مسرحية امرأة سعيدة أداء فني رائع .. ولكن ..

م

 

 

 

 

 


لا تزال هذه المسرحية تعرض منذ افتتاحها في العام 2004
وواضح في المسرحية أن مخرجها كامل الباشا قد بذل جهدا كبيرا مع الفنانة القديرة نسرين فاعور لتأتي المسرحية عملا فنيا مميزا يستحقان الشكر عليه، ساعدهما في ذلك الإضاءة المؤثرة التي قدمها رمزي الشيخ قاسم.
القدرات الفنية :
لقد أثبتت نسرين فاعور التي مثلت المسرحية أنها تمتلك موهبة فنية واضحة، فمع بساطة الديكور وبساطة الملابس التي ارتدتها إلاّ أنها قدمت أكثر من دور بمفردها، فقد شاهدناها في العرض المسرحي الذي لعبته على مدار ساعة من الزمن تؤدي دور امرأة تقليدية مستسلمة لقدرها، كما أدت دور المرأة المتمردة التي ترفض القيود، ودور المرأة المغتصبة من قبل زوجها، ودور المرأة العاشقة لحبيبها، دور المرأة التي تتعرض للتحرش الجنسي من جارها وهي في بيتها وعبر الهاتف من مجهول، ودور المرأة ربة البيت الأم التي تعتني بأطفالها، ودور المرأة التي تتعرض لسفاح القربى من شقيق زوجها الذي يعيش معها في نفس البيت داخل الجبس بعد أن تعرض لحادث طرق، قطعت فيه إحدى يديه، وتكسرت عظامه، ودور الممرضة التي تعنى بهذا المريض، ودور المرأة التي تعاني الوحدة داخل بيتها المسجونة فيه، ودور المرأة التي تعرف ما تريد، ولكنها لا تحصل عليه، إنها تعرف حقها في المتعة الجنسية مع زوجها لكنها لا تحصل سوى على الممارسة بطريفة الاغتصاب، وأدت دور المرأة التي تحاول الخلاص من قيودها فلا تجد طريقة إلا الانتحار ومع ذلك لا تنجح في تحقيقه، ودور المرأة التي تصل أحيانا إلى ما يشبه الهستيريا نتيجة لثقل الضغوطات عليها.
لقد قامت نسرين فاعور بهذه الأدوار بقدرة فائقة نالت من خلالها إعجاب جمهور المشاهدين مما جعلنا نتساءل حقا: لماذا لا يتم استيعاب هكذا قدرات فنية مؤهلة في أعمال فنية اكبر؟
المضمون: المسرحية من تأليف الكاتب الإيطالي الشهير داريو فو وزوجته الممثلة الايطالية القديرة فرانكا راما. وبالتأكيد إنها كتبت للشعب الإيطالي وللشعوب الأوروبية التي تعيش ثقافة متشابهة إلى حد ما، وإن كان هذا لا يمنع أن تستلهمها الثقافات الأخرى، فالأعمال الإبداعية وفي مقدمتها الفنون ملك للإنسانية جمعاء.
وهذه المسرحية تعالج مشكلة اجتماعية تعالج قضايا حرية المرأة، سواء كانت حريتها في العلم والعمل وأن لا تبقى حبيسة البيت، أو حريتها في الحياة الكريمة، وهي تطرح أيضا قضية سفاح القربى، وهي قضايا موجودة في مجتمعنا كما هي موجودة عند جميع الشعوب، وهذه هي إحدى أهداف وادوار المسرح، فللمسرح أهداف تربوية، تعليمية، تعبوية، توعوية، وغيرها، وليس دور المسرح أن يقدم قصة فقط كما يزعم البعض.
فهل يتناسب موضوع المسرحية مع التقاليد الدينية والثقافية والشعبية الفلسطينية ؟ ؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال أستشهد بمقولة فلاديميرايليتش لينين قائد الثورة البلشفية في روسيا عام ا1917 التي يقول فيها ” على الماركسيين من الشعوب الأخرى أن يبحثوا عن ماركسيتهم في تراثهم “.
ولم يفطن الماركسيون لهذه المقولة إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حتى أن بعضهم اعتبر أن عدم تطبيق تلك المقولة كان سببا في انهيار الأنظمة الاشتراكية والأحزاب الشيوعيه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
فثقافتنا الدينية وتقاليدنا تدعو إلى تعليم المرأة وتعطيها حقها في العمل وحقها في اختيار الزوج، وحقها في المتعة الجنسية ” هن متاع لكم وانتم متاع لهن” وحقها في رفض الممارسة الجنسية مع الزوج إذا لم تكن راغبة في ذلك.
وثقافتناالدينية تعطي المرأة المتزوجة ” بيتا شرعيا ” مستقلا تعيش فيه هي وزوجها وأبناؤها لاحقا،وثقافتنا تدعو إلى التثـقيف الجنسي. وللعلم فقط إن مؤلفي كتب “تحفة العروس” و”الإمتاع والمؤانسة ” وغيرهما هم رجال دين مسلمون، كما أن احد كبار رجال الدين في لبنان في عصرنا هذا له كتاب عن المعاشرة الجنسية، وقد ظهر في مقابلات متلفزة على أكثر من فضائية حول هذا الموضوع.
ودعونا نتساءل حول المسرحية: من الزوج الموجود في شعبنا الذي يرى زوجته في أحضان عشيقها، ويقبل أن تبقى له زوجة كما شاهدنا في المسرحية ؟ ؟
ومن الزوجة في مجتمعنا التي تجرؤ على إبلاغ زوجها أنها كانت تمارس ” لعبة الجنس ” مع أقرانها في سن الطفولة ؟ ؟
أطرح هذه الأسئلة، وسأطرح غيرها لأنني سمعت كما سمع غيري من يدافع عن مضمون المسرحية جميعه بعد العرض، ومن ضمنهم أشخاص مثقفون ” ابدوا معارضتهم للمضمون في أحاديث جانبية، وابدوا إعجابهم به في الوقت نفسه في المناقشة أمام الحضور.
ودعونا نسأل أيضا مع التأكيد على أهمية التوعية والتثقيف الجنسي بطرق علمية مدروسة ومن قبل مختصين تربويين: ما الجدوى من الحديث على خشبة المسرح أمام الأطفال والمراهقين عن الرعشة الجنسية عند المرأة ؟ ؟ وهل يفهم البعض أن التثقيف الجنسي يبدأ من نقطة ” قمة اللذة الجنسية ” ؟ ؟
صحيح أن مجتمعنا يعاني مشاكل اجتماعية كثيرة، ومنها اضطهاد المرأة الذي هو ناتج عن اضطهاد الرجل أيضا، ومن هذه المشاكل الكبت والحرمان الجنسي، وعلاجها ليس بهذه الطريقة، فليس كل ما يصلح لشعب من الشعوب يصلح للشعوب الأخرى، فهناك شعوب تقر الزواج المثلي، فهل يوافق دعاة التحرر عندنا أن نعمم هذا السلوك مثلا؟.
وللعلم فقط فان جورج بوش الذي يسعى إلى عولمة الحضارة الأمريكية وفرضها على الشعوب الأخرى بالقوة، تراجع عن المغالاة في طروحاته وطالب بالإصلاحات في الدول الأخرى ديمقراطيا من خلال ثقافات نفس تلك الشعوب .

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات