ديمة جمعة السمان: الخاصرة الرخوة رواية تعكس واقع المرأة العربية المرير

د

صدرت رواية الخاصرة الرخوة لجميل السلحوت بداية العام 2020 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرواية التي صمم غلافها وأخرجها شربل الياس في 2020 صفحة من الحجم المتوسك.
الخاصرة الرخوة” رواية جديدة للشيخ الأديب جميل السلحوت.. رواية توصف بالجريئة لما تطرحه من قضايا اجتماعية، غاص فيها عميقا.. مع أن معظم الأدباء يتجنبون تناولها خوفا من تعرضهم للنقد من بعض ممن يحمل افكارا متزمتة.. ممن يتمسكون بآرائهم ومعتقداتهم التي ثبتت أنها تدمر المجتمعات، وتزرع الفتن بين أفراد الأسرة الواحدة، لأنها بعيدة كل البعد عن الإنسانية، كونها تتعارض مع كلام الله الذي أنزله في كتابه الكريم وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم.
وهنا يتبادر إلى ذهني بعض الأسئلة.. لماذا يكتب الروائي؟ ما المطلوب من الأديب.. من أين يستقي المواضيع التي يتناولها وما الفرق بينه وبين الصحفي؟
ترى.. هل يأت الروائي بأفكار بعيدة عن واقع بيئته؟ أم يقوم بعكس واقعه ويسلط الضوء عليه، ليظهر مدى جمالية الإيجابية منها ليعمل على ترسيخها، وليظهر بشاعة السلبية منها، فيدعو إلى تجنبها من خلال رسائل غير مباشرة.
والسؤال هنا، أليس للمجتمع حق على الأديب، يطالبونه بالعمل على تسخير أدواته الإبداعية ليسهم في التغيير، خاصة وأن الثقافة تعتبر من أهم مفاتيح التغيير في المجتمعات.
فعلى سبيل المثال، منح الله الحق للمرأة بالموافقة على الزواج والرضا التام به، دون التعرّض للإكراه، أو التعذيب، أو العنف اللفظي، أو الجسدي.
إذ قال عليه الصلاة والسلام:(لا تُنكَحُ الأيِّمُ حتى تُستأمَرَ، ولا تُنكَحُ البكرُ حتى تُستأذَن. قالوا: يا رسولَ الله، وكيف إذنُها؟ قال: أن تسكُتَ).
ومع هذا، هناك العديد من الآباء الذين يجبرون بناتهم على الزواج ممن لا يرغبن بالارتباط معهم، بحجة أن هذا الزواج هو الأنسب لهن.
ألا يحق للأديب أن يتناول هذه القضايا ويظهرها من خلال عمل أدبي يعكس فيه واقع المرأة ومشاعرها عند الارتباط مع زوج لا ترتاح له، فُرض عليها من رب العائلة، .. وما يترتب على ذلك من مشاكل تطول جميع أفراد الأسرة، والتي هي بالواقع نواة في المجتمع.. فإن صلحت يصلح المجتمع، والعكس صحيح؟
الأديب هنا يتناول قضية واقعية في غاية الأهمية يعيشها المجتمع، والفرق هنا بينه وبين الصحفي، أن الصحفي يتناول القضية من خلال قصص أناس حقيقيين، وقد يكون بالاسم والصوت والصورة، أما الأديب فيستعين بشخوص وهمية افتراضية ليصل بفكرته ورسالته على القارىء، فيظهر بشاعة ما يقدم عليه هؤلاء الآباء، دون أن يدروا حجم الخطأ الذي يرتكبونه بحق ابنتهم من جهة، والمجتمع بشكل عام من جهة أخرى.
وقد أوصى الله ورسوله بضرورة احترام المرأة وعدم التشهير بها وقذف المحصنات منهن، وأوصى بمنح المرأة جميع حقوقها على شتى المستويات، وحذر من اعتبارها أشبه ب “الهمّ” والعالة على أسرتها… الخ من أمور تضمن لها كرامتها، ولكن ما يجري على أرض الواقع في العديد من العائلات عكس ذلك. بل البعض يحمّل المرأة مسؤولية خطئها وخطأ الرجل، فهو مغفور له مهما كان جرمه، فعندما يكون طفلا يغفرون له لأنه جاهل، وفي فترة شبابه يغفر له لأنه مندفع والدم يغلي في عروقه، وعندما يشيخ يغفرون له لأنه خرف، أما المرأة فلا غفران لها حتى لو كانت طفلة، يتبعها خطؤها إلى الممات، ومن هنا جاءت الأمثال الشعبية الذكورية التي تعنف المرأة اجتماعيا، وتهينها وتحط من شأنها، وقد حفظتها الأسرة العربية عن ظهر قلب، ترددها دون وعيها للأثر السلبي على تبعات هذه الأمثال التي يتم ترسيخها والتعامل معها وكأنها قرآن كريم. فعلى سبيل المثال: ” هم البنات إلى الممات”، و “اللي بتموت وليته من صفاية نيته”. و”النظافة من الإيمان والقذارة من النسوان”، ” شورة المرة بخراب سنة”… الخ
وقضية أخرى تطرّق لها السلحوت، تعبر عن جهل الرجال والنساء على حد سواء، فيما يتعلق بقضية دخول الرجل على زوجته ليلة الزفاف، وربط بعض الأمور بشرف المرأة، دون علمهم بأن هناك فروقات جسمانية بين النساء لا بد للجنسين أن يفهماها لعدم التسبب بظلم المرأة واتهامها بشرفها، وهي بريئة كبراءة الذئب من دم يعقوب.
إن تناول الأديب لهذه المواضيع تعبّر عن اهتمامه بمجتمعه، وتؤكد على أنه يتحمل مسؤوليته كإنسان يقع على عاتقه عكس قضايا مجتمعه من خلال قلمه، ليسهم بالإصلاح والتغيير.
الرواية كتبت بلغة سهلة سلسة غير معقدة، تميزت بعنصر تشويق عالٍ.. تشد القارىء لأنها تعكس واقعه بكل صراحة ووضوح دون تزييف.
رسم السلحوت معظم شخوصه بدقة ومهنية عالية، وأعطاها حقها فبدت مقنعة. نقل المشاهد الاجتماعية بواقعية، مما زاد من قيمة العمل الأدبي، وهذا لصالح الكاتب.
أما الغلاف فقد وفق في اختياره لوحته، إذ رغم كال ما حملت الرواية من ممارسات تنتهك حقوق المرأة، جاءت لوحة الغلاف تحمل الأمل يطل من عيني الفتاة التي تتطلع إلى مستقبل زاهر، يتغير فيه الحال إلى الأفضل.. تبشر أن “الخاصرة الرخوة” -وقد عنى الكاتب بها المرأة الضعيفة-، لن تبقى رخوة بهمة المثقفين في المجتمع، الذين يؤمنون بحقوق المرأة كما أوصى بها ديننا الحنيف، خاصة بعد أن أصبحت فاعلة ولها بصمة مؤثرة في المجتمع في شتى المجالات.
9-1-2020

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات