رواية الخاصرة الرخوة في اليوم السابع

ر

القدس: 16-1-2012 : ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية “الخاصرة الرخوة” للكاتب جميل السلحوت، وتقع الرواية الصادرة بداية العام 2020 عن مكتبة كل شيء الحيفاوية في 260 صفحة من الحجم المتوسّط. وصمّمها ومنتجها شربل الياس.
افتتحت الأمسية ديمة جمعة السمان فقالت:
الخاصرة الرخوة” رواية توصف بالجريئة لما تطرحه من قضايا اجتماعية، غاص فيها عميقا، مع أن معظم الأدباء يتجنّبون تناولها خوفا من تعرضهم للنقد من بعض من يحملون أفكارا متزمتة، ويتمسكون بآرائهم ومعتقداتهم التي ثبت أنها تدمر المجتمعات، وتزرع الفتن بين أفراد الأسرة الواحدة، لأنها بعيدة كل البعد عن الإنسانية، كونها تتعارض مع كلام الله الذي أنزله في كتابه الكريم وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم.
وهنا يتبادر إلى ذهني بعض الأسئلة، لماذا يكتب الروائي؟ ما المطلوب من الأديب؟ من أين يستقي المواضيع التي يتناولها وما الفرق بينه وبين الصحفي؟
ترى.. هل يأتي الروائي بأفكار بعيدة عن واقع بيئته؟ أم يقوم بعكس واقعه ويسلط الضوء عليه، ليظهر مدى جمالية الإيجابية منها؛ ليعمل على ترسيخها؛ وليظهر بشاعة السلبية منها، فيدعو إلى تجنبها من خلال رسائل غير مباشرة.
والسؤال هنا، أليس للمجتمع حق على الأديب، يطالبونه بالعمل على تسخير أدواته الإبداعية ليسهم في التغيير، خاصة وأن الثقافة تعتبر من أهم مفاتيح التغيير في المجتمعات. فعلى سبيل المثال، منح الله الحق للمرأة بالموافقة على الزواج والرّضا التام به، دون التعرّض للإكراه، أو التعذيب، أو العنف اللفظي، أو الجسدي.
إذ قال عليه الصلاة والسلام:(لا تُنكَحُ الأيِّمُ حتى تُستأمَرَ، ولا تُنكَحُ البكرُ حتى تُستأذَن. قالوا: يا رسولَ الله، وكيف إذنُها؟ قال: أن تسكُتَ).
ومع هذا، هناك العديد من الآباء الذين يجبرون بناتهم على الزواج ممّن لا يرغبن بالارتباط معهم، بحجة أن هذا الزواج هو الأنسب لهن.
ألا يحق للأديب أن يتناول هذه القضايا ويظهرها من خلال عمل أدبي يعكس فيه واقع المرأة ومشاعرها عند الارتباط مع زوج لا ترتاح له، وفُرض عليها من ربّ العائلة؟ وما يترتب على ذلك من مشاكل تطول جميع أفراد الأسرة، والتي هي بالواقع نواة في المجتمع، فإن صلحت يصلح المجتمع، والعكس صحيح؟
الأديب هنا يتناول قضية واقعية في غاية الأهمية يعيشها المجتمع، والفرق هنا بينه وبين الصحفي، أن الصحفي يتناول القضية من خلال قصص أناس حقيقيين، وقد يكون بالإسم والصوت والصورة، أمّا الأديب فيستعين بشخوص وهمية افتراضية؛ ليصل بفكرته ورسالته على القارىء، فيظهر بشاعة ما يقدم عليه هؤلاء الآباء، دون أن يدروا حجم الخطأ الذي يرتكبونه بحق ابنتهم من جهة، والمجتمع بشكل عام من جهة أخرى.
وقد أوصى الله ورسوله بضرورة احترام المرأة وعدم التشهير بها وقذف المحصنات منهن، وأوصى بمنح المرأة جميع حقوقها على شتى المستويات، وحذر من اعتبارها أشبه ب “الهمّ” والعالة على أسرتها… إلخ من أمور تضمن لها كرامتها، ولكن ما يجري على أرض الواقع في العديد من العائلات عكس ذلك. بل البعض يحمّل المرأة مسؤولية خطئها وخطأ الرجل، فهو مغفور له مهما كان جرمه، فعندما يكون طفلا يغفرون له لأنه جاهل، وفي فترة شبابه يغفر له لأنه مندفع والدم يغلي في عروقه، وعندما يشيخ يغفرون له لأنه خرف، أمّا المرأة فلا غفران لها حتى لو كانت طفلة، يتبعها خطؤها إلى الممات، ومن هنا جاءت الأمثال الشعبية الذكورية التي تعنف المرأة اجتماعيا، وتهينها وتحط من شأنها، وقد حفظتها الأسرة العربية عن ظهر قلب، ترددها دون وعيها للأثر السلبي على تبعات هذه الأمثال، التي يتم ترسيخها والتعامل معها وكأنها مقدّسة. فعلى سبيل المثال: ” هم البنات إلى الممات”، و “اللي بتموت وليته من صفاية نيته”. و”النظافة من الإيمان والقذارة من النسوان”، ” شورة المرة بخراب سنة”..إلخ.
وقضية أخرى تطرّق لها السلحوت، تعبر عن جهل الرجال والنساء على حدّ سواء، فيما يتعلق بقضية دخول الرجل على زوجته ليلة الزفاف، وربط بعض الأمور بشرف المرأة، دون علمهم بأن هناك فروقات جسمانية بين النساء لا بد للجنسين أن يفهماها كي لا تسبب بظلم المرأة واتهامها بشرفها، وهي بريئة كبراءة الذئب من دم يوسف.
إن تناول الأديب لهذه المواضيع يعبّر عن اهتمامه بمجتمعه، ويؤكد على أنه يتحمل مسؤوليته كإنسان يقع على عاتقه عكس قضايا مجتمعه من خلال قلمه، ليسهم بالإصلاح والتغيير.
الرواية كتبت بلغة سهلة سلسة غير معقدة، تميزت بعنصر تشويق عالٍ، تشد القارىء لأنها تعكس واقعه بكل صراحة ووضوح دون تزييف.
رسم السلحوت معظم شخوصه بدقة ومهنية عالية، وأعطاها حقها فبدت مقنعة. نقل المشاهد الاجتماعية بواقعية، ممّا زاد من قيمة العمل الأدبي، وهذا لصالح الكاتب.
أمّا الغلاف فقد وفق في اختياره لوحته، إذ رغم كلّ ما حملت الرواية من ممارسات تنتهك حقوق المرأة، جاءت لوحة الغلاف تحمل الأمل يطل من عيني الفتاة التي تتطلع إلى مستقبل زاهر، يتغير فيه الحال إلى الأفضل، تبشر أن “الخاصرة الرخوة” -وقد عنى الكاتب بها المرأة الضعيفة-، لن تبقى رخوة بهمة المثقفين في المجتمع، الذين يؤمنون بحقوق المرأة كما أوصى بها ديننا الحنيف، خاصة بعد أن أصبحت فاعلة، ولها بصمة مؤثرة في المجتمع في شتى المجالات.
وقال ابراهيم جوهر:
في الخاصرة الرخوة تسيطر المرأة على عالم الرواية التي انحاز فيها الكاتب “جميل السلحوت” للوسطية بعيدا عن التطرف بنوعيه.
تسير شخصيات الرواية وأحداثها في ثلاثة مسارات لتصب في النهاية في ضرورة التعامل الإنساني الصادق مع الآخر: الرجل الذكر مع المرأة الأنثى بلا تطرف، سواء كانت تلك الأنثى زوجا أو بنتا أو والدة.
هذه رواية تنتصر للأنثى وتبيّن جانبا من الظلم الواقع عليها والقهر الذي ينتابها فهي في بلادنا “خاصرة رخوة” يسهل التحكم بها وإيذاؤها.
أفاض الكاتب في الوصف والحوار لينقل واقعا تعيشه الأنثى، وليظهر مفاهيم متضاربة ما زالت مؤثرة في الحياة، ولا يخفى على القارئ المهتم انحياز الكاتب للعدالة في التعامل مع النصف الآخر، وأنه ينحاز إلى جانب رفع الضيم عن المرأة في الوقت الذي أشار فيه إلى وجود نماذج نسائية حاقدة تسهم في ظلم بنات جنسها.
الظلم للمرأة نابع من الجهل والتعالي والتناقض مع الذات: هذا ما تقوله رواية “الخاصرة الرخوة” للأديب جميل السلحوت التي اختصت بواقع المرأة في المجتمعات العربية.
وقال محمد موسى عويسات:
الخاصرة الرّخوة عنوان لافت لرواية اجتماعيّة محورها المرأة في الزّواج والحياة الزّوجية، وهي واقعيّة محضة، فأحداثها ليست من صنع خيال الكاتب، وإن كان له الفضل بيّنا في إعادة صياغتها من النّاحية الفنّيّة؛ لتكون رواية. والعنوان هو مصطلح عسكريّ ابتداء، ويعني المنطقة الضّعيفة غير الحصينة التي قد يدخل منها العدوّ، أو التي لا نعتمد عليها في مواجهة العدوّ، وقد نقل الكاتب هذا المصطلح من عالم العسكريّة والسّياسة إلى عالم الحياة الاجتماعيّة، التي تشكّلها العلاقة بين الرّجل والمرأة، ليقصد به المرأة، فهل المرأة الخاصرة الرّخوة في المجتمع؟ ومتى تكون المرأة خاصرة رخوة؟ وكيف تكون خاصرة رخوة؟ الرّواية في مجملها تجيب عن هذه الأسئلة وعن غيرها، والرّواية ليست أحداثا خياليّة مفترضة أو مفروضة لابتداع قضيّة نسويّة، وإنّما هي وقائع خالصة وأحداث شهدها الكاتب في مجتمعنا، ولها في ذهن كلّ منّا أشباه ونظائر، والرّواية أيضا لا تشكّل ابتداعا لصراع بين رجل وامرأة، فالصّراع فيها هو صراع بين مفاهيم من جهات مختلفة، في كلّ جهة رجال ونساء، والرّواية ليست أكثر من دعوة لتصحيح مفاهيم متعلّقة بزواج المرأة، ودعوة لنبذ الجهل في أحكام الإسلام المتعلّقة بالحياة الزّوجيّة، وهذا هو السّرّ في إيراد الكاتب للكثير من الآيات والآحاديث وآراء الفقهاء في الزّواج ومتعلّقاته والعلاقة الزّوجيّة، وفيها أيضا دعوة لتصحيح بعض المفاهيم المجتمعيّة التي تدفع لزواج البنت دون تريّث، وتصحيح تصوّر خطير يعتري البعض من رجال ونساء في أنّ الحياة الزوجيّة حياة معاشرة ومتعة وإشباع شهوة ورغبة فقط. فقد أورد الكاتب على ألسنة الشخصيّات حشدا من الأمثال والمقولات الشّائعة في مجتمعنا المتعلّقة بالزّواج والحياة الزوجيّة، التي تعكس نظرة أو عقليّة يكمن فيها على الأغلب سرّ الإخفاق في الحياة الزّوجيّة، من مثل: (العرض لا يحمى بالسّيف)، والذي يعني في نهاية المطاف أنْ زوّجْها لأيّ كان لإشباع رغبتها التي قد تدفعها لارتكاب الفاحشة، ومن مثل: (دوّر لبنتك قبل ابنك)، والذي يعكس النظرة الخفيّة بضعف البنت والنّيابة عنها في اختيار الزّوج، ومن مثل مقولة والدة الدكتور الذي تقدّم لخطبة بطلة القصّة جمانة: “ابني يريد فتاة صغيرة ليربّيها على يديه”، وقد كان لنقلها بلغتها المحكيّة، دون تطويعها للّغة الفصيحة، أثر ملحوظ.
قامت الرّواية على ثلاثيّة من المشاهد أو القصص، القصّة الرئيسة هي زواج جمانة التي مثّلت شخصيّة البنت المتعلّمة المثقّفة ذات الخلق والدّين البارّة بوالديها، التي ضعفت شخصيتها أمام أهلها، فقبلت اختيارهم على كره ومضض، فمثّلت شخصيّة المتعلّمة المثقفة ضعيفة الشّخصيّة، فتزوّجت من أسامة الشّاب المتعلّم الذي يحمل شهادة في العلوم الشّرعيّة، ويعمل في (السّعوديّة) وينتمي للفكر الوهابيّ السّلفيّ، ويغلب عليه أمور منها: التشدّد في أرائه الفقهيّة وردّ أراء العلماء من غير الوهابيّة، والتّمتع بفيض من الشّهوة، والنّظرة إلى المرأة على أنّها موضع شهوة ومتعة وما عليها إلا تنفيذ الأوامر والنّواهي دون نقاش. كانت حياتها معه عناء وشقاء، فلم ينجحا في بناء أسرة، وكان مآلهما الطّلاق والفراق.
الحدث الثّاني أو اللّوحة القصصيّة الثانية هو زواج صابرين ابنة الحاجّ عزّ الدّين عمّ أسامة، وقد مثّلت شخصيتها المرأة التي تخرج على العادات والتّقاليد والأخلاق وتنبذ الالتزام بأحكام الدّين، وتبحث عن شهوتها، فتقع في براثن يونس الذّهبيّ مهندس من أسرة ثريّة، لا يقيم للحياة الزّوجيّة ولا للأخلاق شأنًا، تحمل منه سفاحا، وتكتشف أنّه كان شاذّا جنسيّا، ثمّ تجده ينام في بيتها مع فتاتين فيقع الطّلاق.
الحدث الثالث في الأهمّيّة الروائيّة والذي يكاد يُرى، وعلى أهمّيته وخطورته، عابرا، هو البنت عائشة التي تزوّجت في سنّ صغيرة، فاكتشف زوجها ليلة الدّخول بها أنّها ليست عذراء، فطلّقها بعد ثلاثة أشهر من المعاملة السّيّئة والاضطهاد، وقد ترك ذلك فيها عقدة نفسيّة أذلّتها، ورضيت بحياة عبوديّة وخنوع، فتقدّم لها شاب من قرية بعيدة فتزوّجها وحملت، وعندما المخاض وجد الأطباء أنّها ذات بكارة من غشاء مطاطيّ، لا يفضّ إلا بمشرط الطّبيب. أراد الكاتب من هذا المشهد، أن يبيّن مدى الجهل في الرّجال والنّساء على حدّ سواء، بصحة المرأة أو تكوينها الجسديّ. والذي يؤدّي أحيانا لظلمها أو إيذائها، فالحياة الزوجيّة تحتاج أيضا لوعي صحيّ طبّيّ، وما قضية عائشة إلا مثال على جوانب صحيّة أخرى عديدة.
كانت الموازنة بين حالتي جمانة وأسامة من جهة وصابرين والمهندس يونس في الجهة المقابلة أمرا لافتا وجديرا بالوقوف عليه، فجمانة المتعلّمة المثقّفة ذات الدّين والخلق يختار لها أهلها الزّوج أسامة المتعلّم المتديّن، المتشدّد في اتباع فهم متطرّف للحياة الزوجيّة، ونظرة متخلّفة للمرأة، لا علاقة لها بالإسلام، فتخضع لاختيارهم وتعاني حياة صعبة تؤول إلى الطّلاق. فهذه حالة فيها: اختيار الأهل زوج البنت من باب الحرص على زواجها وسعادتها وإلزامها بخيارهم، والفهم المغلوط للحياة الزوجيّة في الإسلام، والنظّرة الشهوانية للعلاقة بالمرأة. أمّا الحالة الثانية فهي صابرين وهي متعلّمة أيضا، ولكنها تخرج من التزامها الخلقيّ والدّينيّ، وتتّبع شهوتها، وتسلم نفسها لوحش شهوانيّ، فتفرض خيارها على أهلها، فهي من زوّجت نفسها، وكانت الحياة الزوجيّة بينهما لا تقوم على خلق ولا دين، وتعمّها النّظرة الشّهوانيّة لذا سرعان ما انتهت هذه الحياة.
لذا يترك الكاتب للقارئ أن يتصوّر المطلوب في اختيار الزّوج من كلا الطّرفين، فلا الأهل يختارون فيُلزِمون، ولا البنت يترك لها الحبل على الغارب؛ فتختار دون مشورة أهلها أو دراسة واعية لشريك الحياة، والكيفيّة التي يجب أن تقوم عليها الحياة الزّوجيّة، وهي أنّها ليست حياة تقوم على الشّهوة والمتعة، ولا تقوم على فهم مغلوط لأحكام الإسلام المتعلّقة بالمرأة والعلاقة الزّوجيّة. فأحكام الإسلام سمحة تقوم فيها الحياة الزوجيّة على قاعدة عظيمة هي قوله تعالى: “ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة.”
ومن الوقوف على شخصيات الرّواية نجد الكاتب يعرضها دون مبالغة أو تكلّف، فقضيّة المرأة ليست قضيّة صراع مع الرجل، وإنّما هي أفهام يشترك فيها الطّرفان سلبا وإيجابا، فقد كانت شخصية أبي جمانة وشخصيّة الحاجّ عزّ الدّين وشخصيّة أبي أسامة وشخصيّة الشّيخ الذي عقد لهما شخصيات إيجابيّة في نظرتهم للمرأة وتقديسهم للحياة الزوجيّة وتفهمّهم لحاجاتها، في حين كانت وفي الطّرف المقابل شخصيّة أمّ أسامة كأمّ وزوجة وحماة شخصيّة سلبيّة، ترى المرأة آلة إنجاب والحياة الزوجيّة تقوم على إشباع الشّهوة، فهي تعتدّ بأنوثتها وتفخر بأنّها امرأة ولّادة، وترى زوجة ابنها شرّا ولعنة، ويجب أن تكون جارية لابنها لا تعرف إلا السّمع والطّاعة له.
وقد أثار الكاتب قضايا كثيرة تتعلّق بالزّواج والحياة الزّوجيّة، منها ما هو متعلّق بأحكام الدّين التي اختُلِف فيها، أو وجدنا من تشدّد فيها من غير سند أو فهم صحيح، من مثل النّقاب، ومن مثل الغناء في الأعراس والخطوبات، ومن مثل حقّ الزوجة في العمل الشّريف كالتّعليم، ومن مثل حقّها في امتلاك وسائل الاتّصال الحديثة، وحقّها في اختيار الزّوج والقبول أو الرّفض، وغيرها.
وهكذا تكون المرأة خاصرة رخوة إذا لم يكن لها الخيار في الزّواج، وقد تكون خاصرة رخوة إذا وقعت في أحضان زوج جاهل أو شهوانيّ أو ذي فهم عقيم لما ينبغي أن تكون عليه الحياة الزّوجيّة، وتكون خاصرة رخوة إذا خرجت من أخلاقها واتبعت شهواتها وساء اختيارها للزّوج، وتكون خاصرة رخوة إذا ربّت أبناءها تربية مغلوطة في النّظر إلى المرأة على أنّها جارية وموضع شهوة، وإذا كانت غيورة حسودة.
وفي الختام أرى في الرّواية تصويرا حيّا ومباشرا ونزيها لبعض ما عليه مجتمعنا في مثل هذه القضايا، والمتمعّن فيها لا يجد فيها أيّة نظرة سوداويّة، بل هي حالات تقع في مجتمعات بشريّة، اختلطت فيها الأفهام في أمور حياتية كثيرة. وما الرّواية إلا دعوة لإصلاح العلاقات الزّوجيّة وتقديسها في أسرة ناجحة. خرجت في عمل أدبيّ فنّيّ رفيع.
وكتب عبدالله دعيس:
هل حقا معاملة النّساء غير المنصفة، وعادات المجتمع العربيّ وتقاليده التي تتعلّق بهنّ، هي الخاصرة الرخوة لهذا المجتمع، والثّغر الذي يُؤتى من خلاله؟ لا أعتقد هذا، وإن كانت بعض الممارسات الاجتماعيّة في التّعامل مع المرأة، والنّابعة في كثير من الأحيان من الثقافة الشعبيّة المتوارثة، هي إحدى مثالب المجتمعات العربيّة، ونقيصة لا بدّ لنا من التّخلّص منها، ولا بدّ من العودة إلى المنبع الصافي لثقافتها وحضارتها، ألا وهو القرآن الكريم، وسنّة الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
تتناول رواية (الخاصرة الرّخوة) مواضيع اجتماعيّة في غاية الأهميّة. كثيرون قد يتحاشون الحديث أو الكتابة عن هذه المواضيع، ويغضّون الطرف عنها، وكأنّها غير موجودة، أو كأنّها لا تنخر النّسيج الاجتماعي كفعل السّوس بالخشب، لكنّ زيارة سريعة لإحدى المحاكم الشّرعيّة، مثلا، والجلوس في قاعة الانتظار لمدة ساعة، ستجعلك تستمع للعديد من القصص التي يندى لها الجبين، وقد ترى وتسمع ما لا ترغب سماعه، وستلاحظ أن حالات الطلاق أحيانا تكون أكثر من حالات الزواج، خاصة الطلاق قبل الدخول. فلا بد أن يكون هناك أسباب كامنة وراء ذلك، ولا بدّ من التطرّق لها ومحاولة التأثير في المجتمع للحدّ منها والتّقليل من آثارها.
بأسلوب قصَصيّ مشوق، ولغة سهلة سلسة، يصيغ الكاتب رواية ممتعة مفيدة، تتناول العديد من المواضيع الاجتماعيّة وتسبر أغوارها، وتعرّيها أمام القارئ، وتلفت النّظر إلى أسّ المشكلة، وتفتح طريقا نحو تجنّبها. ومن القضايا التي طرحتها الرّواية، ما يلي:
– فكرة ستر البنت بالزواج والتسرّع بتزويجها دون موافقتها أو دون اختيار الزوج المناسب لها.
– المسارعة إلى عقد الزواج بمجرّد الخطوبة، دون إعطاء فرصة للخطيبين للتعارف، ممّا يجعل الخطوبة لا معنى لها.
– زواج القاصرات.
– اعتبار الشرف ينحصر في غشاء البكارة للأنثى.
– التعصّب الأعمى الذي يضرّ بالعلاقة الزوجية، وبالمقابل الانفلات من القيود الاجتماعيّة والتّنكر لها.
– اضطهاد النساء وحرمانهن من حقوقهن واعتبارهن خادمات لأزواجهن عليهن الطاعة دون نقاش.
– العلاقة بين النساء، وبين الحماة والكنّة وتأثير ذلك على الحياة الزوجية.
– انخداع بعض الفتيات ووقوعهن فريسة سهلة لبعض الفاسدين من ميسوري الحال.
– وجود الشذوذ الجنسي.
يقوم الكاتب بالحديث عن إجراءات الخطوبة والزّواج التقليديّة، عن طريق التفصيل في خطبة جمانة (بطلة الرّواية) وزواجها، وهو بهذا يبرز الكثير من الأمور المهمّة، ويشير إلى عدد من الثّغرات التي تحدث خلال هذه العمليّة، والتي قد تنتهي بزواج فاشل، وتجربة سيّئة للزوجة، وربما الطلاق. لكنّ هذه الإطالة في المقابل كانت على حساب عنصر التّشويق والإثارة في الرّواية.
جعل الكاتب شخصيّة جمانة هي الشخصيّة الرئيسيّة في روايته، والمشاكل والصعوبات التي واجهتها في خطوبتها وزواجها وحياتها داخل البلاد وخارجها نموذجا واقعيّا لواقع المرأة في المجتمع العربيّ، ولكنّه من أجل تناول مواضيع أخرى لا يمكن إسقاطها على جمانة، ومن أجل إعطاء صور اجتماعيّة أخرى مقابلة، أدخل شخصيّات ثانويّة، مثل: عائشة، وصابرين، وكان موفّقا بهذا. إلا أن طريقة إدخال هذه الشخصيات إلى الرّواية كانت مفاجئة ودون مقدمات، فلم نسمع بعائشة إلا في صفحة 101 وبشكل مفاجئ، وصابرين في صفحة 181، وكأنّ هذه الحكايات نوعا من الاستطراد يعود بعده الكاتب إلى حكاية جمانة، ممّا شكّل إرباكا للقارئ. حبّذا لو جعل الكاتب أن هذه الشخصيّات تتفاعل مع الشّخصيّة الرئيسيّة منذ بداية الرّواية، خاصّة أن صابرين ابنة عم جمانة.
والكاتب يفرّق بين بعض العادات الاجتماعيّة السائدة، والآراء الشّخصيّة التي تنسب إلى الدّين، وبين تعاليم الدّين الإسلاميّ بهذا الخصوص، لذلك نراه يورد الآراء الفقهيّة التي تتعلّق بهذه المواضيع من خلال الحوار بين الشّخصيّات. وقد وفّق الكاتب بهذا؛ فكثيرون يستشهدون ببعض التّصرّفات الفرديّة أو بعض الآراء الفقهيّة المرجوحة، للطعن في المعين الصّافي لحضارتنا وتراثنا، ويقارنون بيننا وبين بعض المظاهر الاجتماعيّة الغربيّة، متناسين، الظلم الاجتماعي الثقيل الواقع على المرأة الغربيّة، والذي تشهد عليه الإحصائيّات والمظاهر الاجتماعيّة عندهم. لا ننكر وجود التّمييز والظلم للمرأة العربيّة، ونطمح أن نتخلّص من بعض هذا الأرث المرفوض، لكنّ المرأة العربيّة رغم كلّ هذا لها مكانتها الاجتماعيّة التي لا تحصل عليها النّساء في أيّ مجتمع آخر. أمّا الظلم الواقع عليها، فهو جزء من الظّلم الواقع على المجتمع بأسره، والذي يقبع تحت سوط الجهل، والعبوديّة للحكّام وقهر السّاسة بمختلف مستوياتهم.
ولا يمكن أن تنهض المرأة إلا بنهوض المجتمع بأسره، عندما ينفض عنه ثوب الذّل والتّبعيّة، ويختار من يحكمه بنفسه وبحريّة، متمسّكا بالينابيع الصّافية للحضارة العربيّة الإسلاميّة، نافضا عنه آثار الاستعمار وتبعاته الفكريّة التي استلهمها البعض، وأصبح يرى فيها المثل الأعلى.
وكتب محمود شقير:
يكرّس الأديب جميل السلحوت روايته “الخاصرة الرخوة” لوضع المرأة في مجتمعنا، ولعلاقتها بالرجل من خلال الزواج الذي تُنتقص فيه حقوقها جرّاء المفاهيم الذكورية السائدة في المجتمع؛ هذه المفاهيم التي ترى في الزوجة خادمة لزوجها، مطيعة له، لا يحق لها أن تعانده حتى لو أمرها بأن تقبّل حذاءه وقدمه.
ولكي يحقّق الكاتب أفكاره النبيلة فإنه يستطرد في الحوارات ويتبسّط في السرد ويكثر من الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم، ومن تقديم الأمثال الشعبية المناسبة، لعلّ هذه الأفكار تصل إلى الناس الخاضعين لعادات ولمفاهيم متخلّفة، ولفهم سطحي لتعاليم الدين الإسلامي، ولما أُدخلَ على الدين من اجتهادات تنقصها الدقّة والفهم الصحيح لصحيح الدين.
علاوة على ذلك، يلجأ الكاتب إلى تقديم نماذج بشرية مدانة من اللحظة الأولى، موصوفة بالتزمّت حدّ التطرّف كما هو حال أسامة زوج جمانة، أو بالتهتّك والانحلال كما هو حال يونس في علاقاته الشاذّة حدّ التطرّف كذلك. وكأنّي بالكاتب؛ وهو على حق، يبشر بالاعتدال في العلاقة بين المرأة والرجل، وعلى النحو الذي يصون إنسانية كلٍّ منهما سواء بسواء. وقد اعتنى الكاتب بإبراز شخصيّة جمانة بما فيها من اعتدال وتفهّم ومرونة وقدرة على احتمال الأذى من زوجها، ومن أمّه التي ناصبتها العداء منذ اللحظة الأولى، وظلت صابرة مصابرة إلى أن أنهت علاقتها الزوجية بطلب الطلاق جراء السلوك غير السّوي لزوجها.
في الوقت ذاته، تكشّفت خدعة يونس إزاء صابرين، التي حملت منه قبل الزواج، فتزوّجها للتستر على فضيحة متوقّعة، وحين ولدت طفلتهما طلّقها واستمرّ يمارس تهتّكاته وانحرافاته.
ومن دون شك، فإن فضح العلاقات غير السويّة التي تخضع لها النساء، تمهيدا لوضع حدّ لها وللتخلّص منها، يقدّم خدمة أكيدة لهنّ في نضالهن من أجل العدالة والمساواة، ويسهم في خدمة المجتمع وفي تمكينه من درء الأخطاء والعلل في سبيل النهضة المرتجاة.
كذلك؛ يُسجّل للرواية تطرّقها في إشارات مناسبة لما يعانيه الناس ولما تعانيه القدس من عسف المحتلين الإسرائيليين، وقد جاءت هذه الإشارات في مكانها الصحيح ومن دون افتعال.
غير أن مأخذي على الرواية يتمثّل في تحويل شخصيّاتها إلى أدوات مسيّرة في يد الكاتب؛ يحركها كيفما شاء؛ لكي تخدم أفكاره ورؤاه، وهي مضطرة جرّاء ذلك إلى السير في الخطّ المرسوم لها سلفا وبكلّ وضوح، لكي تسهل إدانة من هو سلبيّ منها، ولكي يسهل كيل المديح لمن هو إيجابيّ.
وبرغم ما تزخر به الرواية من بعد تربوي أخلاقي مرحّب به ومطلوب، فإنّ شخصيّاتها النمطية تترك أثرا سلبيّا على بنيتها الفنيّة، وعلى عنصر الصدق الفني الذي ينبغي توافره على نحو صحيح.
وقال الدكتور عزالدين أبو ميزر:
قرأت الرواية مرّتين، وهي مخطوطة أرسلها الكاتب لي مشكورا، وتحت عنوان: في العتمة. وقد استمتعت بقراءتها، ولا آتي بجديد، إن قلت أن الله سبحانه وتعالى قد وهبه سليقة في الكتابة، والتي يقولون عنها أنها السهل الممتنع، وهي التى يُتخيّل لمن يقرأها أنه قادر على كتابة مثلها، وحال ما يخوض التجربة يجد نفسه عاجزا تماما عن الإتيان بمثلها.
وقرأتها بعنوانها الجديد: الخاصرة الرّخوة، للمرة الثالثة، وقرأت مطالعات من كتبوا عن الرواية من رجال ونساء، كلا من وجهة نظره فيها، وأجمعوا على أن الكاتب في روايته، وتناوله قضية الزواج لثلاث فتيات، فشل زواجهن، وهن: الفتاة الصغيرة عائشة، والتي انتهت بالطلاق مع الفضيحة، وهي طاهرة وبريئة، نتيجة الجهل وعدم المعرفة، ومفهوم أن العفة والطهارة مربوطتان بنقطة الدم التي هي العلامة، وهي الفيصل الحق في الإثبات من وجهة نظرهم المتعفّنة.
وجمانة المتعلمة، وصاحبة الشهادة، والجميلة، التي لم يسعفها علمها، في أخذ قرارها الصائب بالزواج، ورضخت لمشيئة الأهل والمجتمع والعادات، فزّفّت لأستاذ شريعة، من متلقي العلوم بغير تفكير فيها، حال جميع الأمة التي تعتمد النقل، ولا تستعمل العقل، في موروث جلّه، من صنع البشر، ولا يمتّ الى الله ولا إلى ما أنزله على رسوله، إلا بالإسم وبأسباب واهية عمل العقل الذكوري على حرفها عن مقاصدها.
وصابرين المتحررة بغير ضوابط العقل والمثل والأخلاق، اللهم إلا محاكاة الغير، وكأن الرقيّ والتقدم لا يكون إلا بالانفلات، مع رجل أفسدته الثروة والمال، واعتقد أن كل شيء، بالمال يشترى.
وحماة جمانة، المرأة المتسلّطة الغيورة، والتي لا ترى أبعد من أنفها، في مجتمع مترهّل، وسياسة عمياء، وفساد مستشر، وقليل من الناس الذين يعرفون الخطأ من الصواب، ولا تأثير لهم، في هذا البحر الذي يموج بأشكال من الجهل، وتداخل الثقافات ببعضها، من غير ضوابط ولا معايير.
وكل من طالعوا هذه الرّواية، مدحوها بمدح كاتبها، وأجمعوا على أنّ شيخنا الجليل، الشيخ جميل السلحوت، والذي أعرفه جيدا، قد كسر التابوهات، التي كان الكتّاب يبتعدون عن الخوض بها.وأنه عرّى الزيف والنفاق، وكشف الجهل والمستور، بإظهاره أساليب تعامل شخصيّات روايته، والتي تنمّ عما يحملونه من أفكار وموروث من المفاهيم البائدة، والتي عفا عليها الزّمن، وليت عرضه هذا كان قويا بقوة أسلوبه في الكتابة، فهو كمن يحوم حول الحمى ويوشك أن يدخل فيه، وسرعان ما تجده، قد نآى عنه.
وتراه ينبذ فكرة معيّنة ويثبّت أخرى مثلها يجب أن تنبذ، من حيث يدري أولا يدري، وربّما لا يريد أن يقترب، من عش الدبابير كثيرا، خوفا من اللسع.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تفاجىء جمانة زوجها، أثناء مناقشتها زوجها أسامة، حول الكتب والقراءة، فتقول له أنها قرأت البخاري، “والذي يقولون عنه أنه أصدق كتاب بعد كتاب الله”، وهو الكتاب المملوء بالمغالطات،والإفترءات على الله ورسوله وعلى الدّين بما لا يقبله عقل، وأبعد ما يكون عن الله فيما أنزل، بل ويناقضه تماما.
من جهة أخرى، تقول إحدى مطالعات الرّواية، أن أسامة، لا يعرف من الدّين إلا أنّ الرجال قوامون على النّساء، ومثنى وثلاث ورباع. بالمفهوم الموروث، مع أن المعنى مختلف تماما في الحقيقة، عما وصل إلينا، وورثاه.
وأتى الكاتب بآيات وأحاديث، على ألسنة شخوص روايته، لا لتنير العقول بل كانت تثبّت المفاهيم المتوارثة، والتى منها نشكو، ولم يشر من قريب أو بعيد، الى أن هناك أفكارا أخرى ومعاني مختلفة، وتفاسير مناقضة لما توارثناه، بناء على عدم وجود ترادف في التنزيل الحكيم.
ورغم ذلك فمقارباته في هذه الرواية، أقوى من مقارباته السابقة عندما تعرض لقضية الزواج المختلط، بين المسلمين وأهل الكتاب، راجيا في روايته المقبلة، أن يضع النقاط على الحروف؛ فيكون سببا في رفع الغشاوة، ويمسح مع غيره، الغبار الذي ترسّب على مرآة عقول الناس، فيرون الحق حقا، والباطل باطلا.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
العنوان”الخاصرة الرّخوة”مصطلح ذو طابع عسكريّ يطلقونه على امتداد جغرافي له بعد معيّن، يشكلّ بمجمله منطقة ضعف بالنسبة لدولة أو منطقة ما، وفي الرّوايّة فإن المرأة هي الخاصرة الرّخوة للرّجل وللمجتمع. وفي صفحة 126هناك ذكر للخاصرة الرّخوة”المرأة خاصرة المجتمع الرّخوة”.
في هذه الرّوايّة الإجتماعيّة يقرع الكاتب جميل السّلحوت بأُسلوبه السّلس البسيط غير المعقد التأثير السلبيّ لأفكار المجتمع على الفرد وخاصّة المرأة، الفكر المتطرف المتمثل بأُسامة وفهمه الخاطئ للدّين، أُسامة شاب متعلّم ويعمل في السّعوديّة، يرتبط بجمانة الجامعيّة ويضطهدها بأفكاره دون أن يشعر بأيّ ذنب، لأنّه يظنّ أنّه في الإتّجاه السّليم والصحيح، وهو لا يعلم أنّه مريض بفكره المتطرف، وهنا تتحول جمانة الخاصرة الرّخوة لأسامة وتشبه علاقتها بزوجها المعقد نفسيّا بإحتلال وطنها من قبل العدوّ.
ويبدو تأثير الفكر السّلبي والمعتقدات الخاطئة على المرأة بشكل بارز ومؤثر من خلال عرضه لشخصيّة عائشة، التّي وقعت ضحية المفهوم الخاطئ لغشاء البكارة وعلاقة فضّه بليّلة الدّخلة، حيث تمّ طلاقها بعد ثلاثة أشهر بسبب زعمهم عدم وجود بكارتها، في حين اتّضح بعد زواجها الثاني وإنجابها المولود أنّ السّبب في ذلك هو كون الغشاء مطاطيّا. وبذلك كانت عائشة الخاصرة الرّخوة لزوجها وللمجتمع الذّي جعل منها متّهمة دون ذنب اقترفته حتى نالت البراءة فيما بعد.
أمّا شخصيّة صابرين الجريئة في تصرفاتها وعلاقتها مع يونس فهي الخاصرة الرّخوّة للمال والثراء ولزير النسّاء.
يرسم الكاتب الحالة النفسيّة في الرّوايّة من خلال شخصيّة أُسامة المصاب بتوتر عصبيّ ناتج عن جهله في التعامل العاطفي مع جمانة، وهذا ما أثّر عليه في ليلة دخلته، وكان الدّواء هو المساعد لخروجه من تلك الأزمة.
الحالة النفسيّة عند جمانة كانت واضحة، فجمانة حاولت رفض زواجها من أُسامة، لكنها لم تفلح، فكانت حالتها منذ عرفته تتصف بمشاعر الكبت، البكاء، محاولة الإنتحار؛ بسبب الضائقة النفسيّة التّي ألمّت بها بسب تعامل أُسامة غير المنطقي معها، ورغم المعاناة فهي تلبس قناع الرّضا والسّعادة في حديثها مع والدها وتستخدم صيغة المبالغة، تقول:” لا تقلق عليّ بابا حبيبي وأنا بألف خير وبمنتهى السّعادة”، وفي النّهايّة نجحت جمانة في التّغلب على معاناتها من خلال التصميم على الطلاق حين رجعت إلى بيت أهلها.
يصوّر لنا الكاتب الحالة النفسيّة عند عائشة، الطفلة ابنة الخامسة عشرة عاما، مشاعر الخوف والرعب منذ بدايّة زواجها، الوحدة والإنفراد الذاتي،الحزن والبكاء، فقدان الشهيّة للطعام، محاولة التّفكير بالإنتحار.
نجد في الرّوايّة تشابها في مصير الشخصيّات التّي حددّها الأديب لهنّ في النهايّة، ألا وهو الطلاق عدا عن عائشة التّي تزوجت مرّة ثانيّة.
جاء دور الأمّهات غير مساند لأبطال الرّوايّة، أُمّ جمانة تصرّ على تزويج ابنتها، بالرّغم من عدم قبول جمانة، وتقنع زوجها بالقبول “رد للجماعة خبر بالموافقة، واترك جمانة لي”.
أُم ّعائشة مغلوبة على أمرها، فهي الشاهدة على الضحيّة بالرّغم من معرفتها صدق ابنتها، حاولت مناقشة زوجها، لكنها قوبلت بالرفض واتهمت تربيتها الخاطئة لإبنتها، ولذا استسلمت للواقع حين أرادوا تزويج عائشة لرجل غير مناسب لها من ناحية الفارق بالعمر:” أعرف أنّك مظلومة، لكن ليس لديّ إثبات على براءتك….إنّ هذا الخاطب مناسب لك مع فارق العمر بينكما “القطعة ولا القطيعة”.
أُمّ صابرين هي الأمّ القلقة الخائفة على مصير ابنتها التّي سلكت طريقا منافيا للأخلاق في علاقتها مع يونس، كانت حاسمة مع ابنتها بشأن يونس، ممّا جعل صابرين تسارع في طلب خطبتها من عشيقها.
أمّا أُمّ أُسامة فكانت شخصيّة مختلفة، فهي ديناميكيّة وبارزة في الرّوايّة، لها دور فعّال، أبدع الكاتب في صقلها وفي دقّة تحركاتها، حديثها، فهي شخصيّة مسيطرة ذات لسان حادّ، هي نموذج للمرأة النّمامة في المجتمع، مريضة في فكرها وترى من حولها كلعبة تريد تحريكها حسب مزاجها، تقول في نهايّة الرّوايّة:” لا ردّها الله، وقد فعلت خيرا بطلاقها،سنزوّجك صابرين ابنة عمّك، فلديها عشرات آلاف الدّنانير التّي حصلت عليها من طليقها”.
وردت في الرّوايّة، الأمثال الشعبيّة التّي ساهمت في التعبير عن الأحداث بشكل متناسق ومؤثر.
وردت بعض الآيات القرآنيّة بصورة طويلة، وبعض الأحاديث لمختلف الفقهاء والشّيوخ، فاسترسل كثيرا، كما وأطال في أُغنيّة “دبلة الخطوبة”فكان بإمكان الأديب أن يختصر مع إيصال الفكرة.
وردت بعض الأخطاء المطبعيّة،في صفحة(131)”عندما طرقت باب بيت أبي أسامة”والصحيح أبي جمانة.وأيضا “لم يشأ أبو أَبو أُسامة”والصحيح أبوجمانة.
وقالت سجى مشعل:
لفت نظري عنوان الرواية، وشعرت معه بارتخاء العنصر الأنثوي في هذا المجتمع شديد الحمأة والوطأة على المرأة، بصفتها عورة كما نعرف ولا يعرف الكثير ممن ليسوا منا، والذين هم أولوا حظّ وافر، لأنهم ليسوا من أبناء شعبنا، بكيت فيها مع كلّ خطرة من وبال أمر صاحبة كل قصة، فالهمّ الوحيد المشترك تحت إطار هذه الرواية هو “قضية المرأة بصفتها مضطهدة اجتماعيا وإنسانيّا، خاصة وإن حظيت برجل لا يفقه من الدين سوى مثنى وثلاث ورباع”، هذا وقد جرت أحداث الرواية حول بطلة القصة جمانة وزواجها من أسامة، فكانت تلك محور الرواية، وتطرق الكاتب لقصتين أخريتين بشكل مستقطع أثناء المرور بين الأحداث هنا وهناك، وهما “قصة زواج عائشة وزياد، وزواج صابرين ويونس”.
فقصة زواج جمانة باءت بفشلٍ ذريع قاسٍ على قلبها الذي غدا متكوّرا على نفسه، كانت تعجن الصبر مع خبز الصباح فقط لتعيش، زُوّجت أسامة أستاذ الشريعة الإسلامية الحاصل على شهادة ماجستير شريعة رغما عنها، بسبب الضغط والعادات والتقاليد، وجهل الأهل، والخوف من القال والقيل، زُوّجت وردةٌفواحة رغما عنها لذئب بشريّ متمرّس متفنّن بألوان العذاب معها، وعلى الرغم من كل خوفها وحنقها من هذا الزواج وتلك الخطبة، إلا أن الظروف كانت أقوى منها وأرغمت على ذلك الرجل الذي لا تعرف، وحينما أُغلق الباب عليهما ذاقت ألوان العذاب دون أي مماحكة منها تذكر، لقد استسلمت بشراهةٍ تنمّ عن هزيمة، “كأنها لأول مرّة تعرف بأن المرء يخنق من إصبعه”، تحمّلت لأجل والدها المُرهقة حواسّه من عمله وكدّه لأجلها ولأجل أخواتها الأربعة، ولأجل همّه من أجلها بالستر الذي لا يتم إلا بالزواج قبل فوات أوان القطار، تحمّلت بُخل أسامة، وحنقه وغضبه اللّا مبرر تجاهها، تحمّلت فحولته وتفاخره بكلّ ما يفعله، تحملت إجباره لها أن تلبس نقابا، تحملت عجرفة حماتها الظالمة، تحملت عفونة بيتها، وفقرها الذي فيه عاشت، واضطرت لتعيش في أفقر أحياء الرياض بعيدة عن الوطن والأهل، بل ومعزولة عن العالم، معزولةً عن القراءة والمطالعة بصفتها حراما، مستحملةً انقطاع أخبارها عن العالم وإنقطاع أخبارهم عنها، استحملت حتى أتاها الفرج؛ لتعود إلى أرض الوطن وتفرّ منه كما يفرّ العصفور من قفص ذهبي، وصفها الأديب جميل السلحوت بأنها فتاة مضطهدة في كل المشاهد التي مرت، حينما قرأتها من بين السطور عشت معها لحظات التوجس والخوف من المستقبل والمجهول، عشت معها لحظات خوفها من ذلك الزواج، ولحظات يأسها من تلك الحياة ورغبتها أن تلوذ بالفرار من هذا العالم الظالم أهله، لكنّ اليأس ما كان يدوم طويلا حتى يردعه وازعها النفسي شديد الأثر في نفسها وفِعالها، شعرت في لحظاتٍ أخرى ضعفا ولمسته في شخصية جمانة على الرغم من أنها متعلمة جميلة ومثقفة، لكنها كانت تستسلم بسهولة لعادات المجتمع وكلام الأهل، وضغط والدتها لتقبل بذلك العريس، كانت دموعها تقهرني، يقهرني هروبها، لكنني أبرر لنفسي ضعفها بأنها ضلعٌ مغلوب على أمره في مثل هكذا مجتمع، كلما استحضر الكاتب جملة “لعنت جمانة اليوم الذي ولدت فيه كأنثى في هكذا مجتمع لا يرحم إنسانيّة الأنثى”، كان يصرّ بأن إنسانيّتها لم تُرحم، وبأن أنوثتها لم تراعَ، بل كانت محض جارية، حتى الجواري يعشن حياة أفضل من تلك التي عاشت، كم اعتصر قلبي على جمانة، خاصة وجود طرفٍ أنثويّ أرعن، طرف قاس بشراهة تبعث الكراهية في قلوبنا جميعا تجاه الحماة. عرضت الرواية الصورة الأخرى للمرأة غير تلك الصورة التي تعيشها المرأة المضطهدة، تلك المرأة الظالمة، الغيورة، الحماة، والدة الزوج التي تقتصّ من زوجة ابنها بقسوة وشدّة، تلك المرأة فظة السلوك والقول، التي دائما ما كان زوجها يردعها، دوما ما كان يقذفها بقوله لتسكت، لتخرس، لتكف عن الهراء، وضرب أعراض الناس، لتكفّ عن التجبّر بخلقه، كانت نهاية زواج جمانة جميلة بالنسبة لها، الطلاق، الخلاص، انتهاء وجودها مع ذلك المريض تحت سقف بيت واحد، كان زغاريدها قوية، نابعة من قلب مقهور، دموع فرحها تنطق وتخبر عن كل شيء.
كان المثل حاضرا على لسان والدة أسامة كثيرا، وزوجها الذي كان يوبخها، استحضار المثل يؤكد على مطابقة الواقع لحالةِ الموقف.
أمّا عن قصة زواج عائشة، الفتاة ذات الخمسة عشر عاما، فقد كانت قصة مثيرة للرعب، انتهت بطلاق عائشة بفضيحةٌ كبرى، لأن زوجها كان يظنّ وليس وحده بل وأهلها وعشيرتها وأبناء بلدتها الذين أرادوا قتلها لأنهم يظنون بأن الشرف “غشاء بكارة”، ومن ثم زواجها مرة أخرى بعد ثلاث سنوات حتى تظهر براءتها، ممّا نعتت به، وما قذفت به في شرفها وسمعتها، كانت عائشة تحاول التمسّك بطرف قشة يأخذها إلى برّ الأمان من كل ذلك الألم، وكل تلك اللحظات التي نظرت فيها والدتها وأقرب الناس إليها موبخة ومعاتبة ومشككة في شرفها.
والقصة الأخيرة التي تحدثت عن استغلال حب الفتاة لتحقيق مآرب الرجل الجنسية، وتحقيق متعته وتسليته بجسد امرأة عارية تماما باسم الحب شهوة ورغبة، عن هاجس الثراء الفاحش واستغلال السلطة للتلاعب بأي شخص، فالنفوذ هو ما يحلّ محلّ أيّ شيء، فيتزوج يونس الرجل فاحش الثراء من تلك الفتاة الساذجة صابرين، صابرين التي تكون ابنة عم أسامة، فينتهي بها الحال أمّا بعد ستة أشهر من الزواج بجنين كاملِ الجسد والصحة، ومطلّقة تحمل مسؤوليتها ومسؤولية طفلٍ تربّيه وحدها، مع إمكانية الإنفاق عليها من طليقها صاحب المال.
رتقت قلبي تلك القصص من فيض القهر والحزن والشفقة، كم امرأة مرّ على جيدها حبلٌ ممسّد الأطراف، يحكم قبضته ويحكم خناقه كلما مرّ الموضوع جوار الدين أو الجنس، أو العادات القديمة والتقاليد، كلما مرّ الموضوع جوار الخوف من قطار العنوسة.
فلم يراعِ المجتمع معاناة جمانة مع أسامة، حينما كانت تمشط أحزانها أمام المرأة مع شعرها المنسدل على كتفيها، لم يُراعوا عيشَها المقيت مع زوج بخيل، وأب غير كفؤ، ابن والدته، فكلما جاءت في الرواية كلمة “والدته” شعرت بأن في تلك المفردة انحيازُ أسامة لطرف أمّه، ففيه منها ما فيه من دناءة، وصفات قذرة مشتركة، لم يكن استعمال هذه المفردة من فراغ، خاصة بأن الأحداث تؤكد بأنه ابن أمّه، ما كان يستفزني نداءه لها “ماما، أجل ماما” وهو طوله طول الحائط بعرضه وطوله.
ولم يُراع المجتمع بل ولم يرحم تلك الفتاة، التي قتلوا طفولتها بتزويجها رغما عنها وهي في عمر الخامسة عشرة، وهي في ريعان طفولتها، كم قتلوا فيها من معانٍ طفولية، وكم شقّقوا مسامات روحها التي لن ترمّم مع الزمن مهما حدث.
ولم يدع الناسُ الكلامَ عن صابرين التي كانت ترافق الشاب الذي أحبته بقوة، والتي حملت منه بسبب شغفها وولعها اللذين قضيا على بصيرتها، التي لم تستضئ ولو لبرهة كي تنبّهها بأنها في ورطة.
فضلًا عن غنى الرواية من الناحية اللغوية، والسلاسة السردية والعرض البارع، كم كانت الأحداث لافنة للنظر، لم أستطع أن أنام طيلة الليل، على جلسة واحدة أنهيت تلك الرواية بكل ما تحمله من ألم. كما واشتملت الرواية على الغنى الكبير بالاعتداد بالأمثال، كسّرت هذه الرواية التابوهات المحرمة، من جرأة في العرض عن التّزمّت الديني واستباحة جسد المرأة، وبالحديث عن فكر أبكم أصم جاهل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، “لأنه يظن بأن الشرف فقط بين قدمي الأثنى، ولا يُتحقق منه إلا بقطرة من الدم”، لكني لا أجد في تلك الجرأة أي مضض، فهي تسلط الضوء على ظلمات الفكر التي اجتاحت عقول أبناء هذا الوطن.
وكتبت هيا سيد أحمد:
إن أردت أن تقرأ رواية دون أن تشعر بالملل فأنصح بهذه الرواية. يجب أن يقرأها الآباء والأمّهات والشابات والشّبان، لأنها تعمقت في أمور نعيشها ويتهيّب كثيرون من الحديث عنها بصوت عال، لكنهم لا يخجلون من فعلها.
الرواية تعبّر عن معاناة المرأة وعن الزواج التقليدي، لقد رأيت الرواية تعبر عن النساء وتشعر بهن وتدافع عنهن دون أيّ إساءة، ودون الخروج عن مبادئ وقيم وتقاليد المجتمع.
أعجبتني الاقتباسات من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وأقوال الأئمة والفقهاء.
تعمقت في شخصية جمانة وأحببتها وتعاطفت معها، شعرت أنها ضحية المجتمع وهي تمثل آلاف الفتيات في مجتمعنا.
ذكر الأماكن والقدس زاد الرواية جمالا، ربما كانت رسالة أديبنا أنه مهما صبرت المرأة على الرجل المتزمت والذي لا يخاف الله، فإنها في النهاية ستأخد القرار وهو الطلاق، واختارت جومانة الطلاق على أن تكون أسيرة رجل متزمّت لم يحترم إنسانيتها.
كنت اتمنى لو أن الرواية لم تنته عند طلاقها، وتبين أن الأطفال سوف يكونون ضحايا تلك العلاقة. والعبرة أن زواج فتيات دون إرادتهن سيكون فاشلا.
هذه ليست مجرد رواية تكتب وتطوى صفحاتها، بل هي رواية واقعيّة تجري أحداثها في مجتمعنا.
رواية تغلق صفحاتها لكنك لا تنسى العبرة منها، إن طلاق المرأة ليس حراما ولا عيبا، وقد حلله الله سبحانه وتعالى.
الرواية جريئة وجميلة وعميقة وواقعية وتصلح لمسلسل تلفزيوني.
وقالت سهير زلوم:
في هذه الرّواية يتحدث الكاتب عن النّساء، ويصفهنّ بأنّهن الحلقة الأضعف في مجتمع ذكوريّ، لا يؤدّي إليهنّ حقوقهنّ، فهنّ الخاصرة الرّخوة لمجتمع يحكمه الرّجل.
سأتحدّث عن صورة الغلاف للكتاب. الصّورة رائعة معبّرة عن مضمون الرّواية وموضوعها. والصّورة هي الجزء العلويّ لجسد امرأة يبدو أنّها عارية ولها شعر طويل. والعريّ هنا يدلّ على ضعف المرأة وسلب إرادتها، وعدم قدرتها على فعل ما تريد تحت وطأة قيود اجتماعيّة تحدّ من حريّتها واختيارها.
وجه المرأة جميل، يمثّل جوهرها ونقاءها، أمّا شعرها المتطاير فهو حلمها الذي يطير بعيدا نحو حياة تخلو من المنغّصات، ولا تخضع للعادات والتّقاليد التي تنتقص من حقّها. وفي نهاية كلّ خصلة من شعرها هناك طير (ربما يكون نسرا) يطير محلّقا في السماء. والطّير يرمز للحرّيّة والنّسر للقوّة والحريّة معا، والصورة تظهر امرأة ضعيفة لكنّها تطمح إلى القوّة والحريّة والانعتاق.
أمّا لون الغلاف فيدلّ على الاستقرار، وهو لون مناسب، لأنّ الفتاة تفتقد الاستقرار في حياتها وهو ما تطمح إليه كلّ امرأة.
وكتبت دولت الجنيدي:
الرواية معبرة هادفة بأسلوب سردي سهل مشوق، يشدّ القارئ منذ بداية الرواية، فلا يتركها حتى ينهيها لتأثره بأحداثها، فيعيش مع شخوصها لحظة بلحظة.
فهذه الرواية تسلط الضوء على مشاكل المرأة والرجل في مجتمع ذكوري ظالم للمرأة. ويقف بجانب المرأة ويسرد معاناتها وتمردها على القيود والتقاليد، ممّا يدل أنه مطلع على مثل هذه المشاكل، ممكن من دوره العشائري في مشاكل المجتمع. فينقل صورة حقيقية عن معاناة المرأة؛ ليقول أن المرأة هي خاصرة المجتمع الرخوة وذلك في ثلاث قصص مختلفة، ولكن نتائجها الثلاثة هي الطلاق لكل واحدة منهن.، ونتاج كل زواج طفل أو طفلة لا ذنب لهم في هذه الحياة الدنيا، ولكنه مجتمع ظالم لا يرحم.
القصة الأولى قصة جمانة الفتاة الجميلة المتعلمة المثقفة، التي تقرأ لكتاب عالميين وتتأثر بكتاباتهم عدا عن ثقافتها الدينية غير المتزمتة.
والدها دوره إيجابي، فهو لا يريد تزويج بناته إلا بعد إنهاء دراستهن الجامعية،. وأمّها التي حاولت اقناعها بالزواج من أسامة فاستسلمت، وبدأت المشاكل منذ فترة الخطوبة. فأسامة الجامعي المتأثر ببعض رجال الدين المتعصبين دينيا، وبأمّه المتسلطة الظالمة المتفاخرة بنفسها. ووالده الذي لا حول له ولا قوة.
فيفرض شروطه القاسية الظالمة على جمانة، ويمنعها من الاحتفال بالخطبة والزواج، وأمّه بدورها تحاصرها بكل قسوة، حتى أن غرفة نومها أسكنت فيها أختها المريضة، وأخذت منها زجاجة العطر التي أحضرها هدية لها، وطردت أمّها ليلة الدخلة، حتى فشل أسامة ليلة الدخلة عزتها إلى تمنّعها.
وعندما أخذها إلى مكان عمله في السعودية، أسكنها في بيت غير لائق للسكن، بيت موحش في مكان بعيد وسط جيران غرباء، ومنعها من الخروج ومن قراءة أيّ شيء سوى القرآن، ومنعها من الاتصال بأهلها إلا من تلفونه الخاص، ومنعها من ولادة ابنها في المستشفى، أو الاحتفال بمولده، فتعاني من كبت مشاعرها وتبكي وتنتحب وتفكر بالإنتحار.
وتخفي ذلك عن أهلها حين تتصل بهم من تلفون زوجها لئلا تحزن والدها الحنون. ولكن النتيجة كانت الإصرار على الطلاق حين عادت إلى بلدها، وتمّ الطلاق.
والقصة الثانية هي قصة صابرين ابنة عمّ أسامة التي كانت تلبس الحجاب وخلعته وانطلقت وراء شهواتها وأطماعها حين تعرفت على يونس الذهبي الغني،وحملت منه سفاحا، وهو إنسان متهور أفسده المال وعاش وراء نزواته. ودور أمّهاها بحثها على الإسراع في الزواج؛ لتلاشي الفضيحة، ولكن هذا الزوج المتهور لا يحترم الزواج، ويقيم علاقات خارج الزواج، فينتهي هذا الزواج بالطلاق وبطفل أيضا.
والقصة الثالثة قصة عائشة ذات الخمسة عشر ربيعا، وزياد الجاهل الذي لايعرف شيئا عن غشاء البكارة المطاطي، فيتهم هو وأهله هذه الزوجة الصغيرة في عفتها وشرفها لعدم نزول الدم ليلة الدخلة، ويتهمون أمّها بالفشل في تربيتها، ويعاملونها بقسوة ويذلونها،وتطلق بعد ثلاثة أشهر خوفا من الفضيحة، ويرفض أبوها أخذها إلى الطبيب خوفا من الفضيحة، ثم يزوجونها من فارس ابن الحاج مسعود الغريب عن ديارهم، وتكتشف براءتها حين ولادتها لابنتها حين طلبت الممرضة منهم الموافقة على استعمال المشرط، لتسهيل عملية الولادة بسبب الغشاء المطاطي، وتفهمهم ذلك وتزغرد الأمّ فرحا ببراءة ابنتها، وتولد الطفلة.
ضمّن الكاتب روايته أمثالا شعبية فلسطينية على لسان شخوص الرواية، واستشهد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وأقوال فقهاء وأئمّة.
هذه الرواية وجميع روايات كاتبنا الكبير تدل على مدى مخزونه المعرفي وثقافته العالية، واطلاعه الكبير على المجتمع الفلسطيني والمجتمعات المحيطة، حيث ذكر أماكن تحرك شخوص روايته في داخل الوطن وفي الخارج ، ورسم لوحة فنية رائعة لطبقات المجتمع، فمنهم غني وفقير وجاهل ومتعلم، وعن ثقافة الجهل عند بعض طبقات المجتمع خاصة في اضطهاد المرأة ومعاملتها بقسوة وقمعها وقهرها، وكأنها تابعة للرجل وليس شريكة له، وانعدام المودة والرحمة والسكينة في قلب الرجل الذي كل همه أن يتشبث بآرائه، وأنه دائما على حق، لتبقى المرأة الخاصرة الرخوة للمجتمع.
وكتبت قمر منى:
في البداية عنوان الرواية جذبني لقراءتها، فالخاصرة: تعني جنب الانسان ما بين عظم الحوض وأسفل الأضلاع، أي وسطه وهو المستدق فوق الوركين، حيث تعتبر من المناطق الضعيفة في جسم الانسان لأنها غير محاطة بالهيكل العظمي الذي يحمي الأعضاء الداخلية، كما أنّ لجسم الإنسان خاصرتين.
الرخو:الهش من كل شئ .
وبما أن الرواية تدور “حول المرأة “فهي خاصرة المجتمع الهشة أو الضعيفة .
من جانب آخر يحمل العنوان جانبا عسكريا، يشكل بمجمله منطقة ضعف لمنطقة ما، وهنا النساء الجانب الأضعف في المجتمع.
الرواية واقعية تخدم المجتمع من خلال طرح بعض القضايا والمشاكل التي يسردها الكاتب عن المرأة.
أسلوب الكاتب سلس بسيط، استخدم بعض المصطلحات القوية مثل غراء “أي جميلة”، يوجد أمثال شعبية ومقولات مثل ” للي مشتهي البرقوق هيّو في السوق”. الرواية كانت مشبعة بالأحاديث والنصوص القرآنية وأقوال الفقهاؤ والأئمة مثل قال تعالى:”ومن آياته ان خلق لكم……”، يذكر أسماء كتَاب ورواياتهم مثل :كافكا برواية القلعة.
أرى أنها شاملة على جميع عناصر الرواية منها : الزمان مثل عاد سامر في 6 حزيران 2006 والمكان مثل حيّ الصوانة على السفح الغربي لجبل الزيتون . وهناك شخوص رئيسية مثل جمانة وفرعية مثل صديقاتها وأخواتها…..إلخ.
تحتوي الرواية على ثلاثة أحداث رئيسية، فالحدث الرئيسي” جمانة”، أمّا الثانوي فيتحدث عن “صابرين وعاشة “.
قصة جمانة: فتاة مثقفة تدرس في جامعة القدس قسم آداب لغة عربية، جاء ذات يوم لطلبتها شاب متعلم يحمل ماجستير في أصول الفقه من جامعة الأزهر، رفضت جمانة العريس لعدة أسباب منها: أنها لا تفكر بالزواج، الخوف من الطلاق، تحتاج إلى شخص يحترم إنسانيتها، تحبه، تشعر قربه بالإطمئنان، تريد إنهاء المرحلة الجامعية لتساعد أهلها في مصاريف المنزل، الخوف من حماتها المستقبلية حيث أن سمعتها سيئة.
لكن محاولات الاقناع تنتشر في ارجاء البيت إلى أن وافقت على العرض، مؤكدة أمّها أن النساء “يتمنّعن وهن راغبات”. لم تكن هناك فترة خطوبة من أجل التعارف، لذا تتفاجأ به بعد عقد القران من تصرفات لا تليق بشخص يحمل هذه الشهادة، يبدأ بفرض سيطرته وإعطاء الأوامر والتعليمات المرتبطة بالدين مثل تحريم الروايات والقصص، والأغاني والرقص، يجبرها على ارتداء النقاب حسب أقوال ابن عثيمين:”بأن المرأة إذا خرجت من بيتها عليها أن تضع النقاب “، ثم يتم إشهار الزواج، وتعقّد ليلة الدخلة، فتقوم أمّ أسامة بالتستر على أسامة كونه أصيب بعجز جنسي مؤقت، بسبب الضغوطات المفروضة على الرجل بالدرجة الأولى والمرأة بالدرجة الثانية في هذه الليلة، ثم كلما حاولت أن تتقرب منه يفاجئها بأفكاره عن تعدد الزوجات …..وإلخ.
تسافر جمانة مع زوجها فتجد نفسها في بيت تعيس المنشأ، وأن أحلامها تبخرت. وبعد مدة تنجب طفلا في البيت، لأنه ممنوع شرعا أن يكشف عليها طبيب-حسب رأي سامة-. يقرر أسامة العودة متفاخرا بفحولته وقدرته على الإنجاب، إلا أن جمانة قررت الخروج عن صمتها، وقد طلبت الطلاق رغم علمها أنه أبغض الحلال، لكن لا بد من إنهاء هذا الزواج غير السّويّ.
القضايا المطروحة في قصة جمانة:
• النساء خلقن للزواج والانجاب فقط والتعليم ليس مهما للمرأة.
• اطلاق فتاوي شرعية من خلال التمسك باجتهادات بعض العلماء المسلمين.
• السيطرة الذكورية ولا يوجد للمرأة رأي ولا شورى.
• ظاهرة التحرش من قبل الاحتلال بأعراض المسلمين وانتهاك الحرمات.
• اعتبار المرأة ملك يمين وجارية للزوج”العبودية”.
• الجهل بجسد المرأة واستعمال العنف اثناء القيام بالعلاقة الحميمة.
• قضية تعدد الزوجات والاستهتار بمشاعر المرأة.
• صمت المرأة لما تتعرض له من إهانات وخوفها من الفضيحة.
• مفهوم الطلاق ونظرة المجتمع للفتاة المطلقة.
• مكانة المرأة في المجتمع متدنية ولا يحق لها العمل.
• التوافق بين اثنين ليس من خلال الشهادات الجامعية.
القضايا المطروحة في قصة عائشة وصابرين:
• الزواج المبكر وتأثيره على جسد المرأة.
• “غشاء البكارة “الذي يمثل شرف وعذرية الفتاة والجهل بأنواعه المختلفة. حتى أن غشاء البكارة يمكن أن يتهتك لأسباب غير إقامة العلاقة مع الرجل.
• استعمال العنف الجسدي والكلامي وإيذاء النساء.
• التشهير بأعراض النساء قال تعالى:” إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ……”سورة النور 23.
• التلاعب بعقول ومشاعر النساء من خلال الوعود بالزواج.
• الخيانة الزوجية.
• التربية الخاطئة تؤدي إلى عواقب وخيمة.
• التحدث عن ظاهرة التخنيث والشذوذ الجنسي.
وقالت رفيقة عثمان:
تمحورت الرواية حول قضايا اجتماعيّة وعلاقات أسريّة غير ناجحة، لثلاث فئات أسريّة من طبقات اجتماعيّة مختلفة؛ من خلال السّرد ركّز الكاتب على قضايا الظلم الذي تعرّضت له النساء، من قِبل المجتمع الذكوري السّلطوي، في المجتمع الفلسطيني، خصوصا وأنّ الكاتب اختار مكان الأحداث للرواية في مدينة القدس، والزمان لم يظهر جليّا، لكن ممكن الاستنباط بأنّه خلال انتفاضة الأقصى بالقدس.
القضيّة الأولى تمحورت حول الفتاة جومانة المُتعلّمة من الطّور في جبل الزّيتون بالقدس، واختيار زوجها أسامة، بطريقة شبه اجباريّة، يظهر الزواج غير متكافئ، يبدو الزوج متعصّبا وملتزما ومُتشدّدا، فيه سلطة الزّوج على الزوجة، وإلغاء شخصيّتها بتاتا. ظهرت شخصيّة جومانة سلبيّة على الرغم من توضيح آرائها؛ لكنها قوبلت بالقمع من قِبل الزوج. في رأيي هذا النموذج من الزواج لم يعُد قائما في مجتمعنا، أو نادرا ما يكون؛ خصوصا بعد خروج النساء للتعليم، والعمل في كافّة الميادين، اصبحت النساء ذات إمكانيات الاختيار السّليم، والرفض، هذه الأحداث كانت في زمن الأجداد والجدّات.
ربّما ما زالت بعض القرى النائية تتصرّف بهذا المنهج غير اللّائق مع النساء، وعدم احترام رغباتهن، وتفضيل الذكور عليهن.
القضيّة الثانية، وهي قضيّة عائشة التئ زُوّجت في جيل صغير، وطُلّقت لشكوك زوجها بعذريّتها، وزُوّجت ثانية، وأنجبت فظهرت براءتها من التهمة السّابقة بعد الإنجاب.
القضيّة الثّالثة التي تطرّق لها الكاتب، قضيّة صابرين المُتحرّرة وزواجها من يونس المُتحرّر، والذي ينعم بخيرات أبيه الغني، كلاهما غير ملتزمين، وتمّ زواجهما بعد حدوث الحمل، ومن ثم طُلّقت بعد الإنجاب، واكتشاف خيانة الزّوج وشذوذه الجنسي.
في القضايا الثلاث الآنفة الذكر، برزت المرأة في أدنى صورة اجتماعيّة لها، على الرّغم من درجات التعليم التي حازت عليها؛ إلّا أن الرجل كان هو المُستبد، وصاحب الرأي الناهي والآمر، كما ورد صفحة 151 “بقي شيء واحد؛ لتثبتي لي أنك زوجة مطيعة صالحة وهو أن تُقبّلي قدمي.”، وهل يوجد هنالك إذلال للمرأة أكثر من هذا الإذلال؟ هذا بالإضافة للمعاملة السيّئة التي واجهتها النساء من قِبل أزواجهن، والسبب في إفشال الحياة الزوجيّة، بقراراتهم الشّخصيّة، دون مراعاة الإنسانيّة في الطرف الآخر أي النساء. “الخاصرة الرّخوة” أطلقها الكاتب على روايته أسوةً بالضعف الذي تميّزت به النساء في الرواية، كأن نقول الضلع القصير في المجتمع، هكذا مثّلت المرأة الصورة غير السليمة في جسم المجتمع.
برأيي الشخصي، تلك الصور الدّونيّة النمطيّة والسلبيّة عن المرأة العربيّة، تُعزّز الفكر السلطوي الذكوري لدى الأبناء والأجيال المستقبليّة؛ حتّى لو كانت نوايا الكاتب إيجابيّة، إلا أنها لا تساهم في تنشئة الأجيال القادمة تنشئة حديثة .
تبدو الرواية نسيج من وحي خيال الكاتب، الذي يوحي بحقيقة هذه الأحداث في مجتمع عقيم وجاهل، يحمل ترسّبات عقائد منذ زمن الجاهليّة، ونحن نعيش في عصر تغزوه العولمة والفضائيّات، وغزو التكنولوجية الّتي داهمت بيوت العالم، ونحن لسنا أقلّ حظًّا من هذا العالم.
هذا التقدّم العلمي يُقدّم لنا ثروة وثورة فكريّة عصريّة، ترنو نحو التقدّم والاختراعات، والإنتاج ترنو نحو بناء فكر معاصر جديد، مجتمعنا بأمس الحاجة إليه؛ لننهض من السّبات العميق والأفكار البالية.
ماذا لو عكس الكاتب وابرز صورة المرأة القويّة والناجحة ذات الشخصيّة المُستقلّة، والتي أحرزت تقدّما في كافّة المجالات العلميّة والعمليّة، جنبا إلى جانب الرجل في المجتمع العربي بصورة عامّة، وفي المجتمع الفلسطيني بصورة خاصّة.
برأيي تلك الصور المُشرقة على عكس ما طرحه الكاتب السلحوت في روايته، تساهم في إعطاء صورة إيجابيّة يُحتذى بها، تمنح الأمل للفتيات والفتيان وتقبّل الآخر كشريك مساوٍ له في كافّة الحقوق الإنسانيّة، دون تمييز بينهما. تكون هذه الصّورة نموذجا حسنا، نطمح في عرضه عند تنشئة أجيال مستقبليّة. هكذا أملت من الرواية أن تكون، مع احترامي لفكر الكاتب وطرحه.
تميّزت الرواية بلغة فصحى سليمة، رافقتها بعض العبارات في اللّهجة العاميّة، والتي تتناسب مع المواقف للأحداث، وخاصّة عند رصد الأمثال الشعبيّة الفلسطينيّة العديدة.
ورد استطراد مبالغ به، في تفسير بعض الأحداث لتثقيف القارئ، والرجوع للمراجع الدينيّة وتفاسير الفقه المختلفة، برأيي أنّ هذه التفسيرات مضافة ولا تضيف للنصوص قيمة إضافيّة ونوعيّة، بل العكس هو الصحيح؛ بالإضافة لاستخدام التّناص في الأغنية الشعبيّة ” يا ذبلة الخطوبة” كاملة. هذه التفاسير والتّناص يُخفّف من حدّة التركيز عند القارئ.
تطرّق الكاتب لمواضيع حسّاسّة إنسانيّة، وتدخّل في شرح مفصّل في تثقيف المواضيع الجنسيّة؛ لا ضرورة لذكرها هنا. برأيي أن لا ضرورة للإسهاب بهذه المواضيع التي لا تغني الرواية كثيرا، مع العلم أن أبناء وبنات العصر لا يعجزون عن التوصُل للمعلومات التي يرغبون بمعرفتها، بواسطة الشبكة العنكبوتيّة.
بالنسبة لاختيار كاتبنا كتاب المسخ ” فرانس كافكا التشيكي اليهودي” هذا الكتاب الذي صرّحت البطلة جومانة بقراءته، عندما سألها خطيبها حول قراءاتها، تُرى هل هنالك هدف من اختيار هذا الكاتب التشيكي اليهودي بالذّات؟ طبعا لكاتبنا الحريّة الكاملة في الاختيار، ولكن هنالك كتّاب مبدعون بكافّة أنحاء العالم، ربّما لو ذكر روايات مُترجمة للعربيّة مثلا، دون تفضيل الكاتب اليهودي “كافكا”.
صورة الغلاف من تصميم الفنّان شربل إلياس. تُغطّي صفحة الغلاف بلون بنّي في الخلفيّة، وفي الطرف السّفلي صورة جسم لامرأة شابّة شبه عارية من أعلى الجسم، وشعرها طائر بالهواء وتتطاير معه عصافير وحمامات كثيرة مع شعرها، وكأنها تُعبّر عن الإنطلاق والانفتاح.
الأخطاء اللّغويّة، والأخطاء المطبعيّة:
1. ص 34 لكنّ الأماني شيئ، والواقع شيئًا آخر – الأصح شيئُ
2. ص 42 لم تُحبّينني – الأصح لم تُحبّيني
3. ص 43 لم تبقِ – الأصح لم تبقي
4. ص 51 حتّى يصطحبانها – الأصح يصطحباها
5. ص 52 كي يصطحبانها – الأصح كي يصطحباها
6. ص 70 عند السّاعة الثانية ظهر – الأصح ظهرًا
7. ص 78 عن رضا – الأصح رضىً
8. ص 119 حتّى لا تصدّقين – الأصح لا تُصدّقينها
9. ص 125 بعد زوجنا – زواجنا
10. ص 91 حتّى تقولين – الأصح حتّى تقولي
11. ص 180 أعطِني إيّاها يا تغريد – الأصح أعطيني
12. ص 188 اتّفقا أن يذهبوا معا – الأصح أن يذهبا
13. ص 342 حتّى تتعافين – الأصح حتّى تتعافي
14. ص 206 نجن بخير – نحن
15. ص 71 قالت سوسن زميلته مازحة – زميلاتها
16. ص 73 انهدت سعاد وقالت – تنهّدت سعاد
17. ص 119 لحبّة لها – لحبّه لها.
وقالت نزهة أبو غوش:
الرواية ذات مضامين اجتماعيّة تروي أحداثا واقعيّة لمناطق معيّنة في زمن معيّن، لم يذكره الكاتب، وعلى الأغلب بأنّها مأخوذة من بيىئته الّتي يعيشها الآن وعاشها بالماضي، وقد تنطبق هذه الأحداث على بعض من القرى الفلسطينيّة بعاداتها وتقاليدها وسلوكها، وهي تختلف من ثقافة لأخرى، وليس بالضّرورة تطبيقها على الأغلبيّة في المحيط الفلسطيني.
نقل الكاتب المشاكل الاجتماعيّة، نحو الزّواج المبكّر والمصائب المترتّبة عليه، الفجوة العميقة بين الطّبقات في المجتمع، ومفهومها السّلبي. الظّاهرة المثليّة، التّسلّط الذّكوري، الأزمات النّفسيّة الّتي يتعرّض لها الزّوجان أوّل حياتهم الجنسيّة. قضيّة الشّرف العائلي وعذرية الفتاة، قضيّة الحاجة للمال والسّفر لبلدان الخليج، قضيّة العائلة الممتدّة والتّدخّل المباشر بالأبناء حتّى ولو عن بعد.
كلّ شخصيّاته النّسائيّة في الرّواية كانت مستسلمة، حتّى جمانة المتعلّمة والمثقّفة في، استسلمت لقدرها وتزوّجت شخصا فُرض عليها، والأمرّ من ذلك أنّها عرفت طباعه وثقافته وسلوكه المشين ضدّها قبل الزّواج، قال لها: ” قبّلي قدميّ” من الغرابة أنّ تلك الشّخصيّة لم تنطق بـ” لا” نريد أن نسال الكاتب: لماذا؟
كذلك شخصيّة الفتاة عائشة الّتي زوّجت برجل عمره أكثر من ضعف عمرها، رضخت لحكم الأهل وخاصّة الأمّ حين قالت بما معناه:
“هذا الزّواج ولا البلاش ” هل الزّواج ضروريّ حتّى بأيّ ثمن؟ هنا استطاع الكاتب أن يرفع صوته، ويؤدّي رسالته للقارئ.
نجد بأنّ العاطفة الحميمة والرّومانسيّة والحبّ الحقيقي قد خلت تماما من الرّواية، فهل هذه حقيقة الإِنسان الفلسطيني، يرى بالمرأة وسيلة لشهوته وللإِنجاب فقط؟
ربّما أراد الكاتب نقل صورة أو لوحة اجتماعيّة بهدف تنوير القارئ بما يجري من ظلم واقع على المرأة الفلسطينيّة، وعلى المجتمع بشكل عامّ، لكن، أين وجّه الكاتب سهامه، نحو أيّ سبيل؟ أرى بأنّه قد التقط الصّورة بآلة تصوير؛ فخرجت متطابقة كما هي، لم نشاهد فيها لمسة الفنّان الرّسام، أو النّحّات الّذي يضيف شيئا من لمساته، كما أنّني لم أرَ احتجاجه على الصّورة المظلمة، ولم أسمع صرخته المدوّية على لسان إحدى الشخصيّات تقول” لا”.
من الجيّد الاستشهاد بالآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة، لكنّ الكاتب أكثر منها فأصبحت كأنّها دروس فقهيّة يجب على القارئ أن يتعلّمها، حتّى الاستشهاد بالأغنية أرى أنّ لا ضرورة لذكرها كلّها؛ فهذا يضعف من السّرد الرّوائي.
وقع الكاتب في خطأ اقحام الرّواية بالحوار الدّيني بين جمانة وزوجها كما في صفحة222- 224″.
أسامة: انا لا أقرأ إلا كتاب الله وسنة نبيه ومؤلّفات ابن تيميّة والنووي والإمام محمد بن عبد الوهاب وابن باز.
قالت متردّدة:
– لقد قرأت أنّ هؤلاء تكفيريّون… قرأت فتاوي كثيرة لابن تيمية:” يستتاب ثلاثة أيام أو سيقتل” كذلك قضيّة النّقاب، واختلاف جمانة مع أسامة على لبسه.
كيف سيعرف القارئ من الصّادق جمانة أم أُسامة؟ حيث لم يظهر الكاتب هنا أيّ سند، فهي حسب رأيي مموّهة للقارئ ولا ضرورة لها في الرّواية.
لو أراد أيّ دارس جامعيّ عمل بحث عن المرأة الفلسطينيّة، فهل سيجد ضالّته في هذه الرّواية؟
أين المرأة الفلسطينيّة المنتجة في حقلها وسوقها وبيتها وتربية أولادها ومكتبها وشارعها ومقاومة احتلالها؟
هل أضافت الرّواية للقارئ الجديد ابن القرن الواحد والعشرين بما يتناسب مع طموحاته وأحلامه ومستقبله؟
وأخيرا، أرجو من الكاتب جميل السّلحوت أنّ يمدّنا برواية جديدة عن المرأة ذات الخصر المتين الّذي يحمل الرّجال والأطفال والوطن دون كلل.
وكتبت نسب أديب حسين:
جميل السلحوت عقد من محاربة التخلف واضطهاد المرأة
شرع الكاتب جميل السلحوت منذ عام 2010، في نشر مجموعة من الروايات تدور معظم أحداثها في مدينة القدس، وخصوصًا في منطقته المعروفة بالسواحرة – جبل المكبر، محاولا طرح القضايا الأهم حسب رأيه التي تحتاج العلاج والتوثيق. في روايته الأولى ظلام النهار حارب الكاتب عبر بطله خليل التخلف بأنواعه، وعمل على نقل جزء من تاريخ وتراث المنطقة. وفي الرواية إياها نقل الكاتب جزءًا من معاناة المرأة، والحاجة لتعزيز مكانتها والتوقف عن اضطهادها، ومنذ ذلك الحين ومع مرور عقد من الزمن، تحوّل هذا الموضوع إلى جزء مهم يشغل روايات الكاتب، بطرح مشاكل نسوية اجتماعية في فترات متعددة من القرن العشرين.
خصص السلحوت روايات عديدة، خلال هذه المدّة لطرح المواضيع النسوية، وحملت معظمها أسماء نساء، مثل أميرة (2014)، زمن وضحة (2015)، رولا (2016)، عذارى في وجه العاصفة (2017) وآخر هذه الروايات “الخاصرة الرخوة”.
طرح الكاتب في روايته الأخيرة، الدائرة أحداثها في القدس، قضية زواج ثلاث فتيات شابات في فترتنا المعاصرة، تاركا المساحة الأكبر لبطلة القصة “جمانة” الشابة المثقفة المتدينة باعتدال، التي قبلت باستسلام قدر الزواج الذي أنزل عليها، ووجدت نفسها تحت سلطة زوج ذي فكر ديني متزمت. فهذا الزوج عمل على تطبيق الشريعة الاسلامية بطريقة خاطئة، فقيّد حركتها ومنعها من مغادرة البيت والعمل، وألزمها ارتداء النقاب، وحرمها قراءة الروايات الأدبية بوصف هذا العمل حراما. تحوّل زواجها إلى سجن وعذاب، فعملت على أن تتحرر منه بالطلاق، بعد عامين. يدعو الكاتب في روايته الى الاعتدال وعدم التطرف سواء بالدين أو بالتحرر، الذي يتحول في مرحلة ما إلى انفلات، يؤدي كذلك الى أسرة مفككة، والطلاق.
من موقعه كشيخ عشائري، وشيخ في الدين دارس للشريعة الإسلامية، يتطّلع الكاتب بشكل واسع على واقع مجتمعه، وما يعاني من تخلف سواء في تطبيق بعض العادات التي تحتاج لمعالجة وتغيير، أو تفسير الدين الإسلامي وتطبيقه، ويرى برواياته مساحة لمحاربة هذه الظواهر ومعالجتها. هذه الرسالة تؤدي في بعض الأحيان إلى خروج عمله الأدبي عن الفنية الروائية، بما تحمل من كثرة ورود آيات قرآنية، أو تفسيرات شرعية وأحاديث نبوية، فيضعفها.
كُتبت عشرات القراءات النقدية التي ناقشت الرواية الأخيرة، ولذلك لن أتعمق أكثر في مقالتي هذه، إذ لم يبق جانب إلا وطُرح، لكن ما استوقفني عقب قراءتها، أنّها دفعتني مثل الرواية الأولى ظلام النهار، بعامل تشويقها لقراءتها في جلسة واحدة خلال ثلاث ساعات، الأمر الذي قلّما يحصل إلا مع ما ندر من الروايات. بذلك اعتبر أنّ هذا العامل كافٍ لاعتبار الرواية رواية ناجحة، ومأخذي عليها ما سبق ذكره بالإسهاب في إيراد التفسيرات الدينية.
أخيرا أعتبر أنّ الكاتب ساهم بشكل كبير، في تأريخ قضايا نسوية اجتماعية في القدس، عبر رواياته المنشورة في العقد المنصرم، وفيما نتقدم نحو عقد جديد في الألفية الثالثة، أتمنى أن يطلّ علينا الكاتب بقضايا جديدة وأعمال متنوعة أخرى، تكسبنا مزيدا من المعرفة والمتعة في القراءة.
وكتبت شهيرة أبو الكرم:
هذه الرواية ثروة فكرية، أتمنى أن تدخل إلى المناهج التعليمية لما تحويه من قيم تربوية وتعليمية.
أرى أن الكاتب أتقن صنع الشخصيات ودورها وكيف، بداية من أبي جمانة الذي يمثل معظم آبائنا في كدّهم وتعبهم؛ كي يصقلوا منا عظيم الشخص والوصف، وبالطبع كانت جهوده لا تذهب سدى لأنه “أبو البنات”، والبنات يملكن ذاك الحسّ بجهد الآباء وكدّهم ويقدّرنه عاليا.
ننتقل إلى أمّ جمانة الأمّ التي تريد أن تستر بناتها وهي أعلم بمصلحتهن من باب خوفها ليس إلا. وإلى جمانة المتعلمة الجميلة صاحبة الحسن، التي تريد أن تردّ جميل والديها اللذين ربّبياها ورعياها.
إلى صابرين التي اعتبرت أن التحرر هو العري والعار! وكيف لم تبالِ فعلا بموت والدها، اكتفت ببضع عبرات ثم ذهبت لتكمل رحلتها، إلى عائشة حيث خان تركيبها الفسيولوجي العادات والموروث الجاهل بنزول دماء الشرف!
ثم أسامة الذي كرهته عندما طلب من جمانة أن تقبل حذاءه فقدمه ثم الكثير من جهله، وتشدّده وحفظه الشيء دون فهمه، وأمّ أسامة الغيورة التي لا يهمها سوى الانجاب والغيبة والنوم!
نوّع الكاتب وأبدع وأتقن حيث ذكر الكثير من الاجتهادات والأحكام، والكثير من الكتب والروايات التي تعد كمقترحات لنا؛ لنقرأها إن لم نكن فعلنا، كان جريئا وتحلى بمصداقية عالية ولافتة في رسم شخوص روايته.
المال لا يشتري كل شيء يا صابرين، والزواج وغلبة الأمر لا تطول يا جمانة وتنتهي بعواقب، والدّين يسر لا عسر يا أسامة، والشرف ليس بضع قطرات من الدماء، والأمّ نواة المجتمع حيث أن أسامة اكتسب من أمّه الكثير.
وكم من صابرين وجمانة في يومنا هذا؟
وكتبت سوسن عابدين الحشيم:
تحكي هذه الرواية عن ضحايا المجتمع الذكوري، وهن النساء اللواتي يخضن أصعب معارك الحياة، فالمرأة سواء كانت ابنة او أختا أو زوجة أو أمّا فهي المخلوق الضعيف عندما تقارن بالرجل، مع أن المرأة بمواجهتها كل ظروف الحياة فهي الأقوى والأقدر على تحمل مشاكل وصعوبات الحياة بجميع مراحلها، فمن تتحمل آلام الحمل والولادة والتربية والعناية ببيتها وأسرتها، تستطيع تحمل جميع أعباء الحياة بقسوتها ومرارتها، وهذا ما يعجز عنه الرجل. يركز الكاتب في روايته على الشخصيات النسائية كأبطال الرواية، فبعد أن كنّ ضحايا الرجل بسبب زواجهنّ بشخصيات فوقية ومتسلطة، تنتهي الرواية بتحررّهن من قيود العبودية التي فرضت عليهن من قبل أزواجهن. هنا الكاتب يوجه رسالة للقراء أن المرأة تستطيع أن تقف في وجه أي ظلم يمارس بحقها عن طريق التعليم، فهي تستطيع أن تحمل سيف التعليم تدافع به عن حقوقها المهضومة بكل قوة واصرار وعزيمة، فلا تحتاج لأحد ولا تنهزم لعبودية من يريد التسلط عليها. لجأ الكاتب إلى أسلوب السرد الواقعي، واللغة البسيطة السلسة مستخدما التناص الأدبي من أمثال شعبية وغيرها، كما ظهر جليا للقارئ غزارة الثقافة الأدبية لدى الكاتب من خلال ذكر أسماء بعض الكتب الدينية، والروايات العالمية التي ذكرها في الرواية، كالروائي التشيكي اليهودي كافكا رائد الكتابة الكابوسية والمواضيع التي يتناولها في رواياته المشهورة المسخ والمحاكمة والقلعة، عن الاغتراب الاجتماعي والقلق والذعر والشعور بالذنب والعبثية، تتعرض الرواية لمواقف الجهل المدمرة لحياة كثير من الحياة الزوجية، كقصة عائشة وما تسبب لها من فضيحة مع أنّها بريئة لا ذنب لها، كما الجهل في تفسير الدين الذي رفع من شأن المرأة، ولكن بتفسير خاطئ من قبل بعض المشايخ جعل الرجل يرى نفسه متعاليا على المرأة، فيعاملها بدونية وذلك كأنها خلقت فقط لأجله، وهذا ما حصل مع جمانة وزوجها المتسلط الدارس للشريعة والذي يحمل فكرا تكفيريا متزمّتا، وفهمه المغلوط لحقوق الزوجة، متجاهلا قول رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
” رفقا بالقوارير” . والضحية الثالثة إحدى النساء “المتحررات” تقع بحب رجل يرى أن النساء للتسلية واشباع الرغبات فقط، يتزوجها ويخونها ويطلقها وهكذا يفعل مع أخريات، نرى من أحداث الرواية أن الهدف الذي يسعى الكاتب إلى تحقيقه هو اتخاذ العبرة، وأن الفهم الصحيح للدين وحقوق المرأة التي منحها الله لها هي الحلّ للمشاكل التي تعيشها مجتمعاتنا.
وكتبت عطاف جولاني:
لست أديبة ولا شاعرة حتى يحق لي أن أنقد أدب الأديب جميل السلحوت ، لكنني مجرد قارئة، نهمة لكل عمل أدبيّ ، لذا أرجو منكم أن تسمحو لي بأن أتشرف بقول رأيي لكم، الخاصرة الرخوة.
“الخاصرة الرخوة” يا له من عنوان وصف الرواية بدقة.
أنا كإمرأة ولدت في عائلة تعامل المرأة كجوهرة، لها حقوقها واحترامها، لكنّي لا أنكر أنني خضت تجربة مؤلمة، قريبة جدا من تجربة البطلة بهذه الرواية، شعرت فعلا أن المرأة تعامل باضطهاد لمجرد أنها إمرأة.
الرواية حيكت بطريقة جميلة، أجزاؤها مترابطة وشخوصها واضحة وواقعية، شخصية الأب الذي يريد السّتر لبناته، فلا يتشدّد بمهورهنّ، ويوصيهن أن يكنّ نعم العون لأزواجهن، وأن يصبرن. شخصية الفتاة التي ولدت في منزل عاشت فيه كأميرة، درست وتفوقت، وحفظت نفسها وقلبها. شخصية الشاب الذي يظن أنه بمجرد عقد القران أصبحت زوجته دمية، يمتلكها ويلهو بها متى يشاء، ويرميها متى يشاء، شعرت ببعض البؤس عند قرائتي هذه الرواية، ربما لأنها واقعية لحدّ الألم.
لكنّي استمتعت جدّا بقرائتها لدرجة أنني أنهيتها بنفس اليوم، فالأحداث جدا مترابطة والحبكة فيها جيدة، أحببت النهاية جدا، وعرفت كيف أن بعض الأشخاص يتخذون من الدين غطاء لفعل الكثير من الأشياء السيئة، لكن النهاية أظهرت المعدن الحقيقي لهذا الشخص المتزمّت.
وكتبت ميسون التميمي:
تتضمن هذه الرواية قضايا اجتماعية وإنسانية بأسلوب شيق ولغة سهلة، تحّدثت الرواية عن ظلم المجتمع للمرأة، ومعاملتها كضلع قاصر، فتعليم المرأة لا يعطيها حق التحكم بمستقبلها، كما حصل مع جمانة بطلة الرواية، عندما تقدم أسامه لخطبتها وهي لا تريد الزواج ولا تفكر به، وكل همّها أن تُكمل تعليمها وتمدّ يد العون لأسرتها، ولكنها للأسف إنصاعت لرغبة والدها، وقبلت الزواج من شخص لم تعرفه ولم تألفه؛ لتجد نفسها في وقت قصير زوجة لهذا الشخص، يجب عليها أن تلبي حاجاته ورغباته، ولكن بما أن جمانة متعلمة وجامعية فلماذا قبلت شروط زوجها دون مناقشه؟ ولماذا وافقت على تقبيل حذائهُ ثم قدمه، ليتها رفضت الذلّ والإهانة من البداية، أين صوت العلم؟ أين المرأة المتعلمة القوية؟ أيّ حياة زوجية تبدأ بهذه الشروط؟ وأي سعادة مربوطة مع هذا الزواج؟ كُنت أتمنى أن أسمع في الرواية صرخة استغاثه أو كلمة احتجاج، ولكن للأسف لم يكن هذا، وجاء في الرواية أيضا شخصيتان متناقضتان، هما شخصية أسامه زوج جمانة الملتزم في الدين الذي لم يكتفِ بارتداء زوجتة اللباس الشرعي، بل فرض عليها النقاب أيضا، وبين زوج صابرين يونس المتحرر البعيد كل البعد عن الدين الإسلامي، فهذان النموذجان باء زواجهما ما بالفشل والطلاق، فخير الأمور أوسطها. تحدثت الرواية أيضا عن قضية مهمة وهي قضية عذرية الفتاة، كم من الفتيات قُتلن على خلفية شرف العائلة أو عشن مكسورات الجناح مع أنهن لم يرتكبن أي خطأ، لكنه الجهل، وذلك من أجل التستر عليّهن كما حصل مع عائشة التي زوجوها طفلة، وطُلقت ظلما بسبب العذرية، وقبلت بعد ذلك بالزواج من رجل عمره أكثر من ضعف عمرها، من أجل أن تنجو بنفسها من الظلم الذي وقع عليها، وتحدث الكاتب أيضا عن ظلم الحماة لكنتها، ومدى تأثير هذا الظلم وتدخل الحماة في حياتها الزوجية التي تؤدي في بعض الأحيان إلى فشل الحياة الزوجية، ثمّ الطلاق.
وكتبت رائدة أبو الصوي:
حطم جدار الصمت، كسر ألواح الجليد بهذا العمل الجديد،اقتحم عالم المرأة الموجوعة، المظلومة، المقهورة من المجتمع الذكوري في فترة زمنية محددة، ولكنها موجودة في بعض مجتمعاتنا العربية إلى اليوم.تحدث بلسانهن الكاتب
فجلد الظالم وحاول تحقيق العدل وقتل الجهل. رسالته كانت صريحة كانت مريحة كانت واضحة وتقول كفى للظلم، كفى لظلم القوارير، كفى لظلم النساء.
الخاصرة الرخوة عنوان جاذب لرواية مكتملة العناصر، تشعر القاريء بالألم والحزن لهذا الظلم الواقع على المرأة بسبب العادات والتقاليد.
في رواية الخاصرة الرخوة أطلق الكاتب سرب طيور كانت حبيسة داخل الأقفاص،
أطلقها لتقول: كفى للجهل، كفى للظلم، كفى للعبودية
ومن الصور التي رسمها الكاتب بإتقان عندما طلب أسامة من عروسه جمانة تقبيل حذائه وقدمه، وهذا دليل على مرض نفسي .
الأحداث الثلاثة التي وردت في الرواية كانت بطلاتها جمانة وعائشة وصابرين ضحايا للعادات والتقاليد والجهل.
الكاتب كان موفقا جدا باختيار الموضوع والشخصيات والأسماء.
وقالت وفاء سالم:
طرح لنا الكاتب الشيخ جميل من خلال رواية ” الخاصرة الرخوة” قضايا إنسانية أسرية تخص المرأة بالذات، وطريقة تعامل الذكر مع تلك القضايا، ويعني الكاتب بـ ” الخاصرة الرخوة ” أي العضو الضعيف من الجسد، وقد قيل في نفس المسمى “البنت ضلع قصير ” أي ضعيف لاحول له ولا قوة في كثير من الأمور التي تخص الأسرة، وحتى في أمورها الخاصة كاختيار الشريك والزواج والإنجاب، وقد عالج كاتبنا هذه القضايا بأسلوب مشوق ممتع، يجعلك لا تترك الرواية حتى تنتهي منها، وقد تخيلت نفسي أنني أشاهد فلما سنمائيا، أسلوب الكاتب ممتع جدا فيما يوثق به قصصه من أحداث سياسية واجتماعية، تخص الوطن العربي وفلسطين خاصة، وهذا كان واضحا جدا في روايته” عند بوابة السماء”، حيث أظهر لنا عادات وتقاليد حياة البداوة في الخطوبة والزواج والترحال والنضال ومقاومة الاحتلال، وهذا ما ظهر جليا في رواية الخاصرة الرخوة من خلال إظهار عادات وتقاليد سكان المدينة في الخطوبة، واصطحاب الجاهة لطلب يد البنت، وشراء الذهب للعروس والزواج، عدا عن الأمثال الشعبية التي وضحّت الأفكار التي يريد الكاتب طرحها، والتي في معظمها تناولت موضوع المرأة والإستقواء عليها من قبل الذكر، لقد أظهرت لنا هذه الرواية واقعا عشناه وما زلنا نعيشه رغم التقدم العلمي والحضاري.
هذه الرواية تطرح قضايا حساسة وجريئة عن واقع المرأة، وقد عرض لنا عدة نماذج من النساء، أمّ جمانة الطيبة ” أمّ البنات “التي تتسرع في تزويج ابنتها جمانة خوفا عليها، وجمانة البنت المؤدبة ذات الخلق والدين والبارة بوالديها، والتي لا ترفض لهما طلبا حتى في موضوع اختيار شريك حياتها، وصبرها الطويل والمرير على زوج متزمت لا يعرف من أصول الشريعة والدين إلا ما ندر، والذي تربّى على يد امرأة ظالمة، هي أمّ اسامة ذات اللسان السليط الذي لا يسلم من ثرثرتها أحد، وصابرين البنت التي انحرفت عن الدرب السّويّ وأقامت علاقة غير شرعية أسفرت عن الحمل سفاحا، وموقف أمّها من خطيئة ابنتها، كل هذه الصور عالجها الكاتب بقالب رائع لا يبعد عن الواقع بشيء، أنهى الكاتب الرواية بطلب جمانة الطلاق من زوجها أسامة – حيث نفذ صبرها من عقليته المتخلفة- عندما عادت إلى أرض الوطن وأصبحت بين والديها حيث تدرك تماما أنهما لن يخذلاها في موضوع طلب الطلاق، وكان لها ما أرادت، أمّا أمّ أسامة التي لم تسلم صابرين منها، فقد قالت لأسامة سأزوجك من صابرين التي حصلت على آلاف الدنانبر من طليقها.
الرواية تمثل واقعا نعيشه وسنعيشه ما دمنا بعيدين كل البعد عن ديننا الحنيف، الذي أنصف المرأة في حق اختيار الزوج، وفي الميراث والرضاعة وحتى في موضوع العناية بشؤون بيتها وأطفالها.
ومن حيفا كتب المحامي حسن عبادي:
وصف ونستون تشرتشل في حينه إيطاليا: “خاصرة أوروبا الرّخوة”؛ ويُطلق المصطلح عسكريا على منطقة الضعف بالنسبة لدولة أو منطقة ما، وها هو الكاتب جميل السلحوت يُعنوِن روايته الأخيرة: “الخاصرة الرّخوة” “الصادرة عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة لصاحبها صالح عباسي، تحوي 264 صفحة، تصميم شربل إلياس” لجميل السلحوت العديد من الأعمال الروائيّة ومنها: “ظلام النهار”، جنّة الجحيم”، “رولا”، “زمن وضحة” “عذارى في وجه العاصفة”، “عند بوابّة السماء”، روايات لليافعين ومنها: “عشّ الدبابير”، “البلاد العجيبة”، “لنّوش” “اللفتاويّة”، “كنان يتعرّف على مدينته”، قصص للأطفال ومنها: “المخاض”، “ميرا تحبّ الطيور”، “النّمل والبقرة”، أدب السيرة ومنها: “أشواك البراري-طفولتي”، “من بين الصخور-مرحلة عشتها”، أدب ساخر ومنها: “حمار الشيخ”، “أنا وحماري”، أبحاث ومنها: “ثقافة الهبل وتقديس الجهل”، أدب الرحلات ومنها: “كنت هناك”، “في بلاد العمّ سام” وغيرها).
تناول في روايته الهمّ النّسوي وتطرق لمعاناة المرأة الفلسطينيّة ومحاولة تمرّدها على القيود والتقاليد وسلطة الرجل في مجتمع ذكوريّ، وتناول همومها اليوميّة محاولا نقل صورة حقيقيّة لظلمِها واضطهادها، بؤسها وشقائها، فنجد “المرأة خاصرة المجتمع الرّخوة” (ص.126)، وتطرّق إلى ازدواجية مواقف المرأة تجاه قضايا المرأة فهي عدوّها الأوّل واللدود.
تحكي الرواية قصّة زواج “جمانة وأسامة”، “صابرين ويونس”، و”عائشة وزياد”؛ باءت جميعها بالفشل والطلاق، كلّ لأسبابه، جمانة الجامعيّة تتزوّج أسامة المتزمّت دينيًا والمتأثر بكتابات ابن عثيمين وابن باز وغيرهما، ويحمل فكرا تكفيريّا جعله يمنع الغناء والرقص في حفل زواجه، يحرمها من الشغل خارج البيت، يعترض على قراءتها للقصص والروايات بوصفها “خطيئة لأنها من الخيال والخيال شيء لا يحاكي الواقع، فهو كذب والكذب حرام”، يعترض على ولادتها في مستشفى حتى لا يكشف عليها طبيب، يمنعها من الاحتفال بعيد ميلاد ابنهما البكر، لأنّه تقليد للكفّار ممّا يؤدّي للطلاق.
أمّا صابرين فتتزوّج يونس الذّهبيّ “المُنفتِح”، يقنعها بخلع حجابها، مارس معها الجنس خارج إطار الزواج لتحمِل ويتزوجّان، ممّا لا يمنعه من إقامة العلاقات الجنسيّة متعدّدة المواهب، مع الذكور والإناث بما فيه الجنس الجماعي ويؤدّي إلى الطلاق.
أمّا عائشة فتتزوّج زياد وعمرها خمسة عشر عاما ليطلّقها بعد ثلاث أشهر، متّهما إيّاها بشرفها بسبب بكارتها المطاطية، فتتزوّج ثانيةً وتحمل، وحين تعسّرت ولادتها تبيّن أنّها لا تزال تحتفظ بعذريّتها!
المرأة اللا بطل في الرواية، عائشة التي اغتصبت طفولتها ليزوّجوها قاصرا، جمانة جامعيّة متديّنة تؤمن أنّ الدين الإسلامي دين يُسر لا عُسر ،ومثقّفة مطّلعة على الأدب العالمي وفكره، تصير ضحيّة تطرّف زوجها المتديّن ذو الفكر المتحجّر العنيف المتزمّت والتكفيريّ، صابرين جامعيّة “مُنفلتة” تقع ضحيّة نزوات زوجها المتهوّر، كلّ وعقليّتها ومفاهيمها الاجتماعيّة والأخلاقيّة، كلّ ووليدها، ضحايا المجتمع لأنّهن نساء وخاصرة مجتمعنا الرّخوة.
حاول الكاتب تعرية المجتمع أمام المرآة، بدون مكياج وتزييف وقشور، بجرأة، يكشف زيف المجتمع (العلاقة الزوجيّة/الأسريّة/الاجتماعيّة)، تناول بجرأة الممنوعات/المحرّمات/المقدّسات وحطّم التابوهات، واجه الجهل الذي واكب التخويف والترهيب للسيطرة على المجتمع؛ ليبقى متخلّفا ورجعيّا، بدل التقدّم والتحضّر والتمدّن، تناول قضيّة الصمت لكي لا تفضح العائلة، وهذا حال كلّ النساء فلماذا ترفض أو تحتجّ؟
تطرّق الكاتب لدور المرأةِ، فانتقدَ في روايته بشدّةٍ النظرةَ النمطيّةَ المتكلّسةَ حولَ دورها في مرآة أدبِنا، وثارَ على النظرةِ الدونيّةِ للأمّ/المرأة، وحاول تصويرها بصورةٍ إيجابيّة. وكذلك الأمر للأب “اللاجئ”، فهمّه تعليم بناته وتأمين مستقبلهن واحترام رأيهنّ: “كيف الرّأي رأيي؟ الرأي الأوّل والأخير لجمانة”، “كلّ شي بخناق إلا الزّواج باتّفاق”، “لن أزوّج أيّا من بناتي قبل أن تحصل على شهادتها الجامعيّة الأولى، فتعليم البنت حصن حصين لها”.
ثار ضدّ ذكوريّة مجتمعنا حين صوّر بسخرية لاذعة تعدّد الخُطّاب ليد جمانة: الأستاذ محمد الفايز جاءها خاطبا وهي في الصف السّابع! المهندس رزق رجب جاءها خاطبا بعد أن أنهت الصّف التّاسع! أكثر من خمسة شباب أنهوا دراستهم الجامعيّة جاءوها خطّابا أثناء دراستها في المرحلة الثانويّة! خاطب في بداية الثلاثينات من عمره ويحمل شهادة الأستاذيّة “الدكتوراة” في الآداب جاءها خاطبا عندما ظهرت نتائج “التّوجيهي”!
يتناول الكاتب قضيّة النكبة وأثرها على المجتمع الفلسطيني: “عيسى الحمّاد ليس مقطوعا من شجرة، لكنّ الزّمن جار عليه كما جار على غيره من أبناء شعبنا، الذين غادروا ديارهم مكرهين عام النّكبة، بسبب ما تعرّضوا له من قتل وتدمير وتشريد، وتشتّتوا في بقاع الأرض، وهذا لا يعيبهم” (ص.13)
وظّف السّخرية السّوداء القاتلة؛ ليصوّر الوضع البائس لتقاليد وعادات وأفكار بالية، أكل عليها الدّهر وشرب: “ابني يريد فتاة صغيرة ليربّيها على يديه، فقالت لها جمانة ضاحكة: “وهل يعتبر ابنك الدكتور الزّوجة خروفا يريد أن يسمّنه حتى يأتي يوم نحره؟”(ص.34)، حين حاول أسامة تقبيل جمانة عنوة سألته ساخرة: “وهل أباح لك أئمّتنا الأوائل أن تغلق عليّ الباب، وتغتصب القبلات منّي؟” (ص.42)، صابرين سألت بلهجة ساخرة: “لم أفهم كلامك يا عمّ، فكيف يلعب الفأر في عبّك؟”(ص.195) ووصلت ذروتها حين أنهى الرواية بجملة غريبة لوالدة أسامة حين أخبر والديه بما جرى بينه وبين جمانة، فقالت والدته: “لا ردّها الله، وقد فعلتَ خيرا بطلاقها، سنزوّجك صابرين ابنة عمّك، فلديها عشرات آلاف الدّنانير التي حصلت عليها من طليقها” ليصوّر ازدواجية المعايير.
استعملَ جميل السلحوت لغة بسيطة وسهلة نسبيّا، وخالية في مجملِها من غريبِ اللفظِ، اعتمدَ لغةً عربيّةً فصحى ذات أصوات متعدّدة، ومنها الرّاوي والشخصيات، ولا ينقصها عنصر التّشويق وتبّلها بالعاميّة أحيانا مستعينا بالأمثال الشعبيّة المحليّة الفلسطينيّة، التي زادتها جمالا وجاءت أصيلة لا دخيلة، ممّا زاد من متانة الرّواية، وعلى سبيل المثال: “بيجي للرّدي يوم يتشرّط ويتمظرط فيه”، “معلّقة لا هي مطلقة ولا متزوّجة”، “حظّك يفلق الصخر”، “العرض ما بنحمى بالسّيف”، “همّ البنات للممات”، “نصّ الألف خمسميّة”، “كل واحد زردته على قدر رقبته”، “من برّة رخام ومن جوّه سخام”، “لا يعجبها العجب ولا الصّيام في رجب”، “وللي مشتهي البرقوق هيّو في السّوق”، “ذنب الكلب دايما اعوج”، “الطّبع غلب التطبّع”، “البسّة بتوكل عشاها”، “طريق تاخذ ما تردّ”، “هل طخّيت الضّبع؟”، “مثل حيّة التّبن تقرص وبتتخبّا”، “يا مؤمّن للنّسوان يا مؤمّن للميّة في الغربال”، “بعد ما شاب ودّوه للكتّاب”، “كل شاة بعرقوبها معلّقة”، “اللي ما بشوف من الغربال أعمى”، “تعريص الغنيّ وموت الفقير لا يعرف بهما أحد”، “دارت على حلّ شعرها”، “تنشوف الصّبي بنصلّي على النّبي”، “اللي بقرب المسعد بسعد”، “اللي بروح ع السّوق بتسوّق”، “غُلُب بستيرِه ولا غُلُب بفضيحه”، ووُفّق في ذلك.
جاءت لغته حداثيّة، ولم يخش الاستعانة بمصطلحات أجنبيّة، وتبنّاها بعفوية مهضومة حين استعمل بعض تلك المفردات: “تمكيجي”، “كاسيت”، “الكشك”، “لابتوب”، “الكيك”، “البنج”، “سكايب” وغيرها.
أبدع الكاتب برسم صورة جمانة بكلماته الشّاعريّة: “خدودها بيضاء تعلوها حمرة كما التفّاح، عيناها فيهما زرقة سماء صافية، شفتاها لذيذة كقطعة حلوى شهيّة، أسنانها كعقد اللؤلؤ الطبيعيّ، أنفاسها تبعث الدفء في القلب، غرّاء فرعاء، نحيلة الخصر بلا اعوجاج، تمشي بدلال كزهرة يهبّ عليها نسيم عليل، صوتها مغناج دون تصنّع. أنفها مستقيم كمنقار حمامة برّيّة” (ص.46)
أعجبتني الرّواية بجرأة التعامل مع موضوعها وعناصرها، ولكن هناك ملاحظات لا بدّ منها: هناك بعض الأخطاء المطبعيّة، وأخرى بنيويّة، وعلى سبيل المثال: يجب حذف كلمة”زملائها”(ص.29)، “جمانة” وليس “أسمهان” (ص.50)، “أبو أسامة” وليس “أبو وضّاح” (ص.117)، “أبو جمانة” وليس “أبو أسامة”(ص.131)، أسرة “العروس” وليس العريس (ص.215).
كذلك الأمر إسرافه بالاستعانة بأحاديث نبويّة ومصادر وعناوين وأسماء أثقلت على سيرورة النص الروائي، لأنّنا لسنا بصدد بحث دينيّ علميّ.
أقحم الكاتب إسرائيل والاحتلال بتكلّف لا يخدم النصّ، وهو بغنى عن ذلك: “أنت تعلمين أنّ الاحتلال قد أهلك البشر والشّجر والحجر، ودمّر الاقتصاد”(ص.173)، “لماذا لا تشتري لنا تلفازا ومذياعا…لنطمئنّ على أهلنا الذين يتعرّضون لجرائم الاحتلال؟”(ص.175)، “بكت أيّام العزّ التي عاشتها في قدسها الذبيحة…قدسها محتلّة من عدوّ أهلك البشر والشجر والحجر”(ص.208) وغيرها.
راق لي موقف الكاتب المُناصر للمرأة، وهو بصيص الأمل بمستقبل أفضل حين جاء على لسان جمانة “قراري ليس ناتجا عن غضب في مشكلة معيّنة، ولو كان ذلك كما تقولين، لتحمّلته، لكنّ أسامة لم يحترم إنسانيّتي يوما ما، فالرّجل غريب في تصرّفاته، لديه معتقدات ما أنزل الله بها من سلطان، وتعامل معي كدمية لا قيمة لها، وبالتّالي فإنّني اتّخذت قراري بعقل ورويّة، ولو كنت في الوطن لما تحمّلته هذين العامين اللذين كنت أعدّهما بالدّقيقة” (ص.249) ما أن سمعت جمانة كلمة الطّلاق حتى رقصت فرحا، وأطلقت زغرودة مدوّية. صدق فريدريك انجلز حين قال:”تحرّر المرأة معيار تحرّر المجتمع”.
يصوّر الغلاف وجه امرأة حزينة وخائفة، فهي نقطة الضّعف، نقطة ضّعف مجتمعنا وخاصرته الرّخوة، مُستَهدفة من قبل الجميع ولكنّها الأمل، أتساءل حيال غياب صاحب “‘لوحة” الغلاف الرائعة، التي تتلاءم مع عنوان الإصدار، الذي لم يُعطَ حقّه.
ومن جنين كتبت سماح خليفة:
قال تعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ”
الوسطية في ديننا الحنيف هي الاعتدال في كل أمور الحياة، هي منهج فكري واضح وموقف أخلاقي وسلوكي علينا أن نلمسه في ممارساتنا الحياتية واليوميةK وفي تعاملاتنا، ومع أهلنا وبيتنا ومجتمعنا ومحيطنا، بل وأبعد من ذلك، دون الاقتصار على التنظير، فالإسلام وسط بين المادية المقيتة والروحية الحالمة، بين الواقعية المُرّة والمثالية التخيلية، بين الثبات الرتيب والتغير المضطرب، بين الحاجات الملحة والقيم البعيدة، بين العقلانية الباردة والعاطفية المتقدة، بين نوازع الجسد ومتطلبات الروح، بين القيود الخانقة والحرية الانحلالية، هو نقطة الجذب المركزية التي تحفظ توازن الإنسان وتقيه من الإنفلات إلى عوالم الشقاء، عالم الداعشية المتزمتة التي تظلم المرأة وتعتدي على حقوقها باسم الدين، لا كإنسان كامل له كافة الصلاحية في اختيار مصير حياته وشريك حياته وأسلوب حياته، دون وصي بالإكراه يجردها من عقلها وإحساسها وكيانها.
أو عوالم الانفلات والحرية الزائفة الشكلية المتمثلة في الخلع والعلاقات المحرمة، والتعامل مع المرأة كأنها قطعة حلوى مكشوفة، يتلذذ بها الرجل ثم يبصقها.
وبالتالي فإن المغالاة والتطرف في شتى القضايا ستودي في النهاية إلى نفس النتيجة، التطرف الديني المنغلق، والتطرف اللا أخلاقي المنفتح، يلتقيان في نقطة سوداوية واحدة تودي بهلاك المجتمع، وسببه في الحالتين الجهل؛ ليُخلق في كل حالة ضحايا تهز أركان المجتمع الآيل للسقوط.
النتيجة السابقة الذكر هي ما خلص إليها الكاتب جميل السلحوت في روايته “الخاصرة الرخوة”، والتي كان أبطالها نساء ضحايا، ولكن على طَرَفي نقيض.
عائشة التي تزوجت وطُعنت في شرفها فقط بسبب الجهل وذكورية الرجل المتمثلة في فض بكارة المرأة ورؤية دمها، لينتشي بفحولته؛ لتعاني هي نفسيا وجسديا، فتُطلَّق وتُزوّج من جديد، ليثبت جهل المجتمع بتكوين المرأة وأنواع غشاء البكارة.
جمانة التي حُرمت من استقلاليتها واختيار شريك حياتها، خوفا من هاجس العنوسة، لتنتقل من تهميش الأهل إلى تهميش الزوج أسامة الذي يفرض عليها الطاعة العمياء، بحجة الدين وتشبثه بالآراء المغالية المتطرفة لبعض السلف، ورفضه النقاش والبحث في الشريعة الحقة، خوفا من دحض ما يقول، وبالتالي إبقاء زوجته في قفص التنمر والاستغلال وتهميش إنسانيتها وحقوقها المادية والمعنوية، لتخلص في النهاية إلى إنجاب طفل وطلاق، طفل لا ذنب له في هذه الدنيا؛ ليجد نفسه بين تناحر وتشرذم علاقة والدين غير مسؤولَين، نتيجة أب متنمر وأُم لم تمتلك الجرأة؛ لتقول لا إلا بعد فوات الأوان.
وأمّا صابرين ابنة عمّ جمانة، فهي تخلت عن مبادئها وعذريتها من أجل شاب ثري تعلق به قلبها؛ فأحبته وأقامت علاقة معه، لتكون النتيجة طفل وطلاق ومعاملتها ككائن نفدت صلاحيته، فألقي به على قارعة الحياة، ليحل محله كائن آخر أو امراة أخرى.
التطرف الديني المتمثل في أسامة والتطرف المنحل اللا أخلاقي المتمثل في صابرين، يلتقيان في النهاية بزواج مشوّه مبتور، ليعود من جديد ليشوّه وجه العالم وينجب كائنات مريضة فكريا ونفسيا.
إضافة إلى جهل مستشرٍ في المجتمع، والذي يتحمله المرأة والرجل على السواء، فوالدة جمانة هي التي ضغطت على ابنتها للقبول بالزواج، بل واشتركت مع زوجها في تهميش رغبة ابنتهما في رفض العريس الذي لم تتقبله منذ اللحظة الأولى، لكنها رضخت، ولم تقوَ على الرفض حتى بعدما أدركت عقلية خطيبها الشبقة والمتمثلة في وظيفة المرأة كمتعة جنسية فقط، جسد بلا عقل أو روح.
وكذلك والدة صابرين التي وافقت ابنتها في زواجها فقط خوفا من الناس والفضيحة، فزجت بابنتها إلى أحضان شابّ شبق، تفكيره يقتصر على النساء والجنس. إلى والدة عائشة التي سكتت على طعن شرف ابنتها وهي مقتنعة ببراءتها، ولم تطالب بفحص ابنتها خوفا من المجتمع الذي لا يرحم.
هذه الرواية تربوية تنويرية أنصح الجيل الشاب بقراءتها، ولكن لي مأخذ عليها وهو كثرة إيراد الأدلة من الأحاديث النبوية وسندها، حتى خلقت شرخا في تسلسل أحداث الرواية وسلاستها، كان على الكاتب الإشارة للقارئ بالرجوع إلى المصادر، وليس حشو الرواية بهذا الكم من الأدلة، فهي ليست كتابا فقهيا.
ومن طولكرم كتبت وفاء بياري:
ا
الخاصرة الرخوة رواية كتبت بأسلوب سلس مشوق ولغه سهلة، وما هي إلا مرآة تعكس العديد من قضايا العنف ضد المرأة في مجتمعنا العربي عامة والفلسطيني بشكل خاص. بعض هذه القضايا تم سردها في الرواية من خلال شخوص (من وحي الكاتب) وبعض من الحكايا التي يتردد صداها في البلدان العربية، والتي عبرت بدورها عن الواقع المأساوي الذي تعيشه المرأة العربية المهمشة حتى يومنا هذا، تحت سطوة العقلية الذكورية وبعض العادات والتقاليد الموروثة من العصر الجاهلي، يدور محور هذه الحكايا التي وردت في الرواية حول قصة زواج كل من (جمانة وأسامة) (صابرين ويونس)( عائشه وزياد)، وجوهر الاختلاف بين كل منها والتي باءت جميعها بالفشل ومن ثم الطلاق، فعلى سبيل المثال قصة زواج جمانة وأسامة والتي انتهت بطلب الطلاق من قبل جمانة التي أنهت دراستها الجامعية، وهي البنت الكبرى لوالد جمانة (عيسى الحماد) المهجرين قسرا من الداخل المحتل، والذي رزق بخمس بنات، وأفنى حياته كلها في تربيتهن والحرص على تعليمهن. جمانة شابة تربت على خلق وكانت محبة للعلم والمطالعة، وطموحها العمل بعد إنهاء دراستها الجامعية لمساعدة والديها ماديا، إلا أنّ أباها هو من اختار لها الشاب أسامة الذي وجد فيه الزوج المناسب لجمانة، ملغيا بذلك قرار ابنته الشخصي بهذا الشأن، في فترة الخطوبة .ص77 فرض أسامة على خطيبته جمانة وضع النقاب، فقال لها ( أنت الآن زوجتي وملك يميني )، جمانه لم توافق على قراره هذا فقامت بالبحث عن موضوع النقاب .ص80 في كتابات الأئمة مالك، الشافعي، وأبو حنيفة حيث لم يطلب فيها من المرأة المسلمة وضع النقاب، على خلاف خطيبها أسامة المتأثر بكتابات ابن عثيمين وابن باز وغيرهما ممّن يطالبون بوضع النقاب، إلا أنّ (جمانة) رأت في ذلك فكرا تكفيريا وأنّ أسامة متأثر بهم. جمانة كانت تنوّع في مطالعتها للكتب فقد تأثرت . ص94، 96 بالكاتب التشيكي اليهودي (كافاكا) وخصوصا روايته القلعة، والتي شكلت صدمة فكرية إيجابية لجمانة، (فبطل الرواية هنا يحاول أن يجتمع مع السلطات الغامضة التي تحكم قريته، تلك السلطات التي تتحكم برقاب مجتمعاتنا العربية، وفي مقدمتها الخرافات والعادات والتقاليد الوحشية الموروثة من الجاهلية) . ص 98. اعتراض أسامة على هذا الروائي كونه يهودي ..وهنا ردت عليه جمانة( عداؤنا ليس مع اليهود كيهود، فهم أصحاب ديانة سماوية، وإنما عداؤنا مع الحركة الصهيونية كحركة استيطانية عنصرية) ص 98. اعتراض أسامه على قراءة جمانة القصص والروايات كونها -حسب رأيه-“خطيئة لأنها من الخيال والخيال شيء لا يحاكي الواقع فهو كذب والكذب حرام”. وكان رد جمانة على ذلك أنّ كتاب الله فيه قصص، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمع الشعر ويطرب له، فالمطالعة غذاء للعقل وزيادة في المعلومات. كثيرة هي الخلافات التي كانت قائمة بين جمانة وأسامة، إلا أنّ جمانة أطاعت زوجها كما يريد، والذي بدوره فرض عليها الكثير من الأمور بعد زواجهما وانتقالهما للعيش في السعودية، فالسكن كان بائسا بحجة جمع المال إلى حين العودة إلى أرض الوطن .. ص 246، 249. منعها من أن تتقدم بطلب عمل في مدرسة وإن كانت للبنات، كما منعها من مخالطة الجيران والناس وفتح النوافذ، لم يحضر لها تلفازا ولا مذياعا ولا هاتفا، حيث اعتبرها حراما ومخالفة للشرع والدين، حتى وقت المخاض وتعسر ولادتها أحضر لها قابلة شعبية لمساعدتها ولم يرسلها إلى مستشفى حتى لا يكشف عليها أطباء ذكور. كما منعها من الاحتفال بعيد ميلاد ابنهما البكر لأنه يعتبر ذلك تقليدا للكفار. ومنع الغناء والرقص في حفلة زواجه لنفس الأسباب، عاشت جمانة أسيره بين أربعة جدران قرابة السنتين، تحت غطرسة زوجها الذي اعتبرها دمية يلهو بها متى يشاء. وكانت حياتها كالجحيم مع ذاك الزوج المتشدد دينيا، ويرفض أسلوب الحوار والنقاش، سلطوي متفرد بالحكم والقرارات، بينما كان في نفس الوقت ذليلا ضعيفا أمام والدته (فاطمة) سليطة اللسان، والتي كانت تتدخل في كل صغيرة وكبيره في تفاصيل الحياة الزوجية لابنها أسامة، من منطلق طاعة الوالدين. عندما عادا إلى أرض الوطن، وأثناء زيارة جمانه لأهلها، هناك ولأوّل مرة اتخذت قرارها بنفسها بعدم الرجوع إليه، وطلبت الطلاق ص230-246. أمّا عن قصة زواج (صابرين ويونس الذهبي) والاختلاف بينهما وبين جمانة وأسامة من حيث نهج وأسلوب الحياة، واختلاف العقليات ما بين عقلية متشددة مغلقة “أسامة” وأخرى منفتحة تغريبية دون ارتكاز على مبدأ ثقافي ولا علمي ولا إنساني المتمثلة بشخصية(يونس)، فبالرغم من الاختلاف بين الشخصيتين، إلا أنّ كليهما كانا مستبدان لا يحترمان مكانة المرأة، ولا إنسانيتها ولا حقوقها، كلاهما كانا يمارسان أبشع أنواع الظلم والإجحاف بحق الزوجة، كل منهما بطريقته الفكرية الخاصة. يونس الذهبي بفكره التّغريبي طلب من صابرين أن تخلع حجابها، ومارس معها علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج، وعندما حملت منه اضطر أن يتزوجها، وحين أنجبت منه مولودتها أرسل لها (ورقة الطلاق) وهي في زياره لبيت والدها(وهو عم أسامه) والذي توفي في صباحية زواج ابنته صابرين اإثر ذبحة صدرية، بسبب ما رآه من محظورات لم يعهدها وسط محيطه التقليدي الملتزم خلال حفل زفاف ابنت صابرين، فعائلة صابرين تقليدية ملتزمة دينيا عكس عائلة يونس ابن رجل الأعمال الثري المتحررة التغريبية. وكان يونس يقيم العديد من العلاقات غير الشرعية حتى خلال زواجه من صابرين غير المتزنة، والتي خدعت به وبممارساته للعديد من الأمور الدونية اللا أخلاقية ص 104-110. أمّا عن القصة الثالثة الذي أتى بها الراوي فهي قصة زواج ( عائشه وزياد )،عائشة بنت الخمسة عشر عاما التي تزوجت من زياد وطلقها ظلما بعد ثلاث أشهر، بناء على نصيحة المختار وإمام المسجد “سترا للفضيحة! انتشرت قصة عائشة في القرية والتي تبين بعد مرور ثلاث سنوات أنها ظلمت من قبل زوجها زياد وأهله وسكان القرية بسب تفشي الجهل العلمي، وذلك بعد أن تزوجها من بعد طلاقها من زياد رجل من مكان بعيد ويكبرها بخمسة وعشرين عاما، وكانت هي بنت الثمانية عشر عاما، حيث تعسرت ولادتها بسب ما كشفته الطبيبة (علميا) أن عائشة لا تزال تحتفظ بعذريتها، ولم تتمكن من الولادة إلا بعد قيام الطبيبة باستئذان زوج عائشة ووالدتها بضرورة شرط الغشاء (من النوع المطاطي) لتسهيل الولادة، الأمر الذي استدعى والدة عائشة -التي أخذت تهلل وتكبر بشكل هستيري- بأن تستدعي زوجها الذي شك بابنته ظلما، ومختار القرية وإمام المسجد؛ ليسمعوا ذلك التقرير من الطبيبة؛ لتثبت لهم وللجميع ظلمهم المجحف بحق ابنتها عائشة البريئة، التي طلقت ظلما ص 124 ( فطلاق المرأه في مجتمعنا يبقى لعنة تطاردها، ولا أحد يرحم المطلقة بغض النظر عن أسباب طلاقها، سواء كانت ظالمة أو مظلومة ص126. فالمرأة خاصرة المجتمع الرخوة “الخاصرة الرخوة” والذي هو العنوان اللافت للرواية، والذي يلامس واقع المرأة الهش والمهمش في مجتمعنا العربي. قضايا عديدة وشائكه سلط عليها الكاتب من خلال روايته، تلك القضايا المتعلقة بشؤن المرأة التي لا تزال مهمشة في مجتمعنا العربي، والتي يمارس ضدها أبشع وأقسى أنواع الظلم والإجحاف بحقها، وبإنسانيتها ومكانتها من قبل الثقافة الذكورية السائدة بسطوتها الوحشية الموروثة من أيام الجاهلية، والتمسك بعادات وتقاليد وخرافات عفا عليها الزمن … ولا تزال تسيطر عل عقل الانسان العربي الذي لم يتحرر منها حتى يومنا هذا.
ومن جنين كتبت إسراء عبوشي:
الكاتب يستمر في محاربة الجهل، وكأنه أخذ على عاتقه خوض هذه الحرب، التي من شأنها أن تُغير المجتمع، وتساعد في رُقيّه وتقدمه.
كانت البداية منذ رواياته الأولى في سداسيّته “درب الآلام الفلسطيني ” ظلام النهار، جنة الجحيم، هوان النعيم، برد الصيف، العسف ورولا” والتي أظهرت العادات والتقاليد البالية ، وبعد ذلك في روايتيه “زمن وضحة” و “رواية عذارى في وجه العاصفة” حيث قدم الكاتب جميل السلحوت معاناة المرأة في مجتمع قاصر النظر جاهل الفكر، رغم ما تواجهه المرأة من آثار الحرب، أمّا أبرز مؤلفاته التي حاربت الجهل فهي” ثقافة الهبل وتقديس الجهل” الذي شمل صور الجهل المنتشرة في المجتمع في شتى المجالات، وأشكاله صور تصادفنا يوميا، وفي ” الخاصرة الرخوة” يظهر مواقف التطرف الديني، الذي يعود بالويلات على الزوجة، على عكس ما نادى إليه ديننا العظيم، بإعطائها حقوقها في اختيار الزوج والتعليم وحرية الرأي، واحترام الزوج لها، وقد كان آخر ما اوصى به الرسول صلى الله عليه و سلم وهو على فراش الموت: “أوصيكم بالنساء خيرا”، وكذلك نهى ديننا عن البخل.
الرواية صرخة ضد تهميش المرأة، والعقلية الذكورية، وادّعاء التديّن، فتح الكاتب الأبواب الموصدة وطرح العلاقات والتداخل والإشكاليات التي لم تجد طريقها للحسم في واقعنا.
أظهرت الرواية ثلاث إشكاليات، حرية المرأة في تحديد مصيرها، من حيث تعليمها، اختيار شريك حياتها، بناء بيتها، ومشاركة الزوج، وتعامل زوجها معها ككيان لها رغباتها وهواياتها ونظرتها للأمور، لا طاعته طاعة عمياء.
الإشكالية الثانية ” التديّن” الذي لا يعبر عن روح الإسلام، كبطل الرواية ” أسامة” حيث كان يتعامل مع زوجته ” جمانة” من خلال تزمّت تكفيريّ يبتعد عن روح الشريعة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم.
الإشكالية الثالثة” عفة المرأة وشرفها ” تتزوج صابرين وتنجب بعد ستة أشهر من زواجها، ومن جهة أخرى تطلق عائشة ابنة الخمسة عشر ربيعا متّهمة بشرفها، بعد أن تعيش مع زوجها، وبعد سنوات ومن زواجها الثاني أثناء مخاضها يكشف الطبيب لأهلها وزوجها عذريتها، جهل علمي يضاف للجهل الديني والإنساني والأخلاقي.
تطرح الرواية سؤالا: هل العفة والخيانة والدّين تُحدد حسب سلوك الإنسان على التحكم بإظهار ما يريد أن يراه المجتمع فقط؟
في النهاية تطلق صابرين الفتاة التي مارست علاقة غير شرعية قبل الزواج، ومع ذلك فإنّ والدة أسامة تقترحها زوجة لأبنها أسامة المتطرف بتديّنه، هذه النهاية طعنة في الخاصرة الرخوة لمجتمع مزيف بمعتقداته وبتدينه وبشرفه.
ومن الناحية العاطفية، لم تُحب ” جمانة ” أسامة منذ اللحظة الأولى، الحب لا يأتي بعد الزواج، هناك قبول بالآخر تعايش عِشرة، لكن إن لم يطرق الحب القلب عند أول نظرة فلن يأتي أبدا، لم تتبع ” جمانة ” عواطفها، مع أنها متعلمة وابنة رجل عصامي يجتهد من أجل بناته الخمسة، أفنى حياته كلها في تربيتهن والحرص على تعليمهن.
لم تدق “جمانة” الجدار، وانجرفت نحو التيار، ولم ترَ شواهد تشجعها على الاستمرار، لكنها استمرت، آلاف الفتيات كجمانة يلاحقهنَ شبح العنوسة، وبحجة العريس المناسب ماديَا، وتحت ذريعة النصيب تكمل حياتها، وعندما تختنق تماما ترفع الراية البيضاء، وقد جرفت لنصيبها نصيب ابن لا يملك عائلة متكاملة، ولا يعيش بكنف والديه.
جمانة وعائشة وصابرين، ثلاث مطلقات مع ثلاثة أبناء، الحياة غير السوية منذ أول ليلة، تبنى عليها حيوات، والجهل يتغذى على ثقافة المجتمع، ينمو ويكبر وينجب أجيالا، أعود للنهاية مرة آخري، الكاتب جعل تلك النهاية الساخرة ،عقابا لاستمرار الجهل.
تُظهر الرواية حاجة المجتمع بأن يمسك العصا من الوسط، فالتطرف في النظرة للأمور: الدينية والأخلاقية وبنية المجتمع هو الجهل بعينه.
صدى الرواية برأيي:
تخاف المرأة من اتخاذ قرار، رغم أنها متعلمة، تتابع الحياة من حولها ومجريات الأمور التي تعصف فيها، وكأنها لا تخصها، تتعذر بالقدر والنصيب، المرأة أول عدو لنفسها، هي أنثى تُمسك بحقوقها بيد رخوة ، تدرك متأخرا أهمية أن تتحكم بحياتها، وأهمية أن تملك زمام نفسها، وكيف تثق بقدراتها، وضرورة أن تسعى لتحقيق سعادتها بنفسها.
الهدف: طرحت الرّواية بجرأة مشكلة المرأة في المجتمعات الذّكورية، فهناك من يضطهدها لأنّه يحمل فكرا دينيّا متزمّتا تكفيريّا، وهناك من لا خيار لها في زواجها، وهناك من يدمّرون حياتها لجهلهم بالنواحي البيولوجية للمرأة، وهناك من يتعاملون معها كسلعة تباع وتشترى، لكنّها في الأحوال كلها مظلومة بسبب تربية المجتمع الذّكورية، والتي تحرم المرأة من الحقوق التي أعطاها لها الله.
جاء السرد في الرواية بأسلوب انسيابي لا ينقصه عنصر التشويق، ومن خلال لغة فصحى لا تعقيد فيها.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات