كيف ترى ديمة السمان القدس من برج اللقلق؟

ك

صدرت بداية هذا العام 2016 رواية برج اللقلق للأديبة المقدسيّة ديمة جمعة السمان عن  مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرّواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيليّ طالب الدويك،  وصمّمها وأخرجها فنّيّا شربل الياس في 466 صفحات من الحجم المتوسط،

ديمة جمعة السمان :

– ولدت في القدس الشريف وتلقّت تعليمها في مدرسة شميدت، وبعد الثّانوية درست ” علم اللغات ” في جامعة بير زيت .

– حاصلة على دبلوم عال في الاخراج التّلفزيونيّ.

– – عملت في الصّحافة حيث عملت في بعض الدّوريّات التي كانت تصدر في القدس ومنها : – مجلة الأسبوع الجديد، مجلة مع النّاس، صحيفة الصدى، صحيفة مرايا.

–  شغلت عضوا منتخبا في الهيئة الاداريّة لاتّحاد الكتّاب الفلسطينيين .لعدّة دورات.

– متزوّجة من المحامي علي أبو هلال، وأنجبا ثلاثة اطفال: يارا ، يزن ، وراني .

–  تعمل الآن مديرا عامّا في وزارة التّربية والتّعليم الفلسطينيّة .

–  كتبت القصّة القصيرة، الخاطرة، المقالة، اضافة الى أعمالها الرّوائيّة وهي:

–  القافلة، صدرت عن منشورات دار الهدى في كفر قرع عام 1992

–  الضّلع المفقود، صدرت عن دار العودة للدّراسات والنّشر في القدس في كانون ثاني 1992

–  الأصابع الخفيّة، صدرت عن منشورات دار الكاتب في القدس عام 1992

–  جناح ضاقت به السّماء، صدرت عن مؤسّسة ابداع للنّشر في أمّ الفحم عام 1995

–         ثنائيّة “وجه لزمن آخر” و”بنت الأصول” عامي 2010 و 2011 عن الهيئة العامّة المصريّة للكتاب.

–         رحلة ضياع- دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس 2010.

–         غفرانك قلبي- دار الجندي للنّشر والتّوزيع- القدس.

ورواية برج اللقلق التي نحن بصددها الآن.

الكتابة عن القدس ليست جديدة على الرّوائيّة المقدسيّة ديمة جمعة السّمان المولودة في القدس القديمة، والتي تنحدر من عائلة مقدسيّة عريقة، تعيش في المدينة، تعرف مقدّساتها، أسواقها، أزقّتها، حاراتها، عادات وتقاليد أبنائها المقدسيّين، ونمط وأسلوب حياتهم. فقد سبق وأن أدخلت القدس في روايتها الأولى “القافلة”، وثنائيّتها “وجه لزمن آخر” و” بنت الأصول” التي دارت غالبيّة أحداثها في القدس، وها هي تعود إلينا هذه المرّة برواية من ألفها إلى يائها عن مدينتها القدس، فأحداث هذه الرّواية في القدس وأبطالها مقدسيّون من أسرة مقدسيّة واحدة، واسم الرّواية يحمل “برج اللقلق” أحد المعالم التّاريخيّة المشهورة في مدينة القدس، وتحديدا في حارة باب حُطّة في القدس القديمة، داخل الزّاوية الشّماليّة الشّرقيّة لسور المدينة التّاريخيّ .

ويمتدّ زمن الرّواية قرنا كاملا تقريبا، أي من أواخر العهد العثمانيّ حتى نهاية القرن العشرين،  وأديبتنا ديمة السّمان التي تلتقط الأحداث بعيني صقر، والمستمعة لدبيب النّمل كثيرة السّؤال وكثيرة الاستماع الى ما تجود به جعبة والديها وأجدادها وشيوخ وشيخات مدينتها، عن تفاصيل  الحياة التي عاشوها في مدينتهم، وحتّى التّي نقلوها بالتّواتر عن أبائهم وأمّهاتهم فيما يتعلّق بالمدينة المقدّسة، كيف كانت؟ وكيف أصبحت؟ عدا عن قراءتها الدّؤوبة لكلّ ما يكتب عن تاريخ المدينة المقدسّة، وما كتبه عنها الرّحّالة الذين زاروها، يضاف إلى ذلك معاصرتها الشّخصيّة للأحداث في العقود القليلة الماضية، فهي ابنة المدينة التي ولدت وترعرت ولا تزال وستبقى فيها، وواضح أنّ الكاتبة المقدسيّة لم تكتفِ بالتّاريخ الرّسمي المكتوب عن المدينة، فلجأت إلى التهام الرّواية الشّفويّة عن المدينة ومواطنيها بعاداتهم وتقاليدهم، وهذا ما سيراه الكاتب في روايتها هذه”برج اللقلق” والذي لا ولن يتوفّر لغيرها من المقدسيّين، الذين لم يعيشوا الحياة المدينيّة في القدس، كونهم يعيشون في ريفها.

واذا كانت القدس تشكّل أحد هموم كلّ عربيّ ومسلم ومؤمن، فإنّ هموم القدس تشكل همّا شخصياً لكاتبتنا، فهي تعتبر المدينة بيتها الذي تسكنه، ومن هنا جاءت روايتها لتشكّل إضاءة جميلة لسيرة هذه المدينة التي أرهقتها الاحتلالات والغزوات المتعاقبة عليها.

وقد اختارت الكاتبة أن يكون المكان الرّئيس لأحداث روايتها “برج اللقلق” الذي يحمل اسم الرّواية، وهو مكان تاريخيّ تصفه الكاتبة في السّطر الأوّل من الرّواية قائلة: ” هناك في الطّرف الشّرقيّ الشّماليّ لسور مدينة القدس العظيم .. داخل عمق البلدة القديمة يقع بيت آل عبد الجبّار .. في منطقة اسمها برج اللقلق من حارة باب حُطّة.”

وبرج اللقلق منطقة مرتفعة تُشرف على المسجد الأقصى المبارك، ويشرف على جبال القدس، وعلى معالم المدينة الدّينيّة والتّاريخيّة، من مساجد وأديرة وكنائس ومدارس ومتاحف.

وبالتّأكيد فإنّ الأطماع الاستيطانيّة التي تستهدف المكان، كما تستهدف المدينة برمّتها هي التي استفزّت مشاعر الكاتبة، خصوصا وأن عائلتها المقدسيّة تسكن هذا المكان منذ مئات السّنين، فكان هذا البركان الذي انفجرت حممه بهذه الرّواية .

وقد استهلّت الرّوائيّة روايتها بوصف دقيق للمكان، ثم شرعت تتحدّث عن الأوضاع الاقتصاديّة البائسة في أواخر العهد العثمانيّ التّي عاشتها الأسرة، التي يتناوب أبناؤها البطولة الرّوائية جيلا بعد جيل، إنّها أسرة ” آل عبد الجبّار ” التي دفنت الجدّ الأوّل للأسرة في باحة البيت قرب شجرة “بطمة ” عمرها مئات السّنين. فكان قبره وسيرته منارة يهتدي بها أبناء وأحفاد العائلة، يعيشون على أمجاده ويسيرون على هديه، ويستمدّون منه العزيمة والارادة الصلبة .

ففي أواخر العهد العثمانيّ، تمّ تدمير الاقتصاد، وازدادت الضّرائب، وازداد نهب الأتراك لخيرات البلاد، وازداد الظّلم والمظالم، ومع ذلك فإنّ أسرة عبد الجبار التي توارثت السّيادة الاجتماعيّة لم تستسلم، فكان رأسها دائم البحث عن مصدر رزق جديد، فبعد أن أغلق حانوته لضيق ذات اليد عمل “عتالًا” في باب الخليل، وخاض صراعات مريرة مع معشر “العتّالة”، الذين رأوا فيه منافسا عنيدا لمهنتهم ومصدر رزقهم، وبعد صراعات أدخلته السّجن، عمل حطّابا، يحتطب من البراري، ويخزن حطبه في مغارة “الهيدميّة” وهي كهف عظيم تزيد مساحته عن الدّونم الواحد، لا يزال قائما تحت مقبرة باب السّاهرة ما بين باب العامود وباب السّاهرة، وهنا توغل الكاتبة في وصف الأحوال المعيشيّة للمقدسيّين، كما تصف المدينة نفسها، حيث كانت تغلق أبواب القدس القديمة من ساعات الغروب وحتى شروق الشّمس، لحماية المدينة من اللصوص والغزاة، ومن الذّئاب المفترسة، حيث كانت الضّباع تصل إليها، وكانت زقاق المدينة القديمة تضاء بمصابيح الزّيت، التي كانت توضع على مفارق الزّقاق، ثم تتحدّث عن مقاومة المقدسيّين بشكل خاصّ والشّعب الفلسطينيّ بشكل عامّ للأتراك الذين طغوا وتجبّروا، وعاثوا في الأرض فسادا، إلى أن جاء الانتداب البريطانيّ، حيث انفرجت الأوضاع الاقتصاديّة قليلا، وانتهى عصر المجاعة الذي صاحب أواخر العهد العثمانيّ، لكن ذلك كان مصاحبا لفتح باب الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين، تمهيدا لاقامة دولة اسرائيل على أرض فلسطين، ممّا دعا الفلسطينيين إلى المقاومة، وكان لأسرة “آل عبد الجبّار” وخصوصا رأسها دور رئيس في المقاومة .

وتحصل النّكبة الأولى في عام 1948 حيث هزمت الجيوش العربيّة التي بنى الفلسطينيّون عليها آمالا كبيرة، وتعرّج الكاتبة بعد ذلك إلى ثورة 23 يوليو 1952 في مصر والتي قادها الرّئيس الرّاحل جمال عبد الناصر، الذي توالت المؤامرات عليه لاضعافه واسقاط حكمه، فكان العدوان الثّلاثي على مصر في 29 تشرين أول 1956 لتتوالى الأحداث إلى أن تصل إلى حرب حزيران 1967، والتي احتلّت فيها اسرائيل ما تبقّى من فلسطين التّاريخيّة، اضافة إلى صحراء سيناء المصريّة، وهضبة الجولان السّوريّة. وتتواصل المقاومة ويسقط الشّهداء من آل عبد الجبّار ومن غيرهم، ثم تأتي حرب تشرين عام 1973 وبعدها في العام 1977زيارة الرّئيس المصريّ محمد أنور السّادات لاسرائيل، واتفاقيّات كامب ديفيد إلى أن انفجرت الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى في كانون أول 1987، وليشارك فيها الشّعب الفلسطينيّ بمختلف أعمار أبنائه بدءا من الأطفال، ومرورا بالشّباب وانتهاءا بالشّيوخ .

وتطرح الكاتبة في الرّواية قضيّة العمالة للاحتلال من خلال ” ليث ” حفيد عبد الجبّار من ابنته نفيسة، الذي سقط في براثن العمالة من خلال الجنس والمخدّرات، فباع العقارات للمحتّلين، ووشى بالمقاومين، وليقتل في أواخر الرّواية على يد والدته بعد أن عاد الى رشده دون علم والدته، واستعد للقيام بعمليّة استشهاديّة يكفّر فيها عن ماضيه الأسود، ولتنتهي الرّواية بأن تفجّر والدته نفيسة “الحفيدة ” نفسها بالحزام الذي كان معدّا كي يفجر ليث نفسه به .

الأسلوب :

استعملت الكاتبة في روايتها أسلوب السّرد الرّوائي الذي يطغى عليه عنصر التشويق؛ فيوقع القاريء في حباله، ولا يتركه إلّا وقد أتى على الرّواية رغم طول صفحاتها، ويلاحظ أنّ الرّوائيّة قد أدخلت أسلوب الحكاية ولو بشكل قليل في روايتها، وهي قضيّة لا تكاد تخلو منها أيّ رواية .

الخيال :

القارىء لأعمال الرّوائيّة ديمة السّمان لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء ليقف على الخيال الجامح الذي تتحلّى به، وخيالها في هذه الرّواية هو من باب الخيال الواقعيّ الذي يصهر القارىء في حيثيّات العمل الرّوائيّ. ويبدو أنّ مضمون الرّواية هو الذي سيطر على الكاتبة، فدمجت الخيال بالواقع، وخرجت لنا بملحمة روائيّة تشكّل اضافة نوعيّة للرّواية العربيّة، ومتميّزة فيما يُكتب عن المدينة المقدّسة .

اللغة:

تكثر الكاتبة من الصّور البلاغيّة والتّشبيهات الجميلة في روايتها، مما يدغدغ مشاعر القارىء الحاذق.

الأمثال الشعبيّة :

استعملت الكاتبة عشرات الأمثال والحكم والأقوال الشعبيّة، لدعم مواقف شخوص روايتها، وقد استعملت هذه الأمثال في مواقعها الصّحيحة، ممّا يشير إلى أنّ الرّوائية المقدسيّة تتحلّى بثقافة شعبيّة واسعة، وهذه قضيّة لصالحها ولصالح أعمالها الرّوائيّة.

ملاحظة :

تحرّكت في الرّواية عشرات الشّخصيّات التي سيطرت عليها الكاتبة بشكل قويّ، لكن يؤخذ عليها أنّ أسماء الأحفاد كانت مثل أسماء الأجداد، فمثلا علي بن عبد الجبّار بن عليّ بن عبد الجبّار بن عليّ. .. إلخ ونفيسة هي حفيدة نفيسة، ومع أنّ هذه المعضلة في الأسماء موجودة في مجتمعنا بشكل واسع، إلاّ أنّها تضع القارىء في حيرة من أمره في تحديد الفوارق بين شخصيّة الجدّ وشخصيّة الحفيد.

يبقى أنّ نقول أنّ أديبتنا استفادت كثيرا من التّاريخ الشّفويّ للمدينة ولمواطنيها، وهذا قد لا يتسنّى لغيرها، لأنّه لم يعش المرحلة، ولا يعرف طبيعة الحياة الاجتماعيّة لمواطني المدينة، ومن هنا يأتي تفرّدها وتميّزها عندما تكتب عن مدينة عظيمة كالقدس، لكنّها لم تكتب تاريخا بل كتبت رواية غير مسبوقة.

2-1-2016

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات