شلالات نياجرا والطبيعة الساحرة

ش

يوم السبت 18 تموز 2015 انطلقت أنا وزوجتي مع ابننا الحبيب قيس وزوجته مروة جنّح وطفلتهما السّاحرة لينا ابنة الشّهرين من شيكاغو؛ لزيارة شلالات نياجرا في ولاية نيويورك  عند حدود كندا والتي تبعد عناّ 570 ميلا، اجتهد قيس بأن نزور في طريقنا مدينة ديترويت في ولاية متشيجن، حيث يوجد أكبر جالية عربية في أمريكا، وهذا يطيل المسافة علينا بأكثر من مائتي ميل. وفي ديترويت شاهدنا “مولات” وأسواقا تجارية تعلوها لافتات باللغتين العربيّة والانجليزيّة. وبعد أن تناولنا طعام غدائنا في مطعم “المسجوف” الذي يملكه أخوة عراقيّون، لم يكن المسجوف مسجوفا، ولا علاقة له بالمسجوف العراقيّ الفريد من نوعه بجودته، واصلنا طريقنا إلى شلالات نياجرا. ومن ديترويت كان هناك جسر عبور إلى كندا، يختصر الطّريق إلى نصف المسافة تقريبا، لكنّنا لا نستطيع عبوره لأنّنا لا نملك الجنسيّة الأمريكيّة، ولا نملك فيزا عبور لكندا أيضا، لكنّ اللافت أنّ الشارع والأبنية رصيف منه يتبع كندا والآخر يتبع الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وهذا ما شاهدناه لاحقا في أكثر من موضع في طريقنا إلى الشّلالات، حيث يشاهد المرء بسهولة العلمين الأمريكيّ والكنديّ في منتصف الجسر. والأمريكيّون والكنديّون يدخل كلّ منهم البلد الآخر بسهولة متناهية ودون تأخير. وبالتّالي لا بد من الالتفاف حول بحيرة إري من الجانب الأمريكيّ للوصول إلى الشّلالات.

بحيرة إرِي Erie

وهي بحيرة مشتركة بين أمريكا وكندا، وتبلغ مساحتها 25 ألف كلم مربع. ومياها عذبة.

نهر نياجرا:

ينبع من بحيرة إري، وطوله 188 ميلا، ويبلغ أقصى عرض له حوالي 2600 متر. وقبل الشّلالات ينقسم إلى قسمين، قسم يتّجه إلى الأراضي الكنديّة، وقسم يبقى في الأراضي الأمريكيّة، لتتشكّل جزيرة أمريكيّة بين الرّافدين.

خمس ولايات:

المسافر برّا من شيكاغو في ولاية الينوي، يمرّ بخمس ولايات أخرى هي: انديانا، متشيجن، أوهايو، بنسلفانيا ونيويورك. وبامكان المرء أن يعبرها عبر شارع رقم 90 السّريع، وهذا الشّارع يخترق أمريكا من شرقها إلى غربها، لينتهي في ولاية واشنطن في غرب الولايات المتّحدة، ومن الحقائق التي لا يعرفها كثيرون أنّ مدينة واشنطن عاصمة الولايات المتّحدة الأمريكيّة لا تقع في ولاية واشنطن، بل هي مدينة مستقلّة بذاتها، لذا لا يوجد لها ممثّلون في الكونغرس لأنّها ليست ولاية، ولا تتبع ولاية أيضا.

الطّريق:

الطّريق السّريع يتكوّن من اتّجاهين، في غالبيّتها، كلّ اتّجاه يتكّون من أربع مسارات، وبين الاتّجاهين جزيرة يتفاوت عرضها بين أربعة أمتار وحتى ما يزيد على المئة متر، ويها تجويف تسير به مياه الأمطار؛ لتصبّ في إحدى الأنهار أو البحيرات، وهناك عدّة عشرات من الكيلومترات يفصل فيها قاطع اسمنتيّ بين الاتّجاهين لا يزيد ارتفاعه على االسّبعين سنتمتر.

لكّن الأشجار الضخمة تحيط بجانبي الطّريق، لتشكّل ما يشبه السّور،  وبعضها هو امتداد لغابات، والطّريق كلّها خضراء، لا يشاهد المرء العابر لها سوى الأشجار الحرجيّة والمثمرة، الأبنية والشوارع، المياه والأعشاب التي يجري جزّها وتهذيبها، خصوصا في الجزر بين اتّجاهي الشّارع. وفي شرق ولاية نيويورك حيث الشّلالات يمرّ المرء بالحقول الواسعة والممتدّة المزروعة بالعنب، وكلّها “معرّشة” كما يمر بلافتات تشير إلى مصانع النّبيذ المصنّع من العنب. وأيضا يمرّ من أطراف بعض القرى والمدن الصّغيرة التي يعتمد سكّانها على الزّراعة.

ويلاحظ المرء أنّ المدن الأمريكيّة الضّخمة معدودة على الأصابع كنيويورك، واشنطن، شيكاغو، لوس أجلوس وهيوستن.

وهناك أماكن استراحة على الطّرق تبعد الواحدة منها عن الأخرى حوالي ثمانين كيلومتر. وفي هذه المحطات مطاعم ومحلات تجارية ومحطات وقود، وقد لفت انتباهي وجود محطات استراحة على الجزر الفاصلة بين اتجاهي الشارع، حيث يوجد جسر لمرور البشر عليه من فوق الشّارع من كلا الاتّجاهين. كما يلاحظ وجود فنادق ضخمة ومعروفة عالميا على الطّريق، مثل فنادق هيلتون وهولي دي إن وغيرها.، ويزداد عدد هذه الفنادق كلما اقترب المرء من الشّلالات.

شلالات نياجرا Niagra Falls:

عندما يقف المرء أمام شلالات نياجرا يسحره جمال الطبيعة، ولا أعتقد وجود مكان طبيعيّ آخر يفوق جمال هذه الشّلالات، فضفّة النّهر الشّماليّة تقع في الجانب الكنديّ، والضّفّة الجنوبيّة في الجاانب الأمريكيّ، وفي كلا الجانبين تمّ استغلال المنطقة بطريقة رائعة لتكون منطقة جذب سياحيّ، ولهذا فإن حوالي 26 مليون شخص يرتادون هذه الشّلالات سنويّا، أي بمعدّل 70 ألف شخص يوميّا، ففي الجانب الأمريكيّ جرى  تقسيم المنطقة المحاذية والمطلّة على الشّلالات إلى طرقات وحدائق تظلّلها الأشجار، وفيها مطاعم ومجلّات سياحيّة وحمّامات عامّة، ويحيط بها من جهة النّهر حاجز معدنيّ قويّ ارتفاعه حوالي متر وعشرون سنتمتر؛ ليحمي النّاظرين من السّقوط في النّهر، وهناك باص كهربائيّ يقلّ الزّائرين من طرف الجانب الأمريكيَ المحاذي للشّلّالات إلى المنطقة السّياحيّة عند الشّلال الكبير الواقع بين حدود أمريكا وكندا.

الشّلالات:

يبلغ ارتفاع الشّلالات 54 مترا في الجانب الكنديّ و56 مترا في الجانب الأمريكيّ، وتبلغ كمّيّة المياه المتساقطة في الشّلالات 670 ألف جالون في الثّانية.

والشّلالات عبارة عن شلّالين عظيمين، واحد طوله حوالي 430 مترا ويقع في الجانب الأمريكيّ، وفي طرفه الشّمالي مغارة هائلة، يتمّ النزول إليها بدرج؛ ليقف المرء بين جزء من مياه الشّلالات وبين الانجراف الصّخريّ، وتتساقط المياه من ارتفاع 56 مترا، على صخور سوداء اللّون كما بقيّة الجرف النّهريّ، محدثة خريرا هائلا، وباعثة رياحا محمّلة برذاذ المياه إلى مئات الأمتار. لتنقسم إلى جداول عظيمة بين الصّخور البارزة قبل أن تختلط بمياه النّهر القادمة من الشّلال الكبير، الذي يبعد عنها بضعة مئات من الأمتار. أمّا الشّلال الكبير الواقع بين حدود البلدين ويسمّونه حذوة الفرس ” Horse shoe ” بناء عللى شكله، ويبلغ طوله حوالي 670 مترا.

ومن طرف الجانب الأمريكيّ هناك جسر يوصل إلى مصعد ينزل بالزّائرين 56 مترا إلى ضفّة مياه النّهر، حيث المنطقة مرتّبة بأدراج للوصول إلى السّفينة التي تقلّ الزّائرين لمواجهة الشّلالات بشكل مباشر، ومن لا يستقلّ السفينة يستحيل عليه رؤية الشّلالات كاملة، بل يرى جزءا منه فقط، وحسب الزّاوية التي يقف فيها وينظر منها.

قبل الصّعود إلى السّفينة يرتدي الزّائر ثوبا أزرق الّلون من البلاستيك الخفيف ليقيه من رذاذ الماء المتطاير من سقوط الشّلالات، والذي يشكل ما يشبه جبلا من الدّخان، في حين يرتدي الزّائرون في الجانب الكندي ثوبا بلون أحمر، ويصعدون في سفينة أخرى تبحر من الجهة المقابلة للسّفينة الأمريكيّة. وكلّما اقتربت السّفينة من الشّلالات كلّما ازداد رذاذ الياه، وازدادت قوّة الرّياح الباردة المنبعثة من الشّلالات، ويستحيل على المرء رؤية الشّلالات كاملة ما لم يواجهها من السّفينة. ويلاحظ وجود بناء قديم مكون من عدّة غرف متجاورة تحت الشّلالات في الجانب الكنديّ، كانت تستعمل لوضع أجهزة لتوليد الطّاقة الكهربائيّة في مرحلة سابقة. تمخر السّفينة عباب مياه النّهر الذي يزيد عرضه على الأربعمائة متر لتصل على مسافة ليست بعيدة عن تساقط مياه شلّال “حذوة الفرس” وعلى الجانب الأمريكيّ حيث يوجد مسافة صخريّة بين الانهيار الصّخريّ ومياه النّهر هناك أعداد هائلة من طائر النّورس بين الصّخور والأعشاب والأشجار…لا تستغرق رحلة السّفينة أكثر من ربع ساعة، لتعود مرّة أخرى إلى مكان انطلاقها، تنزل حمولتها وتحمل حمولة أخرى ودواليك.

وهناك مهبط لطائرات هليوكبتر صغيرة تتّسع الواحدة منها لأربعة أشخاص، تقلّ من يريد جولة جوّية فوق الشّلالات.

بهت الذي آمن:

ومن الطّريف أنّ مسلما باكستانيّا أو هنديّا كما تشي بذلك ملابسه، عندما رأى الشّلالات ذهل وأخذ يهتف بصوت مرتفع “الله أكبر” ويبدو أنّ صاحبنا رأى في الشّلالات معجزة إلهيّة، ولا يعلم أنّ العلم والمال في بلاد “الكفّار” قد جعلتا من هذه المنطقة ما يسرّ النّاظرين، ولو كانت في بلدان “المؤمنين” لجرى اغلاق المنطقة ومنع الدّخول إليها خوفا على حياة من يمرّ قربها، كما تفرز عقليّة “فوائد شرب بول البعير”.

وتحت شجرة كانت امرأة عجوز من جنوب شرق آسيا، تفرد فراشها، وتلعب تمارين اليوغا…مرّ بها سنجاب، أخذ يقفز أمامها، فتركت طقوس اليوغا، وشرعت تصوّر السّنجاب سعيدة.

مدينة شلالات نياجرا

مدينة صغيرة، تعيش على السّياحة، تنتشر فيها الفنادق والمطاعم، ولا شيء لافت فيها.

الجانب الكنديّ:

تقف على الجانب الكنديّ عدة أبراج تشغلها فنادق معروفة، وكما يبدو من اللافتات الضّخمة على تلك الأبراج هناك “كازينو”أيضا: كما يوجد برج يرتفع عدّة مئات من الأمتار، وفي قمّته ثلاثة طوابق دائرية فيها مطعم يدور مكانه، وعلى واجهته الخارجيّة  مصعد كهربائي مكشوف يرى الصّاعد والنّازل فيه المكان.

21 تمّوز 2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات