د.بطرس دلّة:جميل السلحوت الذي يعيش بيئته في رواياته

د
الشيخ جميل السلحوت روائي ومبدع، صدر له حتى الآن العديد من الروايات والدراسات الأدبية التي توّجها بسلسلة من خمس روايات متتابعة هي : ظلام النهار، جنة الجحيم، هوان النعيم، برد الصيف والعسف.
قرأت الجزء الثالث من هذه السلسلة الخماسية” هوان النعيم ” فوجدت نفسي  إزاء  كاتب ذي قلم سيال، ولغة  قريبة الى لغة الانسان الذي يكتب عنه، حتى إنني شعرت أنني إزاء الكاتب نفسه، يجلس قبالتي ليحدثني بلغة  قريبة من القلب عن احداث حصلت أمامه، سجلها في ذاكرته، أو ظلت مطبوعة في ذاكرته بتفاصيلها، لم ينس منها  ولو حرفا واحدا، لا بل عاشها بكل تفاصيلها، وأشركني  معه في تطور الأحداث كما لو كنت أشاهد شريطا سينمائيا ناجحا. فالكاتب يعمل بذكاء خارق، ويذكر القارىء بالتفاصيل الدقيقة وبالتلميحات الخفيفة حتى يقنعنا أنه انما يروي ما حدث بدقة، دون اهمال أيّ حرف قد يساعد في تقدم السرد، وفي تأزيم المواقف؛ كي يصل الى التراخي فيما بعد وبقوة وتشويق كبيرين.
الروائي الناجح هو ذلك الذي يصل بقرائه الى أكثر من ذروة موهما اياهم أنه على وشك الانتهاء من السرد في الحادث الذي يكتب عنه؛ لينتقل الى حادث آخر، إلا أنه يرمي بأسماء شخوصه بشكل عفوي في البداية، ولكنه سرعان ما يتضح للقارى أن كل اسم من اسماء شخوص الرواية قد يكون بطلا في نهايتها، عندما ينسب له عملا مميزا كبطل يستحق الاهتمام والألتزام.
هكذا وجدناه في منتصف هذه الرواية أو حتى قبل منتصفها بقليل، قد اختار ان يدخل  شخصية أبي سالم خلال  السرد، ولم يسبغ  عليه أية صفة من صفات الوعي الذي أبداه على باقي  ابطال الرواية خلال الحوار السياسي العميق، بل على العكس من ذلك فقد جعله يبدو انسانا مهزوز الثقة بالنفس، يعمل وجيها في حل مشاكل الآخرين، ولكنه عجز عن حل مشاكله بدون التعاون والتماثل مع الآخرين، الأمر الذي جعله يقع في فخ العمالة، ليتحول الى مخبر وأكثر من ذلك الى جاسوس يعمل لصالح السلطات الاسرائيلية ضد مصالح أبناء شعبه، وذلك مقابل بضعة شواقل أغرقه فيها  نمرود، ذلك الكابتن الذي يعمل في جهاز الأمن الاسرائيلي- الشاباك- والذي نجح في تجنيد أبي سالم؛ ليخدم هذا الجهاز ويخون قضية شعبه. ثم ان اختيار  هذا الاسم أبي سالم لم يكن من قبيل الصدفة؛ لأن المؤلف  أراد الامعان في التسمية ليأتي  بضدها في سير الحدث.
وهنا يجب الانتباه الى أن القارىء الذكي قد ينتبه الى ما يعده الكاتب من صفات لبعض شخوصه، فيكتشف ما قد يطرأ على هذه الشخصية أو تلك من شخصيات الرواية. ولكن القارىء العادي سوف  يفاجأ من تطور الرواية، فيكتشف ما قصده الكاتب من ادخال اسم أبي سالم ولكن بعد مرور العديد من الاحداث، فيجد نفسه كمن هام مع السرد الى نهاية غير  متوقعة، ولكن  بأسلوب  جذاب وممتع.
وشيخنا الأديب جميل السلحوت يدخل القارىء في خضم الأحداث كأنه يعيشها في واقعها المرير، ويجعل القارىء  ينسى نفسه حتى  يكاد يتدخل  في الحوارات الكثيرة التي ابتدعها قلم هذا الروائي، كأنها واقع ملموس.  وعندما نقول واقعا ملموسا، فإننا نعني بذلك تلك الحوارات التي يبدعها الكاتب، هي فعلا حوارات منطقية حصلت بالفعل في أزمنتها؛ لأن معظم الشباب الفلسطينيين كانوا يعيشون تلك الحوارات، ويحيون أحداثها كما كنا نمارسها نحن عرب الداخل الفلسطيني في تلك السنوات التي يوثقها الاستاذ جميل السلحوت.
لذلك وجدتني  خلال  القراءة استرجع العديد من الحوارات التي عاشها شبابنا في السنوات التي سبقت الحرب و/أو تلتها. هكذا وجد الكاتب نفسه يستعيد الامكانية فينقلها معه، من اجواء  مدينة القدس الى اجواء مدينة الناصرة وحيفا وشفاعمرو، ثم الى صحافتنا المحلية، خاصة  صحافة الحزب الشيوعي كالاتحاد والجديد والغد، والى الرفاق الشيوعيين في نضالهم ضد الحكم العسكري، وضد مصادرة الأراضي وضد سياسة التهويد … الخ ويؤكد بما لا يقبل الشك أن اتهام الشيوعيين بالعمالة للاتحاد السوفياتي وبالكفر والالحاد انما جاء من أعداء الشيوعية كمذهب سياسي اجتماعي واقتصادي، مؤكدا  الدور الايجابي والوطني الذي قام به رفاق الحزب الشيوعي وصحافة هذا الحزب في خدمة القضية الفلسطينية.
هكذا لا ينسى كيف ان الجيش الاسرائيلي احتل سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية، وأنهى الحرب خلال ستة أيام بعد أن حطم الطائرات السوفياتية التي حصلت عليه الدول العربية من الاتحاد السوفياتي خلال ساعات قليلة من بداية الحرب. وكيف قدم جمال  عبدالناصر في حينه استقالته، وأعلن أنه المسؤول الأول عن الهزيمة، وأنه يتحمل نتائجها، لولا أن ملايين الشعب المصري نزلت الى الشوارع في  مظاهرات جبارة  تطالبه بالعدول  عن  استقالته، وكيف كانت المذيعة الشهيرة آمال فهمي تبكي وهي  تذيع نبأ الاستقالة  وتقول : لمن سنقول يا حبيبتا يا جمال، وكذك  فعل  المذيع الكبير جلال  معوض، وتراجع  عبد الناصر عن استقالته!
ان العودة الى تلك الأحداث تنقل  جمهور القراء على قلته للعيش من  جديد  في  اجواء  تلك الأيام، عندما كان المدّ الثوري  يملأ  الشوارع بالمتظاهرين، وبالأناشيد  القومية والوطنية فيعتمل هذا الشعور في نفس كل شاب عربي في  جميع  الاقطار  العربية، بحيث  اصبح عبدالناصر الشخصية الأكبر والأكثر لمعانا في عيون العرب جميعهم، بالرغم من الهزيمة النكراء التي ألمّت بسوريا ولبنان والاردن ومصر والعالم العربي الواسع.
الغريب في أمر هذه الرواية أن الكاتب يعمل بذكاء شديد، بحيث أدخل العديد من الشخصيات المسطحة والمدورة الى جانب بعض  المفكرين أو المبدعين الشاذين أمثال  فؤاد وخليل وغيرهما ممن أثبتوا سلامة الرؤية إزاء الأحداث، فلم يهملهم المؤلف بل أعطاهم الرصيد اذي يستحقونه، كشباب مفكرين لهم نظرتهم الصائبة والواضحة للأحداث، فلا تخدعهم الدعايات الباطلة ولا يقلل من قوة ثوريتهم واستعدادهم للتضحية لا الهزائم ولا التهديدات.
والحقيقة التي يجب ألا ننكرها هي أن الانسان الواقعي يتعلم من هزائم شعبه أكثر بكثير مما يتعلم من  انتصارات هذا الشعب. ليس معنى هذا أننا نفضل الهزيمة على النصر، بل بالعكس من ذلك لأن الضربة التي لا تميتنا تجعلنا أجمل وأقوى وأكثر تجربة في الحياة. وأكثر استعدادا  لتلقي ضربات قد تكون أكبر  في المستقبل.
عنصر  الخيانة والعمالة:
يهتم الاستاذ جميل السلحوت في النصف الثاني من هذه الرواية بالحديث عن دور أبي سالم (ص2) الشخصية المهزوزة كما ذكرنا، والذي بدا في بداية الحديث عنه شخصية بسيطة جدا  مع انه كان يعتبر وجيها يصلح بين الناس كما ادعى. فمن كان وجيها ويتدخل في  اصلاح ذات البين بين الآخرين لا بد أن يكون انسانا محنكا مجربا للكثير من القضايا والمشاكل الانسانية. إلا أن المؤلف نزع عنه صفة المجرب الحاذق، وأعطاه صفة الانسان البسيط  جدا، الانسان الذي ليست لديه رؤية مستقبلية ولا أحلام  قومية يسعى لتحقيقها. أبو سالم هذا يدخن  سجائر  الهيشي. والهيشي كما قد يعرف البعض هو نوع من الدخان  اامزروع وغير المصنع، وهو ثقيل جدا  ويسد  مجاري  التنفس في الرئتين، وهو  من النوع  الرخيص جدا. بعد  مؤامرة بسيطة، اتبعها معه الكابتن نمرود، بحيث جعله يمارس الجنس بعد أن شرب زجاجة  عرق، وغاب عن الوعي اثناء ممارسة الجنس مع احدى  بنات الهوى اليهوديات، والتي  أعطاها المؤلف اسم  تسيبورة أيّ  العصفورة، وصور ذلك المشهد الجنسي وعرضه على أبي سالم ليرى نفسه متلبسا بجريمة الجنس وهو الوجيه الذي يجب ان يحافظ  على نقاوة سيرته، ويهدده النمرود  بالفضيحة أمام الناس إن هو لم يتعاون معه،  ويأتيه بالأخبار عن  زملائه ومعارفه، وكل ما يتعلق بالأمن الذي هو – اي النمرود- مسؤول عنه . ويعطيه النمرود بضع ليرات كدفعة أولى على حساب  عمله في الجاسوسية. ولا يترك الكاتب أبا سالم إلا بعد أن  حوّله الى كلب يعمل لحساب  الجاسوسية الاسرائيلية، ويحط من شأنه في عيني النمرود  فيكنيه الاخير بالكلب. ويعترض أبو سالم على تسميته بالكلب، ويصر النمرود على  انه  يجب ان  يكون  كالكلب يتبع  أوامر النمرود وينفذها ولا احترام  له.
هكذا يؤزم الكاتب الموقف في نهاية الرواية بالشكل  التالي( ص-172 – 173 ) :
” وهذه الف ليرة مقابل  اخبارك التي أتيت بها .. إنها تساوي مائة دينار اردني، تساوي  دخلك لأكثر من عام في السنوات السابقة.
– شكرا لك !
– لكن احذرك من مغبة الالتفاف علينا … أو خداعنا… عندها سأوزع  صورك وأنت مع تسيبورا في الفندق… وسأنشر  بين الناس بأنك تعمل معنا… وعليك أن تتحمل عواقب  ذلك.
– أنا يا سيدي لا أخون اليد التي تساعدني… بل أقبلها.
– أنت كلب وفيّ.
-عووووووووووو . “
-هكذا وبصدق  كبير يحول  الكاتب أبا سالم الى كلب حقير وذلك ليكون درسا للآخرين .
– من المسؤول عن الهزيمة ؟:
– صحيح انه في عام النكبة 1948 وتدخل الدول العربية ضد اليهود في فلسطين لم يكن الشباب الفلسطينيون قد استعدوا للمواجهة. واذا كانت الجامعة العربية قد  أقامت جيشا اطلقت  عليه  اسم ” جيش  الانقاذ ”  واذا كان هذا الجيش بقادته الذين منهم القائد فوزي القاوقجي و                                مع باقي الجيوش العربية، لم يكن لديهم لا السلاح المناسب ولا التدريب الصحيح من اجل خوض المعركة. وكانت الاخبار في الاذاعات العربية وغير العربية ترد كاذبة ومضللة فكانت النكبة،والآن عندما جاءت حرب الايام الستة حاول الشباب  الفلسطينيون في الضفة الغربية ان يتمرنوا على حمل السلاح .
– هنا يروي لنا الكاتب جميل السلحوت قصة المتطوع الشاب خليل المصاب بعاهة في  يده اليمنى ( أي أكتع) والذي أصر على تفكيك البندقية واعادة تركيبها، كما أصرّ على التدرب  على اطلاق النار واصابة الهدف باستعمال  يده اليسرى فقط . ومع  ذلك  فقد  أثبت جدارته  وأصاب  الهدف  خمس  مرات  وبدقة متناهية، كما لو كانت لديه  يدان سليمتان. فقد استعان من اجل ذلك برجليه وجسده، وحتى بيده الاصطناعية، وأصاب الهدف خمس مرات. لذلك ما ان وقف على رجليه حتى عانقه القائد، وقبّله على وجنتيه؛ لأنه نجح وباصرار عجيب ان يحقق  الهدف المستحيل. كل ذلك بأسلوب ممتع  جميل ومشوّق للغاية، بحيث يجعل القارىء يتوقف  قليلا ليفكر ويعرف أنه حيث  توجد الارادة  الحديدية والحقيقية، هناك يتم النجاح في تحقيق الاهداف حتى ولو كانت ستحيلة.
– ينتقل  الكاتب  بعدها  الى تبيان كيف  اشترك الملك حسين في  هذه الحرب وذلك لأنه  كان قد التزم ووقع اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر وسوريا، وأعلن أنه سيشارك في  الحرب  اذا ما تم الاعتداء على سوريا وهكذا كان .
– الجميل  فيما  يكتبه  الاستاذ جميل  هو  بعض  القصص الخيالية التي كان يتندر  بها  الشباب  من حين لآخر، وبأسلوب ايروني ساخر، كقصة الشاب الذي رأى  الطائرات  الصهيونية  تهاجم  القدس على ارتفاع منخفض،  فما كان منه الا أن  سحب مسدسه وأطلق  خمس رصاصات باتجاه تلك الطائرة، وأكد بعد ذلك أنه رأى الرصاصات وهي تصيب جناح الطائرة، وقد سقطت هذه الطائرة في اليوم التالي. هذه اذن احدى البطولات الخيالية الهازئة. وهي في نفس الوقت تشير الى ان الأسلحة العربية لم تكن بمستوى الأسلحة الصهيونية، خاصة وان اىسرائيل  تملك السلاح النووي! اذن فالاذاعات الكاذبة لعبت دورا آخر الى جانب  الأسلحة البسيطة – المسدس ازاء الطائرة- لعبت دورا في الفشل والهزيمة؛ لأنها كانت تكذب وتهوّل الاحداث وتخدع حتى الجيوش العربية والقادة العرب والانسان العربي ليلوم الصديق الاتحاد السوفياتي.
– هكذا كتب  المؤلف في صفحة 16 :
– فتح ابو خليل المذياع فجاء الصوت هادرا: وها هي الجيوش العربية تطبق على اسرائيل من ثلاث جبهات، وعندما ستحين ساعة الصفر، فان سمك البحر المتوسط سيحظى بطعام من لحوم اليهود سيكفيه العمر كله!
– أخيرا وفي ص- 39 يقول : ينتهي المطاف وتنتهي الحرب بانسحاب الجيوش العربية ويعلن الناطق العسكري المصري: ان الأوامر صدرت من القيادة العليا للقوات المسلحة للانسحاب من قطاع غزة ومن سيناء الى غرب قناة السويس، واتخاذ  مواقع  لها “!
– ويلخص داود – وهو أحد الشخصيات الشبابية قائلا: (ص 39 ) هذا يعني ان النكبة أصبحت نكبات… ولم يكمل  حديثه لأنه اختنق  بدموعه”!
– وحول موقف  الاتحاد السوفياتي يعلق  داود نفسه (ص 45 ) قائلا : ليس مطلوبا من السوفيات أن يحاربوا نيابة عنا، فلا ينقصنا الرجال، لكن تنقصنا القيادات الحكيمة والقادرة على بناء جيوش كفؤة ومتعلمة، والذي يحارب الآن هو العلم والتكنولوجيا … فدولنا العربية لا تعرف كيف تحارب، فطائرات الميغ والسوخوي روسية الصنع اسقطت طائرات الفانتوم والسكاي هوك في فييتنام، بينما تم تدميرها وهي جاثمة على اراضي  المطارات العربية  بسبب الجهل والاهمال وخيانات القادة “.
– بالرغم من الهزيمة المؤلمة في حرب 1967 ظل الانسان العربي والمرأة العربية صامدين أمام أكبر التحديات … فالبقول تحولت الى الغذاء الرئيسي بسبب الاحتلال والحصار  وسياسة التجويع … فتصريحات عبد الناصر التي منها ” ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة “! فيرد خليل آنف الذكر قائلا :” لم أعد أثق بأيّ زعيم عربي! ويتابع كيف قام الشباب الفلسطينيون باصدار بيان يعلنون فيه أن العرب انتصروا! انتصروا في حرب ال1967 في محاولة منهم لتبرير الهزيمة!  فيتبرع داود إيّاه في شرح كيفية تم الانتصار بأن الحرب ليس هدفها قتل الآخرين، واخضاعهم بل تحقيق اهداف تضعها السلطات السياسية أمام القادة لتحقيقها، واسرائيل لم تحقق اهدافها بالرغم من النصر .
– ويضيف  فؤاد الشاب الواعي ملخصا الموقف بقوله (ص75) ” ان عدم الاعتراف بالهزيمة هو حالة مرضية يصعب شفاؤها وبالتالي سنبقى مهزومين الى ما شاء الله! ان سلخ الضفة الغربية عن الاردن يعني هدم الدولة … “
– هكذا احتلت اسرائيل  الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وقررت الكنيست- وهي البرلمان الاسرائيلي – قانون اساسي ضم الجولان والقدس الى اسرائيل، هذا القانون الذي لا تراجع عنه الا بأكثرية ساحقة أي ثلاثة أرباع عدد أعضاء الكنيست أي 90  عضوا.
– بعدها كان على سكان هذه المناطق  الحصول على الهويات الاسرائيلية، وإلا فالطرد من الوطن!. هنا يقع ابوسالم في فخ الهويات لأنه لم يستطع الحصول على هوية عندما تسجل سكان عرب السواحرة. يتعرف عليه الكابتن نمرود فيعرض عليه مساعدته في الحصول على الهوية، ثم  يأخذه  معه ويعرض عليه ممارسة الجنس مع احدى بنات الهوى اليهوديات.
– من هنا  تبدأ العلاقات بين  ابي سالم ونمرود وبالمقابل  فتحت الطريق  امام التواصل  العربي – العربي، أي بين اهل الضفة والقطاع وبين الأهل في الداخل الفلسطيني، مع  عرب  الجليل والوسط والنقب، وذلك  بسبب علاقات القرابة  بين  الجميع من جهة،  وبسبب  الروابط الاقتصادية. هكذا واجه عرب الضفة والقطاع عالما جديدا لم يكونوا قد تعرفواعليه. فالمرأة اليهودية لا تحسب  حسابا للعلاقات الجنسية، ولذلك فانهن  على استعداد لممارسة الجنس مع أي قائد عربي خدمة لدولة اسرائيل. والتجار اليهود وأصحاب الرساميل على استعداد للتعاون مع التجار العرب من أجل تحقيق الارباح، وهكذا بدأ التواصل وسياسة التطبيع وتطورت العلاقة بين عرب الداخل والخارج، وحصل  انفتاح على بعض الدول العربية بعد كامب  ديفيد وقامت الانتفاضة الأولى بعد حوالي عشرسنوات من اتفاقية كامب ديفيد .
– ولا ينسى المؤلف صحافة الحزب الشيوعي ودورها الوطني  القومي العربي من القضية الفلسطينية مثل  جريدة الاتحاد ومجلتي  الجديد والغد، وجرأة قادة هذا الحزب في فضح جرائم الاحتلال الصهيوني ومطامع القادة الصهيونيين في احتلال كافة الاراضي الفلسطينية، وفرض سياسة الاستيطان الصهيوني على الاراضي الفلسطينية والتي ما زالت حجرعثرة  حتى  اليوم في سبيل التوصل الى اتفاقية  سلام  بين  الفلسطينيين واسرائيل في مؤتمر جنيف  الحالي اي عام 2014 ولم تنته بعد !
– لقد فتحت هزيمة  حرب الايام الستة  ابواب الحوار السياسي العربي – العربي على مصاريعها،وكان على الشباب العربي المنفتح تبرير الهزائم التي مني بها العرب . ويثور السؤال التقليدي والرئيسي: لماذا لم يقبل العرب قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947 في حينه  وهو و يرضون به اليوم ؟  وغيره من الاسئلة  التي  يعرضها المؤلف من خلال الحوار في هذه الرواية؟
– بانتهاء الحوار يلخص  خليل ما سمعه بقوله (ص-154) : ما يلفت الانتباه هو كذب الاعلام العربي… فاليهود ليسوا عصابات  كما كنا نسمع… لاحظوا حركة العمران والشوارع والمدارس والمستشفيات والتنظيم والحدائق والنظافة … ولو كانوا عصابات كما كنا نسمع لسرقوا ونهبوا وهربوا … ولما بنوا ما ترونه ولما استقروا!
أخيرا : ما قدمته لنا هذه الرواية وهي الجزء الثالث من هذا المسلسل هو  تبيان اسباب هزائم العرب المتكررة، وضعف القادة العرب والدعايات والادعاءات الخطيرة التي حاولت وسائل الاعلام العربية بثها للقراء العرب – وهم قلة – من ان الحركة الصهيونية نجحت بسبب دعم قوى الاستعمار التقليدي والاستعمار  الامريكي  لهذه الحركة. واذا كان هذا الادعاء صحيحا الى حد كبير فان ضعف الانظمة العربية ونظام الوراثة الذي أكل عليه الدهر وشرب وانعدام النظام الديمقراطي في هذه الدول، وغيرها من الاسباب  كلها مجتمعة جعلت النظام الصهيوني ينجح فيما فشل العرب، ومنوا بالهزائم المتواصلة عبر تاريخ العصر  الحاضر .
– المؤلف الشيخ جميل السلحوت- كما يسميه البعض – انما يحاول ان يضع اصبعه على الجرح الفلسطيني وعلى مكان الوجع، بحثا عن طريقة يستطيع معها وبها مداواة جراح الوطن واستعادة استقلال فلسطين متمسكا بالثوابت الفلسطينية  التي لا تنازل  عنها في أيّة حال من الاحوال .
– لقد أثبت الكاتب  براعة كبيرة في تصوير الشخصيات بحيث أقنعنا بصحة وجهة نظره وقد ترك  شخصياته  تتحاور فيما  بينها  ولم يتدخل الا عند  الحسم، أي حسم الموقف. هكذا وقف وقفة الطبيب الماهر في تشخيص أمراض مرضاه. والتشخيص كما  يعرف الجميع هو  نصف العلاج . هذه الحوارات على ما فيها من الصعود والهبوط ومن الحدة والتراخي أكسبت الرواية بعدا  كبيرا وقوة وجمالا خاصين، لأنه ادخل فيها عنصر الايرونيا، حيث  وضع نفسه فوق الأحداث، وجعل  شخوصه يختلفون ويتفقون، وترك لعبقرية القراء القرار النهائي في فهم ما دار وما زال يدور  في الاذهان حول القضية الفلسطينية، قضية الارض والاستقلال  والتحرير وهي  حلم الانسان الفلسطيني. واذا قلنا أن المؤلف كان يلجأ الى أسلوب الايرونيا الساخر، فليس ذلك من قبيل الترفع بنفسه فوق افكار ومواقف الآخرين؛ ولكنه عمل بذكاء خارق في عرض الواقع المعاش، وجرنا معه الى حدّ محاولة التدخل في حواراته كما لو كنا مشاركين في هذه الحوارات مع  ابطال  الرواية. لقد ترك لنا حرية الاختيار في اتخاذ المواقف التي قد تعيننا عى تخطي هذه الهزائم وتبريرها من أجل الوصول الى الهدف الأبعد، وهو  اقامة الدولة الفلسطينية بجانب اسرائيل، خاصة بعد أن  لمّح  أن عصبة التحرر الوطني – وهي نواة الحزب  الشيوعي  الاسرائيلي اليوم – كان قد قبلت قرار  التقسيم من عام 1947  . نذكر أن رفاق  هذه العصبة اتهموا  بالتآمر على القضية الفلسطينية، ولكن اتضح فيما  بعد أنه كانت لديهم رؤية صائبة  في حينه.
– ايها الاستاذ الشيخ جميل السلحوت لك أقول :  بورك قلمك وليبق سيالا يقدم لنا الرائع  والأكثر روعة .
– لك الحياة !
– 30 آذار من عام 2014                                    د. بطرس دلة –  كفرياسيف

جميل السلحوت الروائي الذي يعيش بيئته في رواياتهبقلم:د.بطرس دلّة الشيخ جميل السلحوت روائي ومبدع، صدر له حتى الآن العديد من الروايات والدراسات الأدبية التي توّجها بسلسلة من خمس روايات متتابعة هي : ظلام النهار، جنة الجحيم، هوان النعيم، برد الصيف والعسف. قرأت الجزء الثالث من هذه السلسلة الخماسية” هوان النعيم ” فوجدت نفسي  إزاء  كاتب ذي قلم سيال، ولغة  قريبة الى لغة الانسان الذي يكتب عنه، حتى إنني شعرت أنني إزاء الكاتب نفسه، يجلس قبالتي ليحدثني بلغة  قريبة من القلب عن احداث حصلت أمامه، سجلها في ذاكرته، أو ظلت مطبوعة في ذاكرته بتفاصيلها، لم ينس منها  ولو حرفا واحدا، لا بل عاشها بكل تفاصيلها، وأشركني  معه في تطور الأحداث كما لو كنت أشاهد شريطا سينمائيا ناجحا. فالكاتب يعمل بذكاء خارق، ويذكر القارىء بالتفاصيل الدقيقة وبالتلميحات الخفيفة حتى يقنعنا أنه انما يروي ما حدث بدقة، دون اهمال أيّ حرف قد يساعد في تقدم السرد، وفي تأزيم المواقف؛ كي يصل الى التراخي فيما بعد وبقوة وتشويق كبيرين. الروائي الناجح هو ذلك الذي يصل بقرائه الى أكثر من ذروة موهما اياهم أنه على وشك الانتهاء من السرد في الحادث الذي يكتب عنه؛ لينتقل الى حادث آخر، إلا أنه يرمي بأسماء شخوصه بشكل عفوي في البداية، ولكنه سرعان ما يتضح للقارى أن كل اسم من اسماء شخوص الرواية قد يكون بطلا في نهايتها، عندما ينسب له عملا مميزا كبطل يستحق الاهتمام والألتزام.  هكذا وجدناه في منتصف هذه الرواية أو حتى قبل منتصفها بقليل، قد اختار ان يدخل  شخصية أبي سالم خلال  السرد، ولم يسبغ  عليه أية صفة من صفات الوعي الذي أبداه على باقي  ابطال الرواية خلال الحوار السياسي العميق، بل على العكس من ذلك فقد جعله يبدو انسانا مهزوز الثقة بالنفس، يعمل وجيها في حل مشاكل الآخرين، ولكنه عجز عن حل مشاكله بدون التعاون والتماثل مع الآخرين، الأمر الذي جعله يقع في فخ العمالة، ليتحول الى مخبر وأكثر من ذلك الى جاسوس يعمل لصالح السلطات الاسرائيلية ضد مصالح أبناء شعبه، وذلك مقابل بضعة شواقل أغرقه فيها  نمرود، ذلك الكابتن الذي يعمل في جهاز الأمن الاسرائيلي- الشاباك- والذي نجح في تجنيد أبي سالم؛ ليخدم هذا الجهاز ويخون قضية شعبه. ثم ان اختيار  هذا الاسم أبي سالم لم يكن من قبيل الصدفة؛ لأن المؤلف  أراد الامعان في التسمية ليأتي  بضدها في سير الحدث. وهنا يجب الانتباه الى أن القارىء الذكي قد ينتبه الى ما يعده الكاتب من صفات لبعض شخوصه، فيكتشف ما قد يطرأ على هذه الشخصية أو تلك من شخصيات الرواية. ولكن القارىء العادي سوف  يفاجأ من تطور الرواية، فيكتشف ما قصده الكاتب من ادخال اسم أبي سالم ولكن بعد مرور العديد من الاحداث، فيجد نفسه كمن هام مع السرد الى نهاية غير  متوقعة، ولكن  بأسلوب  جذاب وممتع. وشيخنا الأديب جميل السلحوت يدخل القارىء في خضم الأحداث كأنه يعيشها في واقعها المرير، ويجعل القارىء  ينسى نفسه حتى  يكاد يتدخل  في الحوارات الكثيرة التي ابتدعها قلم هذا الروائي، كأنها واقع ملموس.  وعندما نقول واقعا ملموسا، فإننا نعني بذلك تلك الحوارات التي يبدعها الكاتب، هي فعلا حوارات منطقية حصلت بالفعل في أزمنتها؛ لأن معظم الشباب الفلسطينيين كانوا يعيشون تلك الحوارات، ويحيون أحداثها كما كنا نمارسها نحن عرب الداخل الفلسطيني في تلك السنوات التي يوثقها الاستاذ جميل السلحوت.لذلك وجدتني  خلال  القراءة استرجع العديد من الحوارات التي عاشها شبابنا في السنوات التي سبقت الحرب و/أو تلتها. هكذا وجد الكاتب نفسه يستعيد الامكانية فينقلها معه، من اجواء  مدينة القدس الى اجواء مدينة الناصرة وحيفا وشفاعمرو، ثم الى صحافتنا المحلية، خاصة  صحافة الحزب الشيوعي كالاتحاد والجديد والغد، والى الرفاق الشيوعيين في نضالهم ضد الحكم العسكري، وضد مصادرة الأراضي وضد سياسة التهويد … الخ ويؤكد بما لا يقبل الشك أن اتهام الشيوعيين بالعمالة للاتحاد السوفياتي وبالكفر والالحاد انما جاء من أعداء الشيوعية كمذهب سياسي اجتماعي واقتصادي، مؤكدا  الدور الايجابي والوطني الذي قام به رفاق الحزب الشيوعي وصحافة هذا الحزب في خدمة القضية الفلسطينية. هكذا لا ينسى كيف ان الجيش الاسرائيلي احتل سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية، وأنهى الحرب خلال ستة أيام بعد أن حطم الطائرات السوفياتية التي حصلت عليه الدول العربية من الاتحاد السوفياتي خلال ساعات قليلة من بداية الحرب. وكيف قدم جمال  عبدالناصر في حينه استقالته، وأعلن أنه المسؤول الأول عن الهزيمة، وأنه يتحمل نتائجها، لولا أن ملايين الشعب المصري نزلت الى الشوارع في  مظاهرات جبارة  تطالبه بالعدول  عن  استقالته، وكيف كانت المذيعة الشهيرة آمال فهمي تبكي وهي  تذيع نبأ الاستقالة  وتقول : لمن سنقول يا حبيبتا يا جمال، وكذك  فعل  المذيع الكبير جلال  معوض، وتراجع  عبد الناصر عن استقالته!ان العودة الى تلك الأحداث تنقل  جمهور القراء على قلته للعيش من  جديد  في  اجواء  تلك الأيام، عندما كان المدّ الثوري  يملأ  الشوارع بالمتظاهرين، وبالأناشيد  القومية والوطنية فيعتمل هذا الشعور في نفس كل شاب عربي في  جميع  الاقطار  العربية، بحيث  اصبح عبدالناصر الشخصية الأكبر والأكثر لمعانا في عيون العرب جميعهم، بالرغم من الهزيمة النكراء التي ألمّت بسوريا ولبنان والاردن ومصر والعالم العربي الواسع.الغريب في أمر هذه الرواية أن الكاتب يعمل بذكاء شديد، بحيث أدخل العديد من الشخصيات المسطحة والمدورة الى جانب بعض  المفكرين أو المبدعين الشاذين أمثال  فؤاد وخليل وغيرهما ممن أثبتوا سلامة الرؤية إزاء الأحداث، فلم يهملهم المؤلف بل أعطاهم الرصيد اذي يستحقونه، كشباب مفكرين لهم نظرتهم الصائبة والواضحة للأحداث، فلا تخدعهم الدعايات الباطلة ولا يقلل من قوة ثوريتهم واستعدادهم للتضحية لا الهزائم ولا التهديدات.  والحقيقة التي يجب ألا ننكرها هي أن الانسان الواقعي يتعلم من هزائم شعبه أكثر بكثير مما يتعلم من  انتصارات هذا الشعب. ليس معنى هذا أننا نفضل الهزيمة على النصر، بل بالعكس من ذلك لأن الضربة التي لا تميتنا تجعلنا أجمل وأقوى وأكثر تجربة في الحياة. وأكثر استعدادا  لتلقي ضربات قد تكون أكبر  في المستقبل.عنصر  الخيانة والعمالة:يهتم الاستاذ جميل السلحوت في النصف الثاني من هذه الرواية بالحديث عن دور أبي سالم (ص2) الشخصية المهزوزة كما ذكرنا، والذي بدا في بداية الحديث عنه شخصية بسيطة جدا  مع انه كان يعتبر وجيها يصلح بين الناس كما ادعى. فمن كان وجيها ويتدخل في  اصلاح ذات البين بين الآخرين لا بد أن يكون انسانا محنكا مجربا للكثير من القضايا والمشاكل الانسانية. إلا أن المؤلف نزع عنه صفة المجرب الحاذق، وأعطاه صفة الانسان البسيط  جدا، الانسان الذي ليست لديه رؤية مستقبلية ولا أحلام  قومية يسعى لتحقيقها. أبو سالم هذا يدخن  سجائر  الهيشي. والهيشي كما قد يعرف البعض هو نوع من الدخان  اامزروع وغير المصنع، وهو ثقيل جدا  ويسد  مجاري  التنفس في الرئتين، وهو  من النوع  الرخيص جدا. بعد  مؤامرة بسيطة، اتبعها معه الكابتن نمرود، بحيث جعله يمارس الجنس بعد أن شرب زجاجة  عرق، وغاب عن الوعي اثناء ممارسة الجنس مع احدى  بنات الهوى اليهوديات، والتي  أعطاها المؤلف اسم  تسيبورة أيّ  العصفورة، وصور ذلك المشهد الجنسي وعرضه على أبي سالم ليرى نفسه متلبسا بجريمة الجنس وهو الوجيه الذي يجب ان يحافظ  على نقاوة سيرته، ويهدده النمرود  بالفضيحة أمام الناس إن هو لم يتعاون معه،  ويأتيه بالأخبار عن  زملائه ومعارفه، وكل ما يتعلق بالأمن الذي هو – اي النمرود- مسؤول عنه . ويعطيه النمرود بضع ليرات كدفعة أولى على حساب  عمله في الجاسوسية. ولا يترك الكاتب أبا سالم إلا بعد أن  حوّله الى كلب يعمل لحساب  الجاسوسية الاسرائيلية، ويحط من شأنه في عيني النمرود  فيكنيه الاخير بالكلب. ويعترض أبو سالم على تسميته بالكلب، ويصر النمرود على  انه  يجب ان  يكون  كالكلب يتبع  أوامر النمرود وينفذها ولا احترام  له. هكذا يؤزم الكاتب الموقف في نهاية الرواية بالشكل  التالي( ص-172 – 173 ) : ” وهذه الف ليرة مقابل  اخبارك التي أتيت بها .. إنها تساوي مائة دينار اردني، تساوي  دخلك لأكثر من عام في السنوات السابقة. – شكرا لك ! – لكن احذرك من مغبة الالتفاف علينا … أو خداعنا… عندها سأوزع  صورك وأنت مع تسيبورا في الفندق… وسأنشر  بين الناس بأنك تعمل معنا… وعليك أن تتحمل عواقب  ذلك. – أنا يا سيدي لا أخون اليد التي تساعدني… بل أقبلها.- أنت كلب وفيّ.  -عووووووووووو . “-هكذا وبصدق  كبير يحول  الكاتب أبا سالم الى كلب حقير وذلك ليكون درسا للآخرين .- من المسؤول عن الهزيمة ؟:      – صحيح انه في عام النكبة 1948 وتدخل الدول العربية ضد اليهود في فلسطين لم يكن الشباب الفلسطينيون قد استعدوا للمواجهة. واذا كانت الجامعة العربية قد  أقامت جيشا اطلقت  عليه  اسم ” جيش  الانقاذ ”  واذا كان هذا الجيش بقادته الذين منهم القائد فوزي القاوقجي و                                مع باقي الجيوش العربية، لم يكن لديهم لا السلاح المناسب ولا التدريب الصحيح من اجل خوض المعركة. وكانت الاخبار في الاذاعات العربية وغير العربية ترد كاذبة ومضللة فكانت النكبة،والآن عندما جاءت حرب الايام الستة حاول الشباب  الفلسطينيون في الضفة الغربية ان يتمرنوا على حمل السلاح . – هنا يروي لنا الكاتب جميل السلحوت قصة المتطوع الشاب خليل المصاب بعاهة في  يده اليمنى ( أي أكتع) والذي أصر على تفكيك البندقية واعادة تركيبها، كما أصرّ على التدرب  على اطلاق النار واصابة الهدف باستعمال  يده اليسرى فقط . ومع  ذلك  فقد  أثبت جدارته  وأصاب  الهدف  خمس  مرات  وبدقة متناهية، كما لو كانت لديه  يدان سليمتان. فقد استعان من اجل ذلك برجليه وجسده، وحتى بيده الاصطناعية، وأصاب الهدف خمس مرات. لذلك ما ان وقف على رجليه حتى عانقه القائد، وقبّله على وجنتيه؛ لأنه نجح وباصرار عجيب ان يحقق  الهدف المستحيل. كل ذلك بأسلوب ممتع  جميل ومشوّق للغاية، بحيث يجعل القارىء يتوقف  قليلا ليفكر ويعرف أنه حيث  توجد الارادة  الحديدية والحقيقية، هناك يتم النجاح في تحقيق الاهداف حتى ولو كانت ستحيلة.- ينتقل  الكاتب  بعدها  الى تبيان كيف  اشترك الملك حسين في  هذه الحرب وذلك لأنه  كان قد التزم ووقع اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر وسوريا، وأعلن أنه سيشارك في  الحرب  اذا ما تم الاعتداء على سوريا وهكذا كان .  – الجميل  فيما  يكتبه  الاستاذ جميل  هو  بعض  القصص الخيالية التي كان يتندر  بها  الشباب  من حين لآخر، وبأسلوب ايروني ساخر، كقصة الشاب الذي رأى  الطائرات  الصهيونية  تهاجم  القدس على ارتفاع منخفض،  فما كان منه الا أن  سحب مسدسه وأطلق  خمس رصاصات باتجاه تلك الطائرة، وأكد بعد ذلك أنه رأى الرصاصات وهي تصيب جناح الطائرة، وقد سقطت هذه الطائرة في اليوم التالي. هذه اذن احدى البطولات الخيالية الهازئة. وهي في نفس الوقت تشير الى ان الأسلحة العربية لم تكن بمستوى الأسلحة الصهيونية، خاصة وان اىسرائيل  تملك السلاح النووي! اذن فالاذاعات الكاذبة لعبت دورا آخر الى جانب  الأسلحة البسيطة – المسدس ازاء الطائرة- لعبت دورا في الفشل والهزيمة؛ لأنها كانت تكذب وتهوّل الاحداث وتخدع حتى الجيوش العربية والقادة العرب والانسان العربي ليلوم الصديق الاتحاد السوفياتي.- هكذا كتب  المؤلف في صفحة 16 : – فتح ابو خليل المذياع فجاء الصوت هادرا: وها هي الجيوش العربية تطبق على اسرائيل من ثلاث جبهات، وعندما ستحين ساعة الصفر، فان سمك البحر المتوسط سيحظى بطعام من لحوم اليهود سيكفيه العمر كله!- أخيرا وفي ص- 39 يقول : ينتهي المطاف وتنتهي الحرب بانسحاب الجيوش العربية ويعلن الناطق العسكري المصري: ان الأوامر صدرت من القيادة العليا للقوات المسلحة للانسحاب من قطاع غزة ومن سيناء الى غرب قناة السويس، واتخاذ  مواقع  لها “! – ويلخص داود – وهو أحد الشخصيات الشبابية قائلا: (ص 39 ) هذا يعني ان النكبة أصبحت نكبات… ولم يكمل  حديثه لأنه اختنق  بدموعه”! – وحول موقف  الاتحاد السوفياتي يعلق  داود نفسه (ص 45 ) قائلا : ليس مطلوبا من السوفيات أن يحاربوا نيابة عنا، فلا ينقصنا الرجال، لكن تنقصنا القيادات الحكيمة والقادرة على بناء جيوش كفؤة ومتعلمة، والذي يحارب الآن هو العلم والتكنولوجيا … فدولنا العربية لا تعرف كيف تحارب، فطائرات الميغ والسوخوي روسية الصنع اسقطت طائرات الفانتوم والسكاي هوك في فييتنام، بينما تم تدميرها وهي جاثمة على اراضي  المطارات العربية  بسبب الجهل والاهمال وخيانات القادة “.- بالرغم من الهزيمة المؤلمة في حرب 1967 ظل الانسان العربي والمرأة العربية صامدين أمام أكبر التحديات … فالبقول تحولت الى الغذاء الرئيسي بسبب الاحتلال والحصار  وسياسة التجويع … فتصريحات عبد الناصر التي منها ” ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة “! فيرد خليل آنف الذكر قائلا :” لم أعد أثق بأيّ زعيم عربي! ويتابع كيف قام الشباب الفلسطينيون باصدار بيان يعلنون فيه أن العرب انتصروا! انتصروا في حرب ال1967 في محاولة منهم لتبرير الهزيمة!  فيتبرع داود إيّاه في شرح كيفية تم الانتصار بأن الحرب ليس هدفها قتل الآخرين، واخضاعهم بل تحقيق اهداف تضعها السلطات السياسية أمام القادة لتحقيقها، واسرائيل لم تحقق اهدافها بالرغم من النصر . – ويضيف  فؤاد الشاب الواعي ملخصا الموقف بقوله (ص75) ” ان عدم الاعتراف بالهزيمة هو حالة مرضية يصعب شفاؤها وبالتالي سنبقى مهزومين الى ما شاء الله! ان سلخ الضفة الغربية عن الاردن يعني هدم الدولة … ” – هكذا احتلت اسرائيل  الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وقررت الكنيست- وهي البرلمان الاسرائيلي – قانون اساسي ضم الجولان والقدس الى اسرائيل، هذا القانون الذي لا تراجع عنه الا بأكثرية ساحقة أي ثلاثة أرباع عدد أعضاء الكنيست أي 90  عضوا.- بعدها كان على سكان هذه المناطق  الحصول على الهويات الاسرائيلية، وإلا فالطرد من الوطن!. هنا يقع ابوسالم في فخ الهويات لأنه لم يستطع الحصول على هوية عندما تسجل سكان عرب السواحرة. يتعرف عليه الكابتن نمرود فيعرض عليه مساعدته في الحصول على الهوية، ثم  يأخذه  معه ويعرض عليه ممارسة الجنس مع احدى بنات الهوى اليهوديات.  – من هنا  تبدأ العلاقات بين  ابي سالم ونمرود وبالمقابل  فتحت الطريق  امام التواصل  العربي – العربي، أي بين اهل الضفة والقطاع وبين الأهل في الداخل الفلسطيني، مع  عرب  الجليل والوسط والنقب، وذلك  بسبب علاقات القرابة  بين  الجميع من جهة،  وبسبب  الروابط الاقتصادية. هكذا واجه عرب الضفة والقطاع عالما جديدا لم يكونوا قد تعرفواعليه. فالمرأة اليهودية لا تحسب  حسابا للعلاقات الجنسية، ولذلك فانهن  على استعداد لممارسة الجنس مع أي قائد عربي خدمة لدولة اسرائيل. والتجار اليهود وأصحاب الرساميل على استعداد للتعاون مع التجار العرب من أجل تحقيق الارباح، وهكذا بدأ التواصل وسياسة التطبيع وتطورت العلاقة بين عرب الداخل والخارج، وحصل  انفتاح على بعض الدول العربية بعد كامب  ديفيد وقامت الانتفاضة الأولى بعد حوالي عشرسنوات من اتفاقية كامب ديفيد . – ولا ينسى المؤلف صحافة الحزب الشيوعي ودورها الوطني  القومي العربي من القضية الفلسطينية مثل  جريدة الاتحاد ومجلتي  الجديد والغد، وجرأة قادة هذا الحزب في فضح جرائم الاحتلال الصهيوني ومطامع القادة الصهيونيين في احتلال كافة الاراضي الفلسطينية، وفرض سياسة الاستيطان الصهيوني على الاراضي الفلسطينية والتي ما زالت حجرعثرة  حتى  اليوم في سبيل التوصل الى اتفاقية  سلام  بين  الفلسطينيين واسرائيل في مؤتمر جنيف  الحالي اي عام 2014 ولم تنته بعد !- لقد فتحت هزيمة  حرب الايام الستة  ابواب الحوار السياسي العربي – العربي على مصاريعها،وكان على الشباب العربي المنفتح تبرير الهزائم التي مني بها العرب . ويثور السؤال التقليدي والرئيسي: لماذا لم يقبل العرب قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947 في حينه  وهو و يرضون به اليوم ؟  وغيره من الاسئلة  التي  يعرضها المؤلف من خلال الحوار في هذه الرواية؟- بانتهاء الحوار يلخص  خليل ما سمعه بقوله (ص-154) : ما يلفت الانتباه هو كذب الاعلام العربي… فاليهود ليسوا عصابات  كما كنا نسمع… لاحظوا حركة العمران والشوارع والمدارس والمستشفيات والتنظيم والحدائق والنظافة … ولو كانوا عصابات كما كنا نسمع لسرقوا ونهبوا وهربوا … ولما بنوا ما ترونه ولما استقروا! أخيرا : ما قدمته لنا هذه الرواية وهي الجزء الثالث من هذا المسلسل هو  تبيان اسباب هزائم العرب المتكررة، وضعف القادة العرب والدعايات والادعاءات الخطيرة التي حاولت وسائل الاعلام العربية بثها للقراء العرب – وهم قلة – من ان الحركة الصهيونية نجحت بسبب دعم قوى الاستعمار التقليدي والاستعمار  الامريكي  لهذه الحركة. واذا كان هذا الادعاء صحيحا الى حد كبير فان ضعف الانظمة العربية ونظام الوراثة الذي أكل عليه الدهر وشرب وانعدام النظام الديمقراطي في هذه الدول، وغيرها من الاسباب  كلها مجتمعة جعلت النظام الصهيوني ينجح فيما فشل العرب، ومنوا بالهزائم المتواصلة عبر تاريخ العصر  الحاضر .- المؤلف الشيخ جميل السلحوت- كما يسميه البعض – انما يحاول ان يضع اصبعه على الجرح الفلسطيني وعلى مكان الوجع، بحثا عن طريقة يستطيع معها وبها مداواة جراح الوطن واستعادة استقلال فلسطين متمسكا بالثوابت الفلسطينية  التي لا تنازل  عنها في أيّة حال من الاحوال .- لقد أثبت الكاتب  براعة كبيرة في تصوير الشخصيات بحيث أقنعنا بصحة وجهة نظره وقد ترك  شخصياته  تتحاور فيما  بينها  ولم يتدخل الا عند  الحسم، أي حسم الموقف. هكذا وقف وقفة الطبيب الماهر في تشخيص أمراض مرضاه. والتشخيص كما  يعرف الجميع هو  نصف العلاج . هذه الحوارات على ما فيها من الصعود والهبوط ومن الحدة والتراخي أكسبت الرواية بعدا  كبيرا وقوة وجمالا خاصين، لأنه ادخل فيها عنصر الايرونيا، حيث  وضع نفسه فوق الأحداث، وجعل  شخوصه يختلفون ويتفقون، وترك لعبقرية القراء القرار النهائي في فهم ما دار وما زال يدور  في الاذهان حول القضية الفلسطينية، قضية الارض والاستقلال  والتحرير وهي  حلم الانسان الفلسطيني. واذا قلنا أن المؤلف كان يلجأ الى أسلوب الايرونيا الساخر، فليس ذلك من قبيل الترفع بنفسه فوق افكار ومواقف الآخرين؛ ولكنه عمل بذكاء خارق في عرض الواقع المعاش، وجرنا معه الى حدّ محاولة التدخل في حواراته كما لو كنا مشاركين في هذه الحوارات مع  ابطال  الرواية. لقد ترك لنا حرية الاختيار في اتخاذ المواقف التي قد تعيننا عى تخطي هذه الهزائم وتبريرها من أجل الوصول الى الهدف الأبعد، وهو  اقامة الدولة الفلسطينية بجانب اسرائيل، خاصة بعد أن  لمّح  أن عصبة التحرر الوطني – وهي نواة الحزب  الشيوعي  الاسرائيلي اليوم – كان قد قبلت قرار  التقسيم من عام 1947  . نذكر أن رفاق  هذه العصبة اتهموا  بالتآمر على القضية الفلسطينية، ولكن اتضح فيما  بعد أنه كانت لديهم رؤية صائبة  في حينه. – ايها الاستاذ الشيخ جميل السلحوت لك أقول :  بورك قلمك وليبق سيالا يقدم لنا الرائع  والأكثر روعة .- لك الحياة !- 30 آذار من عام 2014                                    د. بطرس دلة –  كفرياسيف-                                                              –

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات