عفيف قاووق: رواية مايا وحق العودة

ع

رواية “مـايـا” للكاتب الفلسطيني جميل السلحوت، والتي يتوجه بها لليافعين ويُهديها لحفيداته الغائبات عنه “لينا، ميرا و مايـا”. ونكتشف بسهولة أن شخوصها هم فعلا حفيدات الكاتب، وكأن الرواية جاءت لتسجل وتتخيّل بعض يوميّاتهنّ وأحلامهنّ خلال إقامتهنّ في ديار الغربة وتحديدا في أميركا. رواية كُتبت بلغةٍ سهلة وبجملٍ صغيرة وبسيطة وحوارات تلقائية بعيدة عن أي تعقيد؛ لتناسب مستوى وإدراكات أجيالنا اليافعة. هذه الرواية أرادها الكاتب صلة تواصل مع الفتيّة المنتشرين في ديار الإغتراب وجسر عبور لهم إلى الوطن الأمّ من خلال تزويدهم بشحنةٍ تذكيريّة عن فلسطين وفرادتها وجرعة حنين؛ كي يبقى هذا الوطن حيّا في قلب وعقل كل فلسطيني أينما وجد، وإلى أي فئة عُمريّة إنتمى. بداية موفقة وفريدة إفتتح بها جميل السلحوت روايته، وهي الحلم الذي عصف بمايا وجعلها تتخيل أنها أمضت عطلتها الصيفيّة في فلسطين مع جدّيها جميل وحليمة، هذه الرؤيا المُتخيّلة إذا أردنا تفسيرها، أمكننا القول أن حقّ العودة والحلم به لا يزال يقُض مضاجع الكُلّ، ويُبقيه القاسم المشترك والجامع لكافة الأجيال الفلسطينية المتعاقبة مهما طال إغترابها وإنتشارها في بقاع العالم. ألم يقل العم أحمد “نحن الفلسطينيين تسكننا القدسُ ومقدّساتُها حتّى وإن كنّا بعيدين عنها”، لتعقب زوجته التونسية هالة قائلة: “القدس تسكن قلب وعقل كلّ عربي ومسلم، ولن يهدأ ضمير الأمّة ما دامت القدسُ محتلّة”(ص14). في رسالته إلى اليافعين ومن خلال هذه الرواية أضاء الكاتب على عدة مواضيع ونقاط وإن كانت هذه الإضاءة جاءت أحيانا بشكل عابر دون الإسترسال والتوسع فيها، فأتت مخفّفة وسهلة الهضم في ذهن القارىء اليافع. ومن هذه النقاط والمواضيع نذكر ما يلي:

  1. ضرورة التشبث بالوطن: لأجلِ تعريف الجيل الجديد المُغترب والمتواجد بعيدا عن القدس وفلسطين بعظمة هذا الوطن ومقدساته، أسهب الكاتب في توصيف الأماكن والتغني بفلسطين وجمالها كما عبرت السيدة هالة جدّة مايـا لأمّها إذ تقول: ” فلسطين ساحرةٌ يا أمي فهي عبارة عن متحف كبير، أرضها خصبة يزرعونها بمختلف أنواع الخضار والفواكه، فتبدو جنّة الحياة ّ الدنيا، وجوهرتُها القدس تحوي أقدس مقدسات المسلمين والمسيحيّين، من يشرب من ماء القدس سيحنّ إليها دائما”. كذلك فقد تطرق الكاتب إلى بعض أماكن العبادة لكلا الديانتين فتحدث عن المسجد الأقصى المبارك الذي يجاور كنيسة القيامة في القدس، وأيضا كنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة العذراء في الناصرة، إضافة إلى بعض المساجد التاريخية كمسجد الجزّار في عكّا وجامع حسن بيك في يافا، وغيرها من الأماكن الأثرية والتاريخية مثل سور القدس، الذي لا يوجد له مثيل في أي مدينة في العالم..ليس هذا فحسب، فقد تجسد الإنتماء الوطني لدى كلّ من مايا وزميلاتها في ردهنّ على سؤال معلمتهنّ حول جنسيتهنّ فكان جواب ماليسّا ” أنا فلسطينيّةٌ من بيت لحم أحمل الجنسيّة الأميركيّة، وزميلتها لينا قالت: ” وأنا مثلها عربيّةٌ فلسطينيّةٌ مسلمةُ من القدس وأحمل الجنسيّة الأميركيّة،(ص41).
  2. التضليل الإعلامي الغربي والأميركي: هذا التضليل كان حاضرا في هذه الرواية من خلال الحوارألذي جرى بين معلمة المدرسة والتلميذتين الفلسطينية مايا والأردنيّة عُنود، عندما إدّعت المعلمة أن صورة مسجد قبّة الصّخرة التي بحوزة مايا ما هي سوى “صورةٌ جميلة لجبل الهيكل، وهو معبد يهودي قديم بنى المسلمون حسب زعمها هذا المسجد على أنقاضه، فإنتفضت الفتاتان لتؤكدا أنّ هذا هو مسجد قبّة الصّخرة وهو المكان المقدس منذ القدم ولا صحة لمزاعم المعلمة التي وجدت نفسها مضطرة لإنهاء الحوار والعودة إلى الدرس.
  3. التذكير بممارسات الإحتلال: لم تخلُ أية رواية فلسطينيّة من التطرق لموضوع الإحتلال وممارساته القمعية، وهذا ما تناولته رواية مايا، لأجل بث الروح الوطنية والتضامن مع فلسطينيي الداخل، وتصف مايا هذا الإحتلال بأنه “إحتلال وحشي يسيطرعلى وطننا بقوِة ّ السلاح، يقتلُ ويدّمرُ ويعتقلُ، لقد رأيتهم بعينيّ وهم يدخلون المسجد الأقصى المبارك ويعتدون بالضّرب على المُصلّين، كما رأيتهم وهم يعتدون بالضّربِ على المارّة عند باب العامود. (ص23).
  4. وحدة الشعب الفلسطيني: مثلما تجاورت كنيسة القيامة مع المسجد الأقصى في القُدس كذلك فإن الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافة متمسك بوحدة المصير والتعاضد والتكافل فيما بينه، وهذا ما تجسده الرواية من خلال العلاقة المتميزة بين مايا وصديقتها ماليسّا من بيت لحم، وأيضا العلاقة الأسرية بين عائلة مايا المسلمة وعائلة جارها التّلحميّ داود عيىسى وزوجته عبير. فالتنوع الدينيّ مصدر غنى ووحدة للشعب الفلسطيني حيث الأماكن المقدسة في فلسطين يرتادها الجميع المسلم والمسيحي، تقول مايا “جدي جميل وجدتي حليمة حدثاني كثيرا عن القدس ومقدّساتها، وزرت وإياهم القدس عدة مرات، صلينا في مسجدها الأقصى وزرنا كنيسة القيامة (ص16). أمّا زميلتها ماليسّا فقد أجابت معلمتها عندما سألتها إن كانت مسلمة قائلة:

” بل أنا فلسطينيّة عربيّة مسيحيّة، وفي وطننا فلسطين لا فرق بين مسلم ومسيحيّ”(ص41). وأيضا زميلتهما الأردنية عنود تقول مؤكدة:” أن َالمسجد الأقصى هو ثالث الحرمين، ومعراج خاتم النبي، وأن َ كنيسة المهد في بيت لحم من أقدس مقدسات العالم المسيحي ففيها ولد نبيّ الله عيىس بن مريم عليه السلام، كما أن كنيسة ِ القيامة في القدس لا تقلّ قداسة ففيها قبر السيد المسيح، (ص36).

 5- التكامل الأردني الفلسطيني: إشارة ولو عابرة تطرقت إليها الرواية؛ لتأكيد التكامل أو التوأمة بين الشعبين الأردني والفلسطيني، وإلى قرب المسافة بين الضفتين الشرقيّة والغربيّة لنهر الأردن، وتستذكر الفتاة الأردنية عنود العدوان وهي زميلة مايا في المدرسة إذ تقول:” بكى جدّي وهو يروي لنا بفخر عن استشهاد ابنه البكر عمّي أحمد، الذي استشهد على أسوار القدس في الحرب، وأنّه ُ دِفَن ِ في مقبرة باب الرّحمة دون أن يراه والداه (ص22 ). وعن التقارب الجغرافي ما بين الأردن وفلسطين تقول عنود العدوان نقلا عن جدها: ” هذه مدينة أريحا، لولا الإحتلال لصلّينا صلاة الظّهر في المسجد الأقصى فهو لا يبعد عنّا أكثر من نصف ساعة في السّيّارة، فتجيبها مايا: عندما زرنا أريحا قال لنا جدي جميل وهو يشير إلى الضفة الشرقية إن مدينة عمّان تقع على تلك المرتفعات ولولا الإحتلال أيضا نصل إليها بأقل من نصف ساعة. هذه النقاط التي يمكن إستخلاصها في الشق الفلسطيني أو العربي من الرواية، وإذا إنتقلنا للشق الأميركي منها فإننا نسجل النقاط التالية: لمحة تعريفية موجزة عن شلالات نياغارا: أثناء رحلة عائلة مايا برفقة الأهل لقضاء عطلة الميلاد ورأس السنة، تطلعنا الرواية على أهمية موقع شلالات نهر نياجرا الواقعة على الحدود الأميركيّة الكنديّة، حيث يبلغ ارتفاعها 54 مترا في الجانب الكنديّ و56 متّرا في الجانب الأمريكي وأن ضفّة ّ النّهر الشّماليّة تقع في الجانب الكندي، والضّفة الجنوبية تقع في الجانب الأميركي، وتم استغلال ُالمنطقة بطريقة رائعة؛ لتكون منطقة جذب ّسياحي لما تحتويه من مطاعم ومحلاّت سياحية(ص80). النظام العام وتعامل الشرطة مع المواطن: أشارت الرواية إلى حسن التنظيم وتنسيق الشوارع والممرات، فخلال ذهاب مايا إلى مدرستها لاحظت كيف أن ” الأعشاب الخضراء على أرصفة الشّوارع تبدو منسًقة بشكل لافت، ولا يُسمح لأحد أن يُخلّ بمنظر الطبيعة، وكل إنسان مسؤول عن النّظافة وعن قص الأعشاب المحاذية لبيته، أمّا الأماكن العامة فالبلديّة هي المسؤولة عن قص الأعشاب وتقليم الأشجار التي تزيّن الشّوارع. هذا في الشأن البيئي، أمّا لناحية التعامل مع المواطنين وتحديدا مناصرة الشرطة للنساء بشكل عام فقد قدمت الرواية لنا نموذجا عن هذا الأمر، عندما خافت مروة والدة مايا من أفعى الحدائق وصرخت بصوت عال ظنّ جيرانها أنها تتعرض للتعنيف، فاتصلوا مباشرة بالشرطّة التي حضرت بسرعة لمعرفة حقيقة الأمر والتأكد من عدم تعرضها لأي أذى أو عنف من قبل الزوج، (ص 64 ). الإنتشار العربي في دنيا الإغتراب: تطرقت الرواية الى حجم الجاليات العربية في أميركا وتحديدا في ولاية ميتشغن ومدينة ديترويت التي تضم أكبر جالية عربية، كما أن الجالية الفلسطينية موجودة بشكل لا بأس به مثلا نجد أغلب عائلة قيس والد مايا موجودة في أميركا، يقول قيس مخاطبا إبنته:” سنزور شلالات نياجرا، وبعدُها سنزور ولاية لويزيانا، وسنلتقي بعَميّكِ داود وابنه علاء، وبعمّكِ راتب وزوجته فلسطين وأبنائه أمينة، ضرغام وحسين، كما سنلتقي ّ بعمّتِك فاطمة وابنها محمّد. ختاما لا بد من التوقف والسؤال لماذا لم يحقق الكاتب جميل السلحوت حلم مايا بالعودة إلى فلسطين؟ وأبقاها في أميركا بعد أن جعل من جائحة كورونا التي عصفت بالعالم والتي أوقفت معظم الرحلات الجوية حائلاً دون ذلك، أم ان حُلم العودة لا يزال بعيد التحقّق ؟ وسأختم بالآية الكريمة ” إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا” .

9 نوفمبر 2022

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات