تحت السماء الثامنة

ت


القدس:حزيران2005
ناقشت ندوة اليوم السابع كتاب ” تحت السماء الثامنة ” للأسيرين نمر شعبان الصفدي وخاله محمود الصفدي ، يقع الكتاب في 111 صفحة من الحجم المتوصط تزينه رسومات للأسير محمد ابو عارف .
 جميل السلحوت قال:
بداية اسمحوا لي ان اهنئ نمر شعبان الصفدي بمناسبة الإفراج عنه بعد ان قضى ما يقارب السبعة عشر عاما اي ما يقارب نصف عمره وراء القضبان، كما نتمنى الإفراج العاجل لخاله الأسير محمود الصفدي ، ولكل اسرى الحرية في كل سجون على هذه المعمورة .
وكذلك اسمحوا لي ان اصلي واياكم لله تعالى طالبين الشفاء العاجل للاستاذ صبري الصفدي الذي كتب تقديم هذا الكتاب ، وبالمناسبة هو شقيق محمود وخال نمر صاحبي هذا الكتاب .
وقد جاء في تقديم الكتاب فلسفة الكتابة عند الاسرى ” ان كل كلمة تخرج من بين القضبان هي تعبير قوي عن ارادة الاسرى، في محاولة التأثير المتبادل بينهم وبين الوطن ، في مواجهة السجان الذي يحاول جاهدا اختزاله بكل الاساليب والطرق ، هادفا الى تحويل اسرانا الى ارقام لا صلة لها بمجتمعها لا في الماضي ولا في الحاضر او المستقبل ” ص 9

 الاهداء:
يهدي محمود الصفدي الكتاب الى خطيبته عطاف ” التي عانقت روحي روحها رغم البعد والمسافات ” ص 5
اما نمر فيهديه الى والدته ” الانسانة ” .. سنديانة هذه العائلة الصفدية ” ص 7
واذا كان الاهداء يعبر عن الحب والوفاء، الا انه يكشف بل يؤكد فضيحة انسانية، يتحملها الجلادون وسارقوا الحريات، الا وهي ان ضحاياهم لا تقتصر على الاسرى فقط، بل تتعداهم الى آخرين ، فهذه عطاف خطيبة محمود، حرمها سجن الاحتلال من حقها الانساني والطبيعي بالزواج والانجاب كبقية نساء العالم، عندما اغلقت ابوابه على خطيبها ، لكنها تبقى على وفائها لحبيبها وخطيبها، في انتظار اليوم الذي سيأتي لا محالة، وهو يوم الافراج عن محمود لتكتمل فرحتهما بالزواج ، وهذه أمّ نمر ايضا التي امضت سنوات الاحتلال متنقلة من سجن الى آخر لتزور ابنها او احد اشقائها ، او لتشارك في اعتصام او مظاهرة امام مبنى الصليب الاحمر، تضامنا مع الاحبة في الاضرابات الشهيرة عن الطعام، او مطالبة بالحرية للاسرى .
ولا تقتصر عذابات الاسرى على الخطيبة والوالدة، بل تتعداهمها إلى زوجات وابناء وبنات الاسير الدي غيب السجن معيلهم خلف جدرانه السوداء .

لماذا الكتابة ؟ ؟
وإذا كان المحتلون يهدفون إلى قتل إنسانية الإنسان، فان الأسير يدافع عن إنسانيته ويحاول التواصل مع الخارج ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، يقول محمود الصفدي ” أنا حاولت الكتابة كوسيلة للدفاع والصمود واختراق جدران الصمت لإيصال الصرخة ” ص 11 وإذا كانت بعض المذاهب الأدبية تقول بان الأدب انعكاس للواقع ، وان الكاتب ابن بيئته، فان محمود الصفدي يؤكد هذه المقولة بقوله : إن هذه المجموعة المتواضعة من الخواطر ليست من محض الخيال ، بل هي قصص حقيقية أبطالها أشبال ورجال ونساء وزهرات عاشوا تجربة الأسر ؟ ص 11
 السبب :
يتساءل البعض خصوصا من الطرف الآخر عن السبب أو الأسباب التي تدفع شبابا في عمر الزهور إلى مناهضة الاحتلال والالتحاق بتنظيمات تقاوم الاحتلال ؟ ؟
ويجيب نمر الصفدي على هذا السؤال بقوله : ” لم أشأ أن اصبح فدائيا .. بل أن الظروف هي من صنع منى واحدا من آلاف الفلسطينيين الذين يدخلون تجربة تلو أخرى ، من رؤية ضحايا الصراع وتحسس آلام ومعاناة الظلم الناتج عن الاحتلال ؟ ص 13
والذي حرّض نمر على المقاومة هو الاحتلال نفسه يقول: ” الحدث الذي اثر على حياتي كان في العام 1981 حين دخل يهودي متطرف من اصل أمريكي ويدعى ” جودمان” إلى المسجد الأقصى ، وارتكب مجزرة أدت إلى استشهاد عدد من المصلين وجرح العشرات ، وكنت داخل الحرم ، وشاهدته يطلق النار في جميع الاتجاهات، وكانت دماء الجرحى والقتلى تملأ المكان .. وكان أحد الذين سقطوا يدعى جهاد بدر ، وكان مدرسا في نفس المدرسة التي كنت ادرس فيها ، وهي مدرسة الأيتام الإسلامية ” ص 13
ونمر الصفدي بكلامه هذا يتساوق مع شاعرنا الذي قال: ” نحن لا نعشق الموت ولكننا ندفع الموت عن أرضنا . ”
وكلامه هذا يحمل في طياته طرحا مفاده أن الحل السلمي العادل والدائم والذي سينهي الصراع لن يتحقق ألا بإنهاء الاحتلال ، المسؤول عن كل هذه الشرور.
اموات مع وقف التنفيذ :
يبقى الاسرى على قيد الحياة، في ظروف واماكن لا تتوفر فيها شروط الحياة الانسانية ، والاحكام العالية توقف حياة الاسير عند نقطة اعتقاله ، فلا يعود قادرا على التفاعل مع مجتمعه، كما تمنعه من التواصل مع الحياة المعاصرة، يقول نمر : ” صحيح انك تكبر في العمر الا انك تبقى عند ذات النقطة التي اعتقلت عندها ، العالم يتقدم ويتطور اخوتك الصغار يكبرون ويتزوجون وينجبون الاطفال ، .. هم مسؤولون عن اسرة ، وانت لا تزال بحاجة الى من يشتري لك السجائر والملابس ، ويدفع لك لتشتري اغراضا من الكنتين ” ص 17 .
ومع ذلك فان الاسرى يحلمون بالحرية، وان يعيشوا حياتهم ضمن المتاح لهم ، فهذا نمر يحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية والاجتماعية ، ويواصل دراسته للحصول على الماجستير، كما ان غالبية السجناء يواظبون على المطالعة والتثقيف الذاتي ، وتعلم اللغات والترجمة ” ص 18
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ما هو سر هذا الصمود وهذه القوة التي يتحلى بها الاسرى ؟؟ ويجيب محمود الصفدي : ” لكملة السرّ التي يمكن فيها الانتصار على شبح الانتظار الاخرس والاطرش هو التحلي بالصبر والصبر والصبر ” ص 31
مفارقة :
يتكلم محمود الصفدي في احدى خواطره عن حلمه بمصافحة المناضل نيلسون مانديلا الذي قال ” انا لم ابحث عن النضال لأصبح بطلا بل لأصبح انسانا ” ص 32 وتحصل مفارقة عجيبة ” في يوم تحرر نيلسون مانديلا بتاريخ 11/2/1990 وبعد ان امضى 27 عاما في السجن ، وفي ذات اليوم اصدرت المحكمة العسكرية الاسرائيلة حكمها الظالم والجائر بحقي بالسجن 27 عاما .
ومانديلا تحرر من السجن بفعل نضالات شعبه الذي اوصله الى رئاسة جنوب افريقيا بعد القضاء على نظام التمييز العنصري ، وقد شمل التحرير جميع الاسرى ، ويري محمود ضرورة الاستفادة من هذه التجربة حيث يقول : ” ارى ان علينا كفلسطنيين الاستفادة من تجربة جنوب افريقيا وايرلندا الشمالية ، وغيرها من الشعوب التي كانت تضع قضية تحرير الاسرى في سلم اولوياتها ، وقبل التوقيع على اية اتفاقية للسلام ” ص 34 .
 ادب ونقد :
اكثر ما تنطبق حكمة المتنبي ” وخير جليس في الزمان كتاب ”
على الاسرى ، فهم يقرأون بنهم اي كتاب يستطيعون الحصول عليه ، وهم يتذوقون الادب ويميزون الغث من السمين فيه ، لذا فان اعجابهم بثلاثية الاديبة الجزائرية احلام مستغانمي كان كبيرا، يقول محمود الصفدي في رسالة اليها : ” يكفي ان نتصفحك ” في ” ذاكرة الجسد ” لتوقظ فينا الحب ، او نتصحف في ” فوضى الحواس ” لتنتفض كل حواسنا الخمس ، ونقف في وجه آلة القمع، ويعلمنا عابر سرير ” ان الوطن ليس مكانا على الارض انه فكرة في الذهن ، نسجن ونشرد ونموت من اجل الفكرة التي لا تموت حتى بموتنا ” ص 43

 وماذا بعد :
ان كل كلمة وكل جملة في هذا الكتاب تحمل مأساة ولوعة ،وتجلد من فيه احساس جلدات قاسية ، وتستصرخ امة اخرجها قادتها من التاريخ ، وضيعوا أوطانها ، تستصرخهم قائلة أما آن لهذا الليل الطويل ان ينجلي ، وأما آن لآلاف الاسرى ان يتحرروا .

 خليل سموم قال :
كتاب جدير بالقراءة ، انه رسالة موجهة الينا والى العالم كافة ، تهدف الى لفت الانظار لمشهد قطاع مهم جدا من ابناء الشعب العربي الفلسطيني ، وشد الاهتمام بقضاياه ، والعمل على حلها جذريا .
رغم سقف الكتاب من نواح عديدة ، وخاصة الناحية اللغوية ، الا ان الكاتبين نجحا في تصوير معاناتهما بصدق وصراحة .
من المؤكد ان مستقبل الشعب العربي الفلسطيني سيكون مشرقا ، ولو على المدى البعيد ، وهذا ما عمل ، ويعمل من اجله ، كثيرون من امثال هذين الكاتبين .
وهنا، يحضرني قول محمود درويش :
يا دامي العينين والكفين ان الليل زائل
لا غرفة التحقيق باقية ولا زرد السلاسل .

 حذام العربي قالت:
هذه نصوص باقلام سجناء فلسطينيين ما زالوا يقبعون في السجون الاسرائيلية ، قرأتها على مرحلتين، واعدت قراءة بعضها لاختلاط الأمر علي ، فمثلا لم اعرف اذا كان الكاتب نمر شعبان الصفدي الوارد اسمه على الغلاف الخارجي للكتاب ، هو كذلك نمر شعبان الذي وقع بعض النصوص الواردة في متنه ، وقد اسقط الاسم الاخير في عملية تمويه لبلبة العدو، هناك فوضى في الاسماء .
تغلبت على معظم النصوص صبغة الكتابة الكليشيهية الوصفية المسطحة ذات العبارات الاخاذة والشعارات الرنانة، التي تدور حول الوطن ومواقف التضحية والصمود والفداء التي يراها ويستسيغها موقعو النصوص . بعض هذه النصوص تحكي قصص صمود السجناء ،وعلى الاخص دعم أهاليهم وذويهم ، وفاء الام والزوجة والخطيبة والابنة ، وعليه جاء النص من باب العرفان بالجميل والتقدير ، والبعض الاخر يقص علينا جانبا ، جاء بمعظمه مسطحا وهامشيا لتجربة الفلسطيني في السجن الاسرائيلي، وما يتعرض له من ممارسات، فلم يغص في عمق هذه التجربة، ولم يسطر لنا ملامح النفس والوجدان للفلسطيني الأسير ، المؤمن الى حد الغيبـيات بقضيته وعدالتها وبتضحيته في سبيلها .
هذا الكتاب استطاع ان يعرفني ويقرب لي بعض المفاهيم والمصطلحات اليومية لفلسطيني/ة في السجون الاسرائيلية ، كما انه اعطى بعض المعلومات المتعلقة بنظام الحياة اليومية للسجين ، وصف لي شيئا من عالمه الداخلي ، رسم بعضا من احلامه ، ولون البعض الاخر ، كما انه وضع امام القارئ بعض الخطوط العريضة لملامح شخصية السجين من حيث هو سجين . فهمت عنوان الكتاب فقط عندما وصلت بالقراءة الى صفحة 41 .. من عتمة الزنزانة تحت السماء الثامنة .. ”
النص رقم 21 بعنوان ” ابو السكر ذاق مرارة 27 عاما وبقي حلوا” ص 55 فيه خليط مدهش من الكليشيهات المملة ، العاطفة الجياشة ، الحدة الجارحة والبساطة الاخاذة، كل ذلك من خلال رجم المسؤولين ( كذا بتعميم مبهم ) بحجارة الضمائر الحية .
– النص رقم 23 بعنوان ” احلام تـنتصر على القيد ” ص 61 . قطعة نثرية جميلة.
– النص رقم 30 بعنوان ” زيارة لنجمة الصبح ” ص 85 نص جميل.
– كذلك النص رقم 31 بعنوان ” ام .. وعيد .. واسر ” ص 87 جاء لطيفا ومهضوما .
– النص رقم 40 بعنوان ” النرد ” ص 106 مؤثر جميل .
– في النص رقم 26 بعنوان ” ام .. وعيد ..واسير ” ص 71 ما لم يقله النص ابلغ بكثير مما قاله .
– الرسم ص 84 لافت للانتباه شكلا ومضمونا ولا حاجة بنا الى التعليق فمواكب العناكب ابلغ من كل قول .
– تجربة السجن اضخم من ان تحتويها دفتا كتاب مهما عظم ، اجاد وارتقى ، انها تجربة استلاب واغتصاب للنفس البشرية كما للجسد ، فما بالك وهذا الفلسطيني الذي يخوضها قانع ومؤمن بها ؟
هذا الكتاب يشكل مساهمة في رصد هذه التجربة الانسانية ، الفلسطينية التي مازالت تنتظر من يحفر لها قنوات تواصل واتصال مع القارئ الانسان العربي الفلسطيني .

 سمير الجندي قال :
رصد لنا الاخوة محمود الصفدي ونمر الصفدي ، واقع الحياة الاسيرة في سرد نثري تسجيلي دقيق ، ذلك الاسير الذي صودرت هويته وحرم من حركته ، ومن حقه في اختيار نمط حياته التي يريد ، فتأتي على الاسير لحظة يظن فيها ان العالم الخارجي قد زال وانتهى ، وان عالم الأسر هو ما بقي من اشكال الحياة ، فيتكيف معها ويبدع في هذا التكيف ، ولكن الذكريات التي يحملها لا تمحى ولا تزول مهما حدث من امور ، فتحرك عواطفه باتجاهات مختلفة ، فلا يجد اوسع صدرا من الورقة والقلم للتعبير والافصاح عن مشاعره تلك، فيرسمها بصور واشكال مختلفة ، ولكن جوهرها واحد لا غير ، وهو التنفيس عما في القلب والنفس .

 محمود عبد النبي:
علمت بوجود عوالم ما وراء هذا العالم ،وعالم ما وراء القضبان هو احدها ، وعلمت بحقارته ووضعيته ، لكنه موجود واختلق للشرفاء المناضلين . في هذا الكتاب جاءت النصوص بسيطة جدا ، ومما لا شك فيه انها ليست بحجم المأساة التي تطرحها، فكان السفر مرهقا للذهن والنفس بين مأساة واخرى ، الا ان الحجارة قديما كانت تقدح لتلد الشرارة ، اذن فلتقدح هذه العقول داخل هذا العالم ليخلد النضال .
ليس بجعبتي الكثير مما اقول على تاريخ وحقائق الا ارسال الف الف احترام للصفدي، وكل الاسرى الذين يحرقون ريعان شبابهم من اجل شعب ووطن .

 بثينة شقيرات قالت:

تجربة ادبية رائدة لكل من نمر شعبان ومحمود الصفدي، تنقل من خلال خواطرهما الادبية ومن تجربتهما الاعتقالية المريرة على مدار سنوات طوال، تنقل جزءا من الواقع الذي يعانيه الاسير الفلسطيني القابع خلف قضبان الاحتلال بانتظار حل وردي يراوده منذ لحظة دخوله خلف قضبان جدارن السجن، تنقل الكتابة الادبية التي يبن ايدينا احساسات مرهفة ومشاعر صادقة، قادت كل من الكاتبين عندما تكون القصة تتعلق بذاتهما، او عندما تنبض بحال زملائهما، ونحن نعلم ان سجون الاحتلال هي عالم قائم بذاته، يصعب على كتاب من عدد صفحات معين ان يترجمها او يبدعها ،لأن الوقائع اصعب وامر من ان يتحملها صفحات او حتى مجلدات امهات الكتب .
إذ إنها محاولة أدبية رأيت فيها انا كقارئة وليس كمختصة في النقد الادبي عددا من النقاط التي اود ان أشارككم بها .
تبرر الكتابات بشكل واضح ان الفلسطيني ليس ارهابيا بطبعه، او لا يوجد اولا يوجد في جيناته الوراثية ما يدفعه لارتكاب العنف والارهاب حسب الرواية التاريخية للاخر .
ابراز ” نمر ” للتجربة التي عاشها عندما كان داخل المسجد الاقصى عندما تم اقتحامه من قبل متطرف صهيوني ، وكيف قام بقتل المصلين بدم بارد، ومن ضمنهم الاستاذ الذي كان يعلمه، اذا انه الضغط والتوتر الذي يخلق منك مقاوما تريد ان تنتقم لأمتك ولمقدساتك ولانسانيتك ، فاثارة مثل هذه النقطة يجعل من الادب رسالة سلمية، تحمل في طياتها وجهة نظرنا للمسبب الرئيسي للارهاب ”

يوضح الكاتب نمر ايضا ويثير مفهوم الهوية الفلسطينية التي تبلورت بعد انخراطه في صفوف المقاومة، اذا الشعب الفلسطيني مقاومته جزء من هويته، هذه الهوية التي اصبح يدفع ضريبتها على كل المعابر، وهي جواز سفره لكل السجون .
اثارت الكتابات التي بـين ايدينا، وركزت على الجانب النفسي والمعاناة اليومية لحياة الأسر، فيختلف معنى الاشياء وطعمها ولونها، وتأخذ شكلا مغايرا لما هو حر دون قيود . فالجدران خارج السجن عكسها في السجن ، والوقت يستهلك ولا يعطيك عكس الوقت – الزمن خارج السجن الذي تستهلكه ويعطيك بعملية تفاعلية تبادلية .
انت داخل السجن تبقى عند نفس العتبة التي دخلت منها، ناهيك عن ما يصيبك من امراض ووهن عام .
حياتك الاجتماعية تـتوقف عند نفس النقطة، بينما اخوتك يكبرون ويتزوجون، فينجبون كذلك الحال مع ابنائك وبناتك الذين تنمو حياتهم وتتطور، ويرسمونها كما يريدون، لانهم بشكل جزئي يملكون حرياتهم الشخصية الاجتماعية .
ينتقل الكاتب الى اسلوب علاجي ذاتي، يصل اليه السجين حتى يقضي ايامه ولياليه وسويعاته وثوانيه :
فهناك العمل اليدوي الذي تـتـقنه داخل اقبية السجن من مخلفات البيئة الشحيحة داخل السجن .
اذا نجد هنا ان المعتقل يكون امام تحد مع نفسه ايضا، كي يطورها داخل جدران زنزانته الرطبة .
وينقل بالوانه ورسوماته وكتاباته تفاعلا انسانيا ثقافيا مع من هم خارج السجن، فهو يقرأ ويكتب عن حاله شعرا ونثرا ورواية، يتعلم اللغات ويذاكر حتى يحصل على شهادات علمية، اذا السجن وان مثل حركته المادية الا انه بتحديه له خلق منه ذات فاعلة منتجة بكل الاصعدة.
كذلك نجد ان الحلم في هذه الكتابات هو حيلة نفسية دفاعية، يهزم بها السجين شبح الواقع وينسج من خلال هذه الاحلام الوردية خارطة فرح يكون هو مفتاحها . فبدون ان يلتف السجين على واقعه المرير يبقى فريسة لغول الزمن البطيء الذي ينهش بانيابه سني عمره، دون ان يكون له فسحة من امل ، فهو بالحلم ينام بين عياله، وهو بالحلم يحضن والدته، وهو بالحلم يداوي جرحه الذي نزف من سكين الزمن .
يوضح الكاتب ان السجين قادر على الصبر والتحمل ، قادر على خوض معركة الامعاء الخاوية ولو كلفه ذلك حياته . وهو قادر على ان يجعل حاجاته الاساسية التي تحدث عنها ماسلو في قمة الهرم ، وليس في اسفله ، فالاهم بالنسبة اليه تحقيق ذاته وكيانه، ورفع مستواه التعليمي ، فهذه سمة تميز انساننا الفلسطيني، التحدي الدائم ليصل الى جامعته، ويتحدى الحصار حتى يدخل مدرسته ، حاجاتنا الاساسية التي تحدث عنها ماسلو هي ثانوية عند الفلسطيني الأسير .
كذلك وجدت ان النص يبرز عنصرا آخر من عناصر الصمود الذي يتطور عند الاسير، انه الصبر والجلد ، فهم يتعلمون ذلك بشكل قصري، بحيث يدخل الى ذاتهم والى صميم جذور مكنونات شخصياتهم بشكل ارادي، يتعلمون بعده الصمود على الام الجوع ، التعذيب ، حتى يتكيفوا مع هذا الواقع ايضا، هو جزء من العلاج النفسي الذي يصنعونه بانفسهم دون حاجة لوصفه من قبل طبيب او صرفه من قبل صيدلاني .
تبرز الكتابات ان هدف التحرر الانساني واحد ( البحث عن الانسانية ) فيستشهد بقول مأثور للمناضل الاسود مانديلا بقوله ( انا لم ابحث عن النضال لاصبح بطلا بل لاصبح انسانا )
وهذه رسالة انسانية الى كل من ينتمي الى عالم الانسانية، من خلف القضبان اللاإنسانية لتتحرك من اجله العدالة الانسانية، اشار الكاتب ان الفلسطيني داخل السجن هو اسير وهو ابن لكل الفصائل والتنظيمات، وهذا جزء من استراتيجيات النضال داخل السجن، وتناول الكاتبان قضية هامة وهي قضية معاناة اطفال المساجين وفقدانهم لحنان الاب او الام او الاثنين معا .
الشعور بالحرمان العاطفي والتجربة المريرة في مداهمات البيوت وهدمها تترك اثرا نفسيا مدمرا على شخصيات الاطفال الذين يحتاجون زمنا حتى يعبروا ويتجاوزوا هذه الازمة .
شبيه بقصة فداء التي فتحت عينها عاى الجنود يعبثون ويدوسون ممتلكات المنزل، ويحوطونها ويجرون والدها ابراهيم مشعل الى السجن، شبيه بذلك قصة الطفلة ليلى خالد عويسات عندما كانت في الصف التمهيدي التي آثرت الذهاب لزيارة والدها على حضور مسرحية للدمى كانت تتمنى حضورها لانها تعشق المسرح . ذهبت ليلى لزيارة السجن الا انها لم تتمكن من رؤية الوالد لاسباب خاصة بمصلحة السجون، وعادت في اليوم التالي تبحث عن الدمى في ساحة المدرسة ،وتسأل زميلاتها عن الممثلين: اين هم؟ الا ان زميلاتها اجبنها ( خلصت ) ومن بينهم ابنتي آية .. فاخذت تبكي وتصرخ حزنا على عدم رؤية المسرحية ، اذا الاحتلال حرمها من مقابلة والدها، وهو نفسه الذي حرمها من ان تتمتع بمشاهدة المسرحية ، فاي نفسية يكون بها اطفالنا مع هذا الكم الهائل من الحرمان ؟ ؟
– اثار الكاتبان بشكل واضح دور المرأة في حياتهما، وضربا نماذج مختلفة على سبيل المثال : هي الام مصنع الثوار، وهي الاخت المناضلة، وهي الرفيقة داخل السجن، وهي الخطيبة والحبـيـبة الصابرة والمناضلة والوطنية والمخلصة ، وهي الكاتبة الجريئة الواضحة الداعمة ، لم تكن المرأة في كتاباتهم تقيلدية سلبية، بل هي نموذج للمرأة الفلسطينية التي تجدها امامك وليس خلفك، في كل الازمنة والامكنة واللاحدود صبرية وعطاف ، بنت البلد ، ام محمد ، سناء سلامة، وغيرهن نماذج رائعة، كان لهن نصيبا من كتابات محمود ونمر.
– يظهر في الكتاب ايضا وخصوصا كتابات نمر الروح الكوميدية الساخرة، واسلوب النقد الساخر، الذي ارى انه اذا اكمل بهذا الاسلوب والنمط سوف يكون له نفس وحس متميز، يصل معه الى مستوى من الجودة والتميز .
– بعض الملاحظات :
جاءت الكتابات خليطا من الخواطر، وقصص وحواديث ورسائل وحوارات، من الصعب علي ان اصنفها في جنس ادبي معروف، الا انها بمجملها كانت ذات رسالة انسانية تعبيرا صادقا ونبضا متشحا بانات الاسر .
– اسلوب نمر كان اقرب للادب ،بينما اسلوب محمود فقد طغت عليه الخطابات والبيانات السياسية. وتمشيا مع مقولة ان السياسة تفسد الادب، اتمنى ان تكون كتاباتهما ادبا خالصا.
عندما كتب محمود ” سأنتظر حتى آخر العمر ” كان عليه القول: عندما نكمل مسيرة حياتنا وننسج من خيوط الشمس الذهبية غدنا الآتي . ولا يكمل الفقرة الاخيرة لانه من وجهة نظري ان هذا البيان افسد صدق الاحساس ورومانسية الكلمة ووداعة ايقاعاتها في القلب .
وكلمة اخيرة منكم اقتبسها ” البنفسج لا يحزن على اوراقه التي تتساقط في الخريف، لانه يعلم ان الربيع يقف على اعتابه ” اتمنى ان يكون الربيع دائما من نصيبهما .

 سوسن دكيدك قالت
الوطن ليس هو مكان على الارض ، وانما هو فكرة في رؤوسنا نعيش للدفاع عنها
( نشرة المقارنة بين المعتقل وستار اكاديمي )
حينما قرأت النشرة التي وزعت علينا في الجامعة استغربت كثيرا ، وذلك لانني لم اكن على علم بان السجناء يشاهدون البرامج التلفزيونية، ولأنه لا مجال للمقارنة بين ستار اكاديمي وبين المعتقل ، على الرغم من انني اعجبت بسعة فكر من كتب هذه الفقرة التي وردت في الكتاب .
ولفت انتباهي بهذه النشرة قوة ملاحظة كاتبها، فهو لم يترك لا شاردة ولا واردة في البرنامج الا وقارنه بامور في المعتقل .

 ابراهيم جوهر قال :
يلفت الانتباه في هذا الكتاب امران، احب ان اشير اليهما وهما، الاول : الثنائية التي يقوم عليها الكتاب ، وهي ثنائية ضدية ، متعاكسة ، من شأنها توضيح الصورة وجلاؤها بعمق ووضوح وتأثير .
اما الثاني فيتمثل في اللغة الادبية الابداعية المعتمدة على التصوير ، او الايحاء والتي تدفع القارئ الى ان يتخيل ليحلل ويتعمق ويتوصل الى النتائج الخاصة به ، او تلك التي ارادها له الكتاب والكاتبان .
ان القارئ ليتوقف ازاء العنوان( تحت السماء الثامنة ) وهي سماء السجن التي اضيفت الى المعروف من السماوات السبع ، وفي هذا ما فيه من حسن توصيف وقوة اختيار، وقدرة على التأثر والتعبير ، انه التوجه الخفي الكامن لدى الكاتب والملح على الاضافة النوعية المتميزة ، ا وهو يضيف سماء الى السماوات السبع ، كما يضيف ليلة الى الليالي الالو والواحد ( في صفحة 108)
ثم انظر الى هذا التمديد لزمن ولادته اذ يقول : ” ولدت في مدينة القدس بعد مولد سيدنا المسيح عليه السلام ب 1968 عاما ( ص 13) لتقـترب من تحديد ما اقصد .. فبعد ولادة رسول المحبة والسلام ب 1968 عاما ما زال الظلم والعدوان والسجن والصلب ( الشبح ) قائما ، ثم انظر الى قوله ( سيدنا ) فالسيد المسيح هو سيد لنا نحن ، نحن البشر ، وهو نبي الله وكلمته وسره ، وهو الفلسطيني ابن الجليل ، ثم يقول الكاتب ( عليه السلام ) السلام عليه والسلام ليس لنا ! !
ما هذه الجملة التي تبدو بسيطة وسريعة؟ ولكنها تحمل حزنها واملها والمها في طياتها وفي ايحاءاتها ! ! وفي نهاية بطاقة الهوية الشخصية هذه ( ص 13-14) يجيء التعريف الحاسم : ” بطاقة فلسطيني اخذ زمام الحرية بيده ( المعتاد قول : زمام المبادرة ) واعلن من نفسه انسانا ينتمي لوطن اسير )
اما الثنائية الضدية التي عينتها ، فهي ثنائية المقموع والقامع، او قل الليل والنهار ، او الجسد والتحدي ، او الحياة،انهما قصتان : واحدة نعيشها واخرى نقرأها ” ( ص 92) او العيد في السجن وخارجه ، او ” ان تكتب يعني ان عليك ان تغمس ريشة قلمك في القلب بدلا من الحبر والا فالصمت افضل ( ص 94) او تلك الأم الأميّة التي تعبر عن هموم الأسرى وذويهم بكل طلاقة ووضوح، يعجز عنهما اكفأ السياسيين احيانا ” ( ص 95) او : ” سامحيني لانني لم استطع ان اوفيك حقك بهذه السطور .. لكن تأكدي انك في قلبي تـتألقين كفجر ساطع ” ( ص 95) .. او : الجمع بين الوقت والهواء في المطالب .. الخ .
ثم انظر الى هذه الثنائية الجميلة التي اسماها اجدادنا الطباق اذ يقول : ” … وانا على وشك البكاء من شدة فرحي بهذه الاخت ” ( ص 94) ، فاي تعبير ابلغ في تصوير الحالة النفسية من هذه الصورة الجميلة الموحية والذكية المصاغة باسلوب ادبي جميل .
اما الثنائية الاوضح التي اخذت شكل المقابلة بين موقعين وصورتين، ونهجين وانسانين، وحياتين وعالمين، ورؤيتين ولغتين، وغنائين ونشيدين، فهي الرسالة الى طلاب ستار اكاديمي ص 87 –89 ، وهي الرسالة الاشهر والاجمل والاذكي والاكثر ابداعا وألما وثقة وحسرة وانفعالا وبكاءا !
وفي الرد على هذه الرسالة جاءت عبارة ” ها انت غنيت من اكاديميتك ” ( 105) ، حقا ايها العزير الرائع نمر ، لقد غنيت واجدت الغناء ، ولكنه غناء خاص بنكهة انسانية وطنية – فلسطينية حميمة، لتثبت مرة اخرى ان السجون التي بنيت لقهر ارادة الانسان قد تحولت الى متعاطف معه ، او قل الى قلاع لتخريج الرجال والادباء .
ان هذه السماء الثامنة التي كتبها الاخوان نمر ومحمود الصفدي صرخة في وجوه الكثير من ومن الاخرين ( جمع الاخر )
بقيت لدي ملاحظتان : الاولى هناك إجادة تامة لكتابة فن القصة القصيرة جدا ،كما يتبدى جليا في صفحة 101 تحت عنواني : شهادة البكالوريوس وسيف جيم نون ؟ ؟
اما الثانية : فان حضورا هائلا ومميزا للمرأة يجب التوقف عنده في هذه السماء الثامنة ، فهي الأم والاخت والحبيبة والخطيبة ، انها الصابرة والمناضلة والمتحملة التي ما هانت يوما باختصار انها المرأة الفلسطينية – النموذج المطلوب والموجود والى الامام.

 محمد موسى سويلم قال :
من سجن عكا وصلت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي
ابدع الكاتبان نمر ومحمود في نبش ذاكرة لن تنمحى ابدا من عقول الفلسطينيين، فمع بناء جدار الفصل العنصري اصبح الجميع يعيش في سجن، واصبح الجميع يعاني من ألام المواصلات والتواصل، وعلى الحواجز كتبت اروع الرويات، ونسجت ابدع المسرحيات وحصلت اصعب الولادات … فكتب الادباء والمثقفون، وانشد الشعراء، وغنى الزجالون والمغنون والمغنيات . ومع هذا وذاك يبقى للسجن والمعتقل والمحاكم العسكرية خاصية في نفوسنا ونفوس اسرانا، وتبقى ظلمة السجن وجبروت السجان ذات خصوصية معينة ، فتبقى معبرة عن ضمير ووجدان وحضور الجسم الفلسطيني المرغم على العيش والتعايش، في ظل ظروف غير انسانية، ولا حتى حيوانية .
سلام من صبا بردى ارق ودمع لا يكفكف يا دمشق
كتب الكاتب رسالة الى الكاتبة الجزائرية احلام مستغانمي، ومن عسقلان الى بيروت فهي وحدة في الدم والنسب والمصير المشترك ، ثم عن سجن النساء او الاسيرات، وكم هو الحكم؟ …. اسرى واسيرات في عمر الزهور، وعن وحشية السجانين والمعاملة القاسية، وعن ولادة امهات اسيرات في السجن .
ناس ايدها في النار وناس ايدها في المية
اللي بنضرب بالعصي مش زي اللي بعدها .
عن ستار اكاديمي ذلك البرنامج ال ــــــــــ ـــــ ـــــــ جدا جدا ومقارنة هذا البرنامج بالسجن اكاديمي، فأين الثرى من الثريا؟ ويا ترى ولا ادري ان سمعتم عن بال ستار والقائمة عليه بيالارا، والتي تهتم باصوات الاطفال وابداعاتهم، والتي اتمنى لها النجاح، وانشاء الله تحذو حذوها مؤسسات اخر ، لنثبت للعالم اننا شعب يتسامى فوق الجراح ونستطيع العيش في كل ظروف الحياة مرها وحلوها . واننا نستطيع ان نجلس امام التلفاز لنشاهد فضائية ( ____) اكثر من اي برنامج او فضائية اخرى، أليست هذه ديمقراطية.
نقش الكاتب اروع احلام الذكريات في الحديث عن ايام ما قبل السجن، وايام السجن، وجسد بطولة الامهات وصبرهن، والتضحيات في سبيل رفع معنويات السجناء، وتخفيف الآلام التي يمر بها السجين، وذكرنا الكاتبان بأسماء سجناء كاد الزمن ان يطوقهم، فدقوا بذلك ناقوس الخطر، مطالبين بطريقة مباشرة او غير مباشرة من هؤلاء ان يرووا تلك الذكريات، وان يرددوا ما قال شوقي :
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق .
ملاحظاتي حول المذكرات:
1. الاسم ” تحت السماء الثامنة ” اليس هذا اجحافا بحق السماء، اذا كان سقف السجن سماءا ثامنة، فماذا نقول لسقف الفلل الفارهة والعمارات الشاهقة ؟.
2. استشهاد جهاد بدر، فهو لم يكن مدرسا، بل كان طالبا في دار الايتام الصناعية ايضا اذا انه لقياني اي من بيت لقيا مسقط رأسي انا .
3. استشهد مع جهاد بدر محمد صالح اليماني وهي يمنى من اليمن،ولم يذكر في المذكرة.
4. عسقلان هي بلدة فلسطينية، والمجدل هي ايضا قرية فلسطينية، وكل واحدة لوحدها، وليس المجدل هي عسقلان . ص 19 .
5. حول تواريخ الكتابة والنشر فبدأ مثلا بتاريخ 25/8/2004 وثمانية هو شهر آب ثم عاد الى كانون الثاني اي شهر واحد ، حبذا لو تم النشر بطريقة تسلسلية .
6. في صفحة الغلاف الاخير تعريف باحد الكاتبـين، وهو نمر الصفدي فلم لم يعرف بالكاتب الاخر وهو محمود الصفدي .

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات