نازك ضمرة وظلاله المتحركة

ن

طبع الأديب نازك ضمرة روايته”ظلال متحركة” وتقع في 222 صفحة من الحجم الكبير، في عمّان اواخر العام 2012 على حسابه الخاص، وبدون دار نشر، وذلك أثناء زيارته للعاصمة الأردنية عمان قادما من مكان اقامته الدائمة في ولاية كارولاينا الشمالية في الولايات المتحدة الأمريكية، منذ العام 1976.

الغلاف الخارجي الأول: مركز مدينة امريكية “Down town” حيث ناطحات السحاب، وأمامه امرأة غير واضحة الملامح ترتدي زيا طويلا، وشعرها منثور متطاير، وفي أعلى يمين الصفحة طائران جميلان يقفان على غصن مزهر، وعلى أعلى اليسار رسم لطائرة مدنية نفاثة. وأعتقد أن رسم الغلاف لوحة جميلة تعكس مضمون الرواية.

مضمون الرواية: كتب المؤلف في الصفحة 7 “الرواية خليط من الميثولوجيا، النباهة، السحر والواقعية.”فروايته واقعية حتى النخاع، ويبدو أن فيها الكثير من ذكرياته الشخصية وسيرته الذاتية، فهي تتحدث على لسان بطلة الرواية”فهيمة المط” المولودة في حيّ المهاجرين في عمّان هي ووالدها من قبلها، وزواجها من قريبها  زكي المحجوب المولود في احدى قرى رام الله، وفهيمة ترى نفسها من أصول أردنية، في حين زوجها يرى نفسه فلسطينيا، لتؤكد على لسانه مرات ومرات على وحدة الشعبين الأردني والفلسطيني بعد ضمّ ما تبقى من فلسطين بعد نكبة العام 1948 والذي عرف باسم الضفة الغربية الى الأردن في وحدة اندماجية، وقد سردت فهيمة المط الكثير من الحكايات والقصص عن نفسها وعن أسرتها، وعن الحيّ الذي ولدت فيه، وسردت قصة خطبتها وزواجها من زكي المحجوب، وسكنها معه في بيت مستأجر في رام الله، حيث كان يعمل مدرسا بعد اكماله المرحلة الثانوية من دراسته، ثم عمله مدرسا في السعودية، ولاحقا حيث استكمل دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل فيها واستقر، وتنقلاته وزياراته لأكثر من دولة، ومرافقتها له في عمله في السعودية وفي أمريكا، وعودتهما الى عمان أكثر من مرة، الى انفصالهما بدون طلاق قبل عشر سنوات.

الأسلوب: استعمل الكاتب أسلوب السرد القصصي بلغة انسيابية بليغة، لا ينقصها عنصر التشويق، وقد اعتمد الكاتب على أسلوب الاسترجاع “Flash back” بطريقة جميلة ولافتة، لا اقحام فيها، فتداخلت القصص والحكايات المتنوعة والطريفة والصادقة وغير المتخيلة، مما يحث القارئ على متابعتها.

واذا كان الزوج زكي المحجوب هو الشخصية الرئيسة في الرواية، فان الكاتب أبدع بأن جعل زوجته فهيمة المط هي السارد والراوي لمسيرتها ومسيرته، فكان هو الزوج والمعلم والأب والموظف والموجه، والصابر والمثابر، والعاشق والحكيم وصاحب الرأي السديد في الأحوال جميعها، في حين كانت هي تعترف بأخطائها وهفواتها، ومع ذلك كان يتحملها، بل كان يوجهها ويرشدها، حتى أنها تعترف بأن والديه”حماويها” كانا رؤوفين رحيمين بها، ومع ذلك لم تقبل العيش معهما كما كانت هي العادة السائدة في ذلك الوقت، وقد تطرقت الى كثير من العادات والتقاليد، فعندما تركها في رام الله وعمل مدرسا في السعودية، ولم يصطحبها معه في البداية، كان يقسم راتبه الى ثلاثة أقسام، قسم لوالديه، وقسم لزوجته، وقسم لأشقائه الذين كانوا يدرسون في الجامعة، في حين كان هو يعيش من دخل عمل اضافي. كما تطرقت الى بعض العادات التي كانت سائدة في السعودية مثل عدم خروج النساء في الرياض إلا مع زوج أو محرم، وبنقاب، ويمنعن من الاحتكاك بالجيران والجارات، وروت كيف زارتها إحدى زوجات جارهما في الرياض، وكيف طلبت منها مراقبة حمير في مرحلة التزاوج، وكيف تناقشتا في ذلك، كما سردت كيف كان المطوّعون يضربون على بوابات البيوت في ساعات الفجر الأولى لاجبار الرجال على الذهاب للصلاة في المسجد، وروت كيف تعرض زوجها وهي برفقته للضرب في أحد أسواق الرياض من جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذنب لم يقترفه، وكيف تعرض للاحتيال من مواطنين سعوديين اشترك معهم في شراء قطعة أرض فانكروا حقه، ولم يعطوه  شيئا، وهذا لا يعني أنها لم تتحدث عن عادات وتقاليد سكان حيّ المهاجرين في عمان، حيث ولدت وترعرعت، بل تحدثت عن عادات الشركس في الزواج، وعن الفقر المدقع، وممارسات بعض النساء للرذيلة خصوصا تلك المرأة التي كانت تمارس البغاء بعلم زوجها، وكانت هناك لقطات عن مأساة بعض اللاجئين الفلسطينيين وحاجتهم وعوزهم في السنوات الأولى للنكبة. وكذلك الأمر في رام الله واستئجارهم بيتا من أمّ جريس التي بقيت جارة لهم، تلك المرأة المغترب زوجها في أمريكا منذ 15 سنة في حينه، وتركها وحيدة مع أبنائها.

لقد سردت كثيرا من الحكايات والقصص عن حياتهما الزوجية بما فيها العلاقة الحميمة داخل غرفة النوم.

لقد دخل الكاتب في التفاصيل الصغيرة والكبيرة لحياة زكي المحجوب وزوجته فهيمة المط، منذ ولادتهما وخطبتهما وزواجهما، وانجابهما وعملهما، واغترابهما في السعودية وامريكا، وتطرق لاختلاف البيئة والعادات بين شعب وشعب في ترحالهما وحتى في اقامتهما، كما مرّ في الرواية بشكل سريع عن نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، وهزيمة حرب حزيران 1967 وانسحاب الجيوش العربية بدون قتال، وهذا سبب سفره الى امريكا وتعلمه وعمله واقامته هناك، وكأنه يرفض العيش في وطن محتل. ومع ذلك جاء في الصفحتين الأولى والثالثة تحت عنوان الرواية”بقي الكثير نقوله في رحلة ثانية”.

وتنبع أهمية هذه الرواية أنها تشكل توثيقا لجوانب مرحلة معاشة لفترة زمنية من حياة أسرة فلسطينية، تداخل فيها أكثر من عامل لتشتتها واغترابها، وسعيها الدؤوب لحياة كريمة، كما أنها توثق بعض العادات والتقاليد والمؤثرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

ويسجل لأديبنا السبق في أن السرد الروائي جاء على لسان الزوجة، وليس على لسان الزوج، وهذا انحياز منه لصالح المرأة في مجتمعاتنا الذكورية، مع أن ترسيخ ذكورية المجتمع بقيت راسخة في الرواية من خلال الدور الفاعل للرجل، والدور المهمش بل والتابع للمرأة، بل انه ربما أراد أن تتكلم الزوجة فهيمة نفسها لتدين نفسها بنفسها، وليبرر زواج زوجها زكي المحجوب من ثانية، وهجره لفهيمة منذ عشر سنوات وتركها بدون طلاق.

اللغة: لغة الكاتب بليغة انسيابية جميلة، وعنصر التشويق طاغ فيها. وواضح أن الكاتب قد استفاد كثيرا من تجاربه الروائية والقصصية السابقة. لكن الرواية لم تخلُ من الأخطاء اللغوية والمطبعية والنحوية، وتنقصها علامات الترقيم بشكل واضح.

8 كانون اول-يناير- 2013

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات