يخطئ من يعتقد أنّ علاقات اسرائيل مع غالبيّة الأنظمة العربيّة هي وليدة السّاعة أو ابتدأت بإعلان ترامب عن اتّفاقيّة سلام بين اسرائيل والإمارات العربيّة، أو بهبوط أوّل رحلة لطائرة اسرائيليّة تحمل وفدا أمريكيّا اسرائيليّا مشتركا، لتأكيد عقد الزّواج بين حكّام الإمارات وحكّام اسرائيل، تماما مثلما يخطئ من يعتقد أن اعلان ترامب في 28 يناير الماضي عمّا أسماه “صفقة القرن” التي أملاها عليه نتنياهو، قد جاءت من وراء ظهور الأنظمة العربيّة، التي تعدّت منذ سنوات حدود تطبيع العلاقات مع اسرائيل مجال تبادل السّفارات والتّبادل التّجاري إلى تحالفات عسكرية واستخباراتيّة. فرأس الحربة في العداء للأمّة العربيّة والتّنكّر لحقوق الشّعب الفلسطينيّ في تقرير مصيرة وإقامة دولته المستقلّة، وتأجيج الصّراع في الشّرق الأوسط هو أمريكا، التي أثبتت ذلك على رؤوس الأشهاد بوفدها المشترك مع اسرائيل الذي زار الإمارات العربيّة يوم 31اغسطس 2020. وأمريكا هي المستفيد الأوّل من البترول العربيّ، والحامي الأوّل والأخير لاستمرار احتلال اسرائيل للأراضي العربيّة هي من تعطي الأوامر لكنوزها الإستراتيجيّة في المنطقة العربيّة، وينفّذونها دون نقاش. ولم يعد سرّا مدى تواطؤ غالبيّة الأنظمة العربيّة مع أمريكا واسرائيل، وهي تمارس ضغوطها على السّلطة الفلسطينيّة للقبول بصفقة نتنياهو -ترامب قبل الإعلان عنها، وظهر ذلك جليّا عندما أوقفت مساعداتها ومساهماتها الماليّة للسّلطة الفلسطينيّة منذ بداية العام الجاري. كما أنّها تسعى جاهدة منذ سنوات في تطبيق المشروع الأمريكي”الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعي، وظهر ذلك من خلال ما يسمّى الرّبيع العربيّ، ودعم داعش مادّيّا وعسكريّا لتدمير وقتل وتشريد شعوب سوريا، العراق، ليبيا، اليمن وغيرها من أجل القضاء على قوى المقاومة المعارضة للحلول الأمريكيّة التّصفويّة.
وقد حملت زيارة الوفد الأمريكي الإسرائيلي للإمارات العربيّة رسائل لا يمكن القفز عنها، فكوشنير أعلن قبل الزّيارة بساعات أنّ “المسجد الأقصى مكان للصّلاة للدّيانات الثّلاث”! أي أنّه لم يعد في نظر حكومته وحكومة نتنياهو مسجدا اسلاميّا، وسماح السّعوديّة للطّائرة الإسرائيليّة بعبور أجوائها من تل أبيب إلى أبو ظبي ليس عفويّا أيضا، “فأوّل الرّقص حنجلة” كما يقولون.
ويخطئ من يراهن على الجامعة العربيّة التي رفضت عقد اجتماع قمّة طارئ لبحث صفقة الإمارات مع اسرائيل، ولنتذكّر أنّ الأنظمة العربيّة قد قطعت علاقاتها مع مصر السّادات بعد زيارته لإسرائيل في اكتوبر 1977، ونقلت مقرّ الجامعة العربيّة من القاهرة إلى تونس، وهي نفس الأنظمة التي جمّدت عضويّة سوريّا فيها، لأنّ سوريا لم ترضخ للتّساوق مع أمريكا وإسرائيل، ولو عقدت الجامعة العربيّة قمّتها هذه الأيّام لخرجت بقرارات تدعو إلى عقد صفقات السّلام مع اسرائيل بشكل جماعيّ، وليس بعيدا ذلك اليوم الذي ستصبح فيه اسرائيل عضوا فاعلا في تلك الجامعة مع احتفاظها باحتلال الأراضي العربيّة ونكرانها المتواصل للحقوق الطّبيعيّة للشّعب الفلسطيني.
فهل الأمّة العربيّة في طريقها إلى الفناء والتّلاشي؟ ولمن يريد أن يقف على الجواب الصّحيح لهذا السّؤال فليقرأ النّظريات حول نشوء الأمم وزوال أمم أخرى. وإلى من يراهنون على غالبيّة الأنظمة العربيّة وأنّها قادرة على الإستمراريّة وتحقيق السّلام فليقرأ تاريخ ملوك الطّوائف الذين تحالفوا مع الفرنجة الذين غزو المشرق العربيّ حتّى احتلّوا القدس في العام 1099. وليقرأوا كيف تحرّرت المنطقة من رجسهم في العام 1187.
الفاتح من سبتمبر 2020