عزيز العصا:جميل السلحوت في روايته “زمن وضحة”

ع

جميل السلحوت في روايته “زمن وضحة”: المرأة تظلم المرأة.. والعلم يطرد الجهل

نشر في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 16/01/2016م، ص: 20

جميل السلحوت؛ كاتب وصحفي وروائي فلسطيني-مقدسي، وُلِد في يوم لا تزال ملامح النكبة تتشكل وتتبلور؛ في يوم

كان الشعب الفلسطيني يُذبح ويُشرّد ويلعق جراحه التي اجترعها من أمته التي خذلته، وبقيت جيوشها ترقب رحلة الموت تلك.. جمع “السلحوت” بين الصحافة والأدب والبحث، فصهرها معًا لينجب عددا من الروايات، للفتيان وللكبار. وفي كل ذلك تجده يحمل هموم وطنه وقضيته، وعلى رأسها القدس التي تعاني التهويد وتصارع فقدان الهوية.

أما العمل الأدبي الذي نحن بصدده للكاتب “السلحوت” فهو روايته، بعنوان: “زمن وضحة”، الصادرة بطبعتها الأولى للعام (2015) عن مكتبة كل شيء، والواقعة في (224) صفحة من القطع المتوسط، احتضنت نحو (13) محطة. تبدأ بغلاف يحمل ملامح “وضحة”؛ البطلة الجميلة التي يهدي روايتها لحفيدته المولودة في أمريكا في نفس عام إصدار الرواية.

بدون مقدمات مطوّلة، وبلا رمزيات و/أو “شيفرات” خطابية، ومنذ السطر الأول، يفصح “السلحوت” عن الثيمة الرئيسية لروايته، التي تقوم على الظلم الاجتماعي الواقع على المرأة. ويأتي هذا الظلم على شكل فكّي كماشة اجتماعية؛ الذكورة الطاغية-الشهوانية من جانب، والأنوثة المستسلمة الخانعة من الجانب الآخر. ويحرك هذا كله الجهل والتخلف، المشبع بالخرافات والشعوذات، التي يدفع أفراد المجتمع ثمنها، إلا أن المرأة هي الأكثر وجعًا والأفدح خسارة؛ في كرامتها وصحتها واستقرارها وأمنها وأمانها الاجتماعي.

تتكئ رواية “زمن وضحة” على بنيتين: البنية الزمانية التي تبدأ بعيد النكبة التي مني بها الشعب الفلسطيني في العام 1948، وتمتد حتى سبعينيات القرن العشرين. والبنية المكانية التي تدور أحداثها في قرية فلسطينية، من قرى شمال الضفة الغربية، يعيش أهلها حياة البداوة ورعي الأغنام.

لقد جاء السرد موفقًا، إلى حد كبير، في تصوير الحياة الاجتماعية التي يعيشها مجتمع القرية المتخلف، الذي تسيّره الشعوذات والخرافات، والذي لم يتأثر بتعاليم الدين السمحة، التي تمنح المرأة حقها الكامل في التعلم والمشاركة في مختلف القرارات الخاصة بحياة الأسرة. وقد نجح “السلحوت” في صياغة دراما جميلة تتعلق بالحياة الاجتماعية في الحقبة الزمنية التي تشكل بنية الرواية. كما تميز بقدرته على الانتقال السلس في الأحداث، بحيث حافظ على الخيط الروائي الذي أبقى على البطل (ة) ذات حضور فاعل في الأحداث، التي تم توظيفها بما يعزز عقدة الرواية التي تقوم على وصف الظلم الواقع على المرأة، والذي تنهيه الرواية بتحررها من تلك القيود؛ عندما يحل العلم محل الجهل والتخلف، ويحل الطب والمستشفى محل الشعوذة والكي بالنار.

وأما على مستوى بناء الشخصيات، فقد كانت البطلة “وضحة” الشخصية الرئيسية في الرواية، وقام “السلحوت” ببناء شخصيات أخرى تتراوح بين الثانوية الهشة التي دخلت في النص ثم سرعان ما خرجت منه (مثل: إسماعيل أبو بسطار)، والشخصيات المساندة، التي تكاد تقترب من مستوى البطلة كأبي حمدان، وأم حمدان، والمختار، وبهية، والدكتور ممدوح، والصيدلانية “ريتا”… الخ.

كما امتازت رواية “السلحوت” هذه بأن الشخصيات حملت أسماء ذات دلالات في وصف أصحابها. وهي، في معظمها، ليست أسماء رسمية مسجلة في شهادات الميلاد، وإنما ألقاب يطلقها الناس على بعضهم البعض لعلاقتها بسلوكياتهم أو أشكالهم، مثل: أبو بسطار، الفنسا، زعرورة، زميتان، جعبورة وزوجها “جحيش الضبع”، العفش والخرّاط. وما عدا ذلك، فقد جاءت الأسماء عادية لأشخاص تتراوح أدوارهم بين الخيرين والشريرين.

وفي ذلك كله تمكن “السلحوت” من تزويدنا بصورة بصرية جميلة عن الممارسات والأفعال، بشقيها الإيجابي والسلبي، التي كانت تحكم مجتمع تلك الحقبة، وتسيّر حياة أفراده. ولعل من أكثر تلك المشاهد أثرًا على القارئ:

1)      تزويج الفتيات وهن قاصرات، دون مراعاة مشاعرهن واحتياجاتهن الإنسانية، ويحكم ذلك كله مجموعة من المفاهيم البائسة، منها: “الزواج سترة.. والبنات كلهن عيب” (ص: 8)، “ولد أهبل أحسن من عشرين بنت شاطرات” (ص: 9)، “هم البنات للمات” (ص: 10)، ذبح “خميسة” بسبب تحرش إبن زوجها بها[1] (ص: 11)، “البنات مثل خبيزة المزابل” (ص: 12)، “اللي بتموت بنته من حسن نيّته” (ص: 19)، و”لا عزاء بالإناث” (ص: 23).

2)      المرأة نفسها تعزز المفاهيم السلبية اتجاه المرأة. فمعظم المفاهيم السابقة هي من صياغة المرأة أو هي التي تقوم بتكرارها حتى تجعل منها حقيقة واقعة. الأمر الذي يجعل الجيل الناشئ من الفتيات يعشن حالة من السكينة والخنوع والخضوع للذكر، حتى تصبح نسخة طبق الأصل عن والدتها. ومن الغريب في الأمر أن “الحماة” هي الأكثر بطشًا بـ “الكنة”، كما جرى مع أم حمدان التي أوغلت في التنكيل ببهية زوجة إبنها. وكذلك الأمر مع النساء اللواتي يلقين أجلهن؛ جرّاء الممارسات التعسفية من قبل قابلات جاهلات يعتقدن بضرورة أن تشرب المرأة الحامل الماء من حذاء زوجها النتن لكي تنجح عملية الولادة (ص: 13-14).

3)      المرأة هي عصب الاقتصاد للمجتمع في هذه الرواية، تعمل طوال النهار وحتى ساعة متأخرة من الليل في الأعمال المختلفة، وفي نهاية المطاف تتعرض للضرب وتبكي بصمت (ص: 10).

4)      في الربع الأول من الرواية يظهر “الدكتور ممدوح”؛ الفلسطيني القادم من حيفا المنكوبة، وزوجته “ريتا”؛ المسيحية (شقيقة الطبيب الشهيد إلياس)، ويمثلان العلم والحداثة التي تتصادم مع الجهل والتخلف، فتهزمه شر هزيمة، وينتهي الأمر بشق الشوارع وتسيير الحافلات عليها، التي تنقل أبناء القرية إلى المدينة؛ لكي ينهلوا من حضارتها وتطورها. كما يتم رفع الظلم عن المظلومين والمضطهدين الذين داستهم أقدام الجهل والمفاهيم الساذجة التي حكمت مجتمعاتنا لمئات السنين التي وقعت فيها بلادنا تحت الحكم العثماني، ثم تبعها الانتداب البريطاني الذي انتهى بنكبة شعبنا ونهب أرضه وتدمير مساكنه وتشتيته في الاتجاهات الأربعة.

المآخذ على الرواية

يؤخذ على رواية “زمن وضحة” أنها رسمت أجواء البداوة البحتة ورعي الأغنام، والتخلف الشديد، في مكان يتمتع بقدر من الحضارة والعمران منذ القرن الثامن عشر، وفي قرية بطاحها القرية وشعابها مليئة بالأشجار المثمرة (ص: 117)، فكيف تجتمع الحضارة، بعمقها التاريخي هذا مع الجهل الذي عايشناه في أحداث الرواية؟! كما أن فيها ما يمرر بعض الأفكار التي تستبيح النفس البشرية، مثل: عملية كيّ “موسى”/ إبن حمدان، التي مرت دون أن يتضح الضرر الذي لحق بالطفل، بل أن والده “حمدان” كان قد تعرض لنفس الحادث دون أي ضرر! كما أن هناك مبالغة في موضوع الإنجاب عند المرأة، عندما يبدأ من سن (12) عامًا، ثم تنجب (14) مولودًا وتجهض في أكثر من عشر حالات (ص: 7).

ومن الناحية الفنية والجمالية واللغوية، نجد أن النص جاء مكثفًا ومزدحمًا جدًا، وبحاجة إلى التنظيم الكافي الذي يريح القارئ. إذ كان على الكاتب منح القارئ فرصة التمتع في الانتقال من محطة إلى أخرى بسلاسة ويسر أكثر مما هو عليه الأمر في الرواية؛ بوضع فواصل كافية لتجعله يعيش الأحداث ويتفاعل معها. وأما من حيث الترقيم، فوجدتها بحاجة إلى إعادة الترقيم، بما يجعل لعلامات التوقف قيمتها وأهميتها؛ فقد جاءت العبارات مترابطة بشكل يتعارض مع قواعد الترقيم المعروفة.

الخلاصة

لقد أتحفنا “جميل السلحوت” برواية “زمن وضحة”، التي هي رواية نسوية يكتبها رجل؛ تصف واقع المرأة في حقبة زمنية سبقت سيطرة العلم وهيمنته على حياة المجتمع، ثم تنتقل بالمرأة إلى حالة من التمرد على ذلك الواقع، كما فعلت “زعرورة” التي تأثرت بدخول “ريتا” الحيفاوية المتعلمة، فواجهت الذكورة الطاغية، وأزاحت من طريقها الأـنوثة المستسلمة الخانعة-المنافقة المتمثلة بوالدتها، لتنال حفلة زفاف مقاربة لتلك الحفلة التي أجرتها “ريتا-المتعلمة” لصالح “وضحة”-المحظوظة بعريس متعلم، وبعائلة تمسك بناصية العلم والمعرفة.

أما الصراع بين الخير والشر، وبين العلم والجهل، فقد كان متوفرًا في جميع المشاهد، بشكل متوازن إلى حد كبير. وقد تجلى الصراع، في أوجه، عندما دخل العلم إلى حياة الناس، فجعل من المدرسة مصدرًا للمعرفة، ومن المستشفى والأطباء والصيادلة مصدرًا لتشخيص الأمراض وعلاجها، ومن الحافلة وسيلة للمواصلات، ومن الآلات وسيلة للسيطرة على الطبيعة وتطويعها لصالح البشر. حينئذ؛ انهار صف الجهل والتخلف، وانقلب أفراده على بعضهم البعض، فانزاح غالبيتهم العظمى نحو العلم ومتطلباته، ومن بقي على جهله قضى عليه جهله وغادر الدنيا؛ فنادى المنادي من أعلى مئذنة الجامع بأن المختار فرج أبو العلّيص قد مات!

ولا يمكننا المغادرة قبل أن نشير إلى أن القارئ لهذه الرواية لا يمكنه نسيان تلك الأسماء والمواقف والأحداث، التي لا تخلو من الملامح الفكاهية التي كرسها الكاتب، من خلال بنائه لشخصيات الرواية وهي تتحدث اللهجة العامية-المحكية التي لا تتقيد بقواعد اللغة، التي وظفها لخدمة عقدتها حتى النهاية.

نشر في صحيفة القدس المقدسية، بتاريخ: 16/01/2016م، ص: 20

جميل السلحوت؛ كاتب وصحفي وروائي فلسطيني-مقدسي، وُلِد في يوم لا تزال ملامح النكبة تتشكل وتتبلور؛ في يوم كان

الشعب الفلسطيني يُذبح ويُشرّد ويلعق جراحه التي اجترعها من أمته التي خذلته، وبقيت جيوشها ترقب رحلة الموت تلك.. جمع “السلحوت” بين الصحافة والأدب والبحث، فصهرها معًا لينجب عددا من الروايات، للفتيان وللكبار. وفي كل ذلك تجده يحمل هموم وطنه وقضيته، وعلى رأسها القدس التي تعاني التهويد وتصارع فقدان الهوية.

أما العمل الأدبي الذي نحن بصدده للكاتب “السلحوت” فهو روايته، بعنوان: “زمن وضحة”، الصادرة بطبعتها الأولى للعام (2015) عن مكتبة كل شيء، والواقعة في (224) صفحة من القطع المتوسط، احتضنت نحو (13) محطة. تبدأ بغلاف يحمل ملامح “وضحة”؛ البطلة الجميلة التي يهدي روايتها لحفيدته المولودة في أمريكا في نفس عام إصدار الرواية.

بدون مقدمات مطوّلة، وبلا رمزيات و/أو “شيفرات” خطابية، ومنذ السطر الأول، يفصح “السلحوت” عن الثيمة الرئيسية لروايته، التي تقوم على الظلم الاجتماعي الواقع على المرأة. ويأتي هذا الظلم على شكل فكّي كماشة اجتماعية؛ الذكورة الطاغية-الشهوانية من جانب، والأنوثة المستسلمة الخانعة من الجانب الآخر. ويحرك هذا كله الجهل والتخلف، المشبع بالخرافات والشعوذات، التي يدفع أفراد المجتمع ثمنها، إلا أن المرأة هي الأكثر وجعًا والأفدح خسارة؛ في كرامتها وصحتها واستقرارها وأمنها وأمانها الاجتماعي.

تتكئ رواية “زمن وضحة” على بنيتين: البنية الزمانية التي تبدأ بعيد النكبة التي مني بها الشعب الفلسطيني في العام 1948، وتمتد حتى سبعينيات القرن العشرين. والبنية المكانية التي تدور أحداثها في قرية فلسطينية، من قرى شمال الضفة الغربية، يعيش أهلها حياة البداوة ورعي الأغنام.

لقد جاء السرد موفقًا، إلى حد كبير، في تصوير الحياة الاجتماعية التي يعيشها مجتمع القرية المتخلف، الذي تسيّره الشعوذات والخرافات، والذي لم يتأثر بتعاليم الدين السمحة، التي تمنح المرأة حقها الكامل في التعلم والمشاركة في مختلف القرارات الخاصة بحياة الأسرة. وقد نجح “السلحوت” في صياغة دراما جميلة تتعلق بالحياة الاجتماعية في الحقبة الزمنية التي تشكل بنية الرواية. كما تميز بقدرته على الانتقال السلس في الأحداث، بحيث حافظ على الخيط الروائي الذي أبقى على البطل (ة) ذات حضور فاعل في الأحداث، التي تم توظيفها بما يعزز عقدة الرواية التي تقوم على وصف الظلم الواقع على المرأة، والذي تنهيه الرواية بتحررها من تلك القيود؛ عندما يحل العلم محل الجهل والتخلف، ويحل الطب والمستشفى محل الشعوذة والكي بالنار.

وأما على مستوى بناء الشخصيات، فقد كانت البطلة “وضحة” الشخصية الرئيسية في الرواية، وقام “السلحوت” ببناء شخصيات أخرى تتراوح بين الثانوية الهشة التي دخلت في النص ثم سرعان ما خرجت منه (مثل: إسماعيل أبو بسطار)، والشخصيات المساندة، التي تكاد تقترب من مستوى البطلة كأبي حمدان، وأم حمدان، والمختار، وبهية، والدكتور ممدوح، والصيدلانية “ريتا”… الخ.

كما امتازت رواية “السلحوت” هذه بأن الشخصيات حملت أسماء ذات دلالات في وصف أصحابها. وهي، في معظمها، ليست أسماء رسمية مسجلة في شهادات الميلاد، وإنما ألقاب يطلقها الناس على بعضهم البعض لعلاقتها بسلوكياتهم أو أشكالهم، مثل: أبو بسطار، الفنسا، زعرورة، زميتان، جعبورة وزوجها “جحيش الضبع”، العفش والخرّاط. وما عدا ذلك، فقد جاءت الأسماء عادية لأشخاص تتراوح أدوارهم بين الخيرين والشريرين.

وفي ذلك كله تمكن “السلحوت” من تزويدنا بصورة بصرية جميلة عن الممارسات والأفعال، بشقيها الإيجابي والسلبي، التي كانت تحكم مجتمع تلك الحقبة، وتسيّر حياة أفراده. ولعل من أكثر تلك المشاهد أثرًا على القارئ:

1)      تزويج الفتيات وهن قاصرات، دون مراعاة مشاعرهن واحتياجاتهن الإنسانية، ويحكم ذلك كله مجموعة من المفاهيم البائسة، منها: “الزواج سترة.. والبنات كلهن عيب” (ص: 8)، “ولد أهبل أحسن من عشرين بنت شاطرات” (ص: 9)، “هم البنات للمات” (ص: 10)، ذبح “خميسة” بسبب تحرش إبن زوجها بها[1] (ص: 11)، “البنات مثل خبيزة المزابل” (ص: 12)، “اللي بتموت بنته من حسن نيّته” (ص: 19)، و”لا عزاء بالإناث” (ص: 23).

2)      المرأة نفسها تعزز المفاهيم السلبية اتجاه المرأة. فمعظم المفاهيم السابقة هي من صياغة المرأة أو هي التي تقوم بتكرارها حتى تجعل منها حقيقة واقعة. الأمر الذي يجعل الجيل الناشئ من الفتيات يعشن حالة من السكينة والخنوع والخضوع للذكر، حتى تصبح نسخة طبق الأصل عن والدتها. ومن الغريب في الأمر أن “الحماة” هي الأكثر بطشًا بـ “الكنة”، كما جرى مع أم حمدان التي أوغلت في التنكيل ببهية زوجة إبنها. وكذلك الأمر مع النساء اللواتي يلقين أجلهن؛ جرّاء الممارسات التعسفية من قبل قابلات جاهلات يعتقدن بضرورة أن تشرب المرأة الحامل الماء من حذاء زوجها النتن لكي تنجح عملية الولادة (ص: 13-14).

3)      المرأة هي عصب الاقتصاد للمجتمع في هذه الرواية، تعمل طوال النهار وحتى ساعة متأخرة من الليل في الأعمال المختلفة، وفي نهاية المطاف تتعرض للضرب وتبكي بصمت (ص: 10).

4)      في الربع الأول من الرواية يظهر “الدكتور ممدوح”؛ الفلسطيني القادم من حيفا المنكوبة، وزوجته “ريتا”؛ المسيحية (شقيقة الطبيب الشهيد إلياس)، ويمثلان العلم والحداثة التي تتصادم مع الجهل والتخلف، فتهزمه شر هزيمة، وينتهي الأمر بشق الشوارع وتسيير الحافلات عليها، التي تنقل أبناء القرية إلى المدينة؛ لكي ينهلوا من حضارتها وتطورها. كما يتم رفع الظلم عن المظلومين والمضطهدين الذين داستهم أقدام الجهل والمفاهيم الساذجة التي حكمت مجتمعاتنا لمئات السنين التي وقعت فيها بلادنا تحت الحكم العثماني، ثم تبعها الانتداب البريطاني الذي انتهى بنكبة شعبنا ونهب أرضه وتدمير مساكنه وتشتيته في الاتجاهات الأربعة.

المآخذ على الرواية

يؤخذ على رواية “زمن وضحة” أنها رسمت أجواء البداوة البحتة ورعي الأغنام، والتخلف الشديد، في مكان يتمتع بقدر من الحضارة والعمران منذ القرن الثامن عشر، وفي قرية بطاحها القرية وشعابها مليئة بالأشجار المثمرة (ص: 117)، فكيف تجتمع الحضارة، بعمقها التاريخي هذا مع الجهل الذي عايشناه في أحداث الرواية؟! كما أن فيها ما يمرر بعض الأفكار التي تستبيح النفس البشرية، مثل: عملية كيّ “موسى”/ إبن حمدان، التي مرت دون أن يتضح الضرر الذي لحق بالطفل، بل أن والده “حمدان” كان قد تعرض لنفس الحادث دون أي ضرر! كما أن هناك مبالغة في موضوع الإنجاب عند المرأة، عندما يبدأ من سن (12) عامًا، ثم تنجب (14) مولودًا وتجهض في أكثر من عشر حالات (ص: 7).

ومن الناحية الفنية والجمالية واللغوية، نجد أن النص جاء مكثفًا ومزدحمًا جدًا، وبحاجة إلى التنظيم الكافي الذي يريح القارئ. إذ كان على الكاتب منح القارئ فرصة التمتع في الانتقال من محطة إلى أخرى بسلاسة ويسر أكثر مما هو عليه الأمر في الرواية؛ بوضع فواصل كافية لتجعله يعيش الأحداث ويتفاعل معها. وأما من حيث الترقيم، فوجدتها بحاجة إلى إعادة الترقيم، بما يجعل لعلامات التوقف قيمتها وأهميتها؛ فقد جاءت العبارات مترابطة بشكل يتعارض مع قواعد الترقيم المعروفة.

الخلاصة

لقد أتحفنا “جميل السلحوت” برواية “زمن وضحة”، التي هي رواية نسوية يكتبها رجل؛ تصف واقع المرأة في حقبة زمنية سبقت سيطرة العلم وهيمنته على حياة المجتمع، ثم تنتقل بالمرأة إلى حالة من التمرد على ذلك الواقع، كما فعلت “زعرورة” التي تأثرت بدخول “ريتا” الحيفاوية المتعلمة، فواجهت الذكورة الطاغية، وأزاحت من طريقها الأـنوثة المستسلمة الخانعة-المنافقة المتمثلة بوالدتها، لتنال حفلة زفاف مقاربة لتلك الحفلة التي أجرتها “ريتا-المتعلمة” لصالح “وضحة”-المحظوظة بعريس متعلم، وبعائلة تمسك بناصية العلم والمعرفة.

أما الصراع بين الخير والشر، وبين العلم والجهل، فقد كان متوفرًا في جميع المشاهد، بشكل متوازن إلى حد كبير. وقد تجلى الصراع، في أوجه، عندما دخل العلم إلى حياة الناس، فجعل من المدرسة مصدرًا للمعرفة، ومن المستشفى والأطباء والصيادلة مصدرًا لتشخيص الأمراض وعلاجها، ومن الحافلة وسيلة للمواصلات، ومن الآلات وسيلة للسيطرة على الطبيعة وتطويعها لصالح البشر. حينئذ؛ انهار صف الجهل والتخلف، وانقلب أفراده على بعضهم البعض، فانزاح غالبيتهم العظمى نحو العلم ومتطلباته، ومن بقي على جهله قضى عليه جهله وغادر الدنيا؛ فنادى المنادي من أعلى مئذنة الجامع بأن المختار فرج أبو العلّيص قد مات!

ولا يمكننا المغادرة قبل أن نشير إلى أن القارئ لهذه الرواية لا يمكنه نسيان تلك الأسماء والمواقف والأحداث، التي لا تخلو من الملامح الفكاهية التي كرسها الكاتب، من خلال بنائه لشخصيات الرواية وهي تتحدث اللهجة العامية-المحكية التي لا تتقيد بقواعد اللغة، التي وظفها لخدمة عقدتها حتى النهاية.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات