عسل الملكات في اليوم السّابع

ع

القدس: 26-1-2016 من رنا القنبر-استضافت ندوة اليوم السّابع في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس الشّاعر ماجد أبو غوش، حيث ناقشت بحضوره روايته الجديدة “عسل الملكات” التي صدرت هذا العام 2016 عن الأهلية للنّشر والتوزيع في عمّان.

وتقع الرّواية التي صمّم غلافها زهير أبو شايب في 166 صفحة من الحجم المتوسّط.

بدأ النّقاش رنا القنبر التي أدارت الندوة فقالت:

“عسل الملكات” وتشظي اليسار الفلسطينيّ

“صدرت رواية عسل الملكات للأديب ماجد أبو غوش هذا العام 2016 عن الأهلية للنّشر والتوزيع في عمّان. وتقع الرّواية التي صمّم غلافها زهير أبو شايب في 166 صفحة من الحجم المتوسّط.

الذكرى والذاكرة، وفوضى الحنين، وعهد الرفاق، ورائحة الوطن، وأثار الدماء في شوارع المدن الثكلى، عبق برتقال يافا،أنات اللاجئين، وعودة الملثم بكوفيته متجولا بين السطور مرهقا ضعيف الجسد، يحمل خيبته مرتجف الأطراف حزينا يجر خلفة أحلامه وخيباته  .

يبدو أن الكاتب أعاده الحنين إلى ما قبل أوسلو وما تبعها، ليطلق بكائيات ثملة على زمنه الضائع في زمن أشد ضياعا مما كان عليه سابقا، الوطن الذي بات يباع ويشترى علنا على أرصفة النخاسين، والسماسرة.

مكعب واحد من الثلج ونصف بنصف من العرق والوطن مستباح في تلك السكرة، أخذنا الكاتب الى زمن كان يرى حجارته أكثر خفة من الآن، أحجار تحرك أنهارا من المياه الراكدة، لكنها الخيبة ذاتها، والوطن غزالة شاردة تبحث عن محاربها البطل؛ ليرد إليها بريق عينيها الذي فقدته ثمانية وستين عاما.

زمن الكتب المثقلة بحقائب الرفاق، والشعارات والاغنيات، والقدس العتيقة تتسلق بخفة إلى عقل الكاتب؛ لتكون بوصلة قلبه ” لتمارته” التي تاهت في الغياب ولم تعد، إنها القدس التي تعقدّت أمورها ذابلة حتى في حلمه؛ فالصدف التي قال عنها ” احمد الذيب”لا تحدث ما لم نهيئ لها الأسباب، لم تجمع قلب تمارا وعلي، وبقي في حالة التيه يجره شوقه ويسقطه في بحر من الضياع والُسكر، وبقي قلبه معلقا فوق أسوارها وفي خيال العاشق الثمل.

لم تخفَ على القارئ التوجه السياسي الآخر لعليّ الذي لم يفصح عنه الكاتب بطريقة مباشرة غير الحزب الشيوعي، فغزالة التي نادت عليه حين أراحت رأسها على كتفه ” يا علي” لم تنطق بياء النداء مصادفة مع اسمه، بل إنها الصورة الأخرى لعلي، وللبكائيات المصلوبة على جسده المحارب، وآثار جرح لم يلتئم بعد ..فلم يزج اسم ” حزب الله ” في التحيق عبثا فهناك حتما ماوراء السطور رسالة للقارئ، أو البوح بها كان راحة للكاتب.

“لم يعد للرفيق رفاق”

من زمن الرحباني ” بلا ولا شي بحبك.. إلى زمن بلا ولا شي شو بدي بحبك؟” من عصر الأغاني الملهمات والشعر والقصائد الحبلى بالنرجس.

“وأغنيات الصبايا والحقول والفراشات والوطن الاخضر” إلى زمنٍ لا يشبه قلب عليّ اليساري فترك وظيفته في طولكرم؛ ليأتي لرام الله ويجد الحزب كله قد تغير، وبأن الرفاق مضوا إلى غير رجعة، خالد الذي تحول من شيوعي إلى متدين تخلى عنه وعن باقي رفاقه؛ لينجرف وراء قلبه وحبه لعاتكة، وغزالة سافرت لاستكمال حلمها في الدراسة، أما مريم والذيب وبيت ” النقابة” كما أسماه والد الذيب لم يعد يسكنه أحد، وأغلقت أبوابه على قلب علي منذ رحيلهما، لكنه لم يستطع نسيان مذاق القهوة من يد مريم، وطعامها الشهي ودفء المكان ورفيق دربه الذيب، لم يبق منهم سوى الذاكرة وشواهد القبر وكرمة يسقيها كلما اهتزت عاصفة الشوق إلى ذاك الزمن  .

فلم يتبقَّ من ذلك الزمن سوى الشعارات والحكايا والكتب، وأفكار مشوهة وأغان يسمع صوتها في ذاكرته، ويتمتم بها كلما أسكرته عبثيته .

أخطأ الكاتب في أن جعل شخصية احمد الذيب وعلي متشابهتان إلى حد ما، حتى في تبادل كلام الحب مع حبيباتهم، وتكرار بعض الكلمات في اللغة المحكيّة العاميّة مما يجعل القارئ لا يميز من المتكلم في بعض الأحيان.

طغى على الرواية أسلوب السرد المباشر والحوار والرسائل القصيرة. لم تخلُ الرواية من الأخطاء في بعض الأحداث واللغة.

يبقى القول أنّ عسل الملكات تطرق باب تشظي الحركة الوطنية الفلسطينيّة، وخصوصا قوى اليسار بعد اتفاقات أوسلو، وهذا ما يؤرّق ذاكرة الكاتب.

وقال نمر القدومي:

يغفو على سور “عكا” وتُداعب أحلامه أمواج بحرها .. في يده برتقالة “يافا” تأبى سكّين لاجئ “اليرموك” أن تجرحها، فحَضَنَها ونام باكيا .. صنّارته الصّغيرة لم تهنأ بصيد سمكة من بحيرة “طبريا”. هو لا يقبل بدولة لا تطلُّ على البحر، فعَرَّجَتْ روحه وجاب جسده على سواحل “حيفا” و”نتانيا” و”قيساريا” .. كتبَ رسائل العذاب والخلاص، وجعلها بين أيدينا .. خلعتْ قلبه الخيانة، فأبقى عقله باقي العمر مخمورا. الشّاعر والكاتب “ماجد أبو غوش” يروي الواقع والتّاريخ الفلسطينيّ في روايته الأولى من نوعها “عسل الملكات” الصادرة عن الأهليّة للنّشر والتّوزيع في الأردن للعام 2016، والتي تقع في 166 صفحة من الحجم المتوسط. فعندما تعكس الطبيعة مجراها، وتصطاد الغزالة ذلك الذيب الوفيّ، المُفترس لأعداء الوطن، والذي لا يقتات أبدًا على بقايا شعبه، تبدأ هنا حكاية دراميّة إجتماعيّة سياسيّة والتي شرّحتْ النّوايا والخفايا، وتبدّل المعايير والمفاهيم والثّوابت الحزبيّة والقياديّة.

إعتمدَ الكاتب في روايته فترة الإنتفاضة الثّانية، وتبعيّات إتفاقيات أوسلو المشؤومة، وما آل إليه الشّعب من تغييرات مِفصليّة أدّتْ إلى وأد القضية بأيدي أصحابها. إختار حزبًا كلمة السّر فيه “رفيق” حتى يُمرّر للقارئ مسألة تهميش وإهمال الكثير من الأحزاب والفصائل التي عهدناها منذ بداية الثّورة. الكلام في هذه الرّواية خاص جدًا وصداه مؤلم، وقد فاض عن حدِّ القلب والرّوح ووجع الحياة. “أحمد الذيب” في عوائه المتواصل إنما هو صوت يخرج من داخل أرواح وأجساد الشعب، المستسلم لقَدَر الزّمان وقرارات مَن باعوا الإنس والجان، يخرج  في لحظات النّشوة والفرحة والإنتصار. يد الأديب نحتت حجرًا ثقيلاً ليرميه في ماء راكد، وحلقاته الدّائريّة تزداد يومًا بعد يوم، وتتلاشى كما صرخات النّاس في فضاء بلا نهايات؟ “غزالة” هي حبيبته التي رفض الارتباط بها، لإرتباطه بالقضيّة، وأمه “مريم” موطن قلبه، ودفء حضنها هي أرضه. أورثهم “الذيب” خمس رسائل فيها عِبر  وقصص وصوت أنينه في المعتقل والعذاب؛ إنه شعبٌ طريقه كمائن ودمه مُستباح، ليس في ليله نجوم ولا حتى مصباح .. طريقه موحش ومقفر، ليس فيه عشب ولا ماء، وأعمار الذئاب تبقى قصيرة! صار الذيب إلى حتفه خلال بوابة حديديّة، ومشى لثنتين وعشرين خطوة حتى استقرَّ في زنزانة صهيونيّة، خانقة لكل معاني الإنسانيّة، وذلك في تشبيه بليغ ومؤلم، يُشير إلى عبوره جميع الدول العربيّة عددا، دون اكتراثهم بما حلَّ بالشّعب الفلسطينيّ.

الكاتب “أبو غوش” يبتكر شخصيّة المثقّف “علي” الذي وقع في حُب “تمارا”، تلك الشّخصيّة الإعتباريّة الجميلة، التي يرى فيها “القدس” بشوارعها وحواريها وزقاقها، ويرى أيضا مساجدها وكنائسها وجبالها ووديانها. يستشعر “علي” حزن أهلها وصرخاتهم المكتومة تحت وطأة أقدام الغزاة الذين عزلوا المدينة عن فلسطين أمّها. إنَّ “تمارا” مكسورة الجناحين، تثور تارة وتهمد تارة أخرى، وتذبل وتذوب أمام ناظريها. نجد أنَ الأديب ينتقي المعاني الرّمزيّة والقويّة والمؤثّرة في كتابة روايته، بحيث تُعبّر عن مأساه قائمة، وأجساد تنزف  إمّا دمًا أو دمعًا أو حزنا. إنَّ الشّعب، في الرّواية، وصل حدّ الثّمالة، ليس من شرب الخمرة، ولكن من كثرة الكلام والوعود وإنتشار رعاع الأمّة. فالتحليلات والتّفسيرات قد تكون متعدّدة لدى القارئ، إلاّ أنَّ كل الطرق تؤدّي إلى نفس المصيبة التي تعتلي رؤوس هذا الشّعب المناضل!

مات “الذيب” في الطّرقات من شِدّة البرد، وشُيّع جثمانه على حمّالة  موتى فقيرة وسط نواح أخواته المُحزن، وينوح والدهُ العجوز أيضاً بصمتٍ أشدّ موتا. لقد قتلتْ الأحلام صاحبها، وخرج الحمام من ظِلِّ الجنازة ليطير  فوقها. عوى”الذيب” وودّع الوطن  وحمّل الغزالة هديّة؛ إنها صرارة من البحر تُذكّرها بمدن السّواحل والذئاب، وأحلام مَن رحلوا عنّا دون أن يتذوقوا طعم الحريّة والعودة. إنتهى “الذيب” وانتهت تلك الحوارات والمناظرات الصّاخبة التي تملأ المقاهي والمقرّات عن الأحزاب، الثّورة، الوطن، الحُب، الموسيقى والشّعر؟ لقد ظهرت في الرّواية بعض النّصوص والمشاهد الخادشة للحياء، والتي رأى فيها الكاتب أمرًا عاديًا في تلك العلاقات التحرّرية، ذات السّلوكيات المناقضة للعادات والتّقاليد الشّرقيّة. فبذلك هو يُشير إلى أنَّ المثاليّة حالة مستحيلة داخل النّفوس البشريّة.

أسلوب الحوار والسّرد الرّوائي كانت طبيعة الرّواية، بينما كانت الّلغة بسيطيّة، فيها من روح الشّعر تارة والسّهل الممّتنع تارة أخرى. وقد يجد القارئ نفسه جزءا من النَّص أو بطلًا  من أبطال الحكاية، ولا شيء يُثنيه عن عشق عسل الملكات إذا ما اعتبرنا أنَّ المملكة هي الوطن الجميل حاضن أجسادنا وأرواحنا. أمّا تجربة الشّاعر “أبو غوش” في الحياة، فهي جزء من التّجربة الأدبيّة ومكمل لها، حتى حظيت بهذا النّتاج الفاعل والممتع والمثير للجدل، في حين أثارت نهاية الرّواية المفتوحة حفيظة القارئ وسخطه، ودوّامة من التساؤلات.

عبدالله دعيس قال:

قراءة في رواية (عسل الملكات) للكاتب ماجد أبو غوش

يستهلّ الكاتب ماجد أبو غوش روايته (عسل الملكات) بلفت نظر القارئ إلى المفارقة بين النباتات البريّة ونباتات الظل، ذئاب الليل والكلاب المدلّلة، ماء النبع والماء المعبّأ في زجاجات معقّمة، غناء الغجر والأغاني الهابطة، خبز الأمهات والمخابز الآليّة، النرجس الطبيعيّ والزهر الاصطناعيّ. ثمّ يقول “هل يستوي الذين يعشقون والذين لا يعشقون؟ هل يستوي الذي قال “لا” واضحة وضوح الدّم والوردة بالذي قال نعم لصنم الطين؟” هذا الاستهلال يشي للقارئ بفحوى الرواية حتّى قبل أن يشرع بقراءتها. فهل الكاتب سيغوص في معضلة الخير والشّر؟ وهل سيعقد مقارنة بين الأصالة والثبات على المبدأ، وبين السقوط المدوّي عند أول بادرة منصب أو مال أو جاه؟

هذه الرواية هي مجموعة من الحكايات التي تدور حول شخصيّة (الذيب) الذي يؤثّر في كلّ من حوله ولا يتأثر بشيء، حتّى يصبح كالأسطورة التي ترويها الجدّات، يبقى مصرّا على مبادئه التي آمن بها، يعيش حياة غريبة الأطوار، لا ينجرف مع التيّار، ويؤثر أن يعمل بائع خضار بسيط محتفظا بمبدئه وبمسدّسه الذي أعدّه لمقاومة العدو، فيصبح (الذيب) مصدر إلهام لعدد من الناس الذين كانوا رفقاء له في الحزب الشيوعيّ، قبل دخول السلطة الفلسطينية وجنوح الحزب نحو العمل السياسيّ في ظلّها. ويصبح الذيب شخصيّة بوهيميّة، وينحدر نحو السكر حتّى يموت سكران بردان في أحد شوارع رام الله، لكنّه يبقى مصدر إلهام لغيره حتّى بعد وفاته.

ويطعّم الكاتب روايته بقصص عشق وحبّ، فغزالة والذيب تربطهما علاقة حبّ من نوع غريب، لا يوجد أي عائق أمام حبهما وحتّى جسديهما، لكنّ الذيب يختار أن يحرم غزالة من الزواج ومن الأسرة، أمّا عليّ فيهيم بحب فتاة لا يعرف اسمها الحقيقيّ، ويدور يبحث عنها في أزقة القدس على غير هدى. علاقة (الذيب) بغزالة كانت هي الحبكة التي ربطت بين أجزاء الرواية وبين حكايات الذيب المتعددة، وعدم ارتباط الذيب بها يعكس الفكرة التي أرادها الكاتب، فكرة التشبّث بالمبدأ مهما جرّ ذلك من عذاب، والابتعاد عن الواقع وعدم الاندماج مع الخط العام للمجتمع. أما علاقة عليّ بتمارا، فهي تمثّل حالة الضياع الذي يعيشها عليّ وكثير من الحزبيّين بعد تحولهم إلى موظفين في مكاتب مكيّفة، يصطفّون أمام الصرّاف الآلي بداية كلّ شهر. أما خالد فقد ساقه حبّه لعاتكة وهي زوجته التي كانت تسيء معاملته، إلى التخلّي التام عن مبادئه والانخراط الطبيعيّ في المجتمع الذي يعيش فيه.

ولكن، هل كان الكاتب موفّقا في عرض هذه الأفكار في روايته؟ وهل تمثّل هذه الرواية شريحة من شرائح المجتمع الفلسطينيّ والذي تدور أحداثها فيه؟ يخال القارئ أثناء قراءته للرواية أنّ الكاتب يتحدّث عن مجتمع آخر، لا يربطه شيء بالمجتمع الفلسطيني العربي المسلم إلا أسماء الأماكن الي يذكرها الكاتب. فقد جعل الكاتب هذا المجتمع مجتمعا من السكارى الذين يعاقرون العرق ليل نهار، في بيوتهم وأسواقهم ونواديهم، حتى جعله المشروب الرسميّ الذي يميّز هذا المجتمع وشبّهه بالفودكا بالنسبة للروس، فيجلس الأب والأم والابنة وأصدقاؤها الذكور يحتسون الكأس بعد الكأس. أعتقد أنّ الكاتب بالغ في هذا حتى وصل بالقارئ حدّ الاشمئزاز والقرف. ثمّ أنّ العلاقات الاجتماعية التي وصفها الكاتب لا يمكن أن تحدث في المجتمع الفلسطينيّ، عدا أن تكون هي السائدة أو المرجوّة فيه. فكلما قابل أحد الشخصيات الآخر من الجنسين قام بعناقه، حتّى أن الكاتب لم يستعمل كلمة صافح إلا في حديثه عن عاتكة زوجة خالد –وبنوع من الاستهزاء- فهل يعقل أن يزور رجل غريب بيتا فلسطينيا ويقوم بعناق الابنة ومناداتها (حبيبتي) أمام والدها، والذي لا يبدي إلا القليل من عدم الرضا، ثمّ يصبح هو أيضا ضمن هذه المعادلة وينضم إلى المجموعة لشرب العرق؟

أراد الكاتب من كتابه هذا أن ينتقد أولئك الذين لم يتمسكوا بمبادئ الحزب الشيوعيّ، والذي دأب الكاتب على تسميته الحزب، ولم يذكر اسمه إلا بعد أن انتصفت الرواية، لكنّه في نفس الوقت أعطى صورة سيّئة حتى لأولئك الذين صمدوا على مبادئ الحزب. فقد صوّرهم الكاتب كمجموعة خارجة عن النسق العام للمجتمع الفلسطينيّ، ليس لها دور إلا السكر والعربدة، ولا تقيم لأخلاق وقيم المجتمع الفلسطيني أي وزن، حتّى أنّ أعضاء الحزب أولئك، يحرّضون الذيب على ممارسة الرذيلة مع غزالة التي كانت تشاركهم العمل التطوّعي، وهي تسلّم جسدها له طائعة دون أدنى حفظ لكرامة الأنثى.

أعجبني في الرواية إصرار الكاتب على تسمية اللغة العبرية باللغة الغريبة، في إشارة إلى أن هؤلاء الصهاينة ما هم إلا غرباء طارئون على هذه البلاد. وآخذ على الكاتب عدم مراجعة روايته وتدقيقها قبل نشرها، فالرواية تزخر بالأخطاء المطبعية وكذلك بالأخطاء اللغويّة الواضحة والتي كان يمكن أن يتفاداها بقليل من المراجعة والتدقيق.

وكتب طارق السيد:

الافراد يخونون ولكن الحزب لا يخون، هذه هي الفكرة التي تدور حولها الرواية من وجهة نظر ثورية تبحث عن الحقيقة …ماذا أراد أن يقول بطل الرواية من موت الذيب المفاجئ؟ وماذا أراد أن يكون مستقبله؟ ضمن حوارات داخلية وخارجية اعتمدت على اظهار واقع ما بعد أوسلو بالنسبة لليسار الفلسطيني، وخاصة بالحدث عن حزب الشعب اليوم الحزب الشيوعي بالأمس.

عسل الملكات هو رمز للطاقة الجنسية التي ربما استمد الكاتب منها جماليات ما، أو استلهم بها قوة مؤقتة يبحث عنها في خضم المرحلة.

الذيب ذلك الثوري المتشدد بيساريته في الرواية لم يتغيّر، بينما تغير الكثيرون من أبناء حزبه وتنكروا له، ذيب الذي لا يستيقظ من معاقرة الخمر..رجل ثوري على الطراز الغربي كما أبرزه الكاتب، فهو يزور رفيقته متى شاء، وينام معها في بيت رفاقه، ولست أعلم كم خدم أو دعم شخصية البطل هذا البناء؟ الراوي أيضا كان له نصيب من العشق في محبة تمارا التي صادفها لأوّل مرّة وأحبها بشدة، وبحث عنها بشدة، واختفت بغرابة ودون أيّ مبرر .

عنصر التشويق ربما كان بالبحث بين فترتين..فترة التكاتف والاخلاص والنضال، وفترة المصلحة والمؤسسات والأنانية ..حتى المشاهد التي يظهر فيها الكاتب أمين عام حزب الشعب الفلسطيني ..فإنّه يظهره بطريقه تثير النفور .

المشروب كان موجودا بطريقة مبالغ فيها سواء كانت كؤوس العرق أم القهوة ..التي أدمنها بالصفحات، وكأنّها نهج يساريّ، أو طقوس يجب أن تكون في كل لحظة وفي كل ورقة .

موت الذيب كان كموت أيّ سكّير منبوذ ..وصفحة تطوي نفسها، وللأسف هذا هو الواقع الأليم، فهناك من يصنع الثورة وهناك من يحصد نتاجها .

الرواية كانت مسلية وغاب عنها الصنعه الفنية والتعبيرات القوية للرواية، أراد أن يصنع منها رمزا، ولكنها لم تكن كذلك، فهو كشف شخصيات مثل أمين عام حزب الشعب، واستعمل أسماء حقيقية مثل ساقي حانة المغارة شادي زقطان .

بعض التفاصيل كان فيهها أخطاء، منها مقابلته لتمارا في عام 1999 في مقهى صحصح في الفندق الوطني، وأنا اعتقد أن مقهى صحصح افتتح بعد ال 2004 .

مريم كانت هي الوطن الذي يجمع الجميع ..مع موتها مات كل شيء جميل مثل الحب والأمل والحلم والمستقبل، صار الذيب بلا مأوى، رجع ذئبا بريا لا يهتم بنظافته أو أكله، يرحل متى شاء ، يهوى التشرد .

هل خانه حزبه أم رفاقه الذين تنكروا له؟ هل تغير الواقع وأضحت الأحزاب مجرد موضة ينتعلونها متى شاؤوا وخلعوها متى أرادوا .

تحدث أيضا عن الطبقات الاجتماعية المختلفة التي تكون سببا أساسيا في التفريق بين الأحبة، أرى أن الكاتب وضع كثيرا من شخصيته في الرواية، ولم يتركها تسير لوحدها..فاختار البطل شاعرا ويساريا وعاشقا ورافضا .

الرواية كما رأيت فيها فكرة جيدة ومهمة، ولكن كان لها جوانب كان من الممكن الاستغناء عنها، مثل قصة تمارا التي لم أستطع تقبلها ضمن نسيج الرواية، ولماذا زجّ بها الكاتب في الرواية؟ شرب العرق بكثرة ما دلالاته؟ تسليط الضوء على حياة الحرية التي ربما أراد أن تكون .

الرواية مسلية ..سردية ..موجهه ..تحمل رسائل مباشرة وفيها نوع من المحاكمة الأدبية للسياسيين ..يبقى الحديث عن عسل الملكات ومافيه من مؤشرات جنسية أو ثورية ضمن دفتي الكتاب.

وكتبت رفيقة عثمان:

الأسلوب والقالب الفني للرواية: وُفق الأديب في إبداع الأسلوب وصقل القالب الفنِّي للرواية، مما أضاف على سهولة قراءة الرواية، وربط تسلسل الأحداث، وخلق التشويق لمتابعتها حتى النهاية دون ملل. نجح الأديب في عرض الأفكار الرئيسيَّة عن طريق قراءة مذكَّرات البطل الرئيسي في الرواية (الذيب)؛ كشخصيَة محوريَّة تتَّصف بالتناقضات: ما بين البطولة والصلابة، وقوَّة العزيمة، والتحدِّي، وتحمَّل كل أساليب التعذيب أثناء وجوده بالسجن أثناء التحقيق، ومن جهة أخرى يتَّصف كإنسان صعلوك سكِّير، غير مبالٍ بالحياة، الحياة والموت عنده سيَّان، وصفه الشيخ عند الصلاة عليه بالملحد، ورفض الصلاة عليه.

نجح الأديب في التعبير عن شخصيَّة البطل (الذيب) تعبيرًا صادقًا مقنعًا، خاصَّةً عند المعاناة أثناء التعذيب، ووصف حالاته وآلامه؛ حيث استخدم الحوار الذاتي، الذي يُؤكِّد صدق المعاناة التي واجهها البطل أثناء سجنه، لدرجة ممكن التماهي مع هذه الشخصيَّة؛ التي تمثَّلت أثناء الانتفاضة.

عدد الأبطال في الرواية قليلون جدَّا، حيث كان الراوي فيها أحد أبطالها، وكان لكل بطل دور، كراوٍ عن نفسه، بفكرٍ مشترك بين الأصدقاء، ينتمون لحزبٍ واحدٍ مشترك؛ يمتزج فيها العاطفة والانتماء للوطن؛ دون تمييز فيما بينهم بالدين أو الأجناس.

لغة الرواية سهلة وبسيطة جدًّا حيث تسهِّل على القرَّاء من معظم الأجيال قراءتها وفهمها، دون تعقيد، كان بالامكان تفادي بعض الأخطاء النحويَّة الواردة في الرواية.

وُفِّق الراوي أبوغوش في اختيار عنوان الرواية، حيث كان ملفتًا للانتباه: (عسل الملكات)، الذي قصد فيه الراوي حسن النساء المحبوبات، كما ورد صفحة 65، ” كنت ألمس روحًا معذَّبة، يا لحزن الملكات”. ليس كل إنسان يستطيع اقتناء عسل الملكات، لارتفاع ثمنه وندرته، هنا كانت المقارنة، لم ينجح علي بالوصول إلى محبوبته تمارا، ولم يصل الذيب إلى محبوبته غزالة.

دارت أحداث الرواية، ما بين مدينة رام الله والقدس، وكان للمكان دور هام في تسيير الأحداث. اختصر الكاتب نهاية الرواية، بصفحة واحدة تلخّص مصير الأبطال الأساسيين في الرواية مثل: (غزالة- تمارا-خالد- علي)؛ لم أجد بأنَّ العمل الروائي قد اكتمل بهذا الملخَّص، حبَّذا لو أكمل الراوي روايته بربط نسيج روائي، دون أن يشعر القارئ ببتر الرواية.

اختصر الكاتب نهاية الرواية، بصفحة واحدة تلخّص مصير الأبطال الأساسيين في الرواية مثل: (غزالة- تمارا-خالد- علي)؛ لم أجد بأنَّ العمل الروائي قد اكتمل بهذا الملخَّص، حبَّذا لو أكمل الراوي روايته بربط نسيج روائي، دون أن يشعر القارئ ببتر الرواية.

وكتبت نزهة أبو غوش:

الشّخصيّات في رواية عسل الملكات

في  روايته الأخيرة، عسل الملكات، رسم لنا الكاتب ماجد ابو غوش بريشته الحرّة والجريئة لونًا جديدًا له طعم ومذاق آخر جديد عمّا ألفناه من كتّابنا الفلسطينيين.

عندما تقرأ الرّواية تشعر بانّك أمام شخصيّات تنتسب لفئة مجتمعيّة خاصّة بعيدة عن فئات المجتمع العربي المألوف.

شخصيّات يجمعها حزب واحد له أفكاره وقيمه ومعاييره المتّفق عليها من قبل الأشخاص المنتمين أنفسِهم.

المرأة تقف نمامًا مع الرّجل في صفّ واحد تربطها علاقات الصّداقة البحتة معه . تبدو فيها شخصيّة المرأة المنطلقة الحرّة الجريئة تعرف ما تريد. تخلص للحزب المنتمية اليه، وللحبيب إِلى ما بعد الموت.

شخصيّة المرأة، غزالة احدى بطلات الرّواية، هي رمز للانطلاق والتّحرّر من القيود، ربّما رمز بها الكاتب أبو غوش إِلى طموح الانسان الفلسطيني لحريّة الوطن المسلوب، ومثلها والدتها، عليا الّتي تناصرها قلبًا وقالبًا؛ لأنّ المرأة في عالم الأدب تمثّل الأرض والوطن.

شخصيّة بطل آخر للرّواية، أحمد، الملقّب بالذّئب الّذي يعشق الوطن، ويعشق غزالة، لكنّه لا يرى بنفسه الانسان الّذي بإمكانه أن يصنع أُسرة؛ لأنّه انسان وهب نفسه للجهاد والنّضال، ولا يضمن لنفسه أن يعيش لأُسرته؛ لأنّه دائمًا انسان مطارد من قبل الاحتلال، قضى حياته بين السّجون، وذاق عذاباتها . شخصيّة الذّئب هنا ترمز للإنسان اللطيف الّذي انقلب ذئبًا، كي يقدر على مقاومة أعدائه، وهو بلا شكّ الانسان الفلسطيني المقاوم.

عبّر الكاتب من خلال شخصيّة الذّئب عن حياة  المقاوم الفلسطيني داخل سجون الاحتلال، وعن أشكال العذاب أثناء التّحقيق.

من خلال هذه الشّخصيّة والرّسائل الّتي استخدمها الكاتب لتوصيل الفكرة، نشعر بصدق الشّخصيّة، وعدم المبالغة بها، وأعتقد بأنّ  حياة الكاتب في المعتقلات داخل سجون المحتلّ لهي أصدق تجربة.

اختار الكاتب ماجد ابو غوش لروايته شخصيّات ذات مزاج خاصّ مغاير عن الشخصيّات المألوفة بالرّواية العربيّة عامّة ، إِذ حين تقرأُ الرّواية تتخيّل أنّك تعيش في بلد أجنبي لا يعتدل مزاج الفرد فيه إِلّا بشرب الكحول، وخاصّة العرق.

تذكّرنا تلك الشّخصيّات  في الرّواية بصعاليك الشّعراء العرب أيّام الجاهليّة الّذين انفصلوا عن عشائرهم وهاموا في الصّحراء يعيشون حياتهم دون قيود.

يوضّح لنا الكاتب أبو غوش في نهاية الرّواية عدول بعض الشّخصيّات عن الشّرب واقترابهم إِلى الدّين إِلى حدّ التّطرّف، نحو شخصيّة خالد الّذي أطلق ذقنه، ويواظب على الصّلاة في المساجد..

إِن الأسلوب الّذي اعتمده الكاتب لتطوير أحداث روايته أُسلوب ممتع ومشوّق. الحوار مع الذّات، الاستطراد، الاسترجاع( الفلاش باك)،  الرّسائل، الحوار بين الشّخصيّات نفسها.

يشعر القارئ بأنّ الكاتب قد ألّف روايته  دون أن يتعمّد إِلى الجهد أو العناء؛ إِنّما كأنّه اختار له راوٍ محايد غير منحاز لملّة أو دين أو عرق؛ يجلس على شاطئ البحر ينسج روايته بخيوط متشابكة، في النهاية يسهل فكّها. لا يحمّل شخصيّاته عبئًا فوق طاقاتهم، إِنّما همّ الوطن يظلّ جاثمًا فوق أكتاف الجميع.

اعتمد الكاتب أن يعلمنا بأخبار الشّخصيات من خلال شرح مختصر مباشر في نهاية الرّواية، نحو شخصيّة غزالة الّتي سافرت خارج الوطن؛ من أجل التعليم، وشخصيّة عليّ الّذي يواصل حياته وتأسره الذّكريات؛ كذلك شخصيّة خالد الّذي اتّجه اتّجاهًا جديدًا متطرّفًا

كأنّنا هنا ندرك بأنّ الكاتب قد ملّ من إطالة الرّواية ومن تحريك شخصيّاته لتتحدّث عن نفسها، فأطلق لها العنان. وقال: إِلى هنا تنتهي الرّواية.

وقالت رائدة أبو الصوي:

استطاع الكاتب أن يجعل من رواية عسل الملكات رواية تضاهي الروايات العالمية، لم يدفن قلمه في الرمال كما تفعل النعامة .بل تجرأ وكتب ما لم يكتب من قبل .في الرواية قوة وتميز في الوصف، وهذا ينبع من كون الكاتب شاعر .

عندما تقرأ رواية لشاعر تجذبك الرواية بعنف، لا تضطر أحيانا للبحث عن المضمون بل تبحث عن غذاء الروح .الكلمات القوية والرقيقة واستخدامها في البناء الروائي من مقومات العمل الأدبي الجيد .

الكاتب متأثر بالأدب الغربي، لم يتقيد بقيود المجتمع .بل تعداها، لديه تحليله الخاص ربما لهذا التجاوز .رواية [عسل الملكات ] رواية فيها ولوج الى عالم الأحزاب .رؤيا عن قرب لما يدور خلف الأبواب المغلقة .

فتح الكاتب ماجد أبو غوش وبصدق شديد أبواب لم تفتح من قبل، فتحها بطريقة جذابة رغم وجود بعض التحفظات من المبالغة في تعاطي المشروبات .

بطل الرواية الذيب يشبه بطل رواية تاجر البندقية الذي امتاز بالتضحية من أجل من يحب .

العواطف الجياشة طغت على الرواية وهذا حسب اعتقادي لأن الكاتب شاعر ولديه العديد من الدواوين الشعرية .

المكان والزمان والوصف الدقيق لهما أيضا حضور بالرواية.

ذكر  أسماء بعض الأماكن في القدس: سوق خان الزيت، باب العامود، شارع السلطان سليمان،المكتبة العلمية، شارع الزهراء، الفندق الوطني، مقهى صح صح، المصرارة، باب الخليل،حارة اليهود، سوق القطانين، سوق اللحامين، باب الساهرة، وادي الجوز،الصوانة، الطور والشيخ جراح .

لفتة مميزة جيدا أن يتطرق الكاتب الى ذكر الأماكن في روايته، تلك الأماكن التي تشبه العسل رغم اللسع الا أنها لذيذة .رغم الألم في الحياة الا أن الحياة حلوة .

الشخصيات المساندة للشخصية الرئيسية الرفيق علي والرفيق خالد وغزالة وتمارا وأبوعميد ومريم، شخصيات تحركت من خلال البناء المميز للرواية بسلاسة .

لدي تحفظ من بعض الألفاظ التي تمنيت لو أن الكاتب لم يدخلها الى الرواية؛ لأنها لا تناسب رقة القلم الذي كتبت به الرواية .

مثال قول  والدة غزالة لغزالة في صفحة 45 {ردت الروح فيكي يا حيوانة لما شوفتي الذيب؟} لا يليق …ربما وضع تلك العبارة ليستفز القراء…لا أدري .

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات