بدون مؤاخذة-كنس الاحتلال أوّلا

ب

اتّفاقيّة السّلام الإماراتيّة الإسرائيليّة ليست جديدة ولا مفاجئة، بل إنّ ما يجري من صراعات في المنطقة العربيّة هو نتاج لمخطّطات اسرائيليّة أمريكيّ، ويجري تنفيذها بأياد عربيّة لم تتوضّأ أو تتطهّر يوما، وإن حاولت التّستّر بالدّين الذي هو منها براء. ولسنا بحاجة إلى التّأكيد من جديد أنّ حديث قادة الحركة الصّهيونيّة ومن ورائهم أمريكا عن السّلام لا يتعدّى كونه من باب العلاقات العامّة أمام الرّأي العامّ العالميّ، أو كما قال نتنياهو “السّلام مقابل السّلام” بينما غالبيّة الأنظمة العربيّة لم تعتد يوما أن تقول “لا” في وجه أعداء الأمّة. فحكّام الإمارات ومن أيدّوهم من كنوز اسرائيل وأمريكا الإستراتيجيّة في المنطقة الذين صفّقوا للسّياسة الإماراتيّة لم يتفوّه أيّ منهم بكلمة تدعو إلى كنس الاحتلال ومخلّفاته كافّة. واكتفوا بالإشادة بتأجيل قرار ضمّ الأراضي حسب صفقة نتنياهو التي أملاها على ترامب بداية هذا العام. بينما كان موقف السّلطة الفلسطينيّة والأردنّ والجزائر وسوريا والكويت لا لبس فيه بالدّعوة إلى كنس الاحتلال ومخلّفاته، وتطبيق قرارات الشّرعيّة الدّوليّة.
ومن شواهد التّاريخ التي لم تتّعظ منه الأنظمة العربيّة، أنّ السّلام يحتاج إلى قوّة أكثر من الحرب، وقد استغلّت اسرائيل ذلك بطريقة فائقة، فهي ومن ورائها أمريكا تملك القوّة العسكريّة والإقتصاديّة وغيرها، وبالتّالي فقد فرضت شروطها الجائرة على كلّ الأنظمة العربيّة التي تعاملت معها، بدءا من أنور السّادات الذي قدّم لاسرائيل تنازلات أكثر ممّا طلبت، ممّا أثار شفقة وزير الخارجيّة الأمريكيّة وقتئذ هنري كسينجر عليه. وقد تنازلت الأنظمة العربيّة عن كلّ شيء، بينما لم تتنازل اسرائيل عن شيء من أطماعها التّوسّعيّة. وما يجري في هذه المرحلة هو تطبيق لطروحات نتنياهو التي جاءت في كتابه الصّادر عام 1994 وترجم إلى العربيّة تحت عنوان “مكان تحت الشّمس”. وممّا ورد في ذلك الكتاب” أنّ العرب يرفضون كلّ شيء يعرض عليهم ثمّ لا يلبثون أن يتكيّفوا معه”. و” أن لا دولة ثانية بين النّهر والبحر”، وأنّ اسرائيل لن تنسحب من أيّ أرض سيطر عليها الجيش الإسرائيليّ”. و”أنّ السّلام مع اسرائيل في مصلحة العرب؛ لأنّها ستحلّ مشاكل المياه في سوريا والأردنّ وستطوّر الزّراعة في البلدان العربيّة” و”إذا اجتمعت الإنتليجنسيا اليهوديّة مع الأيدي العاملة العربيّة سيزدهر الشّرق الأوسط.” وكلّ هذا ورد فيما أعلن عن “اتّفاقيّة السّلام الإسرائيليّة الإمارتيّة”، بينما لم يرد ذكر لإنهاء الاحتلال للأراضي العربيّة، ولا للقانون الدّوليّ ولقرارات الشّرعيّة الدّوليّة. تماما مثلما لم يرد حتّى في وسائل الإعلام العربيّة أنّ الإمارات ومن سيتبعونها قد تخلّوا عن مبادرة السّلام العربيّة.
وإذا ما عدنا قليلا إلى الوراء فإنّه لا يمكن القفز عن المخططات السّابقة التي حاكتها اسرائيل وأمريكا للوصول إلى حالة الإستسلام العربيّ الرّسميّ في هذه المرحلة، والتي تمهّد لتطبيق المشروع الأمريكيّ “الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ. ومن هذه المخطّطات اتّفاقات أوسلو، احتلال وتدمير العراق، تقسيم السّودان، الحرب الأهلية في الجزائر بين 1992-2002، ما سمّي بالربيع العربيّ، الحروب على قوى الممانعة ومنها حرب اسرائيل على لبنان عام 2006، وحروبها على قطاع غزّة عام 2008 و2014. والحرب على سوريا، ليبيا، اليمن ولبنان وغيرها، فصل قطاع غزّة عن الضّفّة الغربيّة، وشيطنة إيران وحصارها ورفع راية العداء العربيّ لها.
فهل تدرك أمريكا وإسرائيل وكنوزهما الإستراتيجيّة في المنطقة، أنّ طمس حقوق الشّعوب واستسلام الأنظمة الحاكمة لن يحقّق السّلام، وأنّ اتّفاقات الإستسلام ستدخل المنطقة في صراعات دائمة لن يسلم أحد من جحيمها؟ وأنّ سبات الشّعوب لن يستمرّ طويلا، وأنّ السّلام الذي تصبو إليه الشّعوب لن يتحقّق إلا بتمكين الشّعب الفلسطينيّ من حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، بعد كنس الاحتلال ومخلّفاته كافّة، وإيجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيّين حسب قرارات الشّرعيّة الدّوليّة.
19-8-2020

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات