ريتا عودة:قراءة انطباعية في رواية”زمن وضحة”

ر

صدرت رواية “زمن وضحة” للأديب المقدسيّ جميل السلحوت، أواخر العام 2015 عن مكتبة كل شيء الحيفاوية.

وضحة.. فتاة في جيل المُراهقة.. تتأرجح في الرّواية التي تحملُ اسمها بين زمنيّ الجهل والعلم . القرية التي تحيا فيها تبدو كدائرة كبيرة من الجهل  محورها العادات .. التقاليد والأعراف..الخرافات والشعوذات. تدور الشّخصيات داخل هذه الدائرة، فمنهم من يؤمن بهذه العادات ويمارسها وهم الغالبية الساحقة في القرية، ومنهم من لا يؤمن بها، لكنه مغلوب على أمره لا يملك أن يتحداها بسبب احترامه لمن هم أكبر منه سِنّا، وهم الأقلية من جيل الشباب كحمدان وزوجته بهيّة، ومنهم من يؤمن بضرورة النهوض بالقرية عن طريق العِلم، ويسعى لتحقيق ما يُؤمن به كالدكتور ممدوح وزوجته ريتا والمختار أمين.

تبحثُ وضحة.. ابنة السادسة عشرة (ص112) والتي أنهت الصّف السّادس عن هويتها كأنثى،  فتكون شاهدة على التّعسفِ ضدّ الإناث في عدّة مجالات كتعدي الحموات غير المبرر على زوجات الأبناء (ص 104-114)وتعاطف الأبناء مع الأمهات في سلوكهن غير السويّ(ص87). تعدّد الزوجات(ص6.)”ليس حراما ولا عيبا فكلهم معتادون عليه حتّى النساء لا يعترضن عليه أيضا” ( ص14)مع أننا لاحظنا أنّ بهية اجتهدت أن ترضي زوجها حمدان؛ لكي لا يتزوج عليها بعد وفاة زوجته الثانية “رمانة”  كذلك وضحة ” منّت نفسها أن يطلب يدها عازب قريب من عمرها؛ لتكون له زوجة مطيعة تملأ بيته أولادا ذكورا” ( ص10)

وذلك لتفادى الزواج من اسماعيل وتصبح الزوجة الثانية له.

وكثرة الأبناء ” هيّو عندي اربعتش.. تسع بنات واربع أولاد غير اللي عند الله. نزّلت والعلم عند الله أكثر من عشر مرّات”. ( ص 7).

“العنف في العائلة” ضربني ضرب لا يتحمله حمار وطردني وهو يقول: انت مش شغل زواج “(ص8). ” صحيح أنّ والدها يضرب والدتها لأتفه الأسباب، فتبكي بصمت، لكنها تواصل عملها كأنّ شيئا لم يحصل” ( ص 10)” حمدان يتذكّر كيف كان يضرب رمانة بتحريض من والدته بسبب وبدون سبب” ( ص 20)

” جدّهم ضرب زوجته بالبسطار على رأس بطنها، وكانت حامل في شهرها التّاسع . ماتت على المحلّ. ابنها نزل ميّت بين رجليها” (ص 26)

” والده كررها مرات ومرات: النسوان لازم ما يشوفن وجه عشان ما يطمعن في الرَجل ويركبنه”(ص38).

الزواج المُبكّر جدا ” بالغات ولاّ مش بالغات . ما حدا سائل عنهن. جدتك قالت انها بلغت المحيض بعد زواجها بستة أشهر”( ص 8).

” خميسة خطّبوها لمحمد ابن عمّها الذي يكبرها بشهرين ساعة ولادتها وعندما بلغ الرابعة عشرة من عمره زوّجوه فاطمة العبد ابنة التّسع سنوات” (ص11).

اختيار الزوج دون استشارة الفتاة ولا حتّى الفتى.

“فهمت وضحة من كلام أمها أنّ عليها الإستعداد للزواج من أوّل شخص يطرق الباب طالبا يدها بغض النظر عن عمره وعن عدد زوجاته”(ص10)

كذلك قام والد حمدان بطلب يد زعرورة زوجة لحمدان دون أن يخبره.(ص 55)

مفاهيم خاطئة:”البنات كلهن عيب والزواج سترة”( ص 8) والتي لا تتزوج عايبة، والعاقر كالشجرة التي لا تثمر حلال قطعها(ص 34..ص 114).. والبنت اذا صارت سيرتها على لسان الناس نهايتها الذبح حتّى لو كانت أمّ الشرف..عدم تقبّل العزاء بموت الأنثى فلا عزاء بالإناث. (ص 23).. “همّ البنات للمات” يوم ما كنت ألد بنت كنت أبكي على حالي وعليها وأتمنى لو انها تموت ساعة ما تطلع للدنيا على شان ترتاح وتريّحنا، لأنه همّ البنات للمات” ( ص9). طويلة اللسان ما حدا يتزوجها. ( ص9) التعبيرعن الحبّ ضعف: ” حبّك وجع انتِ الثانية. ما في عندنا رجال يحبّوا نسوانهم. بدّك الناس يعملونا مسخرة؟”(ص 38) العادات لا تسمح بالذهاب للمستشفى حتّى لو تعثرت ولادة الأنثى وكان ذلك سببا في وفاتها .. يعتبرون أن عمرها انتهى: ” بدّك الناس يشوفوا عورات بناتنا؟”( ص14)

التميز في المعاملة بين الذكر والأنثى: “اذا ماتت المرأة في المخاض وعاش ابنها .. الذكر يلقى عناية، أمّا البنت فتعتبر قاتلة لوالدتها وتعيش مأساة طيلة حياتها. ” البنات مثل خبيزة المزابل يكبرن بسرعة ولا يحتجن الرعاية . ( ص12)

التحرّش بالأنثى (ص12)

قتل الأنثى على خلفية شرف العائلة وان كانت مظلومة. ( ص 11) التخلّف الذي أودى بحياة بعض النساء كجعل المرأة تجلس القرفصاء كي تنجب، مما يؤدي الى سقوط رحمها وموتها(ص56). “فاطمة أخت وضحة تعثّرت ولادتها . حتى قابلة لم يحضروا لها. اعتبرن أن عمرها انتهى. هذا نصيبها وقدرها”. ( ص12)

“يا فضيحتك يا زكية . اذا ولدتِ في المستشفى ستكون فضيحتنا بجلاجل”

(ص6) قال الدكتور ممدوح عن حسن أبو بسطار أنه لا يؤمن بالطبّ . يشتم الأطباء والممرضين ولا يحترم أحدا.(ص84)

المرأة في المخاض عليها أن تشرب ماء من بسطار زوجها لينزل المولود.(ص14)

من هنا يأتي ردّة فعل وضحة الطبيعي في رفض أنوثتها:

“نبضات قلبها تزداد عندما تفكّر بالمصير المشؤوم للفتاة منذ أن فتحت عينيها على الدنيا. لم تعُد تحبّ أنوثتها.

– ليتني لم أكن أنثى. لو كنتُ ذَكَرًا لكنت الآن حُرّة ولا يتحكّم بي أحد، ولا أنتظر مستقبلا مجهولا محفوفا بالمخاطر والآلام. “( ص52)

لكنها احتفت بأنوثتها عندما طلب يدها الطبيب ممدوح للشاب سعيد ابن أخيه رضوان، وهي التي حلمت بالزواج من شاب لا من رجل يكبرها سنّا، وعلى ذمته نساء أخريات فتحقق حلمها .

من العادات المُتّبعة في القرية:

الايمان بالجن وتدخلّ الجن في حياتهم: “حسن أبو بسطار هو الوحيد الذي لم يصدّق بأنّ المختار أبا محمد لم يمت. بل زاد على ذلك باتهامه الدكتور ممدوح بأنّه نصّاب يتعامل مع الجنّ غير المؤمنين؛ لتخريب القرية” (ص 64) ” عندما عرض عليهما الدكتور تنظيف الجروح وتعقيمها ..سخروا منه.. بل انّ محمد شتيوي قال له:

من يوم ما دخلت البلد دخل الشيطان معك”

الكيّ بالنار عادة موروثة متأصلة منبعها الجهل: ” حسن أبو بسطار أتى بمنجل؛ لكي يكوي به قدميّ المختار. وضع المنجل في النّار حتّى احمرَّ . كوى كعب قدم المختار. (ص 58) عندما أصيب ” موسى” ابن “حمدان” باسهال قام جدّه وجدّته بكيّ الولد على بطنه بمسمار مشتعل. ( ص71)

تمّ كيّ حمدان بالنار بذات الطريقة (ص73). حسن أبو بسطار هذا الرجل الذي يمثل الشخصية التي تشرّبت الجهل، يؤمن بتدخل الجن في حياة أهل القرية.. يرفض الطّب ويمارس الكيّ بالنار على أهل القرية وعلى نفسه.

قام بكيّ رجله بنفسه (ص75). ” عندما عاد الى بيته قصّ الجبس . جرح رجله في أكثر من موضع، وقلم بكيّ رجله أكثر من مرّة، ولفّها بطريقة غير صحيحة إلى أن تقيّحت الجروح وتعفّنت” ( ص 84) ممّا تسبب بقطع رجله اليمنى.( ص78)

شخصيات محوريّة في الرواية:

حمدان: هو أخو وضحة وأكبر منها سنا.  يشكلّ حمدان شخصية محورية في الرواية، لكونه يتأرجح بين الخنوع للتقاليد والعادات وبين التمرد عليها. يخبرنا الراوي : ” تذكّر حبّه لها والذي لم يُشعرها به يوما احتراما لعادات لا يؤمن بها، ومع ذلك لا يتمرد عليها” ( ص38). لكننا نلاحظ التحوّل في شخصيته من الخنوع الى التمرد:

أخرجوه من المدرسة ليعمل في الأرض ويزوجوه. ( ص113)

الأعراف لا تسمح له بابداء الرأي ووالده موجود. (ص101) لذلك قام والده بطلب يد زعرورة له دون ان يخبره.

وقع حمدان في حيرة كبيرة، فهو لم يوافق ولم يعترض على الزواج من ” زعرورة” أخت زوجته” رمانة” المتوفاة؛ لكي تقوم بتربية أبناء أختها. الأعراف لا تسمح له بإبداء الرأي ووالده موجود حتّى لو كان الموضوع متعلقا به شخصيا ومصيريا تماما مثل زعرورة فهي الأخرى لا رأي لها. ( ص101) في الطريق إلى البيت بكى حمدان نفسه وبكى بهيّة أيضا.. فهو مغلوب على أمره مثلها تماما. تذكّر أنّ بهيّة بذلت جهودا كبيرة في العناية بالأطفال اليتامى، واسترضائه كزوج واسترضاء حمويها. ( ص102)

لكنه يتمرد بصمت على هذه التقاليد والأعراف، فنجده يتصدّى لتعديات والدته على زوجته ” بهيّة” ويرفض ممارسة الكيّ بالنار على ابنه:

” لن أسمح لأحد بكيّ ابني أو تقييده باللفاع” (ص148). ويمارس التمرد ولو بالسرّ:

عن زوجته بهيّة: ” لو عرضت الأمر على زوجها لما عارض وكان بإمكانهما ان يذهبا الى الطبيب دون أن يعرف أحد من القرية.”(ص113)

الدكتور ممدوح:

درس الطبّ في لندن (ص55). هو ابن مختار وابن حامولة أخرى. ( ص 59) “شعر الدكتور ممدوح بالاحراج. هو يعرف أنّه وسط جماعة يؤمنون بالخرافات والشعوذة. لا يعترفون بالعِلم.. وعليه أن يُداريهم.” ( ص 61)

التخلّف” لا يزال الدكتور يحافظ على هدوئه.. لسان حاله يلعن التّخلف الذي تربّى عليه أبناء قريته.(ض75) لكنه جاء القرية بمخطط للنهوض بها لتكون النموذج لبقية القرى كفتح مدارس لمحو الأميّة .. فتح عيادة طبيّة مجانيّة.. العمل على ايصال الكهرباء لبيوت القرية..تأسيس نادٍ وجمعية خيريّة.. فتح الشوارع وتعبيدها.. استصلاح الأراضي الزراعيّة وزراعة الأشجار المثمرة..ربط القرية بالمدينة من خلال شبكة باصات. (ص124)

يحاول أخوه رضوان أن يحبطه بقوله: ” من يُعمّر في بلاد خاربة لا يحصد إلاّ التّعب والشقاء”.(ص127)

لكن الدكتور لا يستسلم لليأس: ” البلاد لا تصلح إذا لم يصلح أهلها. هؤلاء ضحايا الجهل والفقر، وهذا يدعونا إلى مضاعفة الجهود ونشر التعليم، واذا ما نجحنا في بناء الإنسان فإننا سننهض بشكل تلقائي. (ص127)

الدكتور يتعاطف مع أهل القرية.. حتّى مع حسن أبو بسطار الذي قال عنه رضوان: ” عاش مؤذيا ومات مؤذيا” نظر اليه الدكتور وقال: ” رحمه الله فهو ضحيّة للبيئة التي عاش فيها.

هو يدرك جيّدا ظروف القرية ومشاكلها. يعزو ذلك الى الجهل المتراكم أجيالا.. فناس القرية طيّبون بالفطرة، لكنهم شكاكون بكلّ شيء، لأنهم خُدعوا كثيرا. (ص160) وهو يعرف أوضاعهم الماديّة البائسة(ص119)

ويرى واجبا كبيرا عليه في تطوير قريته فالأقربون أولى بالمعروف. يعي جيّدا بأن عليه أن يتحمّل الكثير، وأن يمضي ساعات وأياما في توضيح المصلحة العامّة. (ص160)

في الجزء الأخير من الرواية نجح الدكتور في تحقيق حلمه بمحاربة الجهل بالعلم والنهوض بالقرية.

ريتا:هي زوجة الدكتور ممدوح. درست الصيدلة في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، وتخرّجت منها قبل النكبة بثلاث سنين. (ص115)أهلها من وادي النسناس في حيفا. تزوجها الدكتور قبل النكبة بسنتين. (ص108) وهنا اشارة غير مباشرة لزمن أحداث الرواية.

أنجبت منه جمال (10 سنوات) دعد ( ست سنوات) تامر ( 8 سنوات)(ص 118) أهلها هاجروا الى لبنان بعد النكبة ويعيشون في مخيّم برج البراجنة. اسم أخيها “الياس”( ص116) مما يشير بشكل غير مباشر لكونها مسيحيّة . فهي واحدة من الشعب بغض النظر عن ديانتها، فلا مكان للطائفيّة في رواية زمن وضحة. وهي شخصية ريادية في الرواية تشير إلى الدور الريادي للمسيحيين في النهوض بالشعب، لكونهم تلقّوا تعليمهم قبل غيرهم في زمن النكبة.

سعيدة جدا بحياة القرية حيث الطبيعة جميلة والهواء نقي.(ص117)

تعتبر القرية جنّة لذلك طلبت من ممدوح بناء بيت فيها: ” هذه الجنّة التي كنت أحلم بها بعد جنّة حيفا” ( ص 119)

أهل القرية استغربوا أن يروا امرأة حاسرة الرأس تقود سيارة. ( ص120)

تتعاطف مع أهل القرية وتساند زوجها في تحقيق حلمه:

هؤلاء أناس طيّبون عانوا ويعانون كثيرا، وهم ضحايا للجهل والفقر الذي فُرض عليهم. لم تكن أمامهم خيارات ومساعدتهم واجبة. (ص160)

****

تفتقر الرواية الى حدث مركزي يتصاعد مع انفلاش الحبكة يتأزم ليصل الذروة، ومن ثم يسير نحو حلّ العقدة أو عدم حلّها، فهي تبدو ككاميرا ترصد الجهل في كلّ أنحاء القرية.

تحمل الرواية رسالة سامية تؤسس لبناء الإنسان عن طريق مكافحة الجهل بالعلم، لذلك ترتكز على أحداث يوميّة عادية، تكشف شتّى أنواع الجهل المهيمن على تصرفات غالبية أبناء القرية.

الراوي في هذه الرواية غير محايد، فهو يقوم بنفسه بتلقين القارئ رأيه في الشخصيات والأحداث، ممّا يضطر القارئ أن يظل في الظلّ يتلقّى الآراء من الراوي دون أن تتاح له الفرصة لتكوين رأيه الخاص في الشخصيات، ممّا يقتل عنصر الترقّب والدّهشة في رواية أحداثها مُتوقّعة.

تسيطر  لغة الحوار على أغلب الرواية. كذلك… لجأ الروائي الى اللهجة المحكيّة الفلسطينيّة، لكي يكون أقرب الى لغة ابناء القرية فيعكسهم بصورة أكثر واقعيّة ومصداقيّة، لكنها تفتقر للغة السّرد الدارجة في الروايات، فأتت أقرب الى جانر(نوع أدبي) المسرحية منها الى الرواية.

02-06-2016

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات