نائلة أبو طاحون:رواية “زمن وضحة”تضع اليد على الجرح

ن

“زمن وضحة “رواية للأديب المقدسيّ جميل السلحوت، صدرت في شهر أكتوبر 2015

عن مكتبة كلّ شيء في حيفا، تقع الرّواية التي صمّم غلافها شربل إلياس في 224صفحة من الحجم المتوسّط.

الاهداء: وجهه كاتبنا لحفيدته “لينا” وربما لكلّ بنات جيلها عن حقبة زمنيّة أفلت، ولكن آثارها ما زالت قائمة، وكأنّه يقول لحفيدته هذا ما كنّا عليه…ولو لم نكن بهذا الجهل لما ضاعت منّا فلسطين، ولما تجرّعنا مرارة الهزيمة مرّات ومرّات.

“زمن وضحة” رواية تمثّل زمن ما قبل النّكبة وما بعدها، وتمثّل نقطة الفصل في زمن التّغيير بين ما هو كائن وما سيكون،  تمثّل حقبة تاريخيّة لا يمكن تجاهلها أو محوها من الذّاكرة، إذ ألقت بثقلها على المجتمع الفلسطينيّ بكلّ تبعاتها ومراحل سيرها، إنّه زمن الهزيمة واحتلال جزء كبير من فلسطين، والذي ما زلنا نتحمل تبعاته وآثاره حتى يومنا الحاضر، ورغم أنّ هذا الحدث الجَلَل هو السّمة الأبرز إذا ما نظرنا إلى الأمور من ناحية تاريخيّة سياسيّة، إلا أنّ الكاتب لم يتناول هذا الحدث، ولم يتطرّق إليه إلا بإشارات بسيطة، عندما تحدّث عن بكاء “نسرين” حين تذكّرت بلدتها المحتلّة ومعاناة أهلها في المخيّم، وذلك في إشارة من الكاتب لتحديد الفترة الزمنيّة لأحداث الرّواية .

ركّز مجمل أحداث الرّواية لإلقاء الضّوء على النّاحية الاجتماعيّة، ومنظومة العادات والتّقاليد والأعراف التي شكّلت نسيج المجتمع الرّيفيّ الفلسطينيّ، وحدّدت ثقافته وقيَمه، وبالتّالي سلوكيّاته، ومن هنا.. نجد الكاتب قد حدّد  المكان في الرّواية ألا وهو الرّيف والقرى الفلسطينيّة عموما، لكن دون تحديد قرية بعينها أو مكان بعينه، وذلك لأنّ مجريات أحداث الرّواية كانت سائدة في المجتمع الريفيّ عامّة، بدأ الكاتب بوصف هذه الأحداث من خلال شخوص الرّواية أنفسهم، إذ كانت لغة الحوار هي الغالبة على الرّواية أكثر من السّرد أو ظهور شخصيّة الكاتب كراوٍ للأحداث، فالكاتب.. آثر أن يترك لشخوص الرّواية إدارة الأحداث؛ لأنها تشكّل شخصيّتهم وثقافتهم، وليس رأي الكاتب وقناعاته .. لذلك غلبت اللهجة العاميّة الدّارجة على لغة الرّواية إلا في جمل قليلة ومحدودة جدّا .. فالرّواية تمثل الشّريحة المجتمعيّة التي غلب عليها الجهل والأميّة والآراء الرجعيّة، التي لا تنبثق من شرع أو منطق، أو ثقافة فكريّة، أو علميّة متحضّرة … فكان لا بدّ من استخدام لغة تناسب هذه الشّريحة. فجاءت لغة الحوار والسّرد مباشرة بسيطة، تخللها حوار باللهجة المحكيّة الدّارجة، فكانت أقرب الى لغة العامّة منها إلى قالب أدبيّ يتّسم بالبلاغة واللغة الأدبية الجزلة، واستخدام المحسّنات البديعيّة والبلاغيّة التي من شأنها أن ترقى بالعمل إلى أن يكون مرجعا أدبيّا، ربّما لأنّ الكاتب عنِي بالمضمون والفكرة التي أراد إيصالها أكثر من النّصّ . فكاتبنا اهتمّ بإلقاء الضّوء على العادات والقيم البالية التي سادت مجتمعنا، وكان فيها من الظّلم والتّخلف والجهل ما جعل أفراد هذا المجتمع ينساقون إليها دون دراية أو تفكير، أو تعليل بمنطق أو حجّة وبرهان ، والمراة بالطّبع لها النّصيب الأكبر من هذا الإهمال والتّهميش، ضمن ثقافة العيب والعار والواجب والطّاعة التي تربّوا عليها . ولها الحظّ الأوفر أيضا من ضياع حقوقها في اتّخاذ القرار، أو إبداء الرّأي أو المعارضة، أو حتى أبسط حقوقها في العلاج والزّواج والولادة بطريقة تضمن لها سلامتها، بالرّغم من أنّها – كما أشارت ريتا الصيدلانيّة المثقّفة – أنّ المراة هي التي كانت تقوم بكافة الأعمال المطلوبة منها وغير المطلوبة، في مجتمع الصّفة الذكوريّة والسّلطة الذّكورية هي السّائدة فيه . ويشير الكاتب أيضا الى ممارسات عديدة ساذجة، وتنمّ عن مدى الجهل الذي خيّم على تلك المرحلة من علاج بالكيّ، وزواج الرّجل بأكثر من امرأة حتى دون سبب مقنع، وعدم قدرة الرّجل الممثل بحمدان على أن يعترض على رأي أبيه رغم عدم قناعته به. وعدم فتح بيت عزاء إذا كان الميّت امرأة، ونلاحظ رغم قساوة ما حدث لرمّانة ووفاتها عند ولادتها.. فقد كان تصرّفهم وكأنّ شيئا لم يكن، بل وتلقّى بعض العبارات على سبيل الفكاهة، ولم تستطع والدتها التّعبير عن حزنها لفقد ابنتها . ومن ثمّ يبدا التّفكير مباشرة بتزويج حمدان من أخت رمّانة، هذه السّلوكيّات التي أجاد الكاتب طرحها، كانت كفيلة بأن تهزّ القاريء وتثير لديه حاسّة الانتقاد والرّفض لمثل هكذا ممارسات، وتشعره بمدى الظّلم الواقع على المرأة، بل وللأسف فالمرأة نفسها كانت شريكة في ظلم نفسها، وذلك من خلال تسليط الضّوء على الحماة المتسلطة طويلة اللسان، والأمّ التي تجبر ابنها وابنتها على فعل ما تمليه عليها العادات والتّقاليد التي ورثتها رغما عنهما .

“وضحة” هي تلك الفتاة التي بدأت تتململ من مجتمعها بعاداته وتقاليده، ففي أعماقها  بذرة التّمرد الرّافض لكلّ هذه الممارسات، ولكن ليس لديها القدرة على خلق تغيير يذكر سوى مواجهتها لوالدتها في بعض الأحيان؛ لتنصف زوجة أخيها من ظلم أمّها وشقيقها كذلك، لكنّه ورغم أنّه رجل في مجتمع ذكوريّ أبويّ لم يحدث أيّ تغيير يذكر، بل كانت وضحة أشجع منه في أكثر من موقف .

وكان لظهور الدّكتور ممدوح وزوجته ريتا أعمق الأثر في هذا المجتمع القرويّ المغلق، فهما يمثّلان الشّريحة المتعلّمة والمثقّفة الدّاعية إلى التّغيير والتّطوير الفكريّ والعمليّ، فعمل على تفنيد بعض الممارسات الخاطئة من خلال عمله كطبيب، وتغيير أمور لم يعهدوها من قبل كعلاج المختار من غيبوبته، إذ اعتقدوا أنّه عاد من الموت، تغيير شخصيّة عارف الذي لولا الدّكتور ممدوح لظلّ مجنونا في قريته، كذلك إثارة موضوع التّطوير العلميّ وانشاء المدارس، وربط القرية بشبكة مواصلات تربطها بالمدينة التي كانت تمثّل الطبقة المتعلمة .. ويبدأ التّغيير أيضا بزواج وضحة من سعيد، ومن هنا بدأت تأخذ شخصيّتها المسار الذي أرادته لنفسها، لا ما يمليه عليه والداها وعادات مجتمعها، ثم زواج زعرورة من حمدان التي أرادت هي الأخرى تقليد حياة وضحة ..

ولكن دائما ما يكون هناك مثبطين ورافضين لمثل هكذا تغيير، وتمثّل ذلك بشخصيّة المختار فرج الذي كان عدوّا للتّطوير ورافضا ومعيقا له .. وتنتهي الرّواية بإعلان وفاته في إشارة من الكاتب لإزالة العقبات الرّافضة وبداية مرحلة جديدة.

في هذا الطّرح الروائي سلّط الكاتب عدسته المكبّرة على الأسباب التي ساعدت على هزيمتنا وتراجعنا. وهو ما ينطبق على باقي المجتمعات العربيّة دون استثناء، والتي لم تكن أفضل حالا من مجتمعنا الفلسطيني، وذلك من مخلّفات الاستعمار الأوروبيّ لمعظم دول الوطن العربيّ، فالنّصر والهزيمة لا تقاس فقط بالتّفوق العسكريّ دون النّظر إلى التّفوق في مجمل النّواحي الأخرى.. فهي دائرة مكتملة .. لذلك كان لا بدّ من الاشارة إليها للابقاء على جذوة التّغيير مُتّقدة لا تنطفيء…وبالرّغم من أنّنا قد قطعنا مرحلة لا بأس بها، إلا أنّنا لا زلنا بحاجة للكثير من التّغيير. وهو ما قدّمه لنا الكاتب في قالب روائيّ مُبَسّط … فيه بعض الفكاهة مستعينا بالموروث الشّعبيّ من الأغاني الشّعبيّة والمقطوعات الزّجليّة والأمثال الشعبيّة؛ لإثراء النّصّ والتّنويع به.

اعتقد أنّ الرّواية كانت بحاجة لتكثيف عنصر العقدة الرّوائية التي من شأنها أن تثير حماسة القاريء، وتثير عنصر التّشويق لديه؛ ليبحث عن حلول، ويكون مشاركا في صياغة النّصّ من النّاحية الفكريّة .. كما أنّه كان لا بدّ من الاشارة للوعي السّياسيّ والثوريّ، وروح المقاومة لدى بعض أفراد المجتمع في تلك المرحلة، إلا أنّ ذلك لا يقلّل من أهميّة فكرة الرّواية ومضمونها.

6-11-2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات