرّوح بالدّم”، حيث تطرّقتِ الكاتبة لقضيّتين بشكلٍ متوازٍ وقضيّة ثالثة على هامش القضيّتين. القضيّة الأولى: هي قصّة قتل الجسد الذي يمارسه الاحتلال، فهو يغتال كلّ شيء حتّى أحلامنا، وأهمّ ضحايا اغتياله هم الشّباب، فكانت صورة الجنازات التي لا تنتهي، والتي لم تغبْ عن ذاكرتنا والتي أصبحت من كثرتها أليفة عاديّة، يمرّ عليها البعض مرور الكرام عبر النشرات الإخباريّة، وغالبا ما يكتوي بنارها الأهل والأصدقاء المقربون فقط، هنا كان قتل الجسد رغم القناعة بأنّ الشهيد حيّ عند ربّه. والقضيّة الأخرى الموازية: هي قضيّة قتل الرّوح، حيث تتحدّث القصّة عن فتاة تتعرّض لحادثة تحرّش جنسيّ من صبيّ صغير أرادت الكاتبة أن يكون هو الشهيد في القصّة لسبب سندركه لاحقا. الكاتبة أرادتها قصّة تحرّش وليس اغتصاب، إذا فهمت هدف الكاتبة بشكل صحيح، كيْ تقول أنّ هذه الحادثة التي لم تترك أثرا على جسد الفتاة لكنّها تركت كلّ الأثر في نفسها فتلت روحها، فكيف لو كانت الحادثة حادثة اغتصاب، وهذا يحسب للكاتبة. والسّؤال هنا: لماذا هذا الرّبط بين القصّتين وبين شخوصهما؟ ولماذا اختارت الشّاب الذي تحرّش بالفتاة ليكونَ هو الشّهيد؟ بينما كانت تستطيع أن تختار إنسانا عاديّا أو أحد المجرمين، لكنّها لم تفعل، بل اختارت من هو أكرم خلق الله قاطبة ليكون هو المذنب في حقّ الفتاة في قضيّة التّحرّش، هنا أرادت الكاتبة أن تُبرز حجم الجرح الذي تركته حادثة التّحرّش على نفس الفتاة رغم أنها لمْ تؤذَ جسديّا، وأنّها لم تستطع أن تنسى حتّى ولو كان فاعلها شهيدا، هي شاركت في جنازته وربّما غفرت له في النّهاية، ولكنّها لمْ تنسَ.هذه هي الرّسالة التي أرادتها الكاتبة حسب ما رؤيتي الشّخصيّة. أمّا القضيّة الثّالثة: فهي تسليط الضوْء على تلك العلاقة الهشّة التي تربط الآباء بالأبناء، وتلك المتابعة اللامسؤولة من الأهل في بعض المجتمعات من قبل أولياء الأمور، فالفتاة تدخل البيت وتذهب الى الحمام وملابسها متّسخة، ويبدو عليها آثار حادثة ما، ولا أحد يتنبه متى دخلت؟ ومتى خرجت؟ وما هي الحالة التي كانت عليها الفتاة في دخولها وخروجها؟ وهذه إشارة ولو من بعيد إلى أهمية متابعة أدقّ التفاصيل التي يمكن أن تكون كارثيّة على حياة أبنائهم في المستقبل. وكما تقول كاتبتنا كاملة بدارنة دائما أن لا كمال إلا لكتاب الله عزّ وجلّ، فإنّ هذه المقولة تأبى إلا أن تحقّق ذاتها فتقع الكاتبة في بعض السهو الإملائيّ والمطبعيّ هنا وهناك على قلّته، وهذا ليس منها حتما.وقال جميل السلحوت:
واضح أننا أمام كاتبة استفادت من عملها كمدرسة، ومما يدور في مجتمعها، ومن ثقافتها الدينية لالتقاط مضامين قصصها، فخلطت فنّ القص الكلاسيكي بفن الحكاية الشعبية، متكئة على الثقافة الشعبية السائدة.فقصتها الأولى في المجموعة(امتحان) قصة تعليمية حسب الفهم الاسلامي للطلاب الذين يذهبون لتقديم الامتحانات، بما فيها امتحان الثانوية العامة الذي يشكل مفصلا هاما في حياة الطلبة، فعلى الطالب أن يطلب رضى والديه منذ الصباح”طلبت من والدتي المسامحة على ما سببته لها من إجهاد في إيقاظي”ص13. وعليه أن يطلب منهما الدعاء له بالنجاح” طمعت منها بالدعاء، كي يسهل الله أمري”سمع الله لمن حمده”ص13. وعليه أن يبدأ إجاباته بالبسملة”بدأت رحلتي الكتابية بالورقة الأولى “بسم الله الرحمن الرحيم”ص14. وبعد أن يقرأ الأسئلة ويستوعبها عليه أن يحمد الله. وعليه أن يصبر اذا ما لحق به ظلم عن قصد وعن دون قصد، وهذه وصية والدته له. وعليه أن يعتمد على نفسه بأن لا يغشّ ولا يغشش غيره”لكم دينكم ولي دين”ص15. وعند الانتهاء من الامتحان عليه أن يصلي على النبي….وعليه أن يخلص النية في صلاته، واذا ما سها فيها فعليه اعادتها كي ينال ثوابها.ويلاحظ أن الكاتبة قد أوصلت فكرتها التعليمية الدينية هذه بدون طلب مباشر، بل من خلال القصّ الذي جاء على لسان طالب ما…وهذا يسجل لصالح الكاتبة، وفي تقديري أن الكاتبة لم توفق بما جاء على لسان الطالب بعد أن فهم المراقب التفاتته خطأ ورسم له إشارة تنبيه، فجاء على لسان الطالب”اجتاحتني رغبة جارفة في لَكْمِ الرجل، لكنني تذكرت دعاء والدتي بالاصطبار”ص14، وهذا خطأ تر ببوي، فعلى الطالب أن يحترم معلميه في كل الظروف والأحوال، وأن لا يلجأ حتى الى مجرد التفكيربالاعتداء على معلمه.أمّا القصة الثانية”بين عشية وضحاها” وملخصها أن امرأة فقدت ابنها صباح يوم عيد، وحزنت عليه حزنا شديدا، حتى أنها نسيت أن تعتني بطفلتيها، واتهمها الناس بالجنون، وعملت لها”شيخة”رقية، وزارها شيوخ آخرون، وبالتالي اعتبروها قديسة، وأصبح الآخرون يرتادون بيتها للعلاج…ويروى على لسان الأمّ أنه جاءها عارض في الليل واصطحبها لرؤية ابنها الميت، وهناك أخبرها بأنها تحرق ابنها بدموعها، واقتنعت بعدم البكاء، وهناك أي في المقبرة أعطتها فتاة قتيلة منديلا أحمر لفّوا رأسها به عند دفنها، ليكون شاهدا على صدقها، وطلبت منها أن تبلغ أهلها “أنا فتاة بريئة، قُتلت واتهم الناس أخي-الذي لم يفلح في تبرئة نفسه- أنه قتلني حفاظا على شرف العائلة، وها أنا أتعذب بسبب ظلمهم له، فأخبريهم أن قاتلي هو شاب قتلني بدون عمد”ص22. وفي نهاية القصة تساءلت ابنة المرأة وهي الساردة في القصة اذا ما كانت أمّها مصابة بمرض الهلوسة، أم أن هذه هي قصتها الحقيقية.والكاتبة روت قصتها هذه بحيادية تامة على لسان فتاة، وحاولت أن تزرع بذور الشك بمدى صحتها في نهاية القصة….ومع أن هكذا خزعبلات موجودة في مجتمعاتنا مع الأسف، إلّا أنني أتساءل عن الجدوى من طرحها وتعميمها؟ فبكاء الأمّ الثكلى على ابنها أمر مشروع دينيا وانسانيا، والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بكى ابنه ابراهيم وحزن عليه، أمّا أن دموع الحزن على الميت نار تحرقه فهذا ثقافة شعبية لا أصول دينية لها…والزمن كفيل بتخفيف الحزن وإنهائه…أما نشر الخرافة فهو المريب في الموضوع…صحيح أن أصحاب اللحى والعمائم الخضراء وغير الخضراء، يدعون الكرامات ويوزعونها ويوزعون البركات، لكنهم نصابون محتالون، وبعضهم يستغل دجله وشعوذته لسلب الناس أموالهم، وللاعتداء على أعراض الناس، وهذا ما يجب فضحه وتعريته.وقد توقفت كثيرا عند قصة الفتاة القتيلة “بدافع الشرف”، فهل تبرئتها لأخيها لأنه بريء حقيقة، أم أن المرأة الضحية دائما مدانة، وجلادها بريء؟قصة”سكين العشق قتال” تدور أحداث القصة حول فتاة أسموها خطيبة لفتى منذ يوم ولادتها، وعندما شبّت رفضته وتزوجت من غيره، فتسللل الى بيتهما وقتلهما، وتسمية البنات منذ الولادة ليكن خطيبات لذكور آخرين -وغالبا ما يكونون من نفس العائلة-، كانت موجودة بشكل لافت في مجتمعاتنا، وهي معدومة أو شبه معدومة في أيامنا هذه، وهذه العادة القبيحة كانت لها ضحايا كثيرات، حيث كثيرون من الذكور تزوجوا من أخريات بعد أن “حجزوا” الفتيات على أسمائهم لسنوات طويلة، وقد ولّدت هذه العادات عداوات بين أفراد العائلة نفسها، وكانت ضحاياها الفتيات، اللواتي كانت العنوسة أو الزواج من كبار السنّ أو من متزوجين من نصيبهن.غير أن كاتبتنا خرجت عن المألوف هنا فجعلت الفتاة هي التي ترفض من خطبوها له منذ ولادتها. وقد أسمت الفتاة نبيهة، وهذا الاسم مقصود، وليس عفويا، فبنباهتها رأت أن”ثائر” ليس كفؤا لها فرفضته وتزوجت من غيره، غير أن ثائر أيضا لم يكن ثائرا، بل كان مجرما وقاتلا. أمّا قصة”بالروح بالدم…”ملخص القصة شاب اغتصب فتاة ثم استشهد فقالت”هذا هو اليوم الذي انتظرته طويلا…لقد تحققت عدالة السماء”ص35. بداية “بالروح بالدم نفديك يا شهيد” شعار خاطئ رغم شيوعه، فالشهيد غادر الحياة الدنيا ويستحيل أن يعود اليها، فكيف سيفتديه مردّدو هكذا كلام؟ وأعجب كيف اختارت الكاتبة المغتصب ليكون شهيدا، فهذا الاختيار فيه تكريم للمغتصب وإهانة للشهداء ولمفهوم الشهادة.أمّا قصة “ذات خريف” التي تحمل المجموعة اسمها فانني أعجب كيف أصبحت لشجرة التين المقطوعة”خطيّة” وتسببت بحادث طرق لابن مالكها الذي قطعها.أمّا القصص القصيرة جدا، ؟ فانني أرى أنها كانت موفقة علما بأن القص القصير جدا لم يستقر بعد على قواعد فنية ثابتة .

ومن حيفا كتبت لنا هند اسماعيل تحليلا نفسيا لقصّة العجوز في مجموعة كاملة بدارنه القصصية هذه فقالت: لوحة فنيّة أدبيّة روحانيّة رائعة، ريشة فنّانة نجحت بالامتزاج بكلمات مدهشة، لتنقل القارئ عبر رحلة تطهير روحيّ بحثا عن السّكينة والفرح. تبهرك الصّور بدقّتها، وتشدّك بتفاصيلها، فلا يسع القارئ سوى متابعتها والغوص في تأمّلها. يزيدها التّناقض سحرا وتبهرك فيها المفاجأة، فتدفعك لتلاحقها حتّى النّهاية. فالقارئ ينتقل بفكرهِ بين غفلة الشّعور وصحوة الكينونة، بين العجوز المتأمّل بجانب البحر، والبطلة التّائهة وسط الزّحام، بين خربة الأوهام وعمارة الحاضر، تلفّ بين صناديق الهموم، تُفرَغ لتمتلئ بياقوت الأحلام. صور تنقلك بانسيابيّة لتتماهى وهموم البطلة التي تبحث عن السّعادة… فتناديها الحكمة للتّأمّل والتّفكّر .” وتفكُّر ساعة خير من عبادة سنة”. لم تكتفِ الكاتبة بتصوير صامت، بل عمدت إلى صور متحرّكة تارة، تتحرّك تارة بانسيابيّة، فيرقص نظرك بين حركات المدّ والجزر، وتتابِع انسياب الموجات السّبع ، تنفصل الواحدة عن الأخرى؛ لتتقدّم بدورها للغسل والتّطهير. ولا يسعك إلّا أن تغوص أكثر بنظرك في الأعماق، لتعيَ ما تقوم به الموجات، وتمتزج بالرّقص الأبديّ مع البطلة. صور شاعريّة رائعة تقود أفكارك إلى أعماق البحر السّبع ( الموجات) فيما تحلّق روحك لتصل إلى السّموات السّبع. تفكّك الكاتبة الصّور بحرَفيّة عالية إلى أجزاء دقيقة – موجات تنفصل بدقّة ثمّ تجمع بمهارة معلّم روحيّ لتخلق التّجربة الواحدة، تجربة الإنسان الباحث عن اليقين والسّعادة والسّكينة… فتتجسّد رحلة جهاد أكبر ضد النّفس لغسلها من براثن الأنا وشهواتها. فهي تستسلم للموج ليلفّ ما ترفضه – ذات – فالذّات تقاوم التّطهير وتُقاد إليه. وخلال الرّحلة تعيش تجربة روحيّة وفق طريقة صوفيّة فيها التّواصل مع الأعماق يضمن التّطهير. تغرق كقارئ في الفكرة فتسكر مع البطلة، وتستسلم بدورك للموجة… وكمن يتبع معلّما روحيّا عارفا ومدركا لا يسعك إلّا تسليم نفسك للكلمات؛ لتنقلك إلى هذه التّجربة التي هي طريقة فيها الكثير من المعرفة الإنسانيّة، والوعي الكونيّ. تنقلك الكلمات بتعابير أدبيّة قرآنيّة تعطيك إحساسا بالأمان، والثّقة للاستسلام والمتابعة؛ لتبحث كقارئ عن السّكينة المرجُوّة … فتبدأ والبطلة بنثر أثواب الشّكّ والجشع والجهل والحزن، واليأس والضّغينة لتتلفّع مثلها كما هي بأثواب اليقين، القناعة، العلم، الفرح والأمل لتمتلئ حبّا. وفي أعلى درجات النّشوة والاستغراق في إلقاء أثواب الذّات الدّنيويّة، تصحو البطلة ونصحو وإيّاها وهي تلغي إنسانيّتها وتتحوّل إلى عدم إلى اللاحياة… حينها تُبصر وتنتفض : “فبصرك اليوم حديد” . ومع حدّة البصر نداء الحكمة وعودة الحكيم، فتعود إلى دنيويّتها بخلاصة روحيّة تتلخّص بتجربة وجوديّة إنسانيّة، تختار فيها روح البطلة ما اختاره أبَوا البشريّة، الصّحوة والمعرفة رغم ما في ذلك من عذاب للذّات وتقبّل لشهواتها. آدم وحوّاء تركا جنّة النّعيم بإيعاز من إبليس. عرفا وتعرّفا إلى ذواتهما بغرائزهما، فكان الألم عقابا، ولكن لولا هذا ما كانت الحياة على الأرض ،أمّا البطلة فقد اختارت الدّنيا بصبغة سماويّة. فتتبّعت إيعاز الحكمة، وتمسّكت بالصّحوة والطّهر . إنّها ليست الحياة الأرضيّة الغافلة الغريزيّة، واتّباع إبليس بل الصّحوة الكونيّة، واتّباع الحكمة نهجًا للوصول إلى السّعادة. وبذلك، تلخّص الكاتبة تجربة روحيّة مميّزة بمضمونها وصورها وموسيقاها، فتبدو بريشتها فنّانة توقظك من غفلتك بجميل الصّور “كومض الفكرة في عتم الفكر”. وتسحرك بكلمات من أُمّهات قواميس الأدب حبكت أحيانا بسجع موسيقي أضفى إلى جماليّة الصّورة الكثير؛ موظّفة هنا وهناك جماليّات من وحي القرآن؛ لتزيد النّداء رهبة وقدسيّة، فيخوض القارئ بروحه راضِخا مستسلما، رحلة توصله إلى الشّاطئ الذي أرادت له بفكرها. وبذلك تكون قد أدّت رسالة سامية لاتّباع الصّحوة والحكمة كنهج إلى السّعادة الأرضيّة.

وبعد النقاش ردّت صاحبة المجموعة الكاتبة كاملة بدارنة فقالت:قرأت من قبل – على صفحات النّت – ما كتبه جميل السلحوت من قراءة أو تلخيص لأحداث بعض القصص التي وردت في المجموعة القصصيّة (ذات خريف)، ممّا أتاح لي الفرصة لإبداء الرّأي. يبدو لي من خلال القراءة أخي جميل أنّ هناك لَبسا ما، وأنّك فهمت المقصود بشكل مغاير ومغالط لما جاء في القصص. ومع إيماني بأنّ النّصوص إذا ما خرجت من يد الكاتب تصبح ملكا للقارئ إلّا أنّي أحببت المداخلة فيما يتعلّق ببعض النّقاط. فاسمح لي بذلك. ذكرت في البداية: “… فخلطت فنّ القص الكلاسيكي بفن الحكاية الشّعبية، متكئة على الثقافة الشعبية السائدة” هذه جملة مركّبة من حيث المضمون نظرا لشموليّتها. أين ظهر الخلط بين القصّ الكلاسيكي والحكاية الشّعبيّة ، أهو خلط في المضامين أم الأسلوب ؟ وكيف ظهر فن الحكاية الشّعبيّة؟ تلك الحكاية المتعدّدة الأنواع مثلما صنّفها الدّكتور عمر السّاريسي. هناك عدّة قصص رمزيّة، والواقعيّة سردت في القصص المصنّفة كواقعيّة بأكثر من أسلوب من حيث طريقة السّرد. كنت أتمنّى التّحديد أكثر كي أنتفع من الملاحظة. في قصّة (امتحان) المراقب لم يكن أستاذا مثلما تفضّلت: ” فجاء على لسان الطالب”اجتاحتني رغبة جارفة في لكم الرجل، لكنني تذكرت دعاء والدتي بالاصطبار”ص14، وهذا خطأ تربوي، فعلى الطالب أن يحترم معلميه في كل الظروف والأحوال، وأن لا يلجأ حتى الى مجرد التفكير بالاعتداء على معلمه” . هو رجل يراقب ولم تحدّد مهنته. ومشاعر الطّالب وتصرّفه بعد ضغوطات جاره، وتصرّف المراقب أظنّهما طبيعيين. والقصّة وما ورد فيها تتحدّث عن سهونا في صلاتنا، حيث نغادر مصلّانا إلى مشاكلنا وأمورنا الدّنيويّة ناسين أنّنا بين يديّ الله. والأستاذ جميل وقع في مصيدة النّص – مثلما وقع غيره من قبل – وهي الجمل المأخوذة من الصّلاة نفسها – المحجوزة بعلامة الاقتباس – والتي كانت الرّمز الخفيّ أو الإشارة لحدث الصّلاة، ولكنّه كان وقوعا إبداعيّا أعطى النّصّ مفهوما تربويّا دينيّا آخر، وأعتبره نجاحا للقصّة. قصّة (ذات خريف) لم تكن قصّة خطيّة . معتقد (خطيّة) ظهر في قصّة بالرّوح بالدّم … هناك أبعاد كثيرة لشجرة التّين ودلالتها وقطعها والإصرار على نموّها بعد القطع، وفيها الرّمزيّة المغلّفة بالواقعيّة… تمنّيت لو أعطيتها حقّها في قراءتك. أمّا الشّهيد في قصّة (بالرّوح بالدّمّ…) فلم يكن مغتصبا… تحرّش بالطّفلة وهو فتى تعرّض لمراهنة زملائه على جرأته في تصرفه الصّبياني … وبقيّة الأحداث يطول شرحها وتحليلها وهي من حقّ القرّاء الآخرين. شكرا لك وأرجو أن يتّسع صدرك للرّدّ. …وشكرا لكم جميعا على هذه الأمسية الجميلة.
بعدها قدّمت الندوة درعها للأديبة كاملة بدارنة، كما قدمت بدارنة درعا تذكاريا للندوة.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات