بدون مؤاخذة- التكيّف مع ما يجري في الأقصى

ب

مع كلّ الأكاذيب وتزييف الحقائق التي وردت في كتاب بنيامين نتنياهو A place between nations  الصادر بداية تسعينات القرن العشرين، والذي ترجم الى العربيّة تحت عنوان”مكان تحت الشمس” إلا أنّه ذكر فيه قضية عجيبة غريبة سمّاها  تكيّف العرب، وفيها يقول بأن العرب يرفضون كل ما يُعرض عليهم، ثمّ لا يلبثون أن يتكيّفوا معه ويقبلونه، فعلى سبيل المثال كانوا قبل حرب حزيران 1967 يطالبون بالقضاء على اسرائيل وتحرير فلسطين، وبعد حرب حزيران تنازلوا عن تدمير اسرائيل، وصاروا يطالبون بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها اسرائيل في تلك الحرب، واذا ما قمنا –أي اسرائيل-باحتلال مرتفعات السلط في الأردن، فانهم سيتنازلون عن الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967 وسيطالبون بالانسحاب من مرتفعات السلط.

ويبدو أن “نظرية نتنياهو” في التكيّف العربي الرسمي صحيحة، خصوصا بعد أن أسقط العرب خياراتهم وأوراقهم الرّابحة كلّها، ومنها الخيارات العسكرية والاقتصادية وحتى الدبلوماسية، فقد رفضوا أمورا كثيرة ثمّ تكيفوا معها بناء على ضغوطات “الصديقة” أمريكا وتهديدات “الجارة” اسرائيل، فبعد حرب حزيران 1967 وفي مؤتمر القمة في الخرطوم، رفعوا شعار “لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف باسرائيل” و”ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوّة” وهم منذ ما بعد حرب اكتوبر 1973 أسقطوا خياراتهم العسكرية، وأسلحتهم الاقتصادية، ويستجدون التفاوض والصلح مع اسرائيل والاعتراف بها، مقابل أن تنسحب من الأراضي المحتلة في حرب حزيران، لكن اسرائيل لا تستجيب لهم، وقد “تكيّفوا” مع ذلك، وبعد الحرب على العراق لإخراج جيشها من الكويت في يناير 1991، وعندما دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب لمؤتمر مدريد كردّ جميل للدول العربية التي شاركته الحرب على العراق، أصرّ العرب على المشاركة بوفد عربي واحد، ثم تكيّفوا مع الرفض الاسرائيلي المدعوم أمريكيا، وشاركوا بوفود منفردة، وفي العام 2003 رفضوا الحرب على العراق ولو اعلاميا، ثمّ “تكيّفوا” مع احتلاله وتدميره، وفي العام 2006 رفضوا حرب اسرائيل على لبنان اعلاميا، وانتظروا أن تنهي اسرائيل حزب الله اللبناني، وكانوا” متكيّفين” و”مكيّفين” لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد لاعادة تقسيم المنطقة، ثم “تكيّفوا” ولا يزالون مع اثارة الفتنة بين السّنّة والشّيعة، وقد رفضوا تقسيم السودان ثمّ “تكيّفوا” مع انفصال جنوب السودان في دولة مستقلة، وهم يرفضون تقسيم العراق، لكنهم “متكيّفون” مع الانفصال غير المعلن لشماله وجنوبه، و”متكيّفون” مع التدخل الايراني السافر في العراق واضطهادها وقتلها للسّنّة  لفصل جنوبه الشّيعي، وهم “متكيّفون” وداعمون للحرب الأهلية القذرة في سوريا لاسقاط النظام وتقسيم سوريا، تمهيدا لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتصفية القضية الفلسطينية لصالح المشروع الصهيوني.

و”التكيّف” العربي الرسمي مع قضايا ليست في صالح الشعوب العربية، ولا في صالح الوطن العربي كثيرة وبحاجة الى دراسات مطولّة، والتكيّف” العربي الرسمي تفتّق عن سلاح الشّجب والاستنكار فقط، وهذا سبق لهم على بقية دول العالم.

وفي الأراضي العربية المحتلة في حزيران 1967 فان النظام العربي الرسمي رفض وشجب واستنكر الاستيطان الاسرائيلي في هذه الأراضي، لكنّه”تكيّف” معه. تماما مثلما فعل بالنسبة لتجريف المقابر والمساجد الاسلامية، وقد جسّت اسرائيل ردود الفعل العربية والاسلامية بخصوص المسجد الابراهيمي في الخليل، من خلال السّماح لبعض اليهود بالصلاة فيه، ولما اقتصرت ردود الفعل على الشجب والاستنكار قاموا بتقسيم المسجد وتحويل جزء منه الى كنيس” وقد “تكيّفت” الأنظمة العربية والاسلامية مع الوضع الجديد.

وفي القدس “تكيّف” النظام العربي الرسمي مع الحفريات الاسرائيلية تحت أساسات المسجد الأقصى، وتحت المدينة القديمة، بعدما”تكيّفوا” مع هدم حارتي الشرف والمغاربة وبناء حيّ استيطاني يهودي فيهما، ومع الاستيلاء على حائط البراق، وتحويله الى مبكى ومكان صلاة لليهود منذ ما بعد حرب حزيران 1967 مباشرة، واسرائيل الرسمية تسمح لليهود باقتحام المسجد الأقصى والصلاة فيه، والاعتداء على المصلين المسلمين فيه بشكل شبه يومي منذ شهور، وتحت حراسة وحماية قوى الأمن الاسرائيلي، وذلك تمهيدا لانتظار الفرصة المناسبة لتقسيمه أو هدمه لبناء الهيكل المزعوم مكانه، وتقتصر ردود الفعل العربية الرسمية على الشجب والاستنكار الاعلامي الخجول، ولم تكلف الجامعة العربية أو أحد أعضائها، ولا الدول الاسلامية نفسها بطلب اجتماع لمجلس الأمن الدّولي لتوفير الحماية لهذا المسجد العظيم، والذي يشكل جزءا من عقيدة المسلمين، كونه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومعراج خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، وأحد المساجد الثلاث التي تشدّ اليها الرحال.

وكلّ الدلائل تشير الى أن محاولات اسرائيل لتقسيم المسجد الأقصى أو هدمه باتت قريبة، خصوصا بعد ردّات الفعل العربية والاسلامية الهزيلة والمعيبة على محاولات اقتحامه، وتدنيس حرماته والصلاة فيه من قبل المتطرفين اليهود” والتي تشير الى “تكيّف” النظام العربي والاسلامي الرسمي مع ذلك.

لكن اسرائيل والنظام العربي الرسمي، ومن ورائهم أمريكا -وكما يبدو – لا يدركون مدى ردّات فعل الشعوب العربية والاسلامية على ذلك في حالة حدوثه، لكنها بالتأكيد ستشعل حروبا دينية طويلة ستتعدّى حدود منطقة الشرق الأوسط، ولن ينجو من نارها أحد، وستحصد أرواح ألوف مؤلفة، كما ستهدّد عروشا ودولا.

6 ديسمبر 2013

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات