قبور المثقفين العرب في اليوم السابع

ق
القدس: 28-8-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية كتاب”قبور المثقفين العرب” للدكتور عبد الستار قاسم، ويقع الكتاب الصادر في نابلس عام 2006 في 145 صفحة من الحجم الكبير.
ومما قاله عبدالله دعيس
إن نظرة خاطفة لحال الأمة العربية اليوم ولدور المثقفين فيها، يجعلنا نقول:
ليت المثقفين ناموا في قبورهم وتركوا الأمة تحاول النهوض، لكان من الممكن أن يظهر من أبنائها من يقودها إلى العزة والكرامة والسؤدد. ولكن الحقيقة أن كثيرا من المثقفين تحولوا إلى معاول هدم ينبشون في خاصرة الأمة حتى أصبحت في ذيل الأمم.
تحدث المثقفون عن الحرية كثيرا، وعندما نهض الناس ليتنفسوا نسيم الحرية، تنكروا لها، وانضووا تحت راية أعدائها، فكانوا عونا للحكام وأداة للغرب لبسط نفوذه وتحقيق مصالحه دون أن يرفع سلاحا أو يسيّر جيوشا.
تحدث المثقفون عن التقدم والازدهار، فكانوا سدّا في وجهه عندما تعلقوا بذيول الغرب وتخلوا عن تاريخ أمة زاهر.
تحدث المثقفون العرب عن التعصب الديني، وحاربوه، ثم أصبحوا أكثر الناس عصبية لأفكار غريبة عن الأمة وتاريخها. خلقوا لأنفسهم دينا جديدا أسموه العلمانية، أو ما شاؤوا من الأسماء، فكان الركن الأول من أركان هذا الدين الجديد هو اقصاء الآخرين.
جبن المثقفون فما قاموا لإنكار منكر ولا لإحقاق حق. وركن بعضهم إلى سلاطين يعلمون قطعا ضعفهم وخيانتهم وخذلانهم لأمتهم من أجل متاع دنيوي زائل. وأتقن كثير منهم فن التملق والنفاق والكذب، فخرجوا علينا في وسائل الإعلام يكذبون ويكذبون ثم يصدقون أكاذيبهم.
وآخرون يئسوا من الإصلاح لما رأوا صولة الباطل، فانزووا في أقبيتهم يلعنون الظلام ولا يضيئون للحق شمعة. ومنهم من اختار الهرب والعيش بعيدا عن أمة تتنكر لكل من يحاول أن يبث الروح في أوصالها الخامدة، فهاجروا إلى بلاد يستطيعون أن يتنفسوا فيها شيئا من الحرية الزائفة.
وآخرون أتقنوا فن الكلام لكنهم لم ينسجوا بالأفعال سربالا، فكان كلامهم مخدرا لأبناء الأمة، موهما الآخرين أن هناك من يقوم بالمهمة.
وكثير من المثقفين رموا أنفسهم في أحضان الغرب، مقلدين دون إعمال عقل، وتخلوا وترفعوا عن أبناء أمتهم، فسقطوا، وكانوا سوطا في أيدي الغرب يضرب به كل حلم للأمة بالنهوض.
ومن المثقفين من انغلق على فكرة وتعصب لها حتى لم ير غيرها؛ جمد في ماض بعيد عن تحديات الحاضر، أو انغلق على فكرة لفظها أهلها ومبدعوها.
لقد هرع كثير من المثقفين إلى المأدبة الأمريكية يلتهمون علفها، فاستسلموا للإرادة الأمريكية وداروا في فلكها، ونصّبوا أمريكا إلها من دون الله، فأصبحت أمريكا في نظرهم كأنها تدير الكون، وأصبحت غايتهم أن يكسبوا ودّ أو شفقة أمريكا، ولو على حساب أبناء أمتهم، وأصبحت قرارات وإرادة أمريكا كأنها قدر يجب أن نستسلم له. فمن رفع عصا العصيان في وجه الطغيان تصنفه أمريكا إرهابيا وكذلك يقول عبادها من المثقفين ثم يبررون لحكامهم القمع والاستبداد. أما الواقعية فهي تلك التي يمكن أن ترضى بها أمريكا ومن قبلها “إسرائيل” وما عدا ذلك فهو ضرب من الخيال وتطرف في نظرهم.
ليت هؤلاء المثقفين يغيبون في قبورهم ويتركون الأمة تصنع مجدها من جديد بعيدا عن خنوعهم وانحرافهم.
ثلة من الحكام الضعفاء يحكمون أمة مترامية الأطراف، وهل يحكم الضعيف قويا؟ ما حكمها أولئك إلا لأنها أمة ضعيفة مترددة مهزوزة مهزومة.
لكن حركة التاريخ تقول أن أصحاب القبور لا يخرجون منها بل يفنون ويغيبون عن الوجود، أما النائم فلا بد أن يستيقظ، والغافل لا بد أن ينتبه، والحق لا بد يوما أن يسود. لقد بدأت الحركة تدبّ في أوصال العالم العربي، وكسر حاجز الخوف بين الناس وبين الحكام الخونة، وانفضحت عورة المتآمرين والمتخاذلين، وبدأ ربيع الأمة يزهر. يقاوم الباطل زهرها ويريد له أن يذبل، ويكشر عن أنيابه ويحاول أن يئد الحق، لكن دروس الطبيعة تقول لنا أن الزهرة ستتحول إلى ثمرة، وأن الطفل إذا تعثر بعد خطواته الأولى فلا بد لساقه أن تشتد ويبدأ بالعَدْو، فربيع الأمة قادم بإذن الله، رغم الانتكاس ورغم ما يبدو من انتفاخ للباطل.
وبكلمات الدكتور عبد الستار قاسم: عندما تخرج الأمور عن سيرها التاريخي العقلاني وتتحول إلى ظلم واستعباد، فإنه من المتوقع أن يأخذ الوعي دورته ليتحول إلى وعي عملي يقلب الطاولة على رؤوس الظالمين.”
إن انتصار المقاومة الفلسطينية على آلة البطش الصهيونية وصمودها أمام العدوان، ليبعث روح الأمل في هذه الأمة، وهنا يصبح واجب المثقفين أن يخرجوا من عزلتهم وأن يقفوا في وجه الطغيان، ويقولوا كلمة الحق لا يخشون لومة لائم، فهذا العدو الغاشم بجيشه الجرار وعتاده وعدته، لم يستطع أن يفل حديد المقاومة الذي بنته بإمكانيات ضعيفة، فأنى لأولئك الضعاف الذين نصبوا أنفسهم علينا حكاما أن يسرقوا فجر أمة قررت أن تنهض من سباتها!
وقال عماد الزغل:
يطرق الدكتور  عبد الستار قاسم في كتابه ” قبور المثقفين العرب” مسألة قديمة  جديدة، هي جدلية العلاقة بين السياسي والمثقف، وضياع النخبة من المثقفين العرب الذين يعول عليهم النهوض بأمتهم نحو المجد والكرامة والتخلص من التبعية السياسية للغرب، حيث يقعون فريسة لأمراض نفسية واجتماعية كالجبن وضعف الشخصية والانعزال والنفاق والتزلف وبيع المبادئ إلى العشائرية والقبلية والفهم الخاطئ للدين والتطرف وغيرها.
لقد كان السياسي قديما هو المثقف، فلم يكن هناك فصام بين السياسة والثقافة، وكان رأس الهرم السياسي للسلطة مثقفا عالما، فشهد تاريخ العرب والمسلمين شخصية عبد الملك بن مروان والمأمون وغيرهما حيث كان المثقف والسياسي وجهان لعملة واحدة، وكان في الأندلس لسان الدين بن الخطيب يلقب بذي الوزارتين؛ وزارة السياسة ووزارة الأدب، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: “تفقهوا قبل أن تسودوا.”
ولم يحدث هذا الفصام النكد في شخصية السياسي المثقف أو المثقف السياسي إلا بعد أن انتزع العسكر رأس الهرم السلطوي في العالم العربي، والعسكري ضحل الثقافة باطش اليد، يحاول أن يعوض عن ضعف الثقافة ببطش الاستخبارات وقوة العسكر، بل أن بعض العسكر حاول أن يرتدي ثوب المثقف ففشل فشلا ذريعا، وما القذافي عنكم ببعيد.
ومعظم الأنظمة الشمولية في العالم كان يرأسها السياسي غير المثقف، وكان يطيح بالمثقفين والعلماء الذين يخالفون سياسته نفيا أو سجنا أو قتلا أو تشريدا، فبطش ستالين بتروتسكي، قضى صدام حسين على كل خصومه من العلماء والمثقفين، ومثله نظام حافظ الأسد وغيره.
وقد أعاد الربيع العربي اليوم السيادة للمثقف، وعاد المثقف ليرأس الهرم السياسي في تونس مثلا حيث أصبح المنصف المرزوقي العالم والمحاضر والباحث رئيسا للسلطة السياسية في تونس، وأصبح محمد مرسي عميد كلية العوم رئيسا لمصر لولا أن بطش به العسكر.
أما عبد الستار قاسم فهو مثال للمثقف الذي يتحدى الساسة، ويقف لهم بالمرصاد ويعري خيانتهم وفسادهم، فهم مثال للمثقف النخبوي الذي يتصدى للسياسة مثله مثل الكثيرين من المثقفين الذين وقفوا الموقف نفسه في العالم العربي؛ فغابوا وراء الشمس وأكلت الزنازين أجسادهم، ولولا لطف الله به لأصبح قتيلا بيد الغدر والجهل والعصبية المقيتة.
إن كتاب الدكتور عبد الستار قاسم الذي أظن أنه قد طبع قبل الربيع العربي، يحتاج إلى إعادة نظر في أحوال المثقفين العرب، فالمثقف العربي قد قاد وبكل نجاح ثورة مجيدة على النظام العربي العفن، وفي هذه الجولة استطاع العسكر وبدعم من أمريكا أن يعودوا إلى السلطة ولا سيما في مصر واليمن؛ لأن المثقف التنويري لن تصب سيادته في مصلحتها.
لقد وقف الدكتور عبد الستار محللا وضع المثقفين الإسلاميين وصنفهم إلى أكثر من صنف واختار لهم من قبور الكهنوتية والسطحية والسلفية ما شاء، وكأنه يريد القول إن المثقف الإسلامي لا بد له أن يكون عمليا واقعيا وسطيا معتدلا، ولكنه لم يخبرنا كيف تكون مواجهته أمام النظام، فإذا كان لا يمكن له أن يخوض التجربة الديمقراطية، لأنها ليست أخلاقية كما يقول الدكتور وليس له أن يستخدم العنف، فكيف له أن يصل إلى السلطة؟
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له      إياك إياك أن تبتلّ بالماء
إن المثقفين العرب لا بد أن يكون لكل واحد منهم قبر قد دفن نفسه فيه، ولكن في النهاية لقد أثبت الواقع العربي الجديد أن المثقف يحرك الشارع والجماهير ويقود الناس إذا أراد.
إن أمريكا تحذر دائما من الزعيم المثقف ولا تحبه في العالم العربي، ولذلك اختارت أن تكون قيادة الأردن بعد الملك حسين للملك عبد الله بن الحسين وليس للأمير حسن، لأنه يعتبر نموذجا للسياسي العربي المثقف الذي يتخذ قراره بناء على رؤيته وثقافته العربية والقومية والإنسانية.
إن خلاصة دور ما ينبغي أن يكون عليه المثقف هو الأمانة التي أوجزها قوله تعالى: “وإذ أخذنا ميثاق الذن أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه.”
وجرى نقاش مطول شارك فيه عدد من الحضور منهم: ابراهيم جوهر، جميل السلحوت، ديمة السمان، رفعت زيتون، سوسن عابدين الحشيم، رشا السرميطي، ماجدة صبحي، طارق السيد، وماجد الماني.

قبور المثقفين العرب في اليوم السابع

القدس: 28-8-2014 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية كتاب”قبور المثقفين العرب” للدكتور عبد الستار قاسم، ويقع الكتاب الصادر في نابلس عام 2006 في 145 صفحة من الحجم الكبير.

ومما قاله عبدالله دعيس

إن نظرة خاطفة لحال الأمة العربية اليوم ولدور المثقفين فيها، يجعلنا نقول:

ليت المثقفين ناموا في قبورهم وتركوا الأمة تحاول النهوض، لكان من الممكن أن يظهر من أبنائها من يقودها إلى العزة والكرامة والسؤدد. ولكن الحقيقة أن كثيرا من المثقفين تحولوا إلى معاول هدم ينبشون في خاصرة الأمة حتى أصبحت في ذيل الأمم.

تحدث المثقفون عن الحرية كثيرا، وعندما نهض الناس ليتنفسوا نسيم الحرية، تنكروا لها، وانضووا تحت راية أعدائها، فكانوا عونا للحكام وأداة للغرب لبسط نفوذه وتحقيق مصالحه دون أن يرفع سلاحا أو يسيّر جيوشا.

تحدث المثقفون عن التقدم والازدهار، فكانوا سدّا في وجهه عندما تعلقوا بذيول الغرب وتخلوا عن تاريخ أمة زاهر.

تحدث المثقفون العرب عن التعصب الديني، وحاربوه، ثم أصبحوا أكثر الناس عصبية لأفكار غريبة عن الأمة وتاريخها. خلقوا لأنفسهم دينا جديدا أسموه العلمانية، أو ما شاؤوا من الأسماء، فكان الركن الأول من أركان هذا الدين الجديد هو اقصاء الآخرين.

جبن المثقفون فما قاموا لإنكار منكر ولا لإحقاق حق. وركن بعضهم إلى سلاطين يعلمون قطعا ضعفهم وخيانتهم وخذلانهم لأمتهم من أجل متاع دنيوي زائل. وأتقن كثير منهم فن التملق والنفاق والكذب، فخرجوا علينا في وسائل الإعلام يكذبون ويكذبون ثم يصدقون أكاذيبهم.

وآخرون يئسوا من الإصلاح لما رأوا صولة الباطل، فانزووا في أقبيتهم يلعنون الظلام ولا يضيئون للحق شمعة. ومنهم من اختار الهرب والعيش بعيدا عن أمة تتنكر لكل من يحاول أن يبث الروح في أوصالها الخامدة، فهاجروا إلى بلاد يستطيعون أن يتنفسوا فيها شيئا من الحرية الزائفة.

وآخرون أتقنوا فن الكلام لكنهم لم ينسجوا بالأفعال سربالا، فكان كلامهم مخدرا لأبناء الأمة، موهما الآخرين أن هناك من يقوم بالمهمة.

وكثير من المثقفين رموا أنفسهم في أحضان الغرب، مقلدين دون إعمال عقل، وتخلوا وترفعوا عن أبناء أمتهم، فسقطوا، وكانوا سوطا في أيدي الغرب يضرب به كل حلم للأمة بالنهوض.

ومن المثقفين من انغلق على فكرة وتعصب لها حتى لم ير غيرها؛ جمد في ماض بعيد عن تحديات الحاضر، أو انغلق على فكرة لفظها أهلها ومبدعوها.

لقد هرع كثير من المثقفين إلى المأدبة الأمريكية يلتهمون علفها، فاستسلموا للإرادة الأمريكية وداروا في فلكها، ونصّبوا أمريكا إلها من دون الله، فأصبحت أمريكا في نظرهم كأنها تدير الكون، وأصبحت غايتهم أن يكسبوا ودّ أو شفقة أمريكا، ولو على حساب أبناء أمتهم، وأصبحت قرارات وإرادة أمريكا كأنها قدر يجب أن نستسلم له. فمن رفع عصا العصيان في وجه الطغيان تصنفه أمريكا إرهابيا وكذلك يقول عبادها من المثقفين ثم يبررون لحكامهم القمع والاستبداد. أما الواقعية فهي تلك التي يمكن أن ترضى بها أمريكا ومن قبلها “إسرائيل” وما عدا ذلك فهو ضرب من الخيال وتطرف في نظرهم.

ليت هؤلاء المثقفين يغيبون في قبورهم ويتركون الأمة تصنع مجدها من جديد بعيدا عن خنوعهم وانحرافهم.

ثلة من الحكام الضعفاء يحكمون أمة مترامية الأطراف، وهل يحكم الضعيف قويا؟ ما حكمها أولئك إلا لأنها أمة ضعيفة مترددة مهزوزة مهزومة.

لكن حركة التاريخ تقول أن أصحاب القبور لا يخرجون منها بل يفنون ويغيبون عن الوجود، أما النائم فلا بد أن يستيقظ، والغافل لا بد أن ينتبه، والحق لا بد يوما أن يسود. لقد بدأت الحركة تدبّ في أوصال العالم العربي، وكسر حاجز الخوف بين الناس وبين الحكام الخونة، وانفضحت عورة المتآمرين والمتخاذلين، وبدأ ربيع الأمة يزهر. يقاوم الباطل زهرها ويريد له أن يذبل، ويكشر عن أنيابه ويحاول أن يئد الحق، لكن دروس الطبيعة تقول لنا أن الزهرة ستتحول إلى ثمرة، وأن الطفل إذا تعثر بعد خطواته الأولى فلا بد لساقه أن تشتد ويبدأ بالعَدْو، فربيع الأمة قادم بإذن الله، رغم الانتكاس ورغم ما يبدو من انتفاخ للباطل.

وبكلمات الدكتور عبد الستار قاسم: عندما تخرج الأمور عن سيرها التاريخي العقلاني وتتحول إلى ظلم واستعباد، فإنه من المتوقع أن يأخذ الوعي دورته ليتحول إلى وعي عملي يقلب الطاولة على رؤوس الظالمين.”

إن انتصار المقاومة الفلسطينية على آلة البطش الصهيونية وصمودها أمام العدوان، ليبعث روح الأمل في هذه الأمة، وهنا يصبح واجب المثقفين أن يخرجوا من عزلتهم وأن يقفوا في وجه الطغيان، ويقولوا كلمة الحق لا يخشون لومة لائم، فهذا العدو الغاشم بجيشه الجرار وعتاده وعدته، لم يستطع أن يفل حديد المقاومة الذي بنته بإمكانيات ضعيفة، فأنى لأولئك الضعاف الذين نصبوا أنفسهم علينا حكاما أن يسرقوا فجر أمة قررت أن تنهض من سباتها!

وقال عماد الزغل:

يطرق الدكتور  عبد الستار قاسم في كتابه ” قبور المثقفين العرب” مسألة قديمة  جديدة، هي جدلية العلاقة بين السياسي والمثقف، وضياع النخبة من المثقفين العرب الذين يعول عليهم النهوض بأمتهم نحو المجد والكرامة والتخلص من التبعية السياسية للغرب، حيث يقعون فريسة لأمراض نفسية واجتماعية كالجبن وضعف الشخصية والانعزال والنفاق والتزلف وبيع المبادئ إلى العشائرية والقبلية والفهم الخاطئ للدين والتطرف وغيرها.

لقد كان السياسي قديما هو المثقف، فلم يكن هناك فصام بين السياسة والثقافة، وكان رأس الهرم السياسي للسلطة مثقفا عالما، فشهد تاريخ العرب والمسلمين شخصية عبد الملك بن مروان والمأمون وغيرهما حيث كان المثقف والسياسي وجهان لعملة واحدة، وكان في الأندلس لسان الدين بن الخطيب يلقب بذي الوزارتين؛ وزارة السياسة ووزارة الأدب، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: “تفقهوا قبل أن تسودوا.”

ولم يحدث هذا الفصام النكد في شخصية السياسي المثقف أو المثقف السياسي إلا بعد أن انتزع العسكر رأس الهرم السلطوي في العالم العربي، والعسكري ضحل الثقافة باطش اليد، يحاول أن يعوض عن ضعف الثقافة ببطش الاستخبارات وقوة العسكر، بل أن بعض العسكر حاول أن يرتدي ثوب المثقف ففشل فشلا ذريعا، وما القذافي عنكم ببعيد.

ومعظم الأنظمة الشمولية في العالم كان يرأسها السياسي غير المثقف، وكان يطيح بالمثقفين والعلماء الذين يخالفون سياسته نفيا أو سجنا أو قتلا أو تشريدا، فبطش ستالين بتروتسكي، قضى صدام حسين على كل خصومه من العلماء والمثقفين، ومثله نظام حافظ الأسد وغيره.

وقد أعاد الربيع العربي اليوم السيادة للمثقف، وعاد المثقف ليرأس الهرم السياسي في تونس مثلا حيث أصبح المنصف المرزوقي العالم والمحاضر والباحث رئيسا للسلطة السياسية في تونس، وأصبح محمد مرسي عميد كلية العوم رئيسا لمصر لولا أن بطش به العسكر.

أما عبد الستار قاسم فهو مثال للمثقف الذي يتحدى الساسة، ويقف لهم بالمرصاد ويعري خيانتهم وفسادهم، فهم مثال للمثقف النخبوي الذي يتصدى للسياسة مثله مثل الكثيرين من المثقفين الذين وقفوا الموقف نفسه في العالم العربي؛ فغابوا وراء الشمس وأكلت الزنازين أجسادهم، ولولا لطف الله به لأصبح قتيلا بيد الغدر والجهل والعصبية المقيتة.

إن كتاب الدكتور عبد الستار قاسم الذي أظن أنه قد طبع قبل الربيع العربي، يحتاج إلى إعادة نظر في أحوال المثقفين العرب، فالمثقف العربي قد قاد وبكل نجاح ثورة مجيدة على النظام العربي العفن، وفي هذه الجولة استطاع العسكر وبدعم من أمريكا أن يعودوا إلى السلطة ولا سيما في مصر واليمن؛ لأن المثقف التنويري لن تصب سيادته في مصلحتها.

لقد وقف الدكتور عبد الستار محللا وضع المثقفين الإسلاميين وصنفهم إلى أكثر من صنف واختار لهم من قبور الكهنوتية والسطحية والسلفية ما شاء، وكأنه يريد القول إن المثقف الإسلامي لا بد له أن يكون عمليا واقعيا وسطيا معتدلا، ولكنه لم يخبرنا كيف تكون مواجهته أمام النظام، فإذا كان لا يمكن له أن يخوض التجربة الديمقراطية، لأنها ليست أخلاقية كما يقول الدكتور وليس له أن يستخدم العنف، فكيف له أن يصل إلى السلطة؟

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له      إياك إياك أن تبتلّ بالماء

إن المثقفين العرب لا بد أن يكون لكل واحد منهم قبر قد دفن نفسه فيه، ولكن في النهاية لقد أثبت الواقع العربي الجديد أن المثقف يحرك الشارع والجماهير ويقود الناس إذا أراد.

إن أمريكا تحذر دائما من الزعيم المثقف ولا تحبه في العالم العربي، ولذلك اختارت أن تكون قيادة الأردن بعد الملك حسين للملك عبد الله بن الحسين وليس للأمير حسن، لأنه يعتبر نموذجا للسياسي العربي المثقف الذي يتخذ قراره بناء على رؤيته وثقافته العربية والقومية والإنسانية.

إن خلاصة دور ما ينبغي أن يكون عليه المثقف هو الأمانة التي أوجزها قوله تعالى: “وإذ أخذنا ميثاق الذن أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه.”

وجرى نقاش مطول شارك فيه عدد من الحضور منهم: ابراهيم جوهر، جميل السلحوت، ديمة السمان، رفعت زيتون، سوسن عابدين الحشيم، رشا السرميطي، ماجدة صبحي، طارق السيد، وماجد الماني.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات