قادة اسرائيل غير مستعدين للسلام

ق

معروف ان قادة اسرائيل منذ نشوء اسرائيل في ايار 1948 وحتى الآن يجيدون فن ادارة الصراع بكفاءة عالية، وإدارتهم تتجلى في تحويل التركيز عن القضايا الاساسية الهامة الى قضايا ثانوية، يُكبرونها وينفخون فيها لتتصدر الأحداث حتى ينصرف الرأي العام المحلي والعالمي عن القضايا المصيرية، يساعدهم في ذلك طاحونة الاعلام الهائلة التي تسيطر عليها الحركة الصهيونية في مختلف دول العالم،وغياب الدبلوماسية العربية والاعلام العربي الناشطين.

وفي ايامنا هذه وبعد ان أبدت ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما اهتماما بضرورة الوصول الى حل عادل ودائم للصراع العربي الاسرائيلي، يتمثل في اقامة دولة فلسطينية في الاراضي الفلسطينية المحتلة في حرب حزيران 1967، وايجاد حلول عادلة للقضايا العالقة وفي مقدمتها قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهذا يتطلب الوقف الكامل للاستيطان الاسرائيلي في اراضي الدولة الفلسطينية العتيدة تمهيدا للعودة الى طاولة المفاوضات لتحقيق الهدف الرئيس، الا ان الحكومة الاسرائيلية لا تزال ترفض الاعلان ولو للاستهلاك الاعلامي عن قبولها وقف البناء الاستيطاني بشكل كامل، واكثرما أعلنوا عنه هو وقف بناء مستوطنات جديدة، وبما ان الفكر الصهيوني قائم على التوسع والاحتلال، الى درجة ان اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا حدود لها، فإن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة سواء كانت من اليسار الصهيوني أو الوسط أو اليمين لم توقف هذا الاستيطان ولو ليوم واحد، حتى ان المستوطنات القائمة في الضفة الغربية وجوهرتها القدس الشرقية تضاعف البناءالاستيطاني وعدد المستوطنين فيها الى اكثر من خمسة اضعاف منذ توقيع اتفاقات اوسلو في ايلول 1993 وحتى يومنا هذا، ليصل عدد المستوطنين الى اكثر من نصف مليون .

وبما ان الحديث عن السلام الدائم اتخذ طابع الجدية خصوصا بعد وصول الرئيس الامريكي باراك اوباما الى عرش البيت الابيض، فإن الحكومة الاسرائيلية سارعت ولا تزال تسارع في فرض سياسة التهويد على ارض الواقع من خلال تعزيز الاستيطان، وهذا اكثر ما يكون وضوحا في القدس الشرقية، حيث برزت سياسة اخلاء البيوت العربية من مالكيها المقدسيين الفلسطينيين واحلال مستوطنين يهود مكانهم، كما يحدث في حي الشيخ جراح ، وقرية سلوان ، وذلك في نفس الوقت الذي يستمر فيه البناء الاستيطاني .

ويأتي بنيامين نيتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيلية في جولته الحالية في اوروبا ليحرف قضية التركيز على وقف الاستيطان الى قضية اخرى، عندما اعتبر ان القضية الاساسية تتمثل في عدم اعتراف العرب بيهودية دولة اسرائيل، وهو بهذا يريد اعترافا وموافقة من الفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام بطرد ما يقارب المليون وربع المليون فلسطيني الذين يعيشون في اسرائيل على ارضهم التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ آلاف السينين، ويهودية الدولة تعني اسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، تماما مثلما يعني الاستيطان حق اليهود الاستيطاني في كامل اراضي فلسطين التاريخية التي يسمونها(ارض اسرائيل)، وواضح ان اسرائيل الرسمية لم تكتف بجدار التوسع الاحتلالي كحدود لها، مع انه يقضم اكثر من 5% من الضفة الغربية، ويبدو انها تريد دولة للمستوطنين في بقية اجزاء الضفة المحتلة، وهذا ليس غريبا على المشروع الصهيوني طويل المدى، والذي يقوم على التوسع والاستيطان ، واقتلاع الشعب الفلسطيني من ارضه واحلال مستوطنين يهود مكانه .

وكثيرون من رؤوس الفكر الصهيوني يرون ان الدولة الفلسطينية يجب ان  تقوم في الأردن وعلى رأسهم نتنياهو ووزير خارجيته، وكل ذلك وغيره كثير يثبت ان اسرائيل الرسمية غير مستعدة لاقامة سلام عادل ودائم، لأن مشروعهم التوسعي لم يكتمل بعد، ولو كانوا مستعدين للسلام ومتطلباته لأعلنوا استعدادهم لانهاء الاحتلال المستمر منذ حزيران 1967 وكافة مخلفاته، حسب ما تنص عليه قرارات مجلس الامن الدولي، والقانون الدولي،  ورفضهم لمتطلبات السلام يقودهم الى ادارة الصراع بخلق بدائل لجوهر الصراع، مثل قولهم انهم سيوقفون بناء مستوطنات جديدة، وهذا يعني الاستمرار في توسيع المستوطنات القائمة التي تُطوق المدن والقرى الفلسطينية بشكل شبه كامل، فنظرة فاحصة الى صورة جوية للضفة الغربية توضح ان المدن والقرى الفلسطينية اصبحت جيوبا محاصرة بالمستوطنات، ومنعزلة تحيط بها جدران التوسع الاحتلالي التي جعلت منها كانتونات متباعدة .

ولصرف الانظار عن القضايا الجوهرية وهي الاحتلال فإن اسرائيل جندت العالم لمحاصرة قطاع غزة، وتجويع مليون ونصف مليون فلسطيني بحجة عدم اطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليط .

واذا كان من حق جلعاد شاليط ان ينعم بالحرية، فإن من حق اكثر من أحد عشر الف اسير فلسطيني -مضى على المئات منهم اكثر من عشرين وعلى العشرات أكثر من ثلاثين سنة- ان ينعموا بالحرية أيضا، ومن حق اكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة ان يعيشوا بكرامة وحرية، ومن حق اكثر من اربعة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ،ومثلهم في ارض اللجوء ان يحصلوا على حقهم في تقرير مصيرهم واقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها القدس الشريف كغيرهم من بقية شعوب الارض.

27-8-2009

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات