بكر زواهرة ينتظر راية النصر

ب

في ديوانه الجديد”الرند الفقيد”* للشاعر بكر زواهرة، يلاحظ المتابع لمسيرة شاعرنا الابداعية، أنه يطور أدواته الفنية بطريقة لافتة، وأنه قد استفاد من بداياته على أكثر من مستوى، وهو هنا يرتقي بصوره الشعرية، وبلغته أيضا، وهو يتوسع أيضا في حمل هموم وطنه وشعبه، ولا غرو في ذلك، فالمبدع ابن بيئته وواقعه المعاش، لذا فان الشاعر من عنوان ديوانه يفتقد النصر الذي انتظره طويلا، وبما أنّ “الرند: شجر ذو رائحة طيبة يستخدم شعارا للنصر” فان الشاعر هنا لا يستسلم للهزيمة، بل يستعجل ساعة النصر التي طال انتظارها.
ففي قصيدة”ابن أمّين”ص38 يرى الشاعر أنه ابن لأمّين، الأولى هي الأرض التي تحتضنه وتعطيه خيراتها، والثانية أمّه التي أنجبته، وكلتا الأمّين هو بار بهما، ومثلما هو المرء مطالب بأن يكون بارّا بأمّه التي انجبته، عليه بأن يكون بارّا بأرض الوطن التي هي أمّنا منها خلقنا واليها نعود في دورة عجيبة. وفي قصيدة”تتار”ص41 نرى الشاعر يستلهم التاريخ، عندما غزا التتار المنطقة واحتلوا بغداد واحرقوها، ورموا مكتباتها في مياه دجلة، فتتار العصر لم يختلفوا عن تتار هولاكو، وان زعموا أنهم متحضرون فهولاكو العصر:
” يزني على عشب الفضيلة
حصانه القديم يركب الحضارة
ويهدم العمارة
ويجلد البلاد
رأيت هولاكو يتسلق النجوم
يخفض السماء ويعلق الجريمة”ص41 وكأني بالشاعر هنا ينبئ بأن تتار العصر لن يختلف مصيرهم عن تتار هولاكو.
وشاعرنا يغوص في هموم الوطن وان بطريقة غير مباشرة، ففي قصيدة”بذور قصائد منثورة – همالايا”ص63 التقط الشاعر قضية”بطولات” من يتسلقون الجبال العالية، وما يصاحب ذلك من مخاطر قد تودي بحياة البعض منهم، فيسحب تلك المخاطر على مخاطر في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولا يلتفت اليها أحد، وكأنها أصبحت أمرا مألوفا وعاديا فيقول:
“لمن تسلقوا إفرست
لا تتفاخروا كثيرا
الطريق بين بيت لحم والقدس
أكثر خطورة
والتزلج على الصخور رياضة جديدة”ص63
وهذا واقع فرضه المحتلون بطغيانهم، حيث أن حصار القدس وعزلها عن محيطها الفلسطيني، قد جعل دخول الفلسطينيين اليها حدثا خطيرا قد يكلفهم حياتهم، كما أن تسلّق جدار التوسع الاحتلالي -رغم ارتفاعه- لدخول القدس أصبح رياضة وبطولة، وهذا سخرية من غباء الواقع الفلسطينين وغباء من فرض هذه الواقع بالقوة.
وفي قصيدة “الخيانة”ص55، فهو يرى ان الخيانة لا تقتصر على خيانة الوطن فقط، فهناك خيانات أخرى لا تقل خطورة عن خيانة الوطن:
“ان كنت في منصب
وبرّرت حقوق الآخرين لك
فنلك…خيانة”
والمعلم الذي لا يخلص في تدريس طلابه خائن ايضا، ومن لا يبحث عن حريته خائن، و”إن تأكل الطعام بأصناف كثيرة….من خلف أسرتك الفقيرة …خيانة”ص56
أمّا الخيانات البشعة فهي عدم الاعتراف بالخيانة:
“إن كنت تعرف
أو تقترف خيانة أخرى
ولم تعترف لنفسك…خيانتان”ص56
هذه ملاحظات سرسعة على الديوان لا تغني عن قراءته والتمعن فيه، والتفكر بما جاء فيه أيضا.
*منشورات وزارة الثقافة بالتعاون مع دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس.
11-3-2014
“ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس”

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات