أدب الشباب وأدب الفيسبوك في ندوة اليوم السابع المقدسية

أ
القدس- 15-8-2013 كان موضوع (أدب الشباب) و (أدب الفيسبوك) محور النقاش هذا الأسبوع في ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية.
وقد حضر النقاش جمع شبابي مميز شدّته فكرة النقاش الذي كانت الندوة قد أعلنت عنه في أوائل شهر تموز المنصرم.
طرح الشباب وجهات نظرهم ورؤاهم للواقع، واللغة، والأدب، والحياة. وطالبوا بضرورة التربية على التساؤل والبحث لأن المدارس لا تعتني بالجانب الإبداعي لدى الطلبة، وكذا الجامعات.
وتوصل المشاركون إلى التوصية بالمزيد من العناية باحتياجات الجيل وتفهم واقعه وهمومه وأحلامه.
بدأ النقاش الكاتب ابراهيم جوهر مدير الندوة بالترحيب بالحضور الشبابي ودعاهم لمواصلة الحضور لإغناء النقاش دائما بالرؤى الشبابية، ثم قال:
يقصد بمصطلح (أدب الشباب) هنا الأدب الذي يكتبه من هم في سن أقل من 30 عاما، وإن بات السن لا يحدد المستوى الجمالي والإبداعي للكاتب. فالموهبة القوية تبرز بقوة وتلفت الانتباه إليها بما تقدمه من إبداعات تشير إلى موهبة كاتبها. فخلال خمسة وعشرين عاما هي عمر (طرفة بن العبد) قدّم ما خلّد اسمه ونقل واقع مجتمعه في معلقته الشهيرة وقصائده الأخرى. وكذا الأمر مع مبدعين آخرين في التاريخ الأدبي العربي والعالمي، وفي فلسطين كانت تجربة (غسان كنفاني) الإبداعية الرائدة، وهو الذي استشهد عن ستة وثلاثين عاما، ومن قبله تجربة (ابراهيم طوقان) أيضا الذي توفي عن عدد السنوات نفسه.
ولعل في تحديد العمر هنا ما يشير افتراضا إلى تجربة الكاتب وتمرّسه واطلاعه. وتبقى مع هذا كله مسألة تحديد السن قابلة للنقاش والطعن والاحتجاج. لذا قد يكون من الأسلم اعتبار المستوى الجمالي الإبداعي حكما على النصّ وموهبة صاحبه أكثر من سنّ منتجه. بمعنى تسمية (أدب الشباب) للكتابات التي ما زال ينقصها الكثير من التصويب لتكون في مصافّ الكتابات الأدبية المقبولة تعبيرا وأداء وفنا، وفق رأي النقاد المختصين، لأن الناقد وحده هو المؤهل بالتقييم . وهنا سنجد كتابات لكتّاب في سنّ أقل من السن الذي حددته آنفا تنطبق عليها مفاهيم الأدب الإبداعي، والعكس صحيح، إذ إننا سنجد كتابات في المقابل كتبها من هم في سن متقدمة تنطبق عليها مفاهيم (أدب الشباب) بمعنى ؛ الحاجة إلى النضج والإنضاج.
سمات أدب الشباب:
يتميّز (أدب الشباب) الذي بات ينتشر على نطاق واسع في الآونة الأخيرة بمجموعة من السمات، لعل أولاها:
1- البحث عن لغة تعبير مناسبة. لتناسب المرحلة العمرية، والسياسية، والثقافية. لقد أضحت اللغة مرتكزا في كتابات الشباب ؛ سلبا وإيجابا. وسيجد الدارس ما يغني دراسته إذا جمع عددا وافيا من النماذج الشبابية على صعيد التعبير اللغوي.
2- شفافية اللغة واقترابها من لغة التعبير العاطفي في الشأن الذاتي الخاص، أو العام.
3- التمحور حول الذات وقضاياها وأحلامها وهمومها.
4- التجريب في النصوص؛ لغة وانتماء للأجناس المعروفة تقليديا، لذا فرض (النص) الأدبي نفسه كجنس أدبي خاص لأنه يأخذ من الأجناس الأدبية جميعها – والشعر بالتحديد – ولكنه يتفرّد بخصوصيته. فهو يجمع لغة الشعر ورؤاه والقصة وأحداثها، والخاطرة وما تلمع به فكرتها.
5- التركيز الشديد على البحث عن الانسجام الذاتي مع الحياة موضوعا في النصوص الشبابية ، هربا من جحيم الواقع وقيوده التي تحد من انطلاق الروح الشبابية المتدفقة.
ومقارنة بالمرحلة العمرية للجيل السابق لجيل الشباب الحالي المعني بهذا الاستعراض ، أجد غيابا ما للقضايا الوطنية والسياسية – على عموم الظاهرة مع وجود استثناءات- ، إذ يميل الشباب إلى طرح قضاياهم المرحلية أكثر مما كان يشغل الجيل السابق وهم في مثل مرحلتهم العمرية هذه . ولعل هذا ناتج عن المفاهيم الجديدة التي استدخلت ثقافة جديدة تنسجم وهذه المعطيات وفقا للمرحلة السياسية التي جاءت بعد (مرحلة أوسلو) التي أتت بثقافة أخرى جديدة.
وعلى صعيد لغة التعبير فقد وقفت على نماذج مكررة من المستويات اللغوية الضعيفة التي تعاني من هشاشة في اللغة وبعد عن الاهتمام بها في محاولة لفهم خاص بأن اللغة لا تهم بقدر ما يكون الموضوع – الفكرة هو الأهم، وبأن لا ضير لو لم يتم الاهتمام باللغة ؛ إملاء ونحوا. وهذا يشير إلى نوع من التقصير في فهم وظيفة الأدب الجمالية، وعدم إدراك لقيمة اللغة وأهمية سلامتها وقوتها.
6- الركاكة في الأسلوب. عدد من الكتابات الشبابية تركن إلى الفكرة بعيدا عن الاهتمام بتجميل أسلوب تقديمها.
7- ويعجب كثير من الشباب بالرمز؛ لغة رمزية غالبا ما تكون تقليدا لشعراء مشهورين (محمود درويش، مثلا) إذ يوظفونها بشكل غير ذي دلالة بعيدا عن وجود رابط يشير إلى المعنى (مفتاح الرمز).
8- إن بعض الكتابات الشبابية تعجب بوقع الكلمات وإيقاعها أكثر مما تهتم بالرسالة التي ينقلها النص الأدبي. وهذه الظاهرة لا تخدم الذائقة عند القارئ أبدا، ولعلها أيضا تشير إلى عدم اتضاح خارطة الحياة بأهدافها وغاياتها والمطلوب منها.
بعض الكتابات (تهرب) من التحديد إلى الرمز الغامض – المغلق أحيانا – لأن الصورة غير مكتملة الأبعاد عند أصحابها لحظة الكتابة ، ولا في حياتهم بشكل عام. الأمر الذي يشي بنوع من (الضياع)؛ ضياع الأهداف والغايات، وانكسار الأحلام.
9- الميل إلى التعبير باللغة المحلية المحكية ، وفي هذا إشارة إلى الابتعاد عن اللغة الفصيحة ظنا ممن يميل هذا الميل بأن اللغة المحكية أكثر تعبيرا ونقلا ، وفي هذا التوجه العديد من المخاطر القادمة من وسائل الإعلام المختلفة.
10- الجرأة في الطرح المباشر أو الموارب، والتمرد، وقضايا الجنس في عدد غير قليل من الكتابات الشبابية. وفي هذا محاولة لتلمّس الموقع الجديد للشباب وأدبهم، وتساوق مع (الثقافة الجديدة) التي بدأت تبرز في الشارع الثقافي . ولعل بعضا ، أو كثيرا، من الأعمال المنشورة لكتّاب وكاتبات عرب وغير عرب ممن ينحون هذا المنحى الذي يركّز على قضايا الجنس قد أضحوا قدوة لبعض الأقلام الشبابية.إذ خرجت من دور النشر روايات وقصص وقصائد تتمحور في أفكارها وأحداثها ولغتها حول هذا الموضوع دون سواه.
آفاق أدب الشباب والفيسبوك:
يفرض الأدب الشبابي حضوره وهو يمثّل فئة تمثّل ثلثي المجتمع، بما ينقله من هموم وأحلام وطموحات، وبما يرصده من رؤى مستقبلية تمثّل أمنياتهم وطموحاتهم، وتنقل واقعهم كما يرونه ويعبرون عنه.
وهذا اللون الأدبي الشبابي في عمومه ما يستحق الانتباه والدعم والتوجيه؛ التوجيه بالخبرة، والنصح، وفنيّة الأداء.
لقد برزت أسماء لافتة للانتباه حقا في هذا المجال الشبابي على صعيد القصيدة العمودية، والقصيدة الحرة، وقصيدة النثر، والنص الأدبي، والقصة، والرواية، والخاطرة. ولعل في وسائل الاتصال والنشر الحديثة ما يشجع على النشر والكتابة الموجزة. تلك الكتابات التي أسميها : النبضة ، أحيانا، أو السهم، أحيانا أخرى. وإن كانت هذه الوسائل نفسها هي التي تشجّع على نشر كثير من الغثاء ، وما يشير إلى الكسل الفكري، والكسل اللغوي، والفراغ الفكري.
حين طرح اقتراح بمناقشة (أدب الفيسبوك) كان المقصود الإشارة إلى بروز أدب جديد بسبب سهولة النشر، وعدم مراقبته كما كان الأمر في أيام النشر الورقي إذ كان يتطلب نشر أي نصّ المرور على المحرر المختص قبل إجازته وربما تصحيح بعض الأخطاء اللغوية، وحتى تعديل الفكرة أحيانا.
اليوم يكتب الكاتب الفيسبوكي ما يريد ثم ينشر ما كتب . مسألة اللغة، والفكرة، والأسلوب، وربما القيم الثقافية الخاصة بالمجتمعات البشرية …لا يراقبها إلا كاتبها نفسه، ثم من يتلقاها من القراء مختلفي الثقافات والرؤى. ولعل في التعليقات التي تعقب النشر السريع ما يوقع الكاتب في مصيدة الغرور، وفخّ الاقتناع الزائف بالقدرة والموهبة، فيبعده عن السعي لتنمية موهبته.
ظاهرة هذا الأدب الجديد تفرز ضعفا وغثاء وعجبا عجابا. أحيانا يتوه القلم الجاد بين هذه الأكوام من الكتابات الجديدة غير المسؤولة ، وأحيانا يستنكف بعض الكتاب الجادين ممن يرون أن الميدان ليس مناسبا لطرح رؤاهم وكتاباتهم.
لقد بات الفيسبوك واقعا لا مناص منه. ويجد المتابع المهتم عددا من الكتابات لأدباء مشهود لهم، شعرا ونثرا ونقدا وتشكيلا. وفي هذا وصول إلى شريحة أوسع مما كانت تتيحه المجلة الورقية أو الصحيفة اليومية أو الأسبوعية.
وتبرز من بين الأقلام الشبابية على الفيس بوك أقلام جادة ذات مسؤولية تجاه أقلامها وقضاياها الثقافية العامة بما فيها السياسية القريبة المباشرة، بل أحيانا يفاجئني هذا الوعي الشبابي المتدفق بمسؤولية ولغة وفكرة.
يبقى الأمر منوطا بالشخص الذي يبادر هو نفسه؛ فالكتابة تعكس ثقافة كاتبها ، وهي مرآته الخاصة والعامة، ولن أضع (البيض جميعه في سلّة واحدة).
على المستوى الذاتي أتابع عددا من الكتابات الجميلة الشابة وغير الشابة، وأجد فيها فتحا جديدا لبوابات جديدة بأساليب جديدة ، أو بإعادة تجديد أساليب تقليدية معروفة.
هذا الحراك المستجد في النشر والكتابة سيبقى ناشطا لن يوقف مدّه أحد. وهو مع قليل من الزمن سيفرز الصالح من الطالح. فكثير من المراهقين والمراهقات يبدؤون حياتهم الجديدة بالكتابة وبالشعر تحديدا، ثم سرعان ما تنتهي هذه (الطفرة) الطارئة مع التقدم بالسن والتجربة والاقتناع بالقدرات وإيجاد وسائل بديلة أكثر تعبيرا عن الذات لمن لا يمتلك الموهبة ولا يسعى لتطوير قدراته.
ثم قرأت الكاتبة نسب أديب حسين مشاركة الكاتبتين خولة سالم وفاطمة الحوامدة من الندوة الثقافية في مدينة الخليل؛
و كتبت خولة سالم:
الفيس بوك أشبه بشاطيء مزدحم بالمصطافين،،، كل يرنو للبحر هناك ،،،يبثه كل ما في نفسه من أوجاع الحياة ،،، وفي لحظة صدق ،،، يغادر كل المصطافين الى منازلهم يكابدون أشكال الحياة المرهقة بتفاصيلها المقيتة ،،،
وفي المساء يعودون لذات الشاطيء المزدحم ،،،يعاودون بث رسائلهم من جديد عن الحياة ،،، والجمال ،،، كما يحلمون بها كزرقة البحر أمامهم ،،،
في المقابل الشاطيء المزدحم،،، يئن وجعا ،،، فصراخهم المعتاد يؤرق سكونه ،،، وهم لا يشعرون.
قد تكون هذه رسالتي المختصرة جداُ فيما اصطلح على تسميته الادب الفيس بوكي ،،، اعتقد جازمة ان من لا يملك الموهبة اصلا والاستعداد للتعبير لا يستطيع ان يخلق واقعا مختلفا على الفيس بوك ،،، ولكن ممكن لتنوع القراءات وكثرتها ان يصقل تجربته ويطورها ،،، مع التركيز على جودة القراءة والاختيارات الصائبة للاقلام التي يتابعها ،،، وهكذا قد يقطع شوطا لا بأس به في الوصول لابداع وتميز.
زد على ذلك أن فرصة التواصل مع ادباء وكتاب لهم باع طويل في الادب يحفز الكتاب الصاعدين والشعراء المبتدئين ليتبوؤا مكانة اسرع في مواقع يستحقونها عن جدارة .
هناك تخوف من ان يكبر اسم الشاعر الفلاني او الكاتب العلنتاني لكونه يتعرض لاعجاب من اناس سطحيين لا دراية لهم وعمق تجربة وخبرة في مجال الابداع ،،، الا انني اعتقد هذا النوع لا يعمر طويلا وسرعان ما يخفت كالسراج الذي ينتهي امداده بزيت الابداع الحقيقي .
وكتبت فاطمة الحوامدة:
كانت البداية في هذا العالم الافتراضي للتواصل مع العالم الآخر والتسلية والاستمتاع والترفيه بجلب كل ما هو جديد من صداقات وثقافات وتبادل المعلومات مع الآخرين عبر الإنترنت حتى أصبح وسيلة للهروب من الضجيج الفوضوي الذي يَعبث بالنفس البشرية ومزاجيتها التي أرهقتها التكنولوجيا الحديثة وسرعة تقادمها الهائلة بوسائل الاتصال والتواصل اجتماعيا وثقافيا وترفيهيا والمعرفة المتزايدة أيضا .
فيما يتعلق بالأدب الفيس بوكي .. فهو ما يعرف إلى حد كبير بالشعر الحديث أو الأدب الحديث . فمن وجهة نظري المفردة انه اقتصر على النصوص والخواطر والأشعار النثرية , و بالمقابل تراجع القصائد العمودية والنصوص الأدبية الطويلة لعدم إقبال الجمهور الفيس بوكي على قراءتها . ربما لأن الجمهور العربي أصبح مثقلا ومتأثرا بالواقع والظروف التي يمر بها, فيهرب من الملل إلى تصفح الصفحات التي تعالج حالات الضجر التي يعاني منها وقد يجدها في الأشعار النثرية البسيطة البعيدة عن التكلف أو الطويلة التي توحي إلى الملل لقراءتها , بل يستوقفه كل ما يلامس واقعهم وهمومهم وجراحاتهم وابتساماتهم وهي الأقرب لهم من حيث تناولها لقضاياهم التي ضاقت بها مجتمعاتهم .
وبرغم التزاحم والضجة التي تحدثها الصفحات الأدبية والــ لا أدبية ممن يدعي الكتابة إلا أن هناك صفحات أدبية في قمة الرقي الأدبي والثقافي التي تساعد وتساهم في تطور المواهب الكتابية .
فمن يكتب عن وعي وعلم بموهبته يبقى في الميدان الأدبي لجودة قلمه وصحة لغته وجمال أفكاره التي يستمد منها وحي كتاباته. وربما يكون الفيس بوك هو الوسيلة الوحيدة التي يتم النشر من خلالها لكل ما يُتحف القارئ . وقد يستعيض بها بعض البسطاء الذين لم يتمكنوا من نشرها في كتاب أو إيصالها للقراء و هم من لا يحالفهم الحظ بإيجاد فرصة لتمكنهم من ذلك , رغم تعرض صفحاتهم وكتاباتهم للسرقة أو الاختراق ومنهم من تم الإساءة إليهم بشكل أو بآخر . وأنا أجد أن أكثر من يعاني من هذه المشكلة هم أبناء المخيمات والمبدعون الفلسطينيون في المنافي وخارج الوطن .
عدا عن موضوع السرقات الأدبية وضياع المجهود المبذول لبعض الصفحات الأدبية إلا أن هناك مآخذ على الأدب الفيس بوكي : هناك الكثير من الفوضى التي أحدثها من يستخدمون اللغة بشكلها الغيَبي والتجريدي متناسيين أن اللغة هي همزة وصل وقطع وأدوات رفع ونصب وليس لهجات تُكتب كما تُلفظ . فاللغة هي لغة بكل قواعدها وأصولها وملامحها العربية التي لن تتغير مع تقادم الزمن أو التكنولوجيا أو أي تطورات تمر بها في هذا العصر . والشعراء أو الكُتاب والأدباء الناجحون الذين لا يكتبون من باب التسلية والحصول على أكبر عدد من الإعجابات أو التعليقات بل يكتبون عن موهبة ودراية وعلم لإيصال رسالتهم السامية في الأدب والثقافة لجمهورهم الذي أصبح أكثر وعيا وأكثر تمييزا لجودة الأدب أو رداءته .
وربما ينجح حملة القلم في السفر عبر الفيسبوك إلى جميع البلدان دون أن يغادر الكرسي الذي يجلس عليه .. ويلتقي بالآخرين وبمعجبيه من خلال صفحته الإلكترونية التي تمكنه من ممارسة هواياته الكتابية والشعر بشكله الأصولي فيترك أثرا بالغا في نفوس القراء . و ربما هي الحسنة التي تُؤخذ بعين الاعتبار للفيس بوك , لاختصارها المسافة بين الكاتب وجمهوره وجعله أكثر اقترابا من هموم الناس وأدق ترجمه في نقل أصواتهم ومحاكاة ظروفهم و معاناتهم .
وكتب الشاعر ماجد الدجاني:
سؤالي هو ما مدى مساهمة أدباء ندوة اليوم السابع في نفخ البلالين المثقوبة وزرع الغرور في من لا شيء عندهم بين السطور تحت شعار التشجيع أنا لا أتكلم عن التافهين الذين ينافقون بعضهم بعضا على الفيس بوك فهؤلاء يطيرون ويغردون بعيدا عن السرب المشكلة أن تكون الدودة في أصل الشجرة سمعت شعرا لمدرسة عربي في أمسية كانت أخطاؤها الغوية أكثر من الكلام نفسه ولم يكن هنالك وزن مجرد سجع وقافيه وهات يا تصفيق لتلكم الشاعره وقس على ذلك من أمسيات في حدائق ومتنزهات هذا لا يعنيني ولكن جميل وعليان وجوهر وغيرهم يتحملون أمانة ومسؤولية فأنتم على ثغرة من ثغر الأدب فلا يؤتين من قبلكم لا تجاملوا تحت شعار التشجيع وكما قال محمود درويش للنقاد العرب: ارحمونا من هذا الحب القاسي) صار الأدب والشعر خاصة كالباص يركبه من هب ودب تحت اسم الأدب صدق من صدق وكذب من كذب وأقول: تبت يدا من كتب مخادعا جيل الشباب وليصب علي من شاء حمم الغضب.))
وكتبت عنات فرعون:
الفيسبوك وسيلة نشر حديثة تتيح لأصحاب المواهب طرح منتوجهم الأدبي وتقديمه للنقد والمشاهدة والملاحظة..بعض الصفحات الأدبية غنية بالمادة الأدبية البحتة..حيث أن فكرتها تقوم على ايصال الجمال اللغوي والتعبيري لفكرة ولدت من عقلية نقية وواقع اما موجع حد ما يفطر القلب واما مفعم بنوتات الفرح والسعادة والحلم..مشاركة النص كفيلة بنزع كل الحدود الجغرافية والسياسية وتوحيد لغة القلم تحت شعار كلنا للحرف طائعون…
الفيسبوك بحد ذاته يلغي كينونة دار النشر..حيث أنه لا يحتاج إلى تكلفة مادية..لكنه برأيي لن يُغني يوماً عن الكتابة والقراءة الورقية..فللحبر والورق لذة خاصة عند الكاتب المحترف وهو يصوغ الكلمة في عصف ذهني يراوغ القلم ليكتب ويعيد صياغة ما كتبه في المرة الأولى والثانية وحتى العاشرة وينثر أوراقه هنا وهناك بكل فوضوية حواسه..الفرق بين النشر الورقي والفيسبوكي جوهري وذلك لأن الفيسبوك يبقينا على صلة مباشرة مع القارئ وبالتالي معرفة ردود الأفعال بلحظتها والاستفادة من الملاحظات وتجنب الأخطاء…
عدد المشتركين في الفيسبوك كبير جداً..أصور هذا الموقع الالكتروني بمملكة لها حاشية وجيش وضيوف وأعداء أيضاً..أما عن الحاشية فهم الشريحة العظمى..كلٌ له هدف من عضويته وانتسابه للفيسبوك..منهم من يدون الأدب أو السياسة أو يصلنا بجديد الطب والعلوم والمجتمعيات والسلوكيات..ومنهم من يسرق..نعم يسرق النصوص دون مراعاة أي حقوق للنشر والمحافظة على اسم صاحب العمل الأدبي أو الفني أو غيره فيجد جيوشاً من النقاد وأصحاب النظرة الثاقبة في انتظاره لسلخه تعليقاً يحظره ويطرده من المملكة لعدم وفائه واخلاصه للهدف النبيل الذي أُوجد الفيسبوك من أجله..وأما الضيوف فهم الأقلية من الجيل الكبير بالسن والذي يعي مخاطر التكنولوجيا الحديثة فلا يطأ أرض تلك المملكة وإنما يكتفي بالمشاهدة للعالم الافتراضي الذي يحافظ على بنيانه الجيل الحالي والقادم.. والأعداء هم الذين يعارضون طرق التواصل الاجتماعي الحديث ويشددون على الرقابة لمدمني الفيسبوك…
في عالم الفيسبوك الكل ينسج من الحروف أبجدية..البعض يكتب عن همه الخاص وآخرون يقتلهم الهم العام..الابداع يكمن في حالة التوهج لدى هؤلا فالكتابة كما ذكرت سابقاً حالة يعيشها الانسان من فرح شديد أو وجع يفتك به..لا يوجد حالة بين هاتين..قلب الحرف هو سر نجاح النص أو ركاكته..وذلك لا يعني أن الكاتب يطوع الحرف وانما هو طائع له.. يقال أن من يعتمد على قلبه حياته تأخذ منحى الخيال والافراط اللغوي وذلك لن يوصل فكرة النص ولن يترك القارئ يتصور الحالة التي يعبر عنها الكاتب بانهاك القلم في التعبير عنها..القلب منبع الحياة إن توقف عن الخفقان مات الانسان وماتت معه كل الذكريات..حتى في حالة استرجاع الذكريات “المحاكاة العاطفية” يعيش الانسان جزءاً من ذلك الاحساس ساعة حدوث الأمر سابقاً…لذا نص من دون نبض كجثة فقدت كل تفاصيل الحياة التي عاشتها…
الأدب الفيسبوكي ليس محدداً بالشباب فقط ولا بالمفهوم العمري للشباب وإنما بالفكر الناضج والتجارب التي يخوضها الانسان في معاركة الحياة..الأدب الأكثر انتشاراً اليوم هو الذي يحاكي الهم الفردي ربما بحثاً عن ارتداد الصوت وسماع صداه في قلوب الآخرين وكيف يفكرون…
أنا أعلم نفسي أغدق بالرمزية في كثير من الأحيان ولست أبرر لنفسي..في تشرين أول سيمر عام على نمو طفلتي “يوميتي”..وأملي برب العباد أن الفرج قادم لوجع أسرة وضعتها تحت مجهر اليومية أمام الملأ كي ينيروا لي الطريق…
ملاحظة على الهامش ليس لها علاقة بالأدب الفيسبوكي وإنما بالفيسبوك بحد ذاته: لا تغرنكم الطيور والأزهار وحتى النهر..فكلها إلى زوال وكذلك الشخوص الفيسبوكية..فلا الصوفي صوفي ولا المجرم مجرم.. كلاهما يرتدي ثوباً ليس له..
من المواقف المضحكة للفيسبوك أن عضويته والانتساب اليه يشمل الجميع حين يساوي سارق العمل الأدبي بغيره حيث لا يوجد رقابة على النشر الالكتروني في هذا المتصفح الافتراضي..منذ خمسة أعوام وأنا جزء من عالم الفيسبوك..كنت ولا زلت شاهدة مشاهدة على كل المذاهب اللغوية والكتابية في المتصفح …
بعض الكتابات تغريني برغم صغر سن كاتبتها إلا أن اللغة تكون عند هؤلاء كشجرة جذورها في القلب وأغصانها تعانق الجسد..فتجدني أدمن قرائتهم كل يوم..فعلاً الخير في الشباب..حيث أنهم يتسلحون بقول الرسول المصطفى عليه السلام: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الايمان”..الفئة الشبابية والشريحة الأكبر منهم مدرك وصاحب وعي وفكر تنموي وتربوي بالمفهوم العام..اقرأ في أدبهم فيذهلني لوثة العقلانية التي يحملها كاتب يحمل ريشته ليلون السواد بألوان قوس قزح فتضحي اللغة بسرياليتها ثالوث متكامل من الروح والقلب والجسد..وكأن جبران استبق هذا الجيل وقال عنهم : بعضنا كالحبر و بعضنا كالورق فلولا سواد بعضنا لكان البياض أصم ولولا بياض بعضنا لكان السواد اعمى…
الفيسبوكيون اليوم سقطت معاييرهم للكتابة..فإن كتبت احدى الجميلات :”صباح الخير يا عرب” ستغمرها الاعجابات والتعليقات بينما نص أدبي جميل يستحق أن لا نمر عليه مرور العابرين وانما نتذوقه ونحاكيه ونجادل فيه لن يمر عليه إلا بعض من نعدهم على الأصابع.
ثم دار نقاش حيوي باشتراك الكاتبة نسب أديب حسين، والكاتب عيسى القواسمي، والشاعر رفعت زيتون، والكاتب سامي الجندي.

أدب الشباب وأدب الفيسبوك في ندوة اليوم السابع المقدسية

القدس- 15-8-2013 كان موضوع (أدب الشباب) و (أدب الفيسبوك) محور النقاش هذا الأسبوع في ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية.وقد حضر النقاش جمع شبابي مميز شدّته فكرة النقاش الذي كانت الندوة قد أعلنت عنه في أوائل شهر تموز المنصرم.طرح الشباب وجهات نظرهم ورؤاهم للواقع، واللغة، والأدب، والحياة. وطالبوا بضرورة التربية على التساؤل والبحث لأن المدارس لا تعتني بالجانب الإبداعي لدى الطلبة، وكذا الجامعات.وتوصل المشاركون إلى التوصية بالمزيد من العناية باحتياجات الجيل وتفهم واقعه وهمومه وأحلامه.بدأ النقاش الكاتب ابراهيم جوهر مدير الندوة بالترحيب بالحضور الشبابي ودعاهم لمواصلة الحضور لإغناء النقاش دائما بالرؤى الشبابية، ثم قال:يقصد بمصطلح (أدب الشباب) هنا الأدب الذي يكتبه من هم في سن أقل من 30 عاما، وإن بات السن لا يحدد المستوى الجمالي والإبداعي للكاتب. فالموهبة القوية تبرز بقوة وتلفت الانتباه إليها بما تقدمه من إبداعات تشير إلى موهبة كاتبها. فخلال خمسة وعشرين عاما هي عمر (طرفة بن العبد) قدّم ما خلّد اسمه ونقل واقع مجتمعه في معلقته الشهيرة وقصائده الأخرى. وكذا الأمر مع مبدعين آخرين في التاريخ الأدبي العربي والعالمي، وفي فلسطين كانت تجربة (غسان كنفاني) الإبداعية الرائدة، وهو الذي استشهد عن ستة وثلاثين عاما، ومن قبله تجربة (ابراهيم طوقان) أيضا الذي توفي عن عدد السنوات نفسه.ولعل في تحديد العمر هنا ما يشير افتراضا إلى تجربة الكاتب وتمرّسه واطلاعه. وتبقى مع هذا كله مسألة تحديد السن قابلة للنقاش والطعن والاحتجاج. لذا قد يكون من الأسلم اعتبار المستوى الجمالي الإبداعي حكما على النصّ وموهبة صاحبه أكثر من سنّ منتجه. بمعنى تسمية (أدب الشباب) للكتابات التي ما زال ينقصها الكثير من التصويب لتكون في مصافّ الكتابات الأدبية المقبولة تعبيرا وأداء وفنا، وفق رأي النقاد المختصين، لأن الناقد وحده هو المؤهل بالتقييم . وهنا سنجد كتابات لكتّاب في سنّ أقل من السن الذي حددته آنفا تنطبق عليها مفاهيم الأدب الإبداعي، والعكس صحيح، إذ إننا سنجد كتابات في المقابل كتبها من هم في سن متقدمة تنطبق عليها مفاهيم (أدب الشباب) بمعنى ؛ الحاجة إلى النضج والإنضاج.سمات أدب الشباب:يتميّز (أدب الشباب) الذي بات ينتشر على نطاق واسع في الآونة الأخيرة بمجموعة من السمات، لعل أولاها:1- البحث عن لغة تعبير مناسبة. لتناسب المرحلة العمرية، والسياسية، والثقافية. لقد أضحت اللغة مرتكزا في كتابات الشباب ؛ سلبا وإيجابا. وسيجد الدارس ما يغني دراسته إذا جمع عددا وافيا من النماذج الشبابية على صعيد التعبير اللغوي.2- شفافية اللغة واقترابها من لغة التعبير العاطفي في الشأن الذاتي الخاص، أو العام.3- التمحور حول الذات وقضاياها وأحلامها وهمومها. 4- التجريب في النصوص؛ لغة وانتماء للأجناس المعروفة تقليديا، لذا فرض (النص) الأدبي نفسه كجنس أدبي خاص لأنه يأخذ من الأجناس الأدبية جميعها – والشعر بالتحديد – ولكنه يتفرّد بخصوصيته. فهو يجمع لغة الشعر ورؤاه والقصة وأحداثها، والخاطرة وما تلمع به فكرتها.5- التركيز الشديد على البحث عن الانسجام الذاتي مع الحياة موضوعا في النصوص الشبابية ، هربا من جحيم الواقع وقيوده التي تحد من انطلاق الروح الشبابية المتدفقة.ومقارنة بالمرحلة العمرية للجيل السابق لجيل الشباب الحالي المعني بهذا الاستعراض ، أجد غيابا ما للقضايا الوطنية والسياسية – على عموم الظاهرة مع وجود استثناءات- ، إذ يميل الشباب إلى طرح قضاياهم المرحلية أكثر مما كان يشغل الجيل السابق وهم في مثل مرحلتهم العمرية هذه . ولعل هذا ناتج عن المفاهيم الجديدة التي استدخلت ثقافة جديدة تنسجم وهذه المعطيات وفقا للمرحلة السياسية التي جاءت بعد (مرحلة أوسلو) التي أتت بثقافة أخرى جديدة.وعلى صعيد لغة التعبير فقد وقفت على نماذج مكررة من المستويات اللغوية الضعيفة التي تعاني من هشاشة في اللغة وبعد عن الاهتمام بها في محاولة لفهم خاص بأن اللغة لا تهم بقدر ما يكون الموضوع – الفكرة هو الأهم، وبأن لا ضير لو لم يتم الاهتمام باللغة ؛ إملاء ونحوا. وهذا يشير إلى نوع من التقصير في فهم وظيفة الأدب الجمالية، وعدم إدراك لقيمة اللغة وأهمية سلامتها وقوتها.6- الركاكة في الأسلوب. عدد من الكتابات الشبابية تركن إلى الفكرة بعيدا عن الاهتمام بتجميل أسلوب تقديمها.7- ويعجب كثير من الشباب بالرمز؛ لغة رمزية غالبا ما تكون تقليدا لشعراء مشهورين (محمود درويش، مثلا) إذ يوظفونها بشكل غير ذي دلالة بعيدا عن وجود رابط يشير إلى المعنى (مفتاح الرمز).8- إن بعض الكتابات الشبابية تعجب بوقع الكلمات وإيقاعها أكثر مما تهتم بالرسالة التي ينقلها النص الأدبي. وهذه الظاهرة لا تخدم الذائقة عند القارئ أبدا، ولعلها أيضا تشير إلى عدم اتضاح خارطة الحياة بأهدافها وغاياتها والمطلوب منها. بعض الكتابات (تهرب) من التحديد إلى الرمز الغامض – المغلق أحيانا – لأن الصورة غير مكتملة الأبعاد عند أصحابها لحظة الكتابة ، ولا في حياتهم بشكل عام. الأمر الذي يشي بنوع من (الضياع)؛ ضياع الأهداف والغايات، وانكسار الأحلام.9- الميل إلى التعبير باللغة المحلية المحكية ، وفي هذا إشارة إلى الابتعاد عن اللغة الفصيحة ظنا ممن يميل هذا الميل بأن اللغة المحكية أكثر تعبيرا ونقلا ، وفي هذا التوجه العديد من المخاطر القادمة من وسائل الإعلام المختلفة.10- الجرأة في الطرح المباشر أو الموارب، والتمرد، وقضايا الجنس في عدد غير قليل من الكتابات الشبابية. وفي هذا محاولة لتلمّس الموقع الجديد للشباب وأدبهم، وتساوق مع (الثقافة الجديدة) التي بدأت تبرز في الشارع الثقافي . ولعل بعضا ، أو كثيرا، من الأعمال المنشورة لكتّاب وكاتبات عرب وغير عرب ممن ينحون هذا المنحى الذي يركّز على قضايا الجنس قد أضحوا قدوة لبعض الأقلام الشبابية.إذ خرجت من دور النشر روايات وقصص وقصائد تتمحور في أفكارها وأحداثها ولغتها حول هذا الموضوع دون سواه.آفاق أدب الشباب والفيسبوك:يفرض الأدب الشبابي حضوره وهو يمثّل فئة تمثّل ثلثي المجتمع، بما ينقله من هموم وأحلام وطموحات، وبما يرصده من رؤى مستقبلية تمثّل أمنياتهم وطموحاتهم، وتنقل واقعهم كما يرونه ويعبرون عنه.وهذا اللون الأدبي الشبابي في عمومه ما يستحق الانتباه والدعم والتوجيه؛ التوجيه بالخبرة، والنصح، وفنيّة الأداء.لقد برزت أسماء لافتة للانتباه حقا في هذا المجال الشبابي على صعيد القصيدة العمودية، والقصيدة الحرة، وقصيدة النثر، والنص الأدبي، والقصة، والرواية، والخاطرة. ولعل في وسائل الاتصال والنشر الحديثة ما يشجع على النشر والكتابة الموجزة. تلك الكتابات التي أسميها : النبضة ، أحيانا، أو السهم، أحيانا أخرى. وإن كانت هذه الوسائل نفسها هي التي تشجّع على نشر كثير من الغثاء ، وما يشير إلى الكسل الفكري، والكسل اللغوي، والفراغ الفكري.حين طرح اقتراح بمناقشة (أدب الفيسبوك) كان المقصود الإشارة إلى بروز أدب جديد بسبب سهولة النشر، وعدم مراقبته كما كان الأمر في أيام النشر الورقي إذ كان يتطلب نشر أي نصّ المرور على المحرر المختص قبل إجازته وربما تصحيح بعض الأخطاء اللغوية، وحتى تعديل الفكرة أحيانا.اليوم يكتب الكاتب الفيسبوكي ما يريد ثم ينشر ما كتب . مسألة اللغة، والفكرة، والأسلوب، وربما القيم الثقافية الخاصة بالمجتمعات البشرية …لا يراقبها إلا كاتبها نفسه، ثم من يتلقاها من القراء مختلفي الثقافات والرؤى. ولعل في التعليقات التي تعقب النشر السريع ما يوقع الكاتب في مصيدة الغرور، وفخّ الاقتناع الزائف بالقدرة والموهبة، فيبعده عن السعي لتنمية موهبته.ظاهرة هذا الأدب الجديد تفرز ضعفا وغثاء وعجبا عجابا. أحيانا يتوه القلم الجاد بين هذه الأكوام من الكتابات الجديدة غير المسؤولة ، وأحيانا يستنكف بعض الكتاب الجادين ممن يرون أن الميدان ليس مناسبا لطرح رؤاهم وكتاباتهم.لقد بات الفيسبوك واقعا لا مناص منه. ويجد المتابع المهتم عددا من الكتابات لأدباء مشهود لهم، شعرا ونثرا ونقدا وتشكيلا. وفي هذا وصول إلى شريحة أوسع مما كانت تتيحه المجلة الورقية أو الصحيفة اليومية أو الأسبوعية. وتبرز من بين الأقلام الشبابية على الفيس بوك أقلام جادة ذات مسؤولية تجاه أقلامها وقضاياها الثقافية العامة بما فيها السياسية القريبة المباشرة، بل أحيانا يفاجئني هذا الوعي الشبابي المتدفق بمسؤولية ولغة وفكرة.يبقى الأمر منوطا بالشخص الذي يبادر هو نفسه؛ فالكتابة تعكس ثقافة كاتبها ، وهي مرآته الخاصة والعامة، ولن أضع (البيض جميعه في سلّة واحدة).على المستوى الذاتي أتابع عددا من الكتابات الجميلة الشابة وغير الشابة، وأجد فيها فتحا جديدا لبوابات جديدة بأساليب جديدة ، أو بإعادة تجديد أساليب تقليدية معروفة.هذا الحراك المستجد في النشر والكتابة سيبقى ناشطا لن يوقف مدّه أحد. وهو مع قليل من الزمن سيفرز الصالح من الطالح. فكثير من المراهقين والمراهقات يبدؤون حياتهم الجديدة بالكتابة وبالشعر تحديدا، ثم سرعان ما تنتهي هذه (الطفرة) الطارئة مع التقدم بالسن والتجربة والاقتناع بالقدرات وإيجاد وسائل بديلة أكثر تعبيرا عن الذات لمن لا يمتلك الموهبة ولا يسعى لتطوير قدراته.ثم قرأت الكاتبة نسب أديب حسين مشاركة الكاتبتين خولة سالم وفاطمة الحوامدة من الندوة الثقافية في مدينة الخليل؛و كتبت خولة سالم:الفيس بوك أشبه بشاطيء مزدحم بالمصطافين،،، كل يرنو للبحر هناك ،،،يبثه كل ما في نفسه من أوجاع الحياة ،،، وفي لحظة صدق ،،، يغادر كل المصطافين الى منازلهم يكابدون أشكال الحياة المرهقة بتفاصيلها المقيتة ،،،  وفي المساء يعودون لذات الشاطيء المزدحم ،،،يعاودون بث رسائلهم من جديد عن الحياة ،،، والجمال ،،، كما يحلمون بها كزرقة البحر أمامهم ،،، في المقابل الشاطيء المزدحم،،، يئن وجعا ،،، فصراخهم المعتاد يؤرق سكونه ،،، وهم لا يشعرون.
قد تكون هذه رسالتي المختصرة جداُ فيما اصطلح على تسميته الادب الفيس بوكي ،،، اعتقد جازمة ان من لا يملك الموهبة اصلا والاستعداد للتعبير لا يستطيع ان يخلق واقعا مختلفا على الفيس بوك ،،، ولكن ممكن لتنوع القراءات وكثرتها ان يصقل تجربته ويطورها ،،، مع التركيز على جودة القراءة والاختيارات الصائبة للاقلام التي يتابعها ،،، وهكذا قد يقطع شوطا لا بأس به في الوصول لابداع وتميز.زد على ذلك أن فرصة التواصل مع ادباء وكتاب لهم باع طويل في الادب يحفز الكتاب الصاعدين والشعراء المبتدئين ليتبوؤا مكانة اسرع في مواقع يستحقونها عن جدارة .هناك تخوف من ان يكبر اسم الشاعر الفلاني او الكاتب العلنتاني لكونه يتعرض لاعجاب من اناس سطحيين لا دراية لهم وعمق تجربة وخبرة في مجال الابداع ،،، الا انني اعتقد هذا النوع لا يعمر طويلا وسرعان ما يخفت كالسراج الذي ينتهي امداده بزيت الابداع الحقيقي .وكتبت فاطمة الحوامدة:كانت البداية في هذا العالم الافتراضي للتواصل مع العالم الآخر والتسلية والاستمتاع والترفيه بجلب كل ما هو جديد من صداقات وثقافات وتبادل المعلومات مع الآخرين عبر الإنترنت حتى أصبح وسيلة للهروب من الضجيج الفوضوي الذي يَعبث بالنفس البشرية ومزاجيتها التي أرهقتها التكنولوجيا الحديثة وسرعة تقادمها الهائلة بوسائل الاتصال والتواصل اجتماعيا وثقافيا وترفيهيا والمعرفة المتزايدة أيضا .فيما يتعلق بالأدب الفيس بوكي .. فهو ما يعرف إلى حد كبير بالشعر الحديث أو الأدب الحديث . فمن وجهة نظري المفردة انه اقتصر على النصوص والخواطر والأشعار النثرية , و بالمقابل تراجع القصائد العمودية والنصوص الأدبية الطويلة لعدم إقبال الجمهور الفيس بوكي على قراءتها . ربما لأن الجمهور العربي أصبح مثقلا ومتأثرا بالواقع والظروف التي يمر بها, فيهرب من الملل إلى تصفح الصفحات التي تعالج حالات الضجر التي يعاني منها وقد يجدها في الأشعار النثرية البسيطة البعيدة عن التكلف أو الطويلة التي توحي إلى الملل لقراءتها , بل يستوقفه كل ما يلامس واقعهم وهمومهم وجراحاتهم وابتساماتهم وهي الأقرب لهم من حيث تناولها لقضاياهم التي ضاقت بها مجتمعاتهم .وبرغم التزاحم والضجة التي تحدثها الصفحات الأدبية والــ لا أدبية ممن يدعي الكتابة إلا أن هناك صفحات أدبية في قمة الرقي الأدبي والثقافي التي تساعد وتساهم في تطور المواهب الكتابية .فمن يكتب عن وعي وعلم بموهبته يبقى في الميدان الأدبي لجودة قلمه وصحة لغته وجمال أفكاره التي يستمد منها وحي كتاباته. وربما يكون الفيس بوك هو الوسيلة الوحيدة التي يتم النشر من خلالها لكل ما يُتحف القارئ . وقد يستعيض بها بعض البسطاء الذين لم يتمكنوا من نشرها في كتاب أو إيصالها للقراء و هم من لا يحالفهم الحظ بإيجاد فرصة لتمكنهم من ذلك , رغم تعرض صفحاتهم وكتاباتهم للسرقة أو الاختراق ومنهم من تم الإساءة إليهم بشكل أو بآخر . وأنا أجد أن أكثر من يعاني من هذه المشكلة هم أبناء المخيمات والمبدعون الفلسطينيون في المنافي وخارج الوطن .عدا عن موضوع السرقات الأدبية وضياع المجهود المبذول لبعض الصفحات الأدبية إلا أن هناك مآخذ على الأدب الفيس بوكي : هناك الكثير من الفوضى التي أحدثها من يستخدمون اللغة بشكلها الغيَبي والتجريدي متناسيين أن اللغة هي همزة وصل وقطع وأدوات رفع ونصب وليس لهجات تُكتب كما تُلفظ . فاللغة هي لغة بكل قواعدها وأصولها وملامحها العربية التي لن تتغير مع تقادم الزمن أو التكنولوجيا أو أي تطورات تمر بها في هذا العصر . والشعراء أو الكُتاب والأدباء الناجحون الذين لا يكتبون من باب التسلية والحصول على أكبر عدد من الإعجابات أو التعليقات بل يكتبون عن موهبة ودراية وعلم لإيصال رسالتهم السامية في الأدب والثقافة لجمهورهم الذي أصبح أكثر وعيا وأكثر تمييزا لجودة الأدب أو رداءته .وربما ينجح حملة القلم في السفر عبر الفيسبوك إلى جميع البلدان دون أن يغادر الكرسي الذي يجلس عليه .. ويلتقي بالآخرين وبمعجبيه من خلال صفحته الإلكترونية التي تمكنه من ممارسة هواياته الكتابية والشعر بشكله الأصولي فيترك أثرا بالغا في نفوس القراء . و ربما هي الحسنة التي تُؤخذ بعين الاعتبار للفيس بوك , لاختصارها المسافة بين الكاتب وجمهوره وجعله أكثر اقترابا من هموم الناس وأدق ترجمه في نقل أصواتهم ومحاكاة ظروفهم و معاناتهم .
وكتب الشاعر ماجد الدجاني:سؤالي هو ما مدى مساهمة أدباء ندوة اليوم السابع في نفخ البلالين المثقوبة وزرع الغرور في من لا شيء عندهم بين السطور تحت شعار التشجيع أنا لا أتكلم عن التافهين الذين ينافقون بعضهم بعضا على الفيس بوك فهؤلاء يطيرون ويغردون بعيدا عن السرب المشكلة أن تكون الدودة في أصل الشجرة سمعت شعرا لمدرسة عربي في أمسية كانت أخطاؤها الغوية أكثر من الكلام نفسه ولم يكن هنالك وزن مجرد سجع وقافيه وهات يا تصفيق لتلكم الشاعره وقس على ذلك من أمسيات في حدائق ومتنزهات هذا لا يعنيني ولكن جميل وعليان وجوهر وغيرهم يتحملون أمانة ومسؤولية فأنتم على ثغرة من ثغر الأدب فلا يؤتين من قبلكم لا تجاملوا تحت شعار التشجيع وكما قال محمود درويش للنقاد العرب: ارحمونا من هذا الحب القاسي) صار الأدب والشعر خاصة كالباص يركبه من هب ودب تحت اسم الأدب صدق من صدق وكذب من كذب وأقول: تبت يدا من كتب مخادعا جيل الشباب وليصب علي من شاء حمم الغضب.))
وكتبت عنات فرعون:الفيسبوك وسيلة نشر حديثة تتيح لأصحاب المواهب طرح منتوجهم الأدبي وتقديمه للنقد والمشاهدة والملاحظة..بعض الصفحات الأدبية غنية بالمادة الأدبية البحتة..حيث أن فكرتها تقوم على ايصال الجمال اللغوي والتعبيري لفكرة ولدت من عقلية نقية وواقع اما موجع حد ما يفطر القلب واما مفعم بنوتات الفرح والسعادة والحلم..مشاركة النص كفيلة بنزع كل الحدود الجغرافية والسياسية وتوحيد لغة القلم تحت شعار كلنا للحرف طائعون…الفيسبوك بحد ذاته يلغي كينونة دار النشر..حيث أنه لا يحتاج إلى تكلفة مادية..لكنه برأيي لن يُغني يوماً عن الكتابة والقراءة الورقية..فللحبر والورق لذة خاصة عند الكاتب المحترف وهو يصوغ الكلمة في عصف ذهني يراوغ القلم ليكتب ويعيد صياغة ما كتبه في المرة الأولى والثانية وحتى العاشرة وينثر أوراقه هنا وهناك بكل فوضوية حواسه..الفرق بين النشر الورقي والفيسبوكي جوهري وذلك لأن الفيسبوك يبقينا على صلة مباشرة مع القارئ وبالتالي معرفة ردود الأفعال بلحظتها والاستفادة من الملاحظات وتجنب الأخطاء…عدد المشتركين في الفيسبوك كبير جداً..أصور هذا الموقع الالكتروني بمملكة لها حاشية وجيش وضيوف وأعداء أيضاً..أما عن الحاشية فهم الشريحة العظمى..كلٌ له هدف من عضويته وانتسابه للفيسبوك..منهم من يدون الأدب أو السياسة أو يصلنا بجديد الطب والعلوم والمجتمعيات والسلوكيات..ومنهم من يسرق..نعم يسرق النصوص دون مراعاة أي حقوق للنشر والمحافظة على اسم صاحب العمل الأدبي أو الفني أو غيره فيجد جيوشاً من النقاد وأصحاب النظرة الثاقبة في انتظاره لسلخه تعليقاً يحظره ويطرده من المملكة لعدم وفائه واخلاصه للهدف النبيل الذي أُوجد الفيسبوك من أجله..وأما الضيوف فهم الأقلية من الجيل الكبير بالسن والذي يعي مخاطر التكنولوجيا الحديثة فلا يطأ أرض تلك المملكة وإنما يكتفي بالمشاهدة للعالم الافتراضي الذي يحافظ على بنيانه الجيل الحالي والقادم.. والأعداء هم الذين يعارضون طرق التواصل الاجتماعي الحديث ويشددون على الرقابة لمدمني الفيسبوك…في عالم الفيسبوك الكل ينسج من الحروف أبجدية..البعض يكتب عن همه الخاص وآخرون يقتلهم الهم العام..الابداع يكمن في حالة التوهج لدى هؤلا فالكتابة كما ذكرت سابقاً حالة يعيشها الانسان من فرح شديد أو وجع يفتك به..لا يوجد حالة بين هاتين..قلب الحرف هو سر نجاح النص أو ركاكته..وذلك لا يعني أن الكاتب يطوع الحرف وانما هو طائع له.. يقال أن من يعتمد على قلبه حياته تأخذ منحى الخيال والافراط اللغوي وذلك لن يوصل فكرة النص ولن يترك القارئ يتصور الحالة التي يعبر عنها الكاتب بانهاك القلم في التعبير عنها..القلب منبع الحياة إن توقف عن الخفقان مات الانسان وماتت معه كل الذكريات..حتى في حالة استرجاع الذكريات “المحاكاة العاطفية” يعيش الانسان جزءاً من ذلك الاحساس ساعة حدوث الأمر سابقاً…لذا نص من دون نبض كجثة فقدت كل تفاصيل الحياة التي عاشتها…الأدب الفيسبوكي ليس محدداً بالشباب فقط ولا بالمفهوم العمري للشباب وإنما بالفكر الناضج والتجارب التي يخوضها الانسان في معاركة الحياة..الأدب الأكثر انتشاراً اليوم هو الذي يحاكي الهم الفردي ربما بحثاً عن ارتداد الصوت وسماع صداه في قلوب الآخرين وكيف يفكرون… أنا أعلم نفسي أغدق بالرمزية في كثير من الأحيان ولست أبرر لنفسي..في تشرين أول سيمر عام على نمو طفلتي “يوميتي”..وأملي برب العباد أن الفرج قادم لوجع أسرة وضعتها تحت مجهر اليومية أمام الملأ كي ينيروا لي الطريق…
ملاحظة على الهامش ليس لها علاقة بالأدب الفيسبوكي وإنما بالفيسبوك بحد ذاته: لا تغرنكم الطيور والأزهار وحتى النهر..فكلها إلى زوال وكذلك الشخوص الفيسبوكية..فلا الصوفي صوفي ولا المجرم مجرم.. كلاهما يرتدي ثوباً ليس له..من المواقف المضحكة للفيسبوك أن عضويته والانتساب اليه يشمل الجميع حين يساوي سارق العمل الأدبي بغيره حيث لا يوجد رقابة على النشر الالكتروني في هذا المتصفح الافتراضي..منذ خمسة أعوام وأنا جزء من عالم الفيسبوك..كنت ولا زلت شاهدة مشاهدة على كل المذاهب اللغوية والكتابية في المتصفح …بعض الكتابات تغريني برغم صغر سن كاتبتها إلا أن اللغة تكون عند هؤلاء كشجرة جذورها في القلب وأغصانها تعانق الجسد..فتجدني أدمن قرائتهم كل يوم..فعلاً الخير في الشباب..حيث أنهم يتسلحون بقول الرسول المصطفى عليه السلام: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الايمان”..الفئة الشبابية والشريحة الأكبر منهم مدرك وصاحب وعي وفكر تنموي وتربوي بالمفهوم العام..اقرأ في أدبهم فيذهلني لوثة العقلانية التي يحملها كاتب يحمل ريشته ليلون السواد بألوان قوس قزح فتضحي اللغة بسرياليتها ثالوث متكامل من الروح والقلب والجسد..وكأن جبران استبق هذا الجيل وقال عنهم : بعضنا كالحبر و بعضنا كالورق فلولا سواد بعضنا لكان البياض أصم ولولا بياض بعضنا لكان السواد اعمى…الفيسبوكيون اليوم سقطت معاييرهم للكتابة..فإن كتبت احدى الجميلات :”صباح الخير يا عرب” ستغمرها الاعجابات والتعليقات بينما نص أدبي جميل يستحق أن لا نمر عليه مرور العابرين وانما نتذوقه ونحاكيه ونجادل فيه لن يمر عليه إلا بعض من نعدهم على الأصابع.ثم دار نقاش حيوي باشتراك الكاتبة نسب أديب حسين، والكاتب عيسى القواسمي، والشاعر رفعت زيتون، والكاتب سامي الجندي.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات