عبدالله دعيس: رواية الليلة الأولى أعادت لي ذكريات كثيرة ومؤلمة

ع

يستمرّ الكاتب جميل السّلحوت بتناول المواضيع الاجتماعيّة الشّائكة في رواياته، والتي قد يغض الطّرف عنها كثير من الكتّاب، رغم أنّ هذه العادات والتّقاليد ما زال لها حضور قويّ في مجتمعاتنا، وما زلنا نعاني من آثارها ونتائجها. وقد نظنّ أن بعض هذه العادات اختفت، لكنّها في الواقع أخذت شكلا آخر يقوم على أرث طويل متجذّر في ثقافتنا.

تتحدّث هذه الرّواية عن موضوعين أساسيّن ومتداخلين، ما زالا يسبّبان كثيرا من المشاكل الاجتماعيّة ويؤدّيان إلى جرائم تهدّد النّسيج الاجتماعي في مجتمعاتنا العربيّة. أولهما: التّدخل المباشر في حياة العروسين، خاصّة فحولة الرّجل وعفّة المرأة، حيث ترتبط فحولة الرّجل بمعاشرته السريعة لعروسه، وعفّة المرأة بغشاء بكارتها! مما يشكّل ضغطا كبيرا على الزّوجين ويؤدي إلى نتائج نفسيّة واجتماعيّة وعواقب وخيمة. والموضوع الثّاني والذي هو أشمل وأكثر أهميّة، وهو توجه كثير من النّاس إلى الدّجالين والعرّافين لحل مشاكلهم الاجتماعيّة والصّحيّة؛ فيقعوا ضحيّة لهؤلاء، والذين يتقاضون منهم مبالغ ماليّة كبيرة ويزيدون مشاكلهم تعقيدا، ويتسبّبون لهم بالمشكلات التي ربّما خرجت عن حدّها وتفاقمت ووصلت إلى حدّ اقتراف جرائم القتل.

لقد كانت جدتي رحمها الله خيّاطة القرية، وكانت تجتمع لديها عدد كبير من النّساء كلّ يوم ولساعات طويلة، وحين كنت طفلا كنت أستمع لحكايات النّساء، وما يدور بينهنّ من حديث، وأزعم أنّي سمعت منهنّ ما يشابه كل ما ذكر في الرّواية وأكثر من ذلك، والذي ربما تحاشى الكاتب ذكره، وكأن المجتمعات القرويّة كانت فيها العادات والتقاليد ذاتها، وتتكرّر هذه الحكايات في كلّ قرية وفي كلّ مكان.

من الواضح أنّ أحداث الرّواية تدور في فترة الستينات أو السبعينات من القرن الماضي، بدليل أن الآباء كانوا (عايشين على لامبة الكاز) والأبناء بدأوا يتعلّمون ويتثقّفون، وهذه العادات كانت ما زالت سائدة وقويّة. الرواية لا تذكر أي شيء يدلّ على الزمن بشكل واضح، وإنما يستنتجه القارئ. وقد يظن بعض القراء أنّ هذه العادات اندثرت، ولم يعد لها وجود، وليس من المجدي الحديث عنها في الوقت الحاضر إلا من أجل توثيق ما كان يحدث ومحاولة فهم ما استجدّ من الأمور، والذي انبثق من العادات القديمة أو كردّة فعل عليها؟ لكن المتتبّع لما يدور في مجتمعاتنا سيكتشف أنّ هذه العادات ما زالت موجودة وقويّة وتأثيرها حاضر، فما زالت هناك الكثير من الجرائم التي تعزى إلى شرف العائلة! أمّا الدّجالون فلم يعودوا أشخاصا بسطاء، كما كانوا في الرّواية، يتّخذون مكانا لهم أو يزورون النّاس في بيوتهم ويستغلّون جهلم لكسب بعض المال، وإنّما أصبح بعضهم يستغلّ وسائل التّواصل الاجتماعي ويصل إلى عدد أكبر من النّاس، ويتّخذ أسماء وأشكالا وطرقا كثيرة متعدّدة، وقد يوقع في شراكه من لم يستطع الدّجالون القدماء الإيقاع به!

اللغة التي استخدمت في الرّواية جريئة جدّا، وفيها بعض الألفاظ التي قد تخدش الحياء، لكن هذه المصطلحات والأمثال الشّعبية كانت منتشرة وتستعمل في الحديث عن هذه المواضيع دون حرج، لكنها قد لا تكون مناسبة في رواية يقرأها أناس من أعمار مختلفة وخلفيات مختلفة، وقد تؤدي إلى سوء الفهم لما أراده الكاتب في الحقيقة.

أحببت قراءة الرواية جدّا، وأعادت إليّ ذكريات كثيرة، وأرى أنّنا ما زلنا بحاجة لوقفة جادّة في وجه الشّعوذة والجهل والذي يتطوّر بسرعة ويأخذ أشكالا جديدة تغزو الشّاشات وتصل البيوت أكثر من أيّ وقت مضى.

6-7-2023

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات