خريف نزهة أبو غوش يطاول الشمس في اليوم السابع

خ
القدس:22-8-2013 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية”خريف يطاول الشمس” للأديبة نزهة أبو غوش، والتي صدرت في تموز 2013عن المؤسسة الفلسطينيَّة للنشر والتوزيع، فلسطين- رام الله.
ووما قالته رفيقة عثمان: –
الرواية الواقعيَّة الأدبيَّة:
قدَّمت لنا الكاتبة نزهة ابوغوش، انتاجًا أدبيَّا جديدًا، في سرد روائي ممتع، لأشخاص واقعيين، وتقديم نماذج انسانيَّة تعرضت للأزمات، المؤلمة، واحتوت الرواية على أحداث حقيقيَّة، لحقبة زمنيَّة معيَّنة، (1948)، ولمكان جغرافي محدَّد، لثلاث قرى فلسطينيَّة مجاورة لمدينة القدس: “أبوغوش- صوبا- لفتا”، وذلك من خلال عرضها بقالب فني درامي جميل، استنطق الزمان والمكان؛ وتنطبق مواصفات الرواية على مواصفات الرواية الأدبيَّة الواقعيَّة. “ويكبيديا الموسوعة الحرّ.”
تنتمي هذه الرواية الى المدرسة الأدبيَّة الواقعيَّة، وترتقي الى مرتبة الملحمة الإنسانيَّة التي تظهر في مضمونها أحداث، تحمل معاني تاريخيَّة ذات مغزى هام.
اللغة والأسلوب:
استخدمت الكاتبة اللغة العربية الفصحى، بالإضافة لاستخدام اللهجة العامية احيانًا، عندما اقتضت الحاجة لذلك، وخاصَّة اللهجة المستعملة في القرى المتاخمة لمدينة القدس، في تلك الحقبة الزمنيَّة، مما أضاف مصداقيَّة للغة السرديَّة، وازدانت لغة الرواية بالمحسنات البديعيَّة، والقدرة على تصوير المواقف والحركات، والصوت، والإثارة، والانفعالات المختلفة من أحزان، وأفراح، واستطاعت ان تستخدم الالفاظ، وتوظفها بما يتلاءم مع طبيعة المواقف، وتحركات الشخصيَّات. كما ورد صفحة 131، ” قدماها تنجران خلفها مثلما تجر أرجل الشاة عند سحبها؛ لسلخ جلدها عن عظمها”. صفحة 113 “كان دماغي مبرمجًا على إيقاعات العربة التي يحملها الحمار. مع كل منحدر ومنحدر كانت تحدث صريرًا غريبًا”، صفحة 148 ” أسدل الليل ثوبه الأسود الفضفاض، ووقف القمر حزينًا يرقب بصمت المهاجرين عن وطنهم… ينصت الأنين، والزفرات العميقة المجروحة، ويرقب امرأة تصارع الحياة، من أجل ولادة مهاجر جديدة، كاد صوتها يمزق الفضاء الرحب.”.
لم تخلُ الرواية من عنصر التشويق، الذي يُدخل القارئ في حالة من تخيل أبطال الرواية، والأحداث، وتجسيدها، كأنه يشاهد الأحداث عبر الشاشة الذهبيَّة.
صورة الغلاف: صمَّم الغلاف، الفنان المقدسي أحمد نبيل، وهو من روّاد ندوة اليوم السابع.
انَّ المتأمل في صورة الغلاف، يرى صورة لحقل من القمح، تبرز فيها سنبلة واحدة، ورأسها منحنٍ؛ قطرات دم حمراء مبعثرة تلاصق حباتها، وما حولها.
هذا الاختيار الموجَّه من قِبل الكاتبة، ليس غريبًا، حيث ترمز السنبلة في القرآن الكريم الى الخير، والعطاء.
قال الله تعالى في سورة البقرة (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {261}).
وقال الله تعالى في سورة يوسف (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ {43})، وترمز صورة الغلاف (السنبلة المنقطة بالدماء)، عن الشهداء الذين هُدرت دماؤهم في سبيل الدفاع عن الأرض، والوطن، وربما أيضًا ترمز السنبلة عن المهجَّرين قليلي العدد العائدين الى وطنهم، والناجين من رحم المعاناة، بصمودهم الذي دفعوا ثمنه دمًا، وبؤسًا، وذلا، وشقاءً، وغربة وعناء في الشتات؛ وما بعد العودة بالتسلُّل للوطن، هذا الصمود الذي خلق قوَّة، وعزيمة للبقاء، والتكاثر في وطن الأمّ  رغم الأعاصير القويَّة؛ كحبة السنبلة الراسخة في الأرض، والتي انبتت سبع سنابل، وفي كل سنبلة مئة حبَّة.
عنوان “خريف يُطاول الشمس”:
وُفّقت الكاتبة في اختيار العنوان، الذي يحمل المعنى المجازي في تُشبيه شدَّة المعاناة، والشقاء، والحياة القاسية، وتساقط الشهداء، من المُهجَّرين من القرى المحيطة بمدينة القدس، بالخريف الهزيل الذي تذبل الأوراق اليانعة فيه، وتتساقط عند هبوب الرياح الخريفيَّة، على قدر شدَّة، وطول فترة المعاناة، لدرجة كادت ان تصل قرص الشمس.
استوحت الكاتبة عنوان روايتها: “خريف يُطاول الشمس”، من المؤثرات الطبيعيَّة التي كانت لها تأثيرات ظاهرة في كتاباتها، كما ورد صفحة: 83، “صرْتُ ورقة خريف جافَّة آيلة للسقوط في كل لحظة”. كذلك صفحة، 170، “شعرت لأول مرّة بعد الرحيل بالانتماء الروحي لهذه الأرض، تحت سقف هذا الخريف المريض بوجهه الأصفر”، كذلك صفحة 184، “ثم راحت تنعف الاوراق؛ لتطير مع رياح الخريف المجنونة…”؛ كذلك صفحة، 204 “راح مطر الخريف يتساقط قويًّا فوق الرؤوس والأبدان، لماذا الآن؟ هل تواطأ مطر الخريف هو أيضًا، ويريد أن يهلكنا؟…. كم كان الخريف لطيفًا في بلادنا! شمسه معتدلة…..أمَّا الآن فأشعر بأنه بارد وحش يكاد أن يقتلنا، وكأنه ينتقم منَّا؛ لأننا تركنا بلادنا ورحلنا”.
كذلك بالنسبة للعناوين المختارة لفصول الرواية كانت جذَابة، ومعبّرة مثل: الحنين، الاحلام المبتورة، عروس داخل الهودج، مرارة الفقدان، بداية نيسان، جروح وآلام، لوعة الفرق، دعوة للحريَّة، المفاجأة، كف ومخرز، المخبأ السري، الرحيل، طريق وأشواك، الهواجس المرعبة، الحيرة، العقد الذهبي، وقوع المحظور، معركة مع الشمس، لقاء المهاجرين، واقع جديد، في الدير، في المخيم، اخبار من الوطن، الثائر العنيد، في التابوت.
صورة المرأة الفلسطينيَّة في الرواية:
منحت الكاتبة نزهة أبوغوش، مكانة مرموقة للمرأة الفلسطينيَّة ، خاصَّة في فترة 1948، في قرى: أبوغوش، لفتة، وصوبا، حيث صوَّرت المرأة بصورة جميلة، وبهيَّة، حيث وصفتها الكاتبة بصفات مشرِّفة، كصفات: الصبر، والجرأة، والإصرار، والمغامرة، صاحبة قرار، مضحيَّة، تشعر بالانتماء، والمشاركة الفعَّالة مع الزوج في النضال، والعمل في الحقل احيانًا، وإعالة الأبناء. مثل ربيعة زوجة عبد العزيز التي باعت ذهبها؛ لشراء السلاح، عندما شعرت بالتزام التضحية للوطن، كذلك عندما قامت النساء بتقديم الطعام، وإرساله للثوَّار، مثلما بعثت أمّ حسن الخبز البلدي الذي صنعته بيديها، وأرسلته تهريبًا مع عليّ بعد العودة للقرية. وُصفت المرأة بالدلال كالابنة وردة التي عوَّدها أبوها على ركوب الحصان، كذلك إقامة حفل الزفاف المُكلف لربيعة من بلدة صوبا مساواة مع الذكور، في مرحلة تبرز فيها العادات والتقاليد الاجتماعية صارمة، ومتحيِّزة للذكور.
أبدعت النساء في نظم الأغاني الشعبيَّة، وترديدها بالمناسبات السعيدة، والمواقف المحزنة، كما سأوردها لاحقًا.
ظهرت المرأة ذات شخصيَّة قياديَّة قويَّة، متحمّلة للمسؤوليَّة، والمتحديَّة، صاحبة القرارات المصيريَّة، والإصرار، كما عزمت وردة ورحلت مع أبنائها، وتحمَّلت نبأ استشهاد زوجها، والصعاب المترتبة عن الرحيل، والشتات؛ كما أنها أصرَّت على العودة للوطن مهما كلّفها الأمر من مخاطر، ونتائج سلبيّة مجهولة.
تضامنت الكاتبة مع شخصيَّة المرأة المتحديّة، بطلة من بطلات الرواية، (وردة)، والتي تمثِّل شخصيَّة الجدَّة الحقيقيَّة للكاتبة؛ والتي لها الدّور الأكبر في سرد الأحداث، وساعدت الكاتبة في نسج أحداث هذه الرواية؛ كما ظهر في صفحة الإهداء في الرواية: ” الى رفيقة روحي، بطلة الرواية وردة، التي علَّمتني كيف أعيش الحياة فوق تراب الأرض والوطن.”.
الفولكلور الفلسطيني: الأهازيج، والأغاني الشعبيَّة في الرواية:
زُيَّنت رواية خريف يطاول الشمس، بالأهازيج، والأغاني الشعبيَّة المتداولة في تلك الحقبة الزمنيَّة، للقرى المجاورة لمدينة القدس، والتي ما تزال تُردَّد في بعض القرى، بالأفراح، والمناسبات السعيدة. كالزفاف والخطوبة، والحصاد، والطهور، وما الى ذلك. كما ورد صفحة: 30-31 ” وصفحة 74 اهازيج النساء اثناء توديع العروس.
” قومي اطلعي قومي اطلعي ويش همك احنا حطينا حقوق ابوكِ وعمك
قومي اطلعي قومي اطلعي ويش مالك احنا حطينا حقوق ابوكِ وخالك”
زفة العريس:
” يوم اطلعنا ع الزفة رشينا العطر ع الطربوش
تستاهلها يا حسن والتكسي ع باب الحوش
يوم اطلعنا ع الزفة رشينا العطر ع العقال
تستاهلها يا عريس والتكسي ع باب الدار”
الأغاني الحزينة: كما ورد صفحة 22، عند الرحيل.
“يا حسيرتي حمَّلوا والريح طاوعهن راحوا يمّا ومفتاح القلب معهن
يا حسيرتي حمَّلوا ع خيلهم شدوا ولبسوا ثياب السفر ع الريق ما تغدوا
يا حسيرتي حمَّلوا ويا حسيرتي شالوا يا حسيرتي كل ما هبّ الهوا مالوا
يا حسيرتي كيف ما حملت حملي مال مدري رداوة بخت ولا الدهر ميَّال”.
مناسبة الطهور:
” طهره يا مطهر وسمي عليه يا دموع احمد نزلت عَ ايديه
طهره يا مطهر وسمي عليه يا دموع عادل نزلت ع ايديه
طهره يا مطهر عالكش الاخضر ولبسه يا بوه لبس العسكر”.
طهره يا مطهر ع الكش الناشف ولبسه يا بوه بدلة الكاشف”.
رواية “خريف يُطاول الشمس” تستحق القراءَة، ويمكن اعتبارها توثيقيَّة، تُضاف للمكتبات العربيَّة، والفلسطينيّة بشكل خاص؛ للتأريخ الشفوي الفلسطيني.
وكتب جميل السلحوت:
في هده الرواية طرقت أديبتنا بابا يفضي الى مئات أو آلاف الروايات الشفوية عن نكبة شعبنا الفلسطيني في العام ١٩٤٨، هده الروايات التي لم تلق حقها في التدوين والدراسة، وهي الأصدق من التأريخ الرسمي أو شبه الرسمي، وهنا تجدر الاشارة الى ما كتبه أديبنا الكبير سلمان ناطور في “ذاكرة الصحراء” وغيرها.
لكن هذا غير كاف، فالطريق لا يزال بكرا، وكأنني بأديبتنا نزهة أبو غوش “تدق جدران الخزان” هي الأخرى، وقد طرقته فعلا معتمدة على  الرواية الشفوية لما يتداوله من عاصروا المرحلة في بلدة أبو غوش التي تمثل البوابة الغربية لمدينة القدس، ونقلوه لأبنائهم وللأجيال اللاحقة لهم -ومنهم أديبتنا-التي التقطت الرواية بفكر مفتوح وقلب نازف، فكتبت روايتها بحبر الدموع، هده الرواية بأبطالها الشعبيين الذين عانوا مرارة التشريد والتهجير هربا بحيواتهم، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من قدم روحه فداء لأهله ولأبناء شعبه، ومنهم من عضّ على تراب الوطن بالنواجد رغم ما تعرض له من عذاب ومرارة العيش، وكأني بأديبتنا تريد أن تبرئ ضميرها المعذب والمؤرق من هول ما حصل لشعبها ووطنها في مرحلة النكبة الأولى، بأن تدحض الدعاية المضادة بأن الشعب الفلسطيني قد ترك دياره مختارا، تماما مثلما تريد التأكيد على أن الهجمة المضادة كانت أكبر بكثير من الامكانيات التي كانت متاحة، وأن شعبنا قدّم تضحيات كبيرة لا يمكن أن تبقى طيّ الكتمان، أو أن تقتصر على روايات قد تموت بموت من عاصروها، بل يجب حفظها وتناقلها من جيل الى جيل حتى يقضي الله أمرا كان مكتوبا.
الأسلوب:اتكأت كاتبتنا على الأسلوب الانسيابي، الدي يجذب القارئ وتركت شخوص روايتها يتحركون بحرية تامة دون تدخل منها، وهدا سبب كاف لنجاح روايتها، فمع تعاطفها مع شخوص روايتها، بل انها شاركتهم عذاباتهم، لكنها تركتهم يسردون تجربتهم كما عايشوها.
ماذا بعد؟
ما قدمته الأديبة أبو غوش كنز يدعو الآخرين الى النبش والبحث عن كنوز أخرى وتدوينها، لإغناء تلك الفترة العصيبة من تاريخ شعبنا، مع التأكيد أن الرواية ليست تأريخا للمرحلة، ولكنها تروي جانبا مهما لم ينتبه له كثيرون..
وقالت سهاد عثمان:
أنا مربيّة أطفال في مدرسة أبو غوش- القدس، ومحاضرة في كليّة سخنين لدار المعلمين، والمؤلّفة هي والدتي الّتي أعتزّ بها كثيرًا .
لقد تربّيت على قيم ومعايير وتراث وأخلاق عربيّة فلسطينيّة. عرفت التّاريخ من فم الآباء والأجداد، سمعته وما زلت أجترّه .
أجد صعوبة بالغة في توصيل ما تعلّمته لأبنائي – طلابي، وأولادي- الّذين همّهم هو الوسائل التّكنولوجيّة الّتي يشتقّون منها معرفتهم، ويضيّعون وقتهم وهم بعيدون جدًّا عن أي شيء اسمه التّاريخ، وهم يحفظونه ؛ من أجل الامتحان فقط وبصعوبة بالغة.
قرأت رواية” خريف يطاول الشّمس” فوجدت تاريخ قضيّتنا مفروشًا أمامي بلغة سلسة تشجّع على القراءَة، يكثر فيها عنصر التّشويق والإِثارة. العاطفة، تناسب الأحداث. أحداث الرّاحلين عام 1948، المهجّرين، المبعدين عن أراضهم ووطنهم. يغلب عليها الحزن والأسى، والألم، والفقدان والضّياع، والقليل القليل من الفرح المسروق.
وجدت أمامي تراثًا فلسطينيًّا بحتًا: الأغاني، الأهازيج الشّعبيّة، التراويد، أغاني الحسرة والفراق، أغاني الفرح في الأعراس، والطّهور، ووقت الحصاد..
أرى في هذه الرّواية تعويضًا للأبناء عن التّاريخ الّذي لا يحبون قراءَته، وإِنّهم سيفهمون الأحداث التّاريخيّة الواقعيّة الّتي وضعت في قالب روائي جميل يشجّعهم على القراءَة.
تناولت الرّواية جوانب الحياة المختلفة: الاقتصاديّة، والعلميّة، والدّينيّة، وقد ظهر ذلك على الشّخصيّات في الرّواية الّذين تأثّرت نفسيّاتهم بدرجات مختلفة: الحاجّة فوزيّة وصلت مشفى الأمراض النّفسيّة في بيت لحم. عبد الحكيم، عمل جاهدًا ؛ من أجل رفع معنويّاته ومعنويّات أُسرته، فلم يقبل أن يسكن في خيام اللاجئين، واستأجر بيتًا حقيرًا. علي، عاش صراعًا مريرًا ما بين عقله وقلبه. قال له قلبه عُد لمحبوبتك وابقَ معها في الغربة مع المهجّرين؛ وقال له عقله: عُد لوطنك لأرضك، حارب ، جاهد، قاوم المحتلّ. تغلّب أخيرًا عقله على قلبه. أمّا شخصيّة البطلة وردة فكانت أكثر الشّخصيّات تأثُرًا بالواقع الجديد. حزنت وتألّمت لفقدان زوجها الّذي داس على لغم مزروع بالأرض، قاومت حزنها وألمها، تحدّت. قاومت. قرّرت العودة مع أبنائها بأيّ ثمن. عاشت صراعًا مريرًا بين أن تعيش في أرضها ووطنها، شرط أن تملك هويّة جديدة ألا وهي هويّة المحتل، أو أن ترفض هذه الهويّة وتعيش لاجئة مع اللاجئين الآخرين؛ فقرّرت أخيرًا العودة مهما كان الثّمن.
شخصيّة أُم عبد العزيز الّتي فقدت ولدها ثائرًا ولم تعرف طريقه، عاشت هي أيضًا صراعًا ما بين عودة ولدها لحضنها، أو عيشه بعيدًا عنها بين الجبال وفي المغر مهدّدًا بالمخاطر. كذلك عائلك عبد الواحد ورفيقة الّتي عاشت داخل المخيّم تستجدي لقمة العيش بعد عيشها معزّزة في بلدتهم لفتا.
كيف رحل الأهل، وكيف تشتّتوا، وكيف فقدوا أرواحهم؛ من أجل العودة، وكيف كانت رحلة الضّياع ، ومن ساهم في ضياع الأرض والوطن؟ كلّ ذلك سيفهمه الأبناء والأحفاد من خلال رواية خريف يطاول الشّمس، وسوف يعرفون لأيّ مدىً وصل هذا الخريف؟
ربّما يحفّزهم هذا على صنع ربيع أخضر جميل مزهر.
أشكرك والدتي أيّتها الكاتبة المبدعة على كلّ ما صنعته؛ من أجل أبنائنا.
وكتبت  خولة سالم:
تسرد الرواية وعلى مدار أربعة فصول معاناة التشرد…. واللجوء لأسر مقدسية….كانت تعيش حياة رغد وسعادة… ومع بداية ربيع 1948.
تبدأ الروائية بوصف سردي لتاريخ يكاد يكون ضربا من الخيال لمن لم يعش تلك الفترة من حياة القدس وقراها المهجرة عنوة ….كيف للقاريء ان يتخيل وقائع يندى لها جبين كل شريف في وطن أضحى بين عشية وضحاها بأيدي غرباء….وسكانه الأصليون يتشردون على طول البلاد وعرضها.
تبدأ الروية بفقرة راقت لي ص(5) “ما أصعب ان تجد نفسك غريباً عن نفسك ! تائهاً بين ثنايا الزمن تبحث عن اجابة لسؤال يؤرقك في صحوك ومنامك: لماذا؟ لماذا تركنا بلادنا؟ لماذا تركنا هواءنا؟ لماذا تركنا سماءنا ؟ لماذا تركنا ترابنا وماءنا وشجرنا  وحجارتنا وبيوتنا؟ لماذا تركنا الجنة؟ هل تواطأ القدر مع أعدائنا؟ “
تساؤلات تطرحها الروائية على رفيقة التي عادت لوطنها ولكن ليس الى لفتا- قضاء القدس وانما الى رام الله ،،، تساؤلات لم تشأ الروائية الا الانطلاق منها لتفاصيل غاية في الجمال
لتنقلنا من فلسطين الجمال الى فلسطين التشرد ،،، من قدس يعيش سكانها حياة اشبه
بالجنة الى حياة بؤس في ضواحيها ،،، وعندما يعودون يواجهون الموت ترهيباً كي لا
يفكروا في عودة ،،، فيبقى الألم متلازمة حياة لا تفارق الاولاد والاحفاد بل ستبقى
تلك الحكايات شاهدا حيا على حق لن يضيع.
تصف الروائية النزوح القسري فتقول على لسان خديجة ص(21) “رحلنا أسراباً، وجماعات …حوالي ثلاثة آلاف نسمة، أغلقوا جميعا بيوتهم بالمفاتيح الحديدية الكبيرة ، ورحلوا
… النساء الحائرات، المترددات حملن سلالهن ، وملاحفهن المعبأة بالأغراض …
وحملت أنا أخي عدنان الصغير عدنان على حضني، انه لم يبلغ سبعة أشهر بعد…الخ”
وصف يكاد لا يخلو من المرارة والألم ،،، مشاهد تتكرر ولكن بتفاصيل اخرى ،،، هنا قرية لفتا المهجرة، وهناك صوبا الجميلة… ومشاهد متشابهة تتخللها كلمات حنين للبلاد وحزن على فراقها فمثلا ص(22) بعض اغاني ترددها الأمهات
كبدا ، وقهرا لفراق فتقول :
“يا حسرتي
حملوا والريح طاوعهن
راحوا يا يما
ومفتاح القلب معهن
يا حسرتي حملوا ع
خيلهم شدّو ا
ولبسوا ثياب السفر
على الريق ما تغدوا …..الخ “
…. وفي ذات السياق تقول خديجة الفتاة التي تحلم بالزواج والسعادة ،،، وتنتابها مخاوف على خطيبها علي من اليهود والانجليز والحرب والرحيل … متغيرات طارئة لم تكن في حسبان المقدسيين يوما:  ليت خوفنا الساكن في رؤوسنا وقلوبنا، يسحق كما يسحق القمح بين حجري الرحى ” دلالة على رفض مطلق لكل تلك المخاوف والهواجس.
حكاية وردة بطلة الرواية…. الفتاة الجميلة ذات الشعر الاشقر…التي كانت تركب الفرس الأصيلة” نور الصباح ” برفقة والدها وذكرياتها بين عمواس والنبي موسى والسهول
الخضراء الممتدة …وجنة الله في ضواحي القدس كلها تغادر في لحظة… فتتحول حياة
وردة الى نزوح وفقد وتشرد.
في الرواية أيضا تطل على عاداتنا وتقاليد مجتمعنا الجميلة بلهجة محكية، تجعلك تعيش تلك الحقبة  من التراث الجميل فالكثير من الأهازيج في الأفراح والمناسبات تسردها الروائية بشكل
أنيق وشيق… ففي ص(31) على لسان أمّ ناصر احدى النساء المشاركات في الفرح فتقول
: راحت أمّ ناصر تهاهي بصوت مجلجل ذي موسيقى رنانة :
“هيي صلاة
النبي على عروستنا
هيي زي القمر ضاوي حارتنا
هيي صلاة النبي على عروستنا
هيي احنا المزيونات والزين عادتنا”
ردت عليها خالتي أمّ وليد ….”
هنا تتجلى الأهازيج الشعبية بأبهى حلتها ،،، فتشعرك بعظمة التراث الجميل ورونق حضوره .وفي المقابل تبرز الروائية دور المرأة الفلسطينية ومساهمتها في دحر المحتلين عن ديارها فتقول على لسان ربيعة زوجة عبد العزيز احد الثوار ضد الانجليز عام 48 فتقول :
“خذ كلّ ذهبي، يا عبد العزيز . كلّ أساوري … ماذا سأفعل بالذهب من غير كرامة ؟ المال يروح ، ويجيء ، حياة الانسان وحدها فقط ، التي تروح ولا ترجع أبداً ،،، اترك لي فقط هذا
الخاتم، لأنه ذكرى من المرحومة أمّي.”
تواصل الروائية التنقل بنا بين تفاصيل مهمة ومفاصل في حياة المقدسيين والفلسطيينين بشكل عام فتعرج على معركة القسطل وسقوطها المدوي في جبين التاريخ…وقول القائد العظيم على لسان شاب مناضل يدعى عبد الحكيم ص(87) “كم هو صعب خبر استشهادك أيّها القائد العظيم؟ لم تكن معركتك متكافئة أيّها القائد، لم تكن متكافئة. لا سلاح، لا تنظيم ،لا
خدمات طبية، لا وسائل اتصال، لا شيء، لا شيء. …..الخ ” ثم يسترسل قائلا
ً : ” يقولون بانه عاد بنصف كيس من الرصاص، سمعوه يقول لأعضاء اللجنة
العسكرية في دمشق “سوف يكتب التاريخ أن فلسطين وقعت بيد اليهود، بسببكم”
وتواصل الروائية سردها لسيرة وردة التي تفقد على مراحل الأب…ثم الزوج ثم الولد…في مفاصل التشرد والضياع…حتى لتكتوي بنارها وأنت تقرأ ذاتك المحكية عندما تقول على
لسانها ص(120) “وداعا أيّتها الأرض، وداعا أيّها التراب…وداعا أيّتها
الحجارة العتيقة….وداعاً يا سماء بلادي ….وداعا أيّتها العجوز العنيدة القوية،
الصلبة، وداعا يا أمّي ، يجب أن يعرف الجميع بأنني مهاجر عن أرضي، عن وطني، عن
روحي ….أشعر أن السماء تبكي، بل تنوح عليّ. ليتني أملك جناحين لأطير بهما فوق
ربوع بلادي …” صورة تقطر أسى لمغادرة أرض الوطن…وتلاشي الأمل
بالعودة”
وفي مشهد آخر تحاول وردة الرجوع الى قريتها، تتحدى كل الكمائن المنصوبة للحيلولة دون عودة العائلات المهجرة ،،، وتجازف وما تبقى لها من أسرتها ،،، فتقول على لسانها ص187″عندما يزداد الظلام حلكة، سأكون خارج المدينة، سوف أتسلل عبر الجبال
حتى أصل بلدتي” حلم قابله المحتل بصلف وتهجير ثانية…ورحلة عودة مع قصاص
أثر يدعى أبو مرزوق، ليدلهم على طريق آمن لعودة مأمولة ،،،ومعاناة مع أطفال لا
تنتهي ،،، عودة لم تمنحهم الكثير من الوقت لتفقد قرى خالية من كل حياة…وقد
عاثت فيها عصابات “هجانا ” دماراً وتخريباً…لا يكادون يفرحون بعودة…حتى يتم ترحيلهم في شاحنات معدة خصيصا لترحيلهم خارج البلاد ثانية…رحلة نزوح قسري لا تنتهي.
وتستعرض الروائية دور وكالة الغوث في مساعدة اللاجئين وتعويضهم ،، وتتساءل بمرارة عبر شخصية وردة
وابنتها ليلى رغم شدة عوزها وحاجتها للعلاج ،،، الا انها ترفض بشدة ان يقال عنها
لاجئة .
الرواية تحفل بالكثير من القصص الواقعية الى حد بعيد ،،، بحيث تترك النهاية مفتوحة على احتمالات النجاة من المحتل ومواصلة النضال…الأسر التي تذكرها
الرواية تسرد عائلة وأبناءها وكيف يقضون واحدا تلو الآخر على طريق العودة…
ولكنهم يواصلون بكل عزم نحو هدف أسمى من كل حياة خارج الوطن .
وكتب عبد حجازي:
بداية ومجددا أهنئ الكاتبة على الانجاز الرائع الوطني والذي أتمنى له من القلب أن ينتشر إلى أبعد مدى.
وإنه لأمر رائع أن يوثَق ألمنا وطريقة تعاملنا معه كشعب ناضج، وواقعي، وراقٍ وشجاع، ويحمل العديد من الصفات القياديّة، في مواجهة جريمة الاحتلال، وظلمه والقوى الكبرى التي ساندته.
أشير إلى أنني لمست صورة أجمل وأكمل في كل جزء يأتي مقارنة مع الجزء الذي سبقه.
.أحب أن يوجه الكتاب إلى العالم بأكمله، ولكن هنا بعض النقاط أثارت لديّ التساؤل حول متلقي هذا الكتاب .فعندما يوجه الكتاب إلى أهلنا في الوطن العربي، سوف تلتبس على فهمهم بعض العبارات، التي اختلطت فيها عباراتنا المنطوقة باللغة العربية الفصحى وقد بدا النص كله باللغة الفصحى، وكان برأيي أن تكون مثل هذه العبارات (التي تميل أن تكون عامية) مكتوبة كالمنطوق بالكامل، ليعرف القارئ أن ما ورد هو من اللهجة الفلسطينية العامية، فيجتهد ويكتشف تفسيرها، مع أهمية الإشارة بالهامش مثلا لمعنى بعض الكلمات التي ستكون صعبة بالنسبة إلى العربي من خارج اللهجة المكتوبة.
.وعندما يوجه الكتاب إلى الفلسطيني، فإن هذا القارئ قد يفقد في فقرات معينة شعوره بالاستمتاع عندما يتم الحديث عن أمور تتكرر في حياته من المهد إلى اللحد بشكل مفصل، ولا تقدم له جديدا، ويمكن أن ترد مختصرة، ومن أمثلة ذلك:
i.الحديث في الصفحة 41، عن فلسطين والنهر والبحر والجبل والوادي.. طبريا.. الحولة … الشمال .. الجنوب.. وفي حال كان ضروري ذكر ذلك لطبيعة سياق الرواية أو الموضوع، فإن ذكر العبارة بشكل مختصر مناسب، ويمكن إعادة صياغة المثال أعلاه ( في ص41) بالشكل التالي:
“بلادنا يا ابنتي سبب بلائنا، ففيها الجبل والوادي والنهر والبحر، أرض الأنبياء، وأرض الخير، ومهد الحضارات”.
وفي حال كان أبا ربيعة على درجة عالية من الثقافة، فقد كان من الممكن أن يضيف أيضا:
“كان اسمها أرض العسل واللبن، فيما مضى، وحكايات الأمم عنها كانت أساطير آمن فيها من زار بلادنا ومن لم يزرها”
عندما تكون القصة موجهة إلى غير الناطقين بالعربية، فإن بعض المواضع التي تكررت فيها الأسماء وصلات القربى، يمكن أن تشتت القارئ بعض الشيء، وكمثال “صفحة 8 و 9”.

خريف نزهة أبو غوش يطاول الشمس في اليوم السابع القدس:22-8-2013 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية”خريف يطاول الشمس” للأديبة نزهة أبو غوش، والتي صدرت في تموز 2013عن المؤسسة الفلسطينيَّة للنشر والتوزيع، فلسطين- رام الله. ووما قالته رفيقة عثمان: – الرواية الواقعيَّة الأدبيَّة:قدَّمت لنا الكاتبة نزهة ابوغوش، انتاجًا أدبيَّا جديدًا، في سرد روائي ممتع، لأشخاص واقعيين، وتقديم نماذج انسانيَّة تعرضت للأزمات، المؤلمة، واحتوت الرواية على أحداث حقيقيَّة، لحقبة زمنيَّة معيَّنة، (1948)، ولمكان جغرافي محدَّد، لثلاث قرى فلسطينيَّة مجاورة لمدينة القدس: “أبوغوش- صوبا- لفتا”، وذلك من خلال عرضها بقالب فني درامي جميل، استنطق الزمان والمكان؛ وتنطبق مواصفات الرواية على مواصفات الرواية الأدبيَّة الواقعيَّة. “ويكبيديا الموسوعة الحرّ.”تنتمي هذه الرواية الى المدرسة الأدبيَّة الواقعيَّة، وترتقي الى مرتبة الملحمة الإنسانيَّة التي تظهر في مضمونها أحداث، تحمل معاني تاريخيَّة ذات مغزى هام.اللغة والأسلوب:استخدمت الكاتبة اللغة العربية الفصحى، بالإضافة لاستخدام اللهجة العامية احيانًا، عندما اقتضت الحاجة لذلك، وخاصَّة اللهجة المستعملة في القرى المتاخمة لمدينة القدس، في تلك الحقبة الزمنيَّة، مما أضاف مصداقيَّة للغة السرديَّة، وازدانت لغة الرواية بالمحسنات البديعيَّة، والقدرة على تصوير المواقف والحركات، والصوت، والإثارة، والانفعالات المختلفة من أحزان، وأفراح، واستطاعت ان تستخدم الالفاظ، وتوظفها بما يتلاءم مع طبيعة المواقف، وتحركات الشخصيَّات. كما ورد صفحة 131، ” قدماها تنجران خلفها مثلما تجر أرجل الشاة عند سحبها؛ لسلخ جلدها عن عظمها”. صفحة 113 “كان دماغي مبرمجًا على إيقاعات العربة التي يحملها الحمار. مع كل منحدر ومنحدر كانت تحدث صريرًا غريبًا”، صفحة 148 ” أسدل الليل ثوبه الأسود الفضفاض، ووقف القمر حزينًا يرقب بصمت المهاجرين عن وطنهم… ينصت الأنين، والزفرات العميقة المجروحة، ويرقب امرأة تصارع الحياة، من أجل ولادة مهاجر جديدة، كاد صوتها يمزق الفضاء الرحب.”. لم تخلُ الرواية من عنصر التشويق، الذي يُدخل القارئ في حالة من تخيل أبطال الرواية، والأحداث، وتجسيدها، كأنه يشاهد الأحداث عبر الشاشة الذهبيَّة.صورة الغلاف: صمَّم الغلاف، الفنان المقدسي أحمد نبيل، وهو من روّاد ندوة اليوم السابع.انَّ المتأمل في صورة الغلاف، يرى صورة لحقل من القمح، تبرز فيها سنبلة واحدة، ورأسها منحنٍ؛ قطرات دم حمراء مبعثرة تلاصق حباتها، وما حولها.هذا الاختيار الموجَّه من قِبل الكاتبة، ليس غريبًا، حيث ترمز السنبلة في القرآن الكريم الى الخير، والعطاء.قال الله تعالى في سورة البقرة (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {261}).وقال الله تعالى في سورة يوسف (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ {43})، وترمز صورة الغلاف (السنبلة المنقطة بالدماء)، عن الشهداء الذين هُدرت دماؤهم في سبيل الدفاع عن الأرض، والوطن، وربما أيضًا ترمز السنبلة عن المهجَّرين قليلي العدد العائدين الى وطنهم، والناجين من رحم المعاناة، بصمودهم الذي دفعوا ثمنه دمًا، وبؤسًا، وذلا، وشقاءً، وغربة وعناء في الشتات؛ وما بعد العودة بالتسلُّل للوطن، هذا الصمود الذي خلق قوَّة، وعزيمة للبقاء، والتكاثر في وطن الأمّ  رغم الأعاصير القويَّة؛ كحبة السنبلة الراسخة في الأرض، والتي انبتت سبع سنابل، وفي كل سنبلة مئة حبَّة.عنوان “خريف يُطاول الشمس”:وُفّقت الكاتبة في اختيار العنوان، الذي يحمل المعنى المجازي في تُشبيه شدَّة المعاناة، والشقاء، والحياة القاسية، وتساقط الشهداء، من المُهجَّرين من القرى المحيطة بمدينة القدس، بالخريف الهزيل الذي تذبل الأوراق اليانعة فيه، وتتساقط عند هبوب الرياح الخريفيَّة، على قدر شدَّة، وطول فترة المعاناة، لدرجة كادت ان تصل قرص الشمس.استوحت الكاتبة عنوان روايتها: “خريف يُطاول الشمس”، من المؤثرات الطبيعيَّة التي كانت لها تأثيرات ظاهرة في كتاباتها، كما ورد صفحة: 83، “صرْتُ ورقة خريف جافَّة آيلة للسقوط في كل لحظة”. كذلك صفحة، 170، “شعرت لأول مرّة بعد الرحيل بالانتماء الروحي لهذه الأرض، تحت سقف هذا الخريف المريض بوجهه الأصفر”، كذلك صفحة 184، “ثم راحت تنعف الاوراق؛ لتطير مع رياح الخريف المجنونة…”؛ كذلك صفحة، 204 “راح مطر الخريف يتساقط قويًّا فوق الرؤوس والأبدان، لماذا الآن؟ هل تواطأ مطر الخريف هو أيضًا، ويريد أن يهلكنا؟…. كم كان الخريف لطيفًا في بلادنا! شمسه معتدلة…..أمَّا الآن فأشعر بأنه بارد وحش يكاد أن يقتلنا، وكأنه ينتقم منَّا؛ لأننا تركنا بلادنا ورحلنا”.كذلك بالنسبة للعناوين المختارة لفصول الرواية كانت جذَابة، ومعبّرة مثل: الحنين، الاحلام المبتورة، عروس داخل الهودج، مرارة الفقدان، بداية نيسان، جروح وآلام، لوعة الفرق، دعوة للحريَّة، المفاجأة، كف ومخرز، المخبأ السري، الرحيل، طريق وأشواك، الهواجس المرعبة، الحيرة، العقد الذهبي، وقوع المحظور، معركة مع الشمس، لقاء المهاجرين، واقع جديد، في الدير، في المخيم، اخبار من الوطن، الثائر العنيد، في التابوت.
صورة المرأة الفلسطينيَّة في الرواية:منحت الكاتبة نزهة أبوغوش، مكانة مرموقة للمرأة الفلسطينيَّة ، خاصَّة في فترة 1948، في قرى: أبوغوش، لفتة، وصوبا، حيث صوَّرت المرأة بصورة جميلة، وبهيَّة، حيث وصفتها الكاتبة بصفات مشرِّفة، كصفات: الصبر، والجرأة، والإصرار، والمغامرة، صاحبة قرار، مضحيَّة، تشعر بالانتماء، والمشاركة الفعَّالة مع الزوج في النضال، والعمل في الحقل احيانًا، وإعالة الأبناء. مثل ربيعة زوجة عبد العزيز التي باعت ذهبها؛ لشراء السلاح، عندما شعرت بالتزام التضحية للوطن، كذلك عندما قامت النساء بتقديم الطعام، وإرساله للثوَّار، مثلما بعثت أمّ حسن الخبز البلدي الذي صنعته بيديها، وأرسلته تهريبًا مع عليّ بعد العودة للقرية. وُصفت المرأة بالدلال كالابنة وردة التي عوَّدها أبوها على ركوب الحصان، كذلك إقامة حفل الزفاف المُكلف لربيعة من بلدة صوبا مساواة مع الذكور، في مرحلة تبرز فيها العادات والتقاليد الاجتماعية صارمة، ومتحيِّزة للذكور.أبدعت النساء في نظم الأغاني الشعبيَّة، وترديدها بالمناسبات السعيدة، والمواقف المحزنة، كما سأوردها لاحقًا.ظهرت المرأة ذات شخصيَّة قياديَّة قويَّة، متحمّلة للمسؤوليَّة، والمتحديَّة، صاحبة القرارات المصيريَّة، والإصرار، كما عزمت وردة ورحلت مع أبنائها، وتحمَّلت نبأ استشهاد زوجها، والصعاب المترتبة عن الرحيل، والشتات؛ كما أنها أصرَّت على العودة للوطن مهما كلّفها الأمر من مخاطر، ونتائج سلبيّة مجهولة.تضامنت الكاتبة مع شخصيَّة المرأة المتحديّة، بطلة من بطلات الرواية، (وردة)، والتي تمثِّل شخصيَّة الجدَّة الحقيقيَّة للكاتبة؛ والتي لها الدّور الأكبر في سرد الأحداث، وساعدت الكاتبة في نسج أحداث هذه الرواية؛ كما ظهر في صفحة الإهداء في الرواية: ” الى رفيقة روحي، بطلة الرواية وردة، التي علَّمتني كيف أعيش الحياة فوق تراب الأرض والوطن.”.الفولكلور الفلسطيني: الأهازيج، والأغاني الشعبيَّة في الرواية:زُيَّنت رواية خريف يطاول الشمس، بالأهازيج، والأغاني الشعبيَّة المتداولة في تلك الحقبة الزمنيَّة، للقرى المجاورة لمدينة القدس، والتي ما تزال تُردَّد في بعض القرى، بالأفراح، والمناسبات السعيدة. كالزفاف والخطوبة، والحصاد، والطهور، وما الى ذلك. كما ورد صفحة: 30-31 ” وصفحة 74 اهازيج النساء اثناء توديع العروس. ” قومي اطلعي قومي اطلعي ويش همك احنا حطينا حقوق ابوكِ وعمك قومي اطلعي قومي اطلعي ويش مالك احنا حطينا حقوق ابوكِ وخالك”زفة العريس: ” يوم اطلعنا ع الزفة رشينا العطر ع الطربوش تستاهلها يا حسن والتكسي ع باب الحوش يوم اطلعنا ع الزفة رشينا العطر ع العقال تستاهلها يا عريس والتكسي ع باب الدار”الأغاني الحزينة: كما ورد صفحة 22، عند الرحيل. “يا حسيرتي حمَّلوا والريح طاوعهن راحوا يمّا ومفتاح القلب معهن يا حسيرتي حمَّلوا ع خيلهم شدوا ولبسوا ثياب السفر ع الريق ما تغدوا يا حسيرتي حمَّلوا ويا حسيرتي شالوا يا حسيرتي كل ما هبّ الهوا مالوا يا حسيرتي كيف ما حملت حملي مال مدري رداوة بخت ولا الدهر ميَّال”.مناسبة الطهور: ” طهره يا مطهر وسمي عليه يا دموع احمد نزلت عَ ايديه طهره يا مطهر وسمي عليه يا دموع عادل نزلت ع ايديه طهره يا مطهر عالكش الاخضر ولبسه يا بوه لبس العسكر”.طهره يا مطهر ع الكش الناشف ولبسه يا بوه بدلة الكاشف”.
رواية “خريف يُطاول الشمس” تستحق القراءَة، ويمكن اعتبارها توثيقيَّة، تُضاف للمكتبات العربيَّة، والفلسطينيّة بشكل خاص؛ للتأريخ الشفوي الفلسطيني.وكتب جميل السلحوت:في هده الرواية طرقت أديبتنا بابا يفضي الى مئات أو آلاف الروايات الشفوية عن نكبة شعبنا الفلسطيني في العام ١٩٤٨، هده الروايات التي لم تلق حقها في التدوين والدراسة، وهي الأصدق من التأريخ الرسمي أو شبه الرسمي، وهنا تجدر الاشارة الى ما كتبه أديبنا الكبير سلمان ناطور في “ذاكرة الصحراء” وغيرها.لكن هذا غير كاف، فالطريق لا يزال بكرا، وكأنني بأديبتنا نزهة أبو غوش “تدق جدران الخزان” هي الأخرى، وقد طرقته فعلا معتمدة على  الرواية الشفوية لما يتداوله من عاصروا المرحلة في بلدة أبو غوش التي تمثل البوابة الغربية لمدينة القدس، ونقلوه لأبنائهم وللأجيال اللاحقة لهم -ومنهم أديبتنا-التي التقطت الرواية بفكر مفتوح وقلب نازف، فكتبت روايتها بحبر الدموع، هده الرواية بأبطالها الشعبيين الذين عانوا مرارة التشريد والتهجير هربا بحيواتهم، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من قدم روحه فداء لأهله ولأبناء شعبه، ومنهم من عضّ على تراب الوطن بالنواجد رغم ما تعرض له من عذاب ومرارة العيش، وكأني بأديبتنا تريد أن تبرئ ضميرها المعذب والمؤرق من هول ما حصل لشعبها ووطنها في مرحلة النكبة الأولى، بأن تدحض الدعاية المضادة بأن الشعب الفلسطيني قد ترك دياره مختارا، تماما مثلما تريد التأكيد على أن الهجمة المضادة كانت أكبر بكثير من الامكانيات التي كانت متاحة، وأن شعبنا قدّم تضحيات كبيرة لا يمكن أن تبقى طيّ الكتمان، أو أن تقتصر على روايات قد تموت بموت من عاصروها، بل يجب حفظها وتناقلها من جيل الى جيل حتى يقضي الله أمرا كان مكتوبا.الأسلوب:اتكأت كاتبتنا على الأسلوب الانسيابي، الدي يجذب القارئ وتركت شخوص روايتها يتحركون بحرية تامة دون تدخل منها، وهدا سبب كاف لنجاح روايتها، فمع تعاطفها مع شخوص روايتها، بل انها شاركتهم عذاباتهم، لكنها تركتهم يسردون تجربتهم كما عايشوها.ماذا بعد؟ ما قدمته الأديبة أبو غوش كنز يدعو الآخرين الى النبش والبحث عن كنوز أخرى وتدوينها، لإغناء تلك الفترة العصيبة من تاريخ شعبنا، مع التأكيد أن الرواية ليست تأريخا للمرحلة، ولكنها تروي جانبا مهما لم ينتبه له كثيرون..
وقالت سهاد عثمان: أنا مربيّة أطفال في مدرسة أبو غوش- القدس، ومحاضرة في كليّة سخنين لدار المعلمين، والمؤلّفة هي والدتي الّتي أعتزّ بها كثيرًا .لقد تربّيت على قيم ومعايير وتراث وأخلاق عربيّة فلسطينيّة. عرفت التّاريخ من فم الآباء والأجداد، سمعته وما زلت أجترّه .أجد صعوبة بالغة في توصيل ما تعلّمته لأبنائي – طلابي، وأولادي- الّذين همّهم هو الوسائل التّكنولوجيّة الّتي يشتقّون منها معرفتهم، ويضيّعون وقتهم وهم بعيدون جدًّا عن أي شيء اسمه التّاريخ، وهم يحفظونه ؛ من أجل الامتحان فقط وبصعوبة بالغة.قرأت رواية” خريف يطاول الشّمس” فوجدت تاريخ قضيّتنا مفروشًا أمامي بلغة سلسة تشجّع على القراءَة، يكثر فيها عنصر التّشويق والإِثارة. العاطفة، تناسب الأحداث. أحداث الرّاحلين عام 1948، المهجّرين، المبعدين عن أراضهم ووطنهم. يغلب عليها الحزن والأسى، والألم، والفقدان والضّياع، والقليل القليل من الفرح المسروق.وجدت أمامي تراثًا فلسطينيًّا بحتًا: الأغاني، الأهازيج الشّعبيّة، التراويد، أغاني الحسرة والفراق، أغاني الفرح في الأعراس، والطّهور، ووقت الحصاد.. أرى في هذه الرّواية تعويضًا للأبناء عن التّاريخ الّذي لا يحبون قراءَته، وإِنّهم سيفهمون الأحداث التّاريخيّة الواقعيّة الّتي وضعت في قالب روائي جميل يشجّعهم على القراءَة.تناولت الرّواية جوانب الحياة المختلفة: الاقتصاديّة، والعلميّة، والدّينيّة، وقد ظهر ذلك على الشّخصيّات في الرّواية الّذين تأثّرت نفسيّاتهم بدرجات مختلفة: الحاجّة فوزيّة وصلت مشفى الأمراض النّفسيّة في بيت لحم. عبد الحكيم، عمل جاهدًا ؛ من أجل رفع معنويّاته ومعنويّات أُسرته، فلم يقبل أن يسكن في خيام اللاجئين، واستأجر بيتًا حقيرًا. علي، عاش صراعًا مريرًا ما بين عقله وقلبه. قال له قلبه عُد لمحبوبتك وابقَ معها في الغربة مع المهجّرين؛ وقال له عقله: عُد لوطنك لأرضك، حارب ، جاهد، قاوم المحتلّ. تغلّب أخيرًا عقله على قلبه. أمّا شخصيّة البطلة وردة فكانت أكثر الشّخصيّات تأثُرًا بالواقع الجديد. حزنت وتألّمت لفقدان زوجها الّذي داس على لغم مزروع بالأرض، قاومت حزنها وألمها، تحدّت. قاومت. قرّرت العودة مع أبنائها بأيّ ثمن. عاشت صراعًا مريرًا بين أن تعيش في أرضها ووطنها، شرط أن تملك هويّة جديدة ألا وهي هويّة المحتل، أو أن ترفض هذه الهويّة وتعيش لاجئة مع اللاجئين الآخرين؛ فقرّرت أخيرًا العودة مهما كان الثّمن. شخصيّة أُم عبد العزيز الّتي فقدت ولدها ثائرًا ولم تعرف طريقه، عاشت هي أيضًا صراعًا ما بين عودة ولدها لحضنها، أو عيشه بعيدًا عنها بين الجبال وفي المغر مهدّدًا بالمخاطر. كذلك عائلك عبد الواحد ورفيقة الّتي عاشت داخل المخيّم تستجدي لقمة العيش بعد عيشها معزّزة في بلدتهم لفتا.كيف رحل الأهل، وكيف تشتّتوا، وكيف فقدوا أرواحهم؛ من أجل العودة، وكيف كانت رحلة الضّياع ، ومن ساهم في ضياع الأرض والوطن؟ كلّ ذلك سيفهمه الأبناء والأحفاد من خلال رواية خريف يطاول الشّمس، وسوف يعرفون لأيّ مدىً وصل هذا الخريف؟ ربّما يحفّزهم هذا على صنع ربيع أخضر جميل مزهر.أشكرك والدتي أيّتها الكاتبة المبدعة على كلّ ما صنعته؛ من أجل أبنائنا.
وكتبت  خولة سالم: تسرد الرواية وعلى مدار أربعة فصول معاناة التشرد…. واللجوء لأسر مقدسية….كانت تعيش حياة رغد وسعادة… ومع بداية ربيع 1948.
تبدأ الروائية بوصف سردي لتاريخ يكاد يكون ضربا من الخيال لمن لم يعش تلك الفترة من حياة القدس وقراها المهجرة عنوة ….كيف للقاريء ان يتخيل وقائع يندى لها جبين كل شريف في وطن أضحى بين عشية وضحاها بأيدي غرباء….وسكانه الأصليون يتشردون على طول البلاد وعرضها. تبدأ الروية بفقرة راقت لي ص(5) “ما أصعب ان تجد نفسك غريباً عن نفسك ! تائهاً بين ثنايا الزمن تبحث عن اجابة لسؤال يؤرقك في صحوك ومنامك: لماذا؟ لماذا تركنا بلادنا؟ لماذا تركنا هواءنا؟ لماذا تركنا سماءنا ؟ لماذا تركنا ترابنا وماءنا وشجرنا  وحجارتنا وبيوتنا؟ لماذا تركنا الجنة؟ هل تواطأ القدر مع أعدائنا؟ ” تساؤلات تطرحها الروائية على رفيقة التي عادت لوطنها ولكن ليس الى لفتا- قضاء القدس وانما الى رام الله ،،، تساؤلات لم تشأ الروائية الا الانطلاق منها لتفاصيل غاية في الجمال لتنقلنا من فلسطين الجمال الى فلسطين التشرد ،،، من قدس يعيش سكانها حياة اشبه بالجنة الى حياة بؤس في ضواحيها ،،، وعندما يعودون يواجهون الموت ترهيباً كي لا يفكروا في عودة ،،، فيبقى الألم متلازمة حياة لا تفارق الاولاد والاحفاد بل ستبقى تلك الحكايات شاهدا حيا على حق لن يضيع.تصف الروائية النزوح القسري فتقول على لسان خديجة ص(21) “رحلنا أسراباً، وجماعات …حوالي ثلاثة آلاف نسمة، أغلقوا جميعا بيوتهم بالمفاتيح الحديدية الكبيرة ، ورحلوا… النساء الحائرات، المترددات حملن سلالهن ، وملاحفهن المعبأة بالأغراض …وحملت أنا أخي عدنان الصغير عدنان على حضني، انه لم يبلغ سبعة أشهر بعد…الخ”وصف يكاد لا يخلو من المرارة والألم ،،، مشاهد تتكرر ولكن بتفاصيل اخرى ،،، هنا قرية لفتا المهجرة، وهناك صوبا الجميلة… ومشاهد متشابهة تتخللها كلمات حنين للبلاد وحزن على فراقها فمثلا ص(22) بعض اغاني ترددها الأمهات كبدا ، وقهرا لفراق فتقول :
“يا حسرتي حملوا والريح طاوعهن راحوا يا يما ومفتاح القلب معهن يا حسرتي حملوا ع خيلهم شدّو اولبسوا ثياب السفر على الريق ما تغدوا …..الخ ” …. وفي ذات السياق تقول خديجة الفتاة التي تحلم بالزواج والسعادة ،،، وتنتابها مخاوف على خطيبها علي من اليهود والانجليز والحرب والرحيل … متغيرات طارئة لم تكن في حسبان المقدسيين يوما:  ليت خوفنا الساكن في رؤوسنا وقلوبنا، يسحق كما يسحق القمح بين حجري الرحى ” دلالة على رفض مطلق لكل تلك المخاوف والهواجس.حكاية وردة بطلة الرواية…. الفتاة الجميلة ذات الشعر الاشقر…التي كانت تركب الفرس الأصيلة” نور الصباح ” برفقة والدها وذكرياتها بين عمواس والنبي موسى والسهول الخضراء الممتدة …وجنة الله في ضواحي القدس كلها تغادر في لحظة… فتتحول حياة وردة الى نزوح وفقد وتشرد.
في الرواية أيضا تطل على عاداتنا وتقاليد مجتمعنا الجميلة بلهجة محكية، تجعلك تعيش تلك الحقبة  من التراث الجميل فالكثير من الأهازيج في الأفراح والمناسبات تسردها الروائية بشكل أنيق وشيق… ففي ص(31) على لسان أمّ ناصر احدى النساء المشاركات في الفرح فتقول: راحت أمّ ناصر تهاهي بصوت مجلجل ذي موسيقى رنانة :
“هيي صلاة النبي على عروستنا هيي زي القمر ضاوي حارتنا هيي صلاة النبي على عروستنا هيي احنا المزيونات والزين عادتنا”
ردت عليها خالتي أمّ وليد ….”
هنا تتجلى الأهازيج الشعبية بأبهى حلتها ،،، فتشعرك بعظمة التراث الجميل ورونق حضوره .وفي المقابل تبرز الروائية دور المرأة الفلسطينية ومساهمتها في دحر المحتلين عن ديارها فتقول على لسان ربيعة زوجة عبد العزيز احد الثوار ضد الانجليز عام 48 فتقول :”خذ كلّ ذهبي، يا عبد العزيز . كلّ أساوري … ماذا سأفعل بالذهب من غير كرامة ؟ المال يروح ، ويجيء ، حياة الانسان وحدها فقط ، التي تروح ولا ترجع أبداً ،،، اترك لي فقط هذا الخاتم، لأنه ذكرى من المرحومة أمّي.”
تواصل الروائية التنقل بنا بين تفاصيل مهمة ومفاصل في حياة المقدسيين والفلسطيينين بشكل عام فتعرج على معركة القسطل وسقوطها المدوي في جبين التاريخ…وقول القائد العظيم على لسان شاب مناضل يدعى عبد الحكيم ص(87) “كم هو صعب خبر استشهادك أيّها القائد العظيم؟ لم تكن معركتك متكافئة أيّها القائد، لم تكن متكافئة. لا سلاح، لا تنظيم ،لا خدمات طبية، لا وسائل اتصال، لا شيء، لا شيء. …..الخ ” ثم يسترسل قائلا ً : ” يقولون بانه عاد بنصف كيس من الرصاص، سمعوه يقول لأعضاء اللجنة العسكرية في دمشق “سوف يكتب التاريخ أن فلسطين وقعت بيد اليهود، بسببكم”وتواصل الروائية سردها لسيرة وردة التي تفقد على مراحل الأب…ثم الزوج ثم الولد…في مفاصل التشرد والضياع…حتى لتكتوي بنارها وأنت تقرأ ذاتك المحكية عندما تقول على لسانها ص(120) “وداعا أيّتها الأرض، وداعا أيّها التراب…وداعا أيّتها الحجارة العتيقة….وداعاً يا سماء بلادي ….وداعا أيّتها العجوز العنيدة القوية، الصلبة، وداعا يا أمّي ، يجب أن يعرف الجميع بأنني مهاجر عن أرضي، عن وطني، عن روحي ….أشعر أن السماء تبكي، بل تنوح عليّ. ليتني أملك جناحين لأطير بهما فوق ربوع بلادي …” صورة تقطر أسى لمغادرة أرض الوطن…وتلاشي الأمل بالعودة”
وفي مشهد آخر تحاول وردة الرجوع الى قريتها، تتحدى كل الكمائن المنصوبة للحيلولة دون عودة العائلات المهجرة ،،، وتجازف وما تبقى لها من أسرتها ،،، فتقول على لسانها ص187″عندما يزداد الظلام حلكة، سأكون خارج المدينة، سوف أتسلل عبر الجبال حتى أصل بلدتي” حلم قابله المحتل بصلف وتهجير ثانية…ورحلة عودة مع قصاص أثر يدعى أبو مرزوق، ليدلهم على طريق آمن لعودة مأمولة ،،،ومعاناة مع أطفال لا تنتهي ،،، عودة لم تمنحهم الكثير من الوقت لتفقد قرى خالية من كل حياة…وقد عاثت فيها عصابات “هجانا ” دماراً وتخريباً…لا يكادون يفرحون بعودة…حتى يتم ترحيلهم في شاحنات معدة خصيصا لترحيلهم خارج البلاد ثانية…رحلة نزوح قسري لا تنتهي.
وتستعرض الروائية دور وكالة الغوث في مساعدة اللاجئين وتعويضهم ،، وتتساءل بمرارة عبر شخصية وردة وابنتها ليلى رغم شدة عوزها وحاجتها للعلاج ،،، الا انها ترفض بشدة ان يقال عنها لاجئة .
الرواية تحفل بالكثير من القصص الواقعية الى حد بعيد ،،، بحيث تترك النهاية مفتوحة على احتمالات النجاة من المحتل ومواصلة النضال…الأسر التي تذكرها الرواية تسرد عائلة وأبناءها وكيف يقضون واحدا تلو الآخر على طريق العودة… ولكنهم يواصلون بكل عزم نحو هدف أسمى من كل حياة خارج الوطن .

وكتب عبد حجازي:بداية ومجددا أهنئ الكاتبة على الانجاز الرائع الوطني والذي أتمنى له من القلب أن ينتشر إلى أبعد مدى.وإنه لأمر رائع أن يوثَق ألمنا وطريقة تعاملنا معه كشعب ناضج، وواقعي، وراقٍ وشجاع، ويحمل العديد من الصفات القياديّة، في مواجهة جريمة الاحتلال، وظلمه والقوى الكبرى التي ساندته. أشير إلى أنني لمست صورة أجمل وأكمل في كل جزء يأتي مقارنة مع الجزء الذي سبقه. .أحب أن يوجه الكتاب إلى العالم بأكمله، ولكن هنا بعض النقاط أثارت لديّ التساؤل حول متلقي هذا الكتاب .فعندما يوجه الكتاب إلى أهلنا في الوطن العربي، سوف تلتبس على فهمهم بعض العبارات، التي اختلطت فيها عباراتنا المنطوقة باللغة العربية الفصحى وقد بدا النص كله باللغة الفصحى، وكان برأيي أن تكون مثل هذه العبارات (التي تميل أن تكون عامية) مكتوبة كالمنطوق بالكامل، ليعرف القارئ أن ما ورد هو من اللهجة الفلسطينية العامية، فيجتهد ويكتشف تفسيرها، مع أهمية الإشارة بالهامش مثلا لمعنى بعض الكلمات التي ستكون صعبة بالنسبة إلى العربي من خارج اللهجة المكتوبة.
.وعندما يوجه الكتاب إلى الفلسطيني، فإن هذا القارئ قد يفقد في فقرات معينة شعوره بالاستمتاع عندما يتم الحديث عن أمور تتكرر في حياته من المهد إلى اللحد بشكل مفصل، ولا تقدم له جديدا، ويمكن أن ترد مختصرة، ومن أمثلة ذلك: i.الحديث في الصفحة 41، عن فلسطين والنهر والبحر والجبل والوادي.. طبريا.. الحولة … الشمال .. الجنوب.. وفي حال كان ضروري ذكر ذلك لطبيعة سياق الرواية أو الموضوع، فإن ذكر العبارة بشكل مختصر مناسب، ويمكن إعادة صياغة المثال أعلاه ( في ص41) بالشكل التالي: “بلادنا يا ابنتي سبب بلائنا، ففيها الجبل والوادي والنهر والبحر، أرض الأنبياء، وأرض الخير، ومهد الحضارات”. وفي حال كان أبا ربيعة على درجة عالية من الثقافة، فقد كان من الممكن أن يضيف أيضا: “كان اسمها أرض العسل واللبن، فيما مضى، وحكايات الأمم عنها كانت أساطير آمن فيها من زار بلادنا ومن لم يزرها” عندما تكون القصة موجهة إلى غير الناطقين بالعربية، فإن بعض المواضع التي تكررت فيها الأسماء وصلات القربى، يمكن أن تشتت القارئ بعض الشيء، وكمثال “صفحة 8 و 9”.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات