نقاش”كنت هناك” لجميل السلحوت في اليوم السابع

ن

القدس:15 -11-2012 ناقشت  ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، كتاب”كنت هناك”للأديب المقدسي جميل السلحوت، والذي صدر قبل أسابيع قليلة عن منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية في رام الله.

بدأ النقاش إبراهيم جوهر فقال:

لا تغيب القدس عن خطوات الكاتب (جميل السلحوت) في كتابه (كنت هناك) الصادر عن وزارة الثقافة مؤخرا، فمنها ينطلق، وإليها يعود بشوق، وعنها يحكي وينقل ويخبر. وهي دائمة الحضور في وجدانه؛ يقارن حالها بحال المدن التي يراها ويزورها من شقيقاتها، ويستذكرها في صحوه ومنامه، وفي أحاديثه ومقارناته. إنها الحاضر في غيابه، الغائب الماثل في العقل والوجدان.

يحكي عن حالها وهي ترزح تحت نير الاحتلال، وينقل واقعها المحاصر ثقافيا، ويبكي حالها في الأسر.

القدس دائمة الحضور لا تغيب إلا لتعود عند الكاتب الذي كتب انطباعاته ونقل زياراته إلى مدن عمان، والرياض، والقاهرة، وبيروت.

استعان الكاتب بأسلوب الاستطراد الذي يواصل حضور المعنى؛ فعندما يشير الكاتب إلى الماء في موضع ما يستذكر حال المياه الجوفية المنهوبة في فلسطين. وحين يشير إلى الأمن السائد والسير بطمأنينة يذكر واقع الخوف وعدم الاستقرار في الوطن.

يسرد الكاتب ويخبر بأسلوب إخباري سلس شائق مشوّق ليقول أمرا ويرسل رسالة. إنه لا يقص أخبارا جافة بهدف المعلومة والإعلام فقط، بل ليقارن، ويقف على المعنى، وينقل حال التغير العمراني، وينقل دموع الناس الصادقين المقهورين حين يسأل سائلهم: متى تعود القدس؟ أو: ما حال القدس؟

يبكي القوم حسرة ، وفي البكاء دليل حياة؛ القدس تحيا في الوجدان. الناس لم ينسوا القدس.

رحلات أراد الكاتب توثيقها بلغة إخبارية مطعمة بلغة الأدب والسياسة. وجغرافيا مكان وإنسان نقلها بوعي ومتعة.

يجد القارئ في (كنت هناك) الأساليب التعبيرية المتجاورة المتضافرة. ويقف على معلومات في الجغرافيا والوعي والعلاقات والعادات .

استخدم الكاتب أسلوب السرد الحقيقي الواقعي الذي يقدم معلومات للقارئ يردفها بتعليق خاص به بعيدا عن مواصلة خط سرده؛ يستقطع الكاتب مكانا من مساحة السرد ليعلّق ويذكّر، وكأنه يقول: إنما أسوق هذا السرد بمعلوماته لأذكّر بواقع ما زال ماثلا. فالاحتلال ما زال يربض على صدر القدس وشعبها الفلسطيني.

واستعان الكاتب أيضا بأسلوب الاسترجاع؛ فهو يستذكر الأمكنة، والأزمنة، والقدس، والسيرة الشخصية في مواقف محددة.

ويربط ما يشاهده في المدن العربية التي زارها بواقع وطنه، وحين يسير بحرية في شوارع المدن يذكر أنه يفتقد لهذه الحرية في وطنه.

الكاتب هنا في سرده بضمير ال(أنا) إنما يسرد (أنا) الشعب والوطن في جزء من سيرته ومسيرته. فهذا التوثيق لا يرمي إلى التسجيل والتوثيق فقط،  بل يقدّم مقارنة متخيلة حينا ومصرحا بها حينا آخر.

لهذا الكتاب الذي يواصل مسيرة (أدب الرحلات) أربع قيم أرادها الكاتب وأوصلها الكتاب؛

قيمة توثيقية، وقيمة أدبية، وقيمة وطنية، وقيمة فكرية.

لقد عاش الوطن بجماله وتاريخه ومكانته في نفس القارئ فلم يغب عنه لحظة بل رأيناه يزداد تمسكا به وحلما بالرجوع إليه. لم يتمن البقاء سائحا ذا احترام في مدن عربية أحبها، وتغنى بجمالها وهدوئها وأمنها، بل ظل يذكر وطنه في حلّه وترحاله مذكّرا بقول الشاعر العربي:

هب جنة الخلد عدن / لا شيء يعدل الوطن

وقال موسى أبو دويح:

أهدى الشّيخ كتابَه إلى حفيده الأوّل والأصحّ إلى سبطه ابن ابنته المسمّى “كِنان”.

وجاء في فهرس الكتاب سبعة عناوين هي:

1.   كنت في عمان          2. السّعوديّة كما شاهدتُها    3. في أمّ الدنيا

4. في بلاد العمّ سام (أمريكا الإمبراطوريّة الخرافيّة)     5. في السّاحة الحمراء

6. سوريا                  7. لبنان جنّة الشّرق.

وكلّ عنوان من هذه العناوين السّبعة مقسّم إلى عدد من العناوين الفرعيّة.

الكتاب هو من أدب الرّحلات، حيث زار الشّيخ الأردنّ، والسّعوديّة –لأداء فريضة الحجّ، ضمن وفد ثقافيّ فلسطينيّ- وزار مصر الّتي تسمّى أمّ الدّنيا، وسافر إلى أمريكا لزيارة إخوته، وبعض أقاربه هناك عدّة مرّات؛ حيث زار عددًا من الولايات الأمريكيّة، وسافر إلى الاتحاد السّوفييتي في رحلة علاجيّة، وزار سوريا في فترة دراسته في جامعة بيروت العربيّة في لبنان. وكتب الشّيخ عن كلّ ما رأى في رحلاته المتعدّدة والّتي استغرقت زمنًا طويلاً من ريعان شبابه إلى شيخوخته.

كتب الشّيخ بقلمه السّيّال عن كثير ممّا رأى وشاهد في رحلاته، ومزج كلّ ذلك بالهمّ الفلسطينيّ المجبول بعذابات الاحتلال الصّهيونيّ لفلسطين؛ فكلّما رأى الشّيخ مكانًا يسعده ويسرّه، تذكر احتلال يهود لفلسطين، ومحاولاتهم اقتلاع الشّجر، وهدم الحجر، وقتل البشر، وإزالة كلّ أثر لما هو فلسطينيّ، أو عربيّ، أو إسلاميّ في أرض فلسطين؛ ظنًّا منهم أن ذلك يجعل فلسطين وطنًا لهم لا ينازعهم فيه أحد. وقد خابوا وخاب فأْلُهم، ففلسطين هي بلد من بلاد المسلمين، ويكفيها أنّ فيها المسجدَ الأقصى؛ أولى القبلتين، وثالث المسجدين، والصّخرة المشرّفة التي تعلوها القبّة الذّهبيّة، وهما أكبر شاهد ودليل على إسلاميّة فلسطين منذ فتحها أبو عبيدة عامر بن الجرّاح واستلم مفاتيحها الخليفة عمر ابن الخطاب من صفرونيوس الرّوميّ، وكتب عمر يومها بينه وبين صفرونيوس عهدًا وميثاقًا عرف فيما بعد باسم (العهدة العمريّة) قبل أكثر من ألف وأربع مئة سنة.

وممّا لفت نظري أنّ الشّيخ أرّخ لعنوان (جنّة الشّرق لبنان) بـ 25/03/2011م مع أنّه زار لبنان أثناء دراسته في جامعة بيروت العربيّة في سبعينات القرن الماضي.

وأرّخ لموضوع سوريا بـ 10/03/2011م، مع أنّه زار سوريا في طريقه إلى الجامعة في بيروت في سبعينات القرن الماضي أيضًا، وأرّخ لزيارته لموسكو والسّاحة الحمراء بـ 15/03/2011م، مع أنّه سافر إلى الاتّحاد السّوفيتيّ سنة 1984م، وأرّخ لزياراته لبلاد العمّ سام بـ 15/01/2011م. وأرّخ لزيارته لمصر في 08/03/2011م مع أنّها كانت في السّبعينات. وأمّا العنوان الأول (كنت في عمان) فأرّخ له الشّيخ بتأريخه الحقيقيّ 27/09/2010م. وكذلك العنوان الثّاني (السّعوديّة كما شاهدتُها) أرّخ له الشّيخ بتاريخه الحقيقيّ أيضًا في السّنة الّتي أدّى فيها فريضة الحجّ 21/12/2009م.

هذا الكتاب يشهد للشّيخ أنّه كاتب ذو قلم سيّال، وما قام به الشّيخ يقوم به كثيرون إلاّ أنّ الشّيخ استخرج من رحلاته العاديّة كتابًا أدبيًّا من (266) صفحة في وصف رائع لكلّ ما شاهد، وكثيرون يسيحون أكثر من سياحة الشّيخ ويشاهدون أكثر ممّا شاهد، ولا يسطرون كلمةً واحدةً عمّا شاهدوه. فهذا هو الفرق بين أديبٍ كاتبٍ، ورجلٍ سائحٍ.

وفي الحقيقة أنّي قرأت الكتاب على عجل بدون تدقيق، ولكنّ ما لاحظته بقراءتي المستعجلة هو:

صفحة (37): (وجدنا أنفسنا في ماحص والمحيص)، والصّحيح: والفحيص.

صفحة (40): (لا تشدّ الرّحال إلا إلى لثلاثة مساجد)، والصّحيح: إلى ثلاثة مساجد بحذف حرف الجر اللام من ثلاثة.

صفحة (51): (فإحدى الأبراج مبنيّ على شكل قلم وإحداها على شكل سفينة)، والصّحيح: فأحد الأبراج… وأحدها أو وثانٍ أو وآخر.

صفحة (60 و61): جاءت كلمة كافّة أربع مرات: (في كافة النّشاطات، من كافّة الأخوة، يغطي كافّة أرجاء المملكة، توفير كافّة السّبل)، وهذا استعمال خاطئ؛ لأنّ كلمة (كافّة) لا تأتي إلا حالاً منصوبة، وكان عليه أن يقول: في النّشاطات كافّة، من الأخوة السّعوديّين كافّة، ويغطي أرجاء المملكة كافّة، وتوفير السّبل كافّة.

صفحة (61): (رجال أكفياء)، والصّحيح: رجال أكْفاء بحذف الياء.

صفحة (80): (وعقد النّيّة على العمرة أو الحجيج)، والصّحيح: على العمرة أو الحجّ.

صفحة (81): (نوينا الحجّ متمتعين – أي أداء العمرة والحجّ)، والصّحيح: أن الحاجّ المتمتّع يؤدّي العمرة ويتحلّل منها، وفي يوم التّروية (8 ذي الحجّة) يحرم وينوي الحجّ.

صفحة (82): (ولمسناها بيدينا طلبًا للتبرّك والغفران)، والصحيح: بأيدينا، ولمس الجدران باليد للتّبرّك مذموم شرعًا.

صفحة (89): (سبع حصوات)، والصّحيح: حَصَيات أو حصيّ.

صفحة (104): (هذه الفتاوي الشّاذّة)، والصّحيح: الفتاوى لأنّ فتوى تجمع على فتاوى وصحراء على صحارى،بالألف المقصورة لا بالياء.

صفحة (258): (وهي تعكس ذائقة أشقّائنا اللّبنانيّين)، والصّحيح: ذوق أشقائنا.

وقال جمعة السمان:

بداية احترت في أمر هذا العنوان”كنت هناك” حيث شعرت أنه يميل أكثر الى المذكرات.. أو سفير النوايا الحسنة.. أو دعوة الى إحياء التراث.أمسكت الكتاب أقلبه.. الأردن،

السعودية،مصر،أمريكا،قبرص، الإتحاد السوفيتي،سوريا،لبنان.. الى أن وصلت الى آخر صفحاته والعدّ266.. فقلت أحادث نفسي أي خطأ أوقع فيه أخي الكاتب نفسه..؟؟

إذ أن كل ما تصفحته قرأناه في المدارس والجامعات.. وسمعناه في الإذاعات وشاهدناه على شاشة التلفزيونات..أو حتى أن الكثيرين منا عاشه.. وقد يكون ما زال في جسده أثر جرح.. أو إصابة.. فما الجديد الذي سيعطينا إياه الكاتب وخصوصا أننا أبناء وطن واحد.. والجميع يعرف كل شئ ذكر عن هذه البلاد.

هي صفحات فقط.. إذا بي أتراجع وألوم نفسي أنني تسرعت في الحكم على الكاتب والكتاب.. حين وجدت نفسي أمام “حدوثة”لا يمكنني الفكاك منها.

وأبدع الكاتب حين اختار لهذا النص أسلوب الحدوثة شديدة التشويق.. كثيرة المفاجآت.. غنيّة المعلومات..فيها الصدفة والمخاطرة والأمل واليأس وانقطاع الرجاء.. بحيث كان الكتاب “بوصلة” حدّدت لنا موقعنا.. وأسلوب تعاملنا مع بعضنا.. وأين نحن من عالم آخر يتفوق علينا حضارة وعلما وثقافة عشرات السنوات.

1:أمريكا كم كنت فرحا حين سمعت هؤلاء الذين نغبطهم على علمهم وحضارتهم وتفوقهم علينا في كثير من نواحي الحياة .. أنهم يغبطوننا ويحسدوننا أننا نتفوق عليهم “كإنسان”.. أسرة وأخلاق وطاعة والدين وتماسك وإرتباط..

بروفسور يتبرأ من ولده ويطلب أن يتبنى ولدا عربيا.. أليس في هذا اعتراف..؟؟

لا شك أنه اعتراف جعلني أحقد على كل عربي جاهل يشتمني ويشتم نفسه ويشتم عروبته.. بأقذع الشتائم والألفاظ للدرجة التي أفقدتنا ثقتنا ببعضنا وفي أنفسنا..

وأنستنا أننا سادة شعوب العالم حضارة وخلقا وإنسانية واحتراما.. وهذا باعتراف سيدة لها خبرة في معظم شعوب العالم التي تتعامل معهم بصفتها موظفة تعمل في قلم التسجيل في جامعة من أعرق جامعات الولايات المتحدة.

لقد كان لهذا المديح تأثير.. أحيى عراقة وأصالة العربي في نفسي.. مما جعلني أبدأ الحديث عن علماء.. وأهل فكر يمدحوننا بما نسيناه عن أجمل ما يكون في أنفسنا.ٍ

2: فلسطين والأردن ومدينة عمان الذي يعشقها الكاتب جعلني أنسب له لقب “سفير النوايا الحسنة” بين الشعبين.. كان في حديثه من المحبة ما جعلني أشتاق الى أخي الأردني الذي هو نسيبي وصهري أكثر.. وكذلك بالنسبة لفلسطين وبالرغم أنني ابن فلسطين ومن تراب قدسها حفيدا وأبا وجدا.. ولكن قلم الكاتب جعلني أعشق فلسطيني وقدسي أكثر.

3: السعودية وطن كل مسلم .. وبيت لكل عربي أينما وجد على خارطة بلاد العرب

جميعنا يعرف تقريبا كل مهم عن الديار الحجازية.. إلا أن الكاتب صال وجال.. وعرفنا على كل جديد فيها من علم حديث وبناء وحضارة.. والأجمل من كل هذا أنه شوقنا الى لقاء ومعرفة هؤلاء الإخوة الكرماء الأكارم .. الذين ما زالوا يتحلون بأخلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. وحبهم للقدس وفلسطين، حيث انه اختلطت الدموع تأسفا وحسرةعلى وضع القدس وفلسطين.

4: مصر.. أمّ الدنيا.. رجل بسيط يعمل شرطيا.. يتعرف على شابين من مدينة القدس.. وكان الليل قد شارف على آخره.. يصر أن يحضنهما ويستضيفهما في بيته دون معرفة سابقة.. لا يشفع لهما سوى أنهما من مدينة القدس.. أي خلق عربي كريم هذا؟ .. وأيّ محبة لك يا قدس في قلوب الأمة العربية..؟؟

5: الإتحاد السوفييتي.. لقد طغى على كل ما قرأت عن تلك البلاد محبة الإخوة

العرب وتعاونهم وطوفان شوقهم لبلادهم، ولسماع كل ما يخص القدس وأسرهم.. ولهفة آذانهم لسماع كل ما يخص القدس وفلسطين قبل السؤال عن أهلهم وذويهم.

6: سوريا وكرم أهلها.. وسعة صدرها.. واحتضان الفلسطيني.. وتيسير سبل الحياة له.. ليعيش حياة حرة كريمة.

كان في قلم الكاتب اعتراف بالجميل عن كل مهاجر عاش في الأراضي السورية.

6: لبنان: ولفت نظر الدولة على مأساة الفلسطيني الذي يعيش على أرضها.

وتنتهي ال 266 ضفحة لأقول للكاتب أبدعت في جديدك الجميل الذي فاجأتنا به من

جمالية اللغة.. وإبداع الحرف والكلمة وترتيب النقلة من حدث الى حدث.. ولا أشك أبدا أن التفوق في رواياتك القادمة سيكون لجمالية اللغة وإبداع الحرف والكلمة.

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: محمد عليان، د.وائل أبو عرفة، د.اسراء أبو عياش حيث عبروا عن عدم رضاهم عن الكتاب من حيث المضمون واللغة والشكل.

في حين أشاد كل من ديمة السمان، محمود شقير، ورفعت زيتون بالكتاب مضمونا ولغة ووصفا وتعددا في أساليب الكتابة.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات