للقمر وجوه كثيرة آخر ابداعات د. طارق البكري لليافعين

ل

كرّمني كاتب أدب الأطفال المعروف الدكتور طارق البكري بأن أرسل لي روايته “للقمر وجوه كثيرة” وهي آخر ابداعاته للفتيات والفتيان، وفي الواقع أنني لم أتردد في قراءة الرواية بشكل فوري بعد استلامي لها مباشرة، ليقيني بأن الأديب د. البكري قد زودني بإبداع يستحق القراءة، وما خاب يقيني.

موضوع الرواية:تتمحور الرواية حول قضية زياد طالب الطبّ الذي أدمن المخدرات دون أن يدري بعد أن فقد والديه نتيجة حادث طرق، فتلبسه حزن شديد عليهما ألزمه البيت، واستغل وكيل العمارة التي يملكها والداه وأورثاها له حالة الابن الشاب المكلوم، والذي التزم بيته حزنا على والديه، وأغلقه على نفسه وقطع صلاته مع العالم الخارجي، وشرع الوكيل يفكر في كيفية الاستيلاء على العقارات التي يحمل وكالتها، وأخذ يرسل السجائر للابن الحزين محشوة بالحشيش حتى أدمنها، وبعدها قام الوكيل بتوقيعه على بيع الممتلكات التي ورثها من أبيه اليه وهو لا يعي ذلك، وقد استمر اكتئاب زياد مدّة جاوزت السنة، تخلى خلالها عن كل ماضيه، ومعارفه، وانقطع عن دراسته في كلية الطب، وحتى قطع علاقته مع سارة بنت الجيران زميلته وحبيبته منذ الطفولة، رغم تردّدها على بيته مرّات عديدة، لكنه كان يرفض فتح الباب لها، أو حتى محادثتها، ولولا صاحب البقالة العمّ خليل وحارس العمارة الشهم الذي كان يأتيه بالطعام من بقالة العمّ خليل وفاء منهما لوالديه لمات زياد جوعا وحزنا.وبعد تخفيف جرعات الحشيش من السجائر استعاد زياد جزءا من عافيته فخرج من البيت وترك بلدته، وعمل في إحدى المزارع، وهناك ترك الحشيش،  الى أن جُرح أحد العاملين معه جرحا بليغا، فقام زياد بعلاجه مستفيدا من دراسته الطب، وبعد ذلك عاد الى بيته ليخبره العمّ خليل صاحب البقالة بأن الوكيل قد باع البيت، وأن والد سارة هو من اشتراه مستعينا بقرض بنكي ليحتفظ به لزياد، لكن زياد رفض استلام البيت وسكن في غرفة على السطوح جهزها له أبناء حارته، وهناك علم أن سارة قد تركت خطيبها بعد أن غادر زياد المنطقة، وكانت وافقت على الخطبة بعد أن رفض زياد مرات ومرات مجرد الحديث معها، وبعدها قرّر زياد وبتشجيع من الآخرين العودة الى استكمال دراسته في كلية الطب، وساعدته بذلك عميدة الكلية د.مشاعل، بعد أن ضاعت عليه فصول دراسية ثلاثة، ووجدت له عملا في مختبرات الكلية، ليذهب بعدها في بعثة دراسية الى فرنسا لاستكمال تعليمه، وهناك درس وعمل وجمع ثروة لافتة ليعود بعدها ويتزوج سارة، غير ملتفت الى زميلته في الدراسة دينا التي كانت تحبّه من جانب واحد، وليجد ابن جيرانه وزميل الطفولة والدراسة المحامي عصام قد استعاد العقارات التي باعها الوكيل بعد أن أثبت للمحكمة زيف وعدم قانونية البيع.عنصر التشويق واللغة: واضح أن د. طارق البكري قد استعمل الخيال الواقعي المحبب، بحيث أن عنصر التشويق يطغى على الرواية، مما يجبر القارئ على متابعتها بسعادة بالغة، وقد ضمّنها عدة مقطوعات شعرية لعدّة شعراء لخدمة الهدف الذي يريد الوصول اليه، كما أن لغته بليغة فصيحة من السهل الممتنع ليفهمها جيل اليافعين الموجهة اليهم.هدف الرواية: يهدف الكاتب الى تنفير الشباب من المخدرات التي توصلهم الى الضياع في كل مناحي الحياة، وقد نجح في ذلك من خلال الرواية.وقد احتوت الرواية على عدّة قيم تربويّة وتعليميّة أخرى أوصلها الكاتب للقارئ بطريقة سلسة وغير مقحمة ومنها:

– فلسفة الموت والحياة: وقد لاحظنا كيف أن زياد لم يتقبل وفاة والديه في حادث طرق، واستسلم لأحزانه، ممّا أبعده عن جادّة الصّواب فاستغله الوكيل، ودسّ له المخدرات، ثمّ استولى على أملاكه التي ورثها من والدية، لكنّه بعد عودته الى وعيه ورشده:”أدرك أن الأبوّة ليست نزعة تشبعيّة، بل رغبة باستمرار حياة…مثل شجرة تزهر وتثمر ثم تسقط أوراقها لميلاد جديد..لحياة عتيدة” ص59.التراجع عن الخطأ: بعد أن عاد زياد الى نفسه، اكتشف الخطأ الذي وقع فيه باستسلامه للأحزان، فخاطب نفسه مؤنبا إيّاها: “لا عذر لي.كيف سأقابل الناس الذين احتضنوني بعطفهم بعد أن جافيتهم بقسوتي”؟ ص57. وعاد الى دراسته وحياته العادية.الوفاء: لاحظنا في الرواية الكثير من مواقف الوفاء مثل: موقف العمّ خليل صاحب البقالة، وحارس العمارة الشهم، وكيف كانا يزوّدان زياد بالطعام وهو يسجن نفسه في بيته، وكذلك أهل الحارة جميعهم، وذلك وفاء منهم لوالدي زياد الطبيبين المتوفيين بحادث طرق اللذين كانا يقدمان خدماتهما الطبية لهم، كذلك وفاء سارة ووالدها لزياد، فقد تقبلت سارة ضياع حياتها ومستقبلها مقابل أن لا تتخلى عن زياد، وكذلك موقف والدها الذي اقترض من البنك كي يشتري بيت زياد ليحتفظ به لزياد. وكذلك موقف د. مشاعل في إعادة زياد الى كلية الطب ليستكمل دراسته، وكيف وجدت له عملا في مختبرات الكلية ليعيل نفسه.-التحذير من الغدر والخيانة: وجود شخصية وكيل العمارة لم تكن عبثا بل فيها دعوة للحذر والحيطة فالمحتالون واللصوص موجودون في المجتمعات جميعها.العفّة: لاحظنا كيف أن زياد تنازل عن حبّه لسارة بعد أن سأله الحارس عن حبّه لها وزياد يعتقد أنها تزوجّت، فأجاب زياد:” لا حقّ لي بذلك فهي اليوم متزوجة…لا أستحقها.”ص54.- مخارج قانونية: عندما عرضت د. مشاعل على رئيس الجامعة إعادة زياد الى كلية الطب بعد انقطاعه ثلاثة فصول بدون عذر، وجدا مخرجا لذلك”عندما يتعارض القانون مع مصلحة الانسان يتمّ تغليب كفة الانسان لأنه هو الأهم” ص80. وعلى هذا الأساس قرّر مجلس إدارة الجامعة إعادة زياد لاستكمال دراسته.وماذا بعد: تأتي هذه الرواية في وقتها الصحيح، وهي جديرة بالتوزيع خصوصا وأن المخدرات –آفة العصر- أخذت تنتشر بين الفتيان العرب.16-99-2013

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات