مفاوضات مصيرها الفشل

م

لا يملك المراقب لمسيرة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية الا أن يضحك _ولو من باب شرّ البلية ما يضحن-عندما يسمع ترحيب رئيس الحكومة الاسرائيلية بعودة المفاوضات دون شروط مسبقة، فالرجل لديه”بدهيات” لا يعتبرها شروطا مسبقة بل استحقاقات لا يمكن التنازل عنها، ومنها: لا وقف للاستيطان خصوصا في القدس العربية المحتلة، لأن القدس مدينة يهودية كانت محتلة من العرب وحررتها اسرائيل في حرب حزيران 1967، والبناء فيها مثل البناء في تل أبيب، ولا انسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة، ولا وقف للاستيطان، بل يجب “شرعنة” بؤر المستوطنات العشوائية التي  احتل فيها قطعان المستوطنين قمم بعض الجبال وأقاموا فيها كرفانات مؤقته، ولا انسحاب من الشريط المحاذي لنهر الأردن وبعمق يصل الى عشرين كيلو متر، وقبل هذا وذاك لا عودة للاجئين الفلسطينيين، بل يجب تبرئة اسرائيل من مسؤوليتها في نكبتهم، وضرورة الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، وهذا يعني التمهيد المسبق لطرد مواطنيها الفلسطينيين، فماذا يعني الرجل بـ”بدون شروط مسبقة”؟ والجواب هو:عدم العودة الى المفاوضات من حيث انتهت، بل يجب أن تبدأ من نقطة الصفـر، وهذا الموقف الانتقائي ليس جديدا على اسرائيل، بل هو سياسة رسمية لها منذ نشوئها في 15 أيار 1984،فاسرائيل التي اعترفت بقرار الجمعية العمومية للأمم التحدة رقم”181″الصادر في 29-11-1947والذي ينص على اقامة دولتين واحدة لليهود والثانية للفلسطينيين العرب، والذي يشكل شهادة ميلاد دولة اسرائيل، اعترفت بنصفه الذي يتعلق باقامتها ولا تزال ترفض الجزء الذي يتعلق باقامة الدولة الفلسطينية، تماما مثلما قامت باحتلال ثلثي الأراضي المخصصة لفلسطين في حرب عام 1948، ثم ما لبثت أن احتلتها كاملة في حرب حزيران 1967، واسرائيل قبلت ببند واحد من المبادرة العربية التي انطلقت في قمة بيروت العربية عام 2002، وهو اعتراف الدول العربية والاسلامية باسرائيل واقامة علاقات طبيعية معها، وهذا يعني اعتراف هذه الدول بشرعية احتلال اسرائيل للأراضي العربية المحتلة عام 1967.

  وواضح أن بنيامين نتنياهو يقف على أرض صلبة بطروحاته هذه، فقد رضحت الادارة الأمريكية لعدم موافقته حتى على الوقف المؤقت للاستيطان في القدس العربية، وأجبرت السلطة الفلسطينية على قبول ذلك من خلال غطاء عربي، كما تمخضت عنه قرارات لجنة المتابعة العربية في اجتماعها في القاهرة يوم السبت الأول من أيار الحالي، معتمدين على وعود “الصديقة”أمريكا “بعدم اعلان اسرائيل عن أعمال استفزازية أثناء المفاوضات”.

   ومع أن أمريكا معنية بتحقيق”تسوية”للقضية الفلسطينية، في محاولة منها لانقاذ نفسها من مستنقعي العراق وأفغانستان تحديدا، والتفرغ للملف النووي الايراني، ولتقسيم السودان، الا أن محاولات الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ومسؤولين آخرين بطمأنة اسرائيل من خلال تكرار تصريحاتهم بشكل مكثف حول التزام امريكا الذي لا يتزعزع بالحفاظ على أمن اسرائيل، الا أن ذلك لم يُجد نفعا بتليين مواقف نتنياهو، وحتى لم يردع وزير خارجيته اليميني المتطرف ليبرمان بالتهديد  بتدمير سوريا بشكل كامل وأعادتها الى العصر الحجري، تماما مثلما هدد في تسعينات القرن الماضي بقصف السد العالي في مصر-التي تربطها اتفاقية سلام مع اسرائيل- واغراق مصر بمياه السد، والتطمينات الأمريكية لاسرائيل بالحفاظ على أمنها تأتي في الوقت الذي تمتلك اسرائيل أكبر قوة عسكرية في المنطقة، وتواصل احتلالها للأراضي العربية منذ ثلاثة وأربعين عاما، وتهدد أمن شعوب ودول المنطقة جميعها، اضافة الى امتلاكها للأسلحة النووية، وأمريكا التي ترعى اسرائيل بدلال زائد تمتلك خمسة وثلاثين قاعدة عسكرية في المشرق العربي، اضافة الى احتلال العراق وافغانستان، ولا تزال تزود اسرائيل  بآخر الابتكارات والتكنولوجيا العسكرية بما فيها الأسلحة المحرم استعمالها دوليا مثل النابالم والقنابل العنقودية، والفسفور الأبيض وغيرها، وقد استعملت اسرائيل هذه الأسلحة في كافة حروبها، وبتركيز أكثر في حربيها الأخيرتين على لبنان وقطاع غزة، كما أن البناء الاستيطاني يتم بأموال دافع الضرائب الأمريكي.

  فعن ماذا ستتمخض هذه المفاوضات في ظل هذه الظروف، وفي ظل اختلال موازين القوى؟

 وهل تسعى أمريكا الى تخدير الشعوب العربية ولو مؤقتا حتى يتحالف النظام العربي الرسمي معها ومع اسرائيل في تدمير المشروع النووي الايراني؟

   ولا يختلف اثنان على أن أيّ حل للصراع ضمن الرعاية الأمريكية المنفردة لن يلبي الحد الأدنى من المصالح العربية، وسيكون لصالح اسرائيل بشكل كبير الا أن نتنياهو لن يعطي أية تنازلات، فالرجل وحزبه وحلفاؤه من اليمين المتطرف والأحزاب الدينية من المؤمنين والمؤدلجين بأرض اسرائيل الكاملة، ولن يعد بأكثر مما يسميه “السلم القتصادي”وادارة مدنية فلسطينية على السكان وليس على الأرض.

وماذا سيكون موقف الدول العربية بعد الشهور الأربعة المحددة للمفاوضات، والتي ستنتهي حتما الى لا شيء؟انها ستتوجه الى مجلس الأمن الدولي كما صرح بذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عمرو موسى، لكنها حتما لن تحصل على قرار يدين اسرائيل ويطالبها بالاذعان للشرعية الدولية تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لأن “الصديقة”أمريكا لن تسمح بذلك.

3-5-2010

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات