نداء يونس أكثر من شاعرة

ن

ديوان “أن تكون أكثر” هو  باكورة الاصدارات الأدبية للشاعرة الفلسطينية نداء يونس، صدر في العام 2014 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس. ويقع الديوان الذي يحمل غلافه الخارجي لوحة للفنانة التشكيلية لينا قادري، ورسومات داخلية من تصميم الفنان محمد عبد اللطيف في 170 صفحة من الحجم المتوسط.

ذات لقاء ثقافي في مكتبة الشروق في رام الله لفت انتباهي ما قالته الشاعرة الشابة نداء يونس بأن” في داخل كل انسان شاعر” ومع ما يثير هذا القول من تساؤلات فلسفية حول مفهوم الشعر، أو بين قبول هذا القول أو رفضه، إلا أن قولها دفعني لقراءة ديوانها الأول، فوجدت نفسي أمام شاعرة تعرف ما تريد، وتفيض بمكنوناتها بلغة جميلة ذات معان شفافة رقيقة، فيها من جمال الصور وسحر اللغة ما يدعو الى المتعة والتفكر، وديوانها الذي يتوزع على أربعة أبواب، كل باب يطرق جانبا مختلفا، وان كان يربطها خيط رفيع ليجعل منها ملحمة حبّ تستحق الوقوف والتأمل. ومع سلاسة اللغة وانسيابها عند الشاعرة، إلا أن قصائدها وتلاعبها بجماليات اللغة تبهر القارئ الجاد وتجبره الى العودة مرّة أخرى الى أغنياتها التي تحمل معاني فلسفية حول الحب، وحول علاقة المرأة بالرجل، مع التأكيد أن رجل المرأة الشاعرة والأديبة ليس شرطا أن يكون من لحم ودم، تماما مثلما هي امرأة الشاعر والأديب ليس شرطا هي الأخرى أن تكون من لحم ودم.

واذا كانت شاعرتنا تبوح لنا برسالة حب بلغة “الأنا” فان هذا يعطى قصائدها قربا وحميمية من المتلقي وهو القارئ أو المستمع لها. وأثناء قراءتي للديوان توقفت عند مقطوعات شعرية لفتت انتباهي مثل: “منام ص 119” حيث تقول فيها:

“ورأيت في المنام أني رأس

يأكل الحب منه

فأين أهرب

في صحوٍ ومن نوم”

وهذا استلهام لما ورد في قصة النبي يوسف، أثناء وجوده في السجن عندما رأى أحد السجناء أن الطيور تأكل رأسه، وهذا اعتراف بأن صاحب الرؤيا لا مهرب له من الحب إلا للحب في نومه وفي صحوه.

وعودة الى عنوان الديوان وهو “أن تكون أكثر” والذي هو عنوان قصيدة وردت في الصفحة 38. وهو عنوان يثير الأسئلة لأنه غير مكتمل المعنى، وفي هذه القصيدة ترى الحبيبة حبيبها الرجل الوحيد، فهو الأكثر وسامة وبها بين الرجال ففيه من وسامة النبي يوسف التي بهرت امرأة عزيز مصر فراودته على نفسها،، ولهذا فان الغيرة تقض مضجعها خوفا عليه من النساء الأخريات فتتساءل:

“ماذا لو رأتك امرأة العزيز في شعري

وأخذتك بسحر كاهنها

وقالت هيت لك.”ص38.

وماذا ستكون ردة فعلها لو حصل ذلك؟ فتجيب:

“سأخرجك من انحناءات الحروف

وأمنع عطرك

على أكمام قصائدي أن ينحني

والدنيا أن تراك فتغرم”ص38.

وماذا ستفعل أيضا؟ انها لن تعود الى كتابة الشعر عنه، وستملأ محيط سريرها بالرّقى خوفا من أن تتسلل احداهن في الحلم اليه، اذن ما الذي تريده هي؟ انها تريده لها وحدها تماما مثلما كانت بداية الخلق حيث آدم وحواء كانا وحدهما:

“اثنان كنا

أريدك

نقول كن ما شاء لنا الهوى

فيكون الضوء والنور والاجرام والسم

ونعيد صيرورة الخلق”ص39.

بل هي تريده أن يكون أكثر وسامة من يوسف وأكثر تفردا بها من تفرّد آدم وحواء، ولا تريد أن تراه امرأة غيرها، لأن كل النساء سواها سراب، لذا فهي تطلب منه أن لا يدخل قصائدها خوفا من أن تقترب منه نساء أخريات أو يقترب هو منهن، وهذه قمّة الغيرة. ويلاحظ هنا أن النساء سيغرن من حبيبها لمجرد كتابتها قصائد غزلية به، أي أنهن لم يشاهدنه إلا من خلال شعرها، وهذا قمّة فخرها  بشاعريتها.

وفي قصيدة “صلاة ص75″، نرى كيف أن المرأة المحبة تسهو في صلاتها لأن الحبيب يسيطر على عقلها وعلى وجدانها، وحبها له يزيدها جمالا:

“أحبك لأصير أحلى

فأعود منك

أرقّ وأشهى وأجمل وأسعد”ص75.

يبقى أن نقول أن الكتابة عن هذا الديوان لا تغني عن قراءته، وأن هذا الديوان يشكل نموذجا يحتذى للأدب الشبابي.

6- أيار-2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات