مثقفو السلاطين وثقافة الكذب

م

لا يخفى على المراقب الحاذق أن كثيرا من الحكام وفي مقدمتهم العرب “ضحايا” لأعوانهم ومستشاريهم، الذين يقدمون لهم تقارير ترضي الحاكم وتعميه عن رؤية الحقائق على الأرض، وبالتالي يقع الحاكم في عداء مع شعبه راضيا مرضيا، والمراقب لوسائل الاعلام العربية المقروءة والمرئية والمسموعة لا يرى الا القائد الملهم الباني الحافظ لشعبه ووطنه، والمحقق للانتصارات العظيمة التي رفعت شأن الوطن والأمة، ولكن المواطن على أرض الواقع لا يرى من ذلك شيئا، بل العكس هو الصحيح، فالفقر والأميّة والتخلف في مختلف نواحي الحياة والهزائم هو السائد، وتضليل الحكام يغرقهم في بحور الجهل، وقد شاهد العالم أجمع معمر القذافي وهو يخطب واصفا نفسه بالثائر والقائد الأممي والفيلسوف الذي يحظى بتأييد شعبه وأمته وشعوب الأرض كافة، وأن الخارجين على حكمه مجموعة صغيرة من” الجرذان والمقملين” سيلاحقهم “زنقه زنقه” فلم يكن الرجل معتوها بمقدار ما كان مضللا وأعمى عن رؤية الحقيقة، وشاهدنا كيف كانت نهايته، ومثله خرج طاغية اليمن  علي عبدالله صالح يقول عن معارضيه وهم غالبية الشعب اليمني”لقد فاتهم القطار”ولا يريد أن يعلم أن القطار  يسير به الى مزابل التاريخ، تاركا خلفه وطنه مدمرا، وآلاف الضحايا من أبناء شعبه، وكذا الأمر بالنسبة للرئيس العراقي السابق صدام حسين….وغيرهم….وهذا كله بفضل المستشارين ومثقفي الاعلام الذين يداهنون الحاكم ويكذبون عليه فيضللونه ويكونون سببا في هلاكه بدلا من تقديم النصح والارشاد له كي يخدموه ويخدموا شعوبهم وأوطانهم بل ويخدمون أنفسهم،فيحمونه ويحمون أنفسهم.
فهل الكذب على الحاكم ثقافة موروثة ومتأصلة أم هو دخيل على أمتنا؟…لقد انتبه انساننا الشعبي الى فساد أنظمة الحكم منذ القدم، وموروثنا الشعبي غني بذلك، فالمثل الشعبي يتساءل قائلا:”مين فرعنك يا فرعون؟ فيرد:لم أجد من يردني” وقد حذر موروثنا الديني من مخاطر الكذب في كثير من النصوص المقدسة، واعتبر الكذب بابا للشرور كلها.
وأين نحن من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما خطب على منبر المسجد قائلا:”من رأى منكم فيّ اعوجاجا فليقومه؟..فانبرى له أعرابي قائلا:والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بسيوفنا…فانشرح عمر وقال الحمد لله الذي أوجد في أمّة محمد من يقوّم اعوجاج عمـر”
وعمر هذا هو الذي قال “أخطأ عمر وأصابت امرأة” عندما صححته امرأة في قضية المهور المعروفة.
وقد عرف تاريخنا ظاهرة “علماء السلاطين” وهم رجال الدين الذين يتبوأون مناصب رفيعة ويحرفون الرأي الديني والأحكام الشرعية بما يري رغبة الحكام….وفي عصرنا الحديث وبعد تطور وسائل الاعلام والاتصالات انضمت اليهم مجموعات “مثقفي السلاطين”الذين يخونون ثقافتهم وعلمهم وحكامهم وحتى أوطانهم….وهذا ليس من ثقافتنا الأصيلة أيضا، فمما جاء في كتب التاريخ أن الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي لم تكن الشمس تغيب عن دولته لاتساعها أرسل مبعوثا لأحد الأئمة كي يعلم وؤدب ولديه الأمين والمأمون، فرد عليه الامام:”العلم يؤتى ولا يأتي” وعندما تلقى الخليفة الجواب ذهب بنفسه الى الإمام.
فهل ينتبه الحكام الى أعوانهم ومدى كفاءتهم ومصداقيتهم”؟ وهل يتقي علماؤنا ومثقفونا الله في حكامهم وشعوبهم وأوطانهم؟
21-11-2011

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات