قراءة في رواية أميرة بقلم: رشا السرميطي

ق

أميرة؛ الطِّفلة التي حملت اسمها رواية الكاتب -جميل السلحوت-، الصَّادرة عن دار الجندي في (222) صفحة، وقد استخدم في غلافها لوحة للفنَّانة الفلسطينية: لطيفة يوسف. ما هي إلاَّ رواية ممتدة للعديد من الرِّوايات المنشورة في الأدب الفلسطيني، حول حقبة تاريخيَّة، باتت مشهورة المعالم لدى المعظم من سكان العالم. فالنَّكبة التي أصابت أرض فلسطين عام 1948م وما قبلها وبعدها، قصص روايات وأحاديث وقصائد شعريَّة لا أجدها، حتَّى اليوم، مكتملة. ربما لأنَّ المنطقة جغرافيًا ما زالت تقع تحت النَّكبة، وربَّما لأنَّه يوجد تقصير لدى الكتَّاب الفلسطينيين في توثيق التَّاريخ من منظور ثقافي.

حمل الغلاف صورة لامرأة فلسطينية المظهر، بدت باكية والحزن يلوِّن ملامحها، معها باقة مكونة من ثلاث زهرات، وهذا النَّوع من الزُّهور يسمى “شقائق النُّعمان” وهي مشهورة جدًا في فلسطين. أما عن رمزيَّة ذلك: الكاتب ربما كان من خلال هذه الصورة يعبِّر عن بكاء النِّساء الفلسطينيات، واستشهاد رجالاتهن إبَّان الحرب، والخراب الذي عمَّ أنحاء المكان. لكن؛ هل هذه المرأة هي أميرة؟ أمَّا عن عدد الزهور، فمن المتعارف عليه في عالم الورود أن العدد (3) منها يحمل معنى الأمل، والاستفهام عن موعد لقاء جديد، وكذا اللون الأحمر المشتعل يعني الفقد والوعد بلقاء آخر. وهنا؛ بدأت التساؤلات لديّ، منذ اللحظة التي قلَّبت بها الكتاب من الخارج: من أميرة؟ ما قصتها؟ وبمن تنتظر؟ وقد استندت بتلك الأسئلة على ما  كُتب على ظهر الرِّواية:” سيسمِّيها أميرة؛ لأنَّها ستكون أميرة قلبه”.

بعد قراءة الرِّواية، وجدت العديد من الشَّخصيات التي ملأت بأحداثهم أوراقها. وقد كانت البطولة لمعظمهم في أدوار طويلة وأخرى خاطفة ضمن التسلسل الزَّماني، أذكر منهم: عبَّاس طاهر المحمود، زوجته سعدية، والده الحاج طاهر ووالدته، العاملان في البيَّارة فايز وسعيد وزوجتاهما، زليحة والدة سعدية، نبيهة أخت عباس وزوجها عارف عبد الكريم، حنا وجورجيت أندراوس، مهيبة خورشيد، الشيخ ياسين، بهجت أبو غربية، عبد القادر الحسيني، سميح شتيوي، أميرة، محمد عيسى، وغيرهم الكثير. ممَّا جعلني، كقارئة، أتيه أحيانًا في ربط الأسماء، ما بين الشخصية والمكان والزمان، رغم التركيز على شخصيَّة عباس المتسائل وفايز المجيب الفاعل.

مضمون الرِّواية: الرِّواية تحكي عن وجع الشَّتات الفلسطيني، وجرم العالم العربي والغربي في رد الظُّلم عن الفلسطينيين، وتكشف بعض دلائل عن تواطؤ الفلسطينيين أنفسهم، وكذا العرب مع اليهود في السيطرة على الأرض، تحت ظل الدُّول الاستعمارية القاهرة آنذاك.

أحداث الرِّواية باتت متسلسة: بدأت تحكي عن الفترة الزمنية ما قبل حرب 1948م وقرية بيت دجن وجمال يافا وبحرها، وقد امتدّ ذلك في أول (137) صفحة، وهو الجزء الأكبر من الرِّواية، الذي يفترض بالكاتب أن يوظفه للحديث عن مجريات الأحداث مع أميرة، من صفحة (138- 155) تابع الكاتب سرد الأحداث عن التهجير والإبعاد، وشلالات الدماء التي أريقت في فلسطين مارًا، مرور العابر، على المذابح التي حدثت، والشهداء الأبرز في تلك المرحلة. في صفحة (156) تحدث الكاتب، بشكل مقتضب، عن المخيمات التي لجأ إليها المهجرون وذكر بعض المناطق الجغرافية، كما قدَّم ومضات عن دور وكالة الغوث والعراق في تزويد الفلسطينيين بالغذاء والماء، أما صفحة ( 176) فبدأ السيناريو المفرح، وخطبة فايز وسميح، وأحداث ربما كانت حقيقية أو من نسج خيال الكاتب، بدت عاطفية ومألوفة، لكنَّها ليست بحرارة البداية التي كانت بها –أميرة-.

ملاحظات عامة حول الرِّواية:-

–        الزَّمان: حيث امتَّدت أحداث الرِّواية في الفترة ( 1930- 1948م) تقريبًا، وقد مرَّت الرواية عن أحداث تاريخيَّة بها، حدثت في تلك الفترة، دون شرح مسهب عنها، إذ كان بإمكان الكاتب توظيفها لإثراء الرِّواية بأحداث عظيمة، خاصة في فترة الحرب والإبداة التي تعرض لها السُّكان الفلسطينيون.

–        المكان: القصر الذي بني عام 1778م في بيارة الحاج طاهر المحمود في قرية بيت دجن، انطلاقًا ليافا، حيفا، القدس، مرورًا بقلنديا، وهنا وجدت الكاتب قد قصَّر في ابراز هوية هذه الأماكن، كان بإمكانه تدعيم موقفه “الثقافي” من خلال الأدلة الإحصائية، وإبراز المعالم الباقية بعد تهويد المكان. إلا أنني وجدت الكاتب، بمروره المكاني، خاطفًا لي كقارئة؛ ولم أعثر على المكان بعمق جزئياته داخل الرِّواية نفسها، لأنَّ الوصف كان ضئيلا. وقد حدث منعطف مفاجئ في صفحة (138) عندما وجدت الحاجة خديجة صارت في ميناء صيدا؛ بشعرها المنكوش، وهلعها على مصاب الحرب عام 1948م، فلم يمهِّد الكاتب لذلك ولو في صفحة واحدة.

–        الشَّخصيات: فقد أشار الكاتب بأنَّها وهميَّة، عدا ذكر أسماء القادة، كان موفقًا بها، إلاَّ أنها كثيرة فكانت مضللة أحيانًا في الرَّبط، وربما قصد من ذلك كاتبنا تعميم الفكرة وربط ما تعرض له المسلمون والمسيحيون إبَّان فترة حرب 1948م. وكنت أتوقع منه تسليط الضُّوء على دورهم النِّضالي بشكل أعمق مما كان في روايته.

–        تحليل رمزيَّة بعض الشخصيَّات في الرِّوايَّة:-

o       عباس؛ المتسائل ابن الثَّراء والعزِّ والدَّلال، يعكس صورة الفساد بتواطؤ بعض السكان مع الإنجليز وانخراطهم، فاسدين، في قضيتهم، لتمشية مصالحهم على حساب دم الشُّهداء. إلاَّ أنه، رغم الطريق العاثر الذي مشى به والده واستلذاذه بالنساء والمحرمات، وجدت الأرض كما طرحها الكاتب، من المحظورات في اللهوِّ عنده، فقد كان التحوُّل في حياة والده الحاج طاهر بعد حادثة مصنع البلاط في يافا، ورفضه لبيعه للتاجر الخواجا حاييم اليهودي.

o       فايز؛ المجيب، كما سميته، فقد شعرت من خلال الكاتب بأنَّه صوت الشعب، وليس الفرد. وتحليل لمجريات الأحداث في ذلك الوقت وليس شخصًا، وإنَّما مجموعة أشخاص تحت اسم فايز. كان له الدَّور الأكبر في هذه الرِّواية، وكان الحضن الذي ضمَّ المهجرين من أهل بيت دجن في ذلك الحوش القريب من المسجد الأقصى.

o       الحاج طاهر؛ المستهتر بماله، والغني عن أخلاقه وعرضه، فقد آثر اللهو والمحرمات على إقامة شعائر الله، رغم نعته بالحاج، وموقفه الديني الذي كان ينافق به، ومعرفة العديد من جلدة قريته بأنه فاسد أخلاقيًا، ولم يمنعه تشوه داخله عن العبث مع أرملة شهيد، واستذلالها بسلطته وماله. فجأة تحوَّل بعد سجن 6 أشهر لرجل صالح يتقي الله في زوجته وبيته ووطنه! وهنا وجدت تناقضًا، لا أدري هل كان ضربًا من تخيل الكاتب، أم أنَّ الصحوة قد تباغت الانسان في فترة زمنية قصيرة، ليغير مجرى حياته بالكامل.

o       الحاجة خديجة؛ صورة للمرأة العربية السَّخيفة، التي ترى زوجها يجور بها فتسكت، ويكذب عليها فتصدقه، وثرثراتها حول كنّتها وأمُّها زليخة، وهي صورة لامرأة موجودة في القرى، وذلك الوقت تحديدًا، فقد وُفّق جميل السلحوت في استنساخ صورتها، وتبيان موقفها في الأحداث الاجتماعية في الرواية.

o       أميرة؛ الشخصية الأقل حظًا، رغم حملها عنوان الرِّواية، إلا أنَّني توقعت لها دورًا أكبر من رفضها الحياة مع والديها، واستبدال جورجيت وحنا، أسرة لها، كأن تكون حاملة شراع العودة ومتمكنة من قضيَّتها.

o       “محمد عيسى”؛ شخصية بلا دور، ربما قصد الكاتب منها توحيد الصفوف المسلمة والمسيحية في محاربة اليهود.

o       سعديَّة؛ توقعت لها دورًا نضاليًا، خاصة عندما مرَّر الكاتب اسم مهيبة خورشيد، فقد ظننتها ستلتحق بالثورة وتبرز دور النِّساء في تلك الفترة التاريخية.

–        الدلالات القرآنية؛ لم أجد الكاتب وفِّق في ذكر تلك الدلالات القرآنية بغزارتها ومواضعها وتنسيقها الوارد في الرِّواية.

–        الأهازيج الشعبية والشعرية؛ كان جميلا من الكاتب تمرير الأهازيج الفلسطينية التي تقال في محافلنا الاجتماعية، لأنَّ ذلك من موروثنا الشعبي والتراثي، لكنَّه قد تجاوز حدود اللَّباقة الثَّقافيَّة في تطرُّقه لأهازيج مخجلة، لا ضرورة من توثيقها في كتبنا ومكتباتنا، لأنَّ بناتنا وأبناءنا ليسوا بحاجة لتلك العادات القبيحة، وقد ورد منها في صفحة (91-92)، ومما فاجأني أنَّ جميل السلحوت قد نشر تلك الأهازيج في كتب سابقة، فما جدوى إعادة نشرها في هذه الرِّواية؟

–        الكوفية والطربوش؛ أعجبني ما طرحه الكاتب عن هويَّتنا الفلسطينية بلبس رجالنا للكوفية، التي يخطئ الكثيرون ويظنونها خاصة بتنظيم فلسطيني، وهي موروث ثقافي وتراثي، وبالمقابل أوضح موطن الطربوش المصري الذي انتقل لنا في فترة حكم الدولة العثمانية.

بالرغم من أنَّ الكاتب جميل السلحوت له العديد من الإصدارات، الخاصة والعامة، إلا أنَّ روايته – أميرة -لم تسلم من وجود الأخطاء الإملائيَّة والنَّحويَّة، وكذا التشكيل وتقسيم فقراتها، وفي هذا مأخذ على دار الجندي للنشر، التي قامت بطباغة العمل، إذ كان حريًا بهم تحرير الكتاب قبل طباعته وإخراجه كما يليق. عدا عن غزارة استخدام الكاتب لحرف العطف ( الواو ) مما يؤكد عدم تحرير مادة الرِّواية وتجزئتها، فقد ورد حرف ( الواو ) في صفحة (20) ما يقارب 21 مرة في صفحة واحدة! كما كانت هناك أخطاء متعددة في استخدام الحاصرتين، الأقواس، وضع الهمزات، وغيرها، وهنا أرجو من الكاتب العناية بإخراج نسخ الرِّواية محررة.

ختامًا؛ جميل السلحوت يطرق أبواب الأدب من زوايا تختلف عن غيره، لكنَّ الأسلوب يحتاج لرعاية خاصة.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات