فوز حزب العدالة التركي والاسلام

ف

رغم أنّ فوز حزب العدالة التركي الذي يتزعّمه الطيّب أردوغان في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة شأن داخليّ تركيّ، إلا أنّ الفرحة الكبرى التي بدت على الاسلام السّياسي في منطقتنا العربيّة بهذا الفوز ، ولكون تركيا أحد اللاعبين الرئيسيّين في المنطقة فلا بدّ من التّوقّف عند ذلك.

ولفهم ذلك علينا أن نتذكّر أن تركيّا عضو فاعل في حلف النّاتو، وتربطها باسرائيل اتفاقات عسكريّة واقتصاديّة وسياسيّة معروفة ومعلنة للجميع، وهي أحد الدّاعمين والمدرّبين والمموّلين “للفوضى الخلاقة” واللا أخلاقيّة في المنطقة العربية، ويبدو ذلك جليّا في سوريّا، العراق، ليبيا، مصر، اليمن وغيرها. فهل يقوم حزب العدالة التركيّ بذلك نصرة للاسلام وللمسلمين؟

وهل سعي أردوغان لاحياء الخلافة العثمانيّة دعوة دينيّة خالصة؟ وما هو دوره في المنطقة؟ وبعيدا عن نظرية المؤامرة، إلا أنّ المرء يستطيع أن يحكم على حكم أردوغان وحزبه من خلال الأفعال التي يقوم بها، وليس من خلال استقراء النّوايا والغيبيّات.

وقبل ذلك علينا الانتباه إلى دستور تركيا العلمانيّة الأتاتوركيّة منذ العام 1924 وحتى يومنا هذا، فدستور الدّولة التركيّة العلماني ينصّ على أنّ الجيش مسؤول عن حماية علمانيّة الدّولة إذا ما تعرّضت لأيّة انتهاكات، وقد سبق للجيش أن أسقط حكومة أربكان معلم أردوغان لميولها الاسلاميّة، فلماذا يسكت الجيش على حكومة أردوغان؟ وهل هي حكومة اسلاميّة حقا.

صحيح أنّ أردوغان قفز بالاقتصاد التركي قفزات هائلة وهذا أمر جيّد، لكنّه في الوقت نفسه قفز قفزات كبرى في مشروع “الفوضى الخلاقة” لتحقيق المشروع الأمريكي “الشرق الأوسط الجديد” الذي أعلنته وزيرة خارجية أمريكا كونداليزا رايس عام 2006، لذا فهو يدعم القوى المتأسلمة التي تمارس الارهاب في عدّة دول عربيّة “سوريا، ليبيا، العراق، مصر وغيرها”. وقد جيء بأردوغان وحزبه في الوقت المناسب لتغذية الطّائفية الدّينيّة بين “الشّيعة والسّنة” التي أوجدتها أمريكا بعد تدميرها واحتلالها للعراق وقتل شعبه في العام 2003، وما ترتّب على ذلك من ازدياد النّفوذ الايراني في المنطقة، وسعي ايران لتكون الدّولة الاقليميّة الأولى على حساب اسرائيل، خصوصا بعد ما جرى في العراق، وبعد تحييد مصر في عهدي السّادات ومبارك، واغراقها في مشاكل اقتصاديّة كبيبرة. فتركيا بشعبها المسلم وبغالبيّته السّنيّة، هي التي ستوقف المدّ الايراني”الشّيعي” كي تبقى السّاحة خالية لاسرائيل كي تنفّذ مشروعها الصّهيونيّ التّوسعيّ والمهيمن في المنطقة، بعد لجم النّظام العربيّ الرّسميّ الذي لم يتمرّد يوما على زواجه الكاثوليكيّ من أمريكا، وارتضى الهزيمة والخنوع.

وأمريكا التي تطوّر سياساتها في المنطقة حسب تطوّر الأحداث فيها، لتبقي على هيمنتها عليها، ارتأت أنّ مصالحها ذات علاقة بالحركات السّياسيّة المتأسلمة، والتي تسعى إلى الوصول إلى الحكم بغضّ النّظر عن الوسيلة وعن النّتائج أيضا. مع تحفّظ أمريكا الشّديد على الحركات الاسلاميّة في العالم العربي لأكثر من سبب، ارتأت أنّ حزب العدالة التّركيّة هو الأقرب والأكثر قدرة للحفاظ على مصالحها. وأوعزت إلى أتباعها في المنطقة العربيّة لدعم ذلك، ومن هنا انهالت “فتاوي” التأييد” من رجال دين ممّن يسمّون “بعلماء السّلاطين” لأردوغان وحزبه، مستغلّين بذلك العاطفة الدّينيّة لعامّة المسلمين. خصوصا وأنّ هؤلاء العامّة يتميّزون بجهلهم في أمور دينهم ودنياهم، ويعيشون بعقليّة لا تتماشى والعصر.

وقد يغضب البعض من هكذا كلام، ويزعمون أنّهم المالكون الوحيدون للحقيقة والمعرفة، ولتنشيط ذاكرتهم ولتنبيههم من ضلالهم فهل يستطيعون الاجابة على بعض الأسئلة مثل: لمصلحة من تبقى تركيّا عضوا في حلف النّاتو، وتطوّر علاقاتها مع اسرائيل التي تواصل احتلالها للأراضي العربيّة؟ ولمصلحة من يغذي أردوغان وحزبه الاقتتال والتدمير والتخريب والقتل في بعض الدّول العربيّة؟ ولمصلحة من ترى بعض الأنظمة العربيّة أنّ تحالفها مع اسرائيل ضرورة لمحاربة ايران؟ وهل حكومة أردوغان حكومة اسلاميّة فعلا؟ وهل يسعى المتأسلمون الجدد إلى إقامة نظام اسلاميّ بالمواصفات الأمريكيّة؟

4-11-2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات