مشروعنا الثقافي-الانفتاح الثقافي

م

 

في لقاء عشرات المثقفين مساء 29-6-2010مع دولة رئيس الوزراء د. سلام فياض طرح دولته  بكلماته القصيرة جدا في افتتاح اللقاء حول المشروع الثقافي الذي نريده قضية الثقافة الديموقراطية المنفتحة، وهذه قضية كبيرة يجب الانتباه لها، فقد تحدثنا في المقالة السابقة عن”الثقافة الديموقراطية” وسنواصل حديثنا عن الانفتاح الثقافي، وهذا يثير أسئلة كثيرة منها: هل نحن منفتحون ثقافيا أم منغلقون؟ وهل ثقافتنا منفتحة أم منغلقة؟ وهل الحديث عن الانفتاح الثقافي يدخلنا في الخوض في”بعبع” التطبيع الثقافي؟ ومن هو الآخر الذي سننفتح عليه ثقافيا؟ وما مدى انفتاحنا الثقافي على الثقافات الأخرى؟ وما مدى اطلاعنا على الثقافات الأخرى؟ وما مدى جديتنا في إطلاع الثقافات الأخرى على ثقافتنا؟ وهل الانفتاح الثقافي هو “العولمة” التي يتخوف البعض منها؟ أسئلة كثيرة كل واحد منها يحتاج الى دراسة بحثية حتى نصل الى تثبيت الموقف الصحيح وتعميمه.

 فلو عدنا قليلا الى الوراء عندما سادت الثقافة العربية الثقافات العالمية، حينما كانت دولتنا قوية وتعرف ما تريد، فقد ذكرت كتب التاريخ أن الترجمات عن الثقافات الأخرى بلغت أوجها في عصر الخليفة العباسي المأمون، حيث كان يعطي المترجم وزن الكتاب الذي ترجمه ذهبا، وجاء تقرير اليونسكو هذا العام ليقول أن ما يترجم الى الاسبانية في العام الواحد يعادل ما ترجم الى العربية منذ عصر المأمون حتى الآن، وبما أننا من “أمة اقرأ”  التي أصبحت لا تقرأ فان اكبر دور النشر العربية تطبع عشرة آلاف نسخة من المؤلفات الجديدة لمشاهير المبدعين والمفكرين، توزع في مختلف الأقطار العربية، بينما توزع كتاباتهم المترجمة الى لغات أخرى بملايين النسخ أمثال الراحلين ادوارد سعيد،نجيب محفوظ، محمود درويش وآخرين، كما أننا عالة على الثقافات الأخرى، حيث لم يخرج من بين ظهرانينا من ينتج ثقافة منذ ابن خلدون الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي سوى ادوارد سعيد.

 ولا خلاف على أن الثقافة الانسسانية ملك للإنسانية جمعاء بغض النظر عن منتجها، سواء كان عدوا أو صديقا، فعلى سبيل المثال عندما قامت احدى دور النشر الاسرائيلية بترجمة رائعة الشهيد غسان كنفاني(رجال في الشمس)كتبت في التقديم(حتى المخربين يستطيعون ابداع أدب راق،فهذا المخرب خدم قضيته أكثر من كتيبة مخربين مسلحة)وأجمع النقاد على أن  الراحل الكبير محمود درويش حمل القضية الفلسطينية، وخدمها اكثر من الدبلوماسية العربية، في حين أن المبدعين الآخرين حملتهم القضية الفلسطينية،وكلاهما كنفاني ودرويش كانوا يجيدون أكثر من لغة، واطلعوا على الآداب الأخرى بلغتها الأم.

ونظرا لانغلاقنا الثقافي فان اسرائيل والعالم الغربي يعلمون عنا كل شيء بينما لا نعلم عنهم الا القشور، وتقوم مراكز ابحاثهم بدراسة وتحليل كل ما يصدر في العالم العربي من مطبوعات بما في ذلك المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، وبالتالي فهم يواجهوننا ثقافيا من خلال اطلاعهم على ثقافتنا، بينما يخشى بعضنا الترجمات عن العبرية مثلا خوفا من الوقوع في فخ”التطبيع” دون أن يعي أننا واقعون في فخ”التضبيع”، وحتى خطباء المساجد عندنا، فانهم في غالبيتهم عندما يتطرقون الى الآخر في خطبهم، فانهم يقعون في مغالطات محزنة، ليس عن قصد بل عن جهل.

 كما أن طاحونة اعلام الآخر تقوم بتشويه صورتنا الانسانية عن قصد ومعرفة وعلم، ويؤثر في ذلك على شعوبنا المغيبة عن الحقائق، في حين نرى اعلامنا مغيبا عن نقل حقائقنا وواقعنا عن الشعوب الأخرى، فظهرنا في عيون تلك الشعوب كقتلة ومجرمين ومخربين مع أننا شعوبا وأوطانا ضحايا للقتلة والمجرمين والمخربين والارهابيين والاستعماريين، واذا ما كان التثاقف والتبادل الثقافي يقرب بين الشعوب، ويعزز السلم العالمي فما الخطأ في ذلك؟ فنحن ورثة حضارة انسانية عريقة، ولا نعشق الحروب،بل نحن كما قال شاعرنا(لا نعشق الموت ولكننا ندفع الموت عن أرضنا).وعملية التثاقف تستدعي الترجمة من الثقافات الأخرى الى العربية ومنها، لكن المحزن أن الثقافة تأتي في آخر اهتمامات النظام العربي الرسمي-مع الأسف- فهل انتبه د.سلام فياض الى ذلك عندما اجتمع بعشرات المثقفين الفلسطينيين واستمع الى آرائهم؟ وهذا ما اعتقده، ونحن في انتظار أن يعلق الجرس.

5-7-2010

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات