رواية قناطر وألوان تعانق السماء في ندوة اليوم السابع

ر

القدس:15-12-2022 من ديمة جمعة السمان– ناقشت ندوة اليوم السابع الثّقافيّة المقدسية رواية ” قناطر وألوان تعانق السّماء” للأديبة المقدسيّة مريم حمد، تقع الرواية الصادرة عام 2022 عن مكتبة كل شيء الحيفاوية في 322 صفحة من الحجم المتوسط.

افتتحت الأمسية مديرة النّدوة ديمة جمعة السّمّان فقالت:

طرحت الكاتبة في هذه الرواية جانبا هامّا جدا في حياة الفلسطينيين، ومعاناتهم مع الاحتلال. وركزت على أصالة الفلسطينيين وتراثهم الذي يشهد على أنهم أصحاب الأرض القدامى الأصليين، وأن من يدّعي غير ذلك فهو يزوّر التاريخ.

دارت أحداث الرواية بين القدس في فلسطين ولوس انجلوس في الولايات المتحدة.

بدت القصتان منفصلتان ولا علاقة لهما ببعضهما البعض في بادىء الأمر، إلا أننا نكتشف في أواخر الرواية العلاقة بينهما من خلال فكرة أرادت الكاتبة أن ترسخها.

ابتدأت الأحداث أثناء الانتفاضة الثانية عام 2000 م في قرية سلوان جنوب المسجد الأقصى، وذلك من خلال شخصية الشابة ريم التي تسكن سلوان والشاب المناضل أحمد الذي يسكن بلدة أبو ديس، اللذين اضطرا للاختباء من جنود الاحتلال أثناء مطاردة الجنود للشباب، بعدها تطورت علاقتهما إلى قصة حب، وانتهت بالزواج بعد عودته من مصر الذي درس فيها القانون الدولي، وأثمر الزواج عن طفلهما المنتصر، الذي كبر على حبّه للوطن، وشعوره بالظلم بسبب مصادرة المستوطنين اليهود لأراضي وأملاك الفلسطينيين دون وجه حق. ممّا دفع به وهو في سن الثالثة عشرة، إلى دخول إحدى بيارات المستوطنة المجاورة، وذلك لالتقاط بعض من ثمار الليمون ظانا أنّه سيسعد جدّه بذلك، فهو يشكو دوما من ظلم الاحتلال، الذي صادر أراضيهم، وسرق أشجارها وما عليها من ثمار.  وما أن التقط المنتصر بعض الثمار، وقرر العودة إلى جدّه سعيدا بها، حتّى أمسك السّياج التي تحيط بالبيّارة بملابسه، وبينما كان يخلّص نفسه منه تعرّض لبعض الجروح فسالت دماؤه، وبعد فحص وتحليل الدماء من قبل الاحتلال تم الكشف عن شخصية من اقتحم البيارة، فتم اعتقاله والتحقيق معه وتعذيبه من قبل ضابط اسمه شمعون، ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد أن قرّر والده أن يحمل عنه القضيّة، ويدعي أنه أرسله لأهداف التجسس على المستوطنة، ونتيجة لذلك حكمت المحكمة على أحمد بالسجن مدة سبع سنوات، وتظهر المفاجأة بعد تحليل دم المنتصر وأحمد بأن المنتصر ليس ابن أحمد .

أثارت الكاتبة موضوع زواج من يحملون هوية القدس مِمَن يحملون هوية الضفة الغربية، وما يواجهون من تحديات تتسبب بتشتت الأسرةـ أو فقدان حق الإقامة في القدس إن ثبت أن مركز السكن ليس في القدس.

ثم انتقلت الكاتبة إلى لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأمريكيّة، حيث تعرفنا على الشابة الجامعية الاميركية اليهودية أسينات التي تعيش مع جدها بعد وفاة والديها، كما تعرفنا على الشاب الجامعي العراقي علي، الذي كان يدافع دفاع المستميت عن حق الفلسطينيين في أرضهم أثناء نقاشه مع المحاضر الأمريكي المتعصب لليهود وحقهم في أرض الميعاد.

تتوطّد علاقة علي مع أسينات، ويشعر بسعادة غامرة أثناء تواجده معها، إلا أنه يرى أن علاقتهما لن تستمر ووصفها بالمشمشيّة، أي موسميّة. وتنتهي العلاقة.

وقد تكون هذه إشارة من الكاتبة أن الشعوب العربية تتضامن مع الشعب الفلسطيني وترفض التطبيع مع الإسرائيليين، على الرغم من وجود الإغراءات المختلفة.

بعدها تتعرف على ابن صديق جدها شمعون الذي يسكن في ما تسمى اسرائيل (أرض الميعاد)، وينتهي الأمر بأن تترك جدها وتسافر إلى شمعون وتتزوجه وتنجب ابنهما جوناثان.

أحداث القصتين تجريان في ذات الوقت، ويولد الطفلان في مستشفى هداسا.

تلاحظ أسينات على طفلها أنه يعشق القناطر والبيوت القديمة، ممّا يشير إلى أنّه يعشق التراث العربي الأصيل، كما أنه كان يتوتر حين يأخذه والده للصلاة اليهودية. وقد اكتشفا أنه يعاني من طيف التوحد.

وتجري أحداث القصة؛ لتكتشف العائلتان أن المستشفى أخطأ وبدّل الطفلين. في تلك الأثناء تسافر أسينات مع ابنها جوناثان إلى لوس أنجلوس بعد خلافها مع زوجها شمعون، الذي أعلمها أن جوناثان ليس ابنهما، وقد لمست فرحته، لأن الأطباء كانوا قد شخصوا جوناثان أنه يعاني من طيف التوحد، وبهذا يخلي مسؤوليته تجاهه.

لا شك أن الكاتبة حاولت أن تنجز عملا أدبيا تبث من خلاله رسائلها، إلا أن نقص المعلومات وقلة معرفتها بعدة محطات بنت عليها روايتها أثرت على مفاصل الحبكة، وأضعفت من بنيتها.

ملاحظات:

– من المعروف أنه لا يمكن زيارة المعتقل قبل أن ينتهي من عملية التحقيق. في الرواية قامت ريم بزيارة أحمد قبل الانتهاء من التحقيق. فهل ذهبت ريم لزيارة أحمد فورا بعد اعتقاله! 

– هل يكفي تحليل دم منتصر الذي سال على سياج المستوطنة لمعرفة شخصيته، وتوجه الجنود الإسرائيليين إلى بيته واعتقاله؟ ربما لو تحدثت عن كاميرات رصدت وجوده في الكرم لكان أكثر إقناعا.

ثم أن الحوار مع منتصر أثناء التحقيق كان غير مقنع، وتخلّله شعارات نطق بها لسان الكاتبة وليس الطفل منتصر.

  • خلت الرّواية من التّسلسل الدّرامي في بعض المفاصل، وكان هناك العديد من القفزات غير المبررة، فلم نعرف كيف ومتى قررت أسينات الارتباط بشمعون.
  • ذكرت الكاتبة على لسان ريم وهي تحدث زوجها أحمد حول صعوبة إيصال معلومة تبديل الطفلين في المستشفى لمنتصر، وتتساءل إن كان سيتقبل ذلك؟ وبعدها تُعلمنا أن منتصر توجّه إلى ولاية لوس أنجلوس؛ ليتعرف على والدته الحقيقية أسينات والتي كانت تحتضر بعد إصابتها بمرض السرطان، كما يتحدث جوناثان مع ريم بواسطة التلفون ويخاطبها ب (أمّي).

وهل من يعاني من التوحّد يتقبل فكرة أن لديه أمّ أخرى بهذه السّرعة، حتى دون لقائها، إذ تحدث مع ريم عبر الهاتف من لوس أنجلوس وهي في سلوان، وكأن بينهما علاقة وطيدة منذ سنوات عديدة.

لا شك أن الرواية كتبت بلغة جميلة، وقدمت العديد من المعلومات الهامة على المستوى الوطني، ووثقت العديد من الأحداث التي لا يتطرق لها التاريخ.

فهذا هو دور الأدب، يكتب ما لا يكتبه التاريخ ويؤنسن القضية، يتناول تفاصيلها ويبتعد عن الأرقام التي تسيء إلى الإنسان، وتلغي مشاعره وأحاسيسه تجاه قضاياه العادلة.

لا شك أن ما قدمته الكاتبة من معلومات وتفاصيل في روايتها الجميلة الشّيقة رغم ما فيها من ألم يعتبر إضافة للمكتبة العربية.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

للعنوان علاقة هامة في متن الرواية، فالعنوان هو المفتاح إلى عالم النص، ويشكل علاقة تفاعلية معه،وهو يدفع القارىء للتفكير في أهمية القناطر والألوان في الرواية، وإلى ما  يرمز العنوان.

العنوان بصيغة الجمع “قناطر، ألوان”وليس بصيغة المفرد، كان مدروسا ومقصودا، فيه توجيه بصري لدى المتلقي؛ لتلفت انتباهه إلى أهمية وجود القناطر والألوان في الرواية؛ ليتمعن جيدا ويستخلص الفكرة. فقد تمّ ذكر القناطركثيرا، وكذلك الألوان من خلال السرد الروائي على لسان الشخصيات والراوي، فالعنوان حاضر بقوّة في الرّواية في معظم السرد، والعنوان له وظيفة رمزية هنا تكشف عن التمسك بالهوية والجذور والتراث، والقناطر والألوان في حالة عناق للسماء، ممكن أن نفهم أنهما في صلاة ورجاء للإنعتاق من القيود، والمعنى هو حرية الوطن.

إن الإيقاع المتكرر في ذكر القناطر في الرواية هو الصرخة التي تؤكد على ثبات الفلسطيني وتمسكه بأرضه.

الألوان ترمز إلى الحب الأمان الوطن  الذكرى والأصل وأيضا الهوية وصراع البقاء،والوجع الفلسطيني، كل الألوان جميلة ما عدا الرمادي الذي يرمز للحروب والشر.

تقول أسينات عن جدّها”هو الذكرى والطعم والمذاق والألوان.”

يقول الراوي عن والد ريم الذي ينتظر العريس أحمد الذي يحمل الهوية الخضراء:” امتزج بعيني والدها اللونان الأزرق والأخضر لونا بطاقات الهوية الملعونة”.

جاء على لسان شمعون في حديثه مع أسينات” إنه مميز جدا، هل ترين كم هي جميلة شبابيكه”.إشارة إلى الألوان في البيت الذي يسكنه في عين كارم، حيث الألوان المميزة والمزخرفة والأقواس النصف دائرية المزينة بالزجاج الملون.

والألوان هي أيضا ترمز لجمال الماضي واستحضاره حيث الجذور والوطن والحنين.”الجد بوجود علي واسينات استطاع أن يعيد ذكرياته مع الألوان ويفصل بين كل لون ولون”. في إشارة لحنين الجد للعراق إلى اللون الجميل هناك.

أمّا العناوين الفرعية في صفحات الرواية فكانت كثيرة وزاخرة، إذ حملت  جميعها أسماء النباتات والأشجار، لكنها لم تكشف عن التطور السردي للنص، لم يكن العنوان يصدم أفق توقع القارىء أو انتظاره، بكلمات أخرى لم يكن هناك علاقة بين العنوان الفرعي والنص، إلا أن الأديبة أردات أن تبين علاقة الفلسطيني وارتباطه بالأرض من خلال العناوين.

جاء غلاف الرواية الذي صممه شربل الياس بشكل رائع وموفق ومتطابق لفحوى الرواية فنرى هندسة الشبابيك الملونة المزخرشة والقناطر والألوان المتعددة والسماء الزرقاء، فالغلاف يجذب القارىء من خلال الصورة البصرية، ويوحي بمضمون الرواية عن التراث وعبق الوطن والهوية.

الزمان في الرواية في زمن الانتفاضة،أمّا المكان فقد أحسنت الأديبة حمد في وصف المكان في قرية عين كارم من خلال البيوت العتيقة التي سكنها المستوطنون، ووصف عين العذراء، وصفت جغرافية المكان البعيد الذي خلفه الجدار العنصري رغم قصر المسافة بين سلوان وأبوديس. وأحسنت في وصف الزقاق  في سلوان الذي ذكرته كثيرا “الزقاق الطويل” “الزقاق الذي يضم عدة أبواب، وخلف كل باب  كان هناك حوش” “تصل الاثنتان الزقاق وتبدأان بالقفز فوق درجاته” هذا الوصف يقرب المشهد للقارىء ويجعله يتفاعل مع حواسه البصرية والذهنية، والمكان كان متنقلا ما بين لوس انجلوس وفلسطين المحتلة، وبين الذكرى في ذاكرة علي والجد اليهودي من أصل عراقي. وقد برز في الرواية الصراع حول المكان والانتماء إليه، أسينات اليهودية لا تشعر بالانتماء في عين كارم، بل تشعر برغبة المكان وبروح حزينة داخل البيت العتيق، بينما زوجها عكس ذلك يعزز من المكان وبأنه وعد الرب. ريم وأحمد متمسكان بالمكان والوطن.

الحالة النفسية لمعظم الشخصيات كانت متوترة وقلقة ومتعبة تثيرها الأسئلة والواقع السياسي المر والماضي والذكريات.

جاء سرد الرواية بلغة جميلة شفافة قريبة من القارىء واستخدام الحوار بالفصحى وأحيانا بالعامية واللهجة الفلسطينية”، يمه يمه وينك ما بدي أصرخ بس تعبت يمه، هذول وحوش يمه..وحوش”.

توظف الأديبة مريم حمد قصتها للأطفال “الأرجوحة”لتساعد منتصر ابن ريم لزيارة جده من خلال الأرجوحة التي تصنع المعجزات.

حاولت الأديبة حمد إبراز تزييف الحقائق المتعلقة بالفلسطيني والأرض من قبل المحتل من خلال شخصية شمعون.

ماذا أرادت الأديبة من طرحها مشكلة عدم توافق فصيلة الدم عند الابن منتصر لعائلته المسلمة، وعند الابن جوناثان لعائلته اليهودية، والخطأ في تبادل الأبناء في المشفى بين العائلتين؟ هنا تضعنا الأديبة أمام أسئلة محيرة بين معاني الإنسانية والوطن وبين الحرب والحب والأمومة.

وقل عبد المجيد جابر: 

لن أتوقف إلا عند العنوان لأترك للأخوة المشاركين والأخوات المشاركات مجالا للحديث والنقاش.

تركيب العنوان: يتكون من خبر مرفوع لمبتدأ محذوف تقديره “تلك” واسم معطوف مرفوع “ألوان، وجملة فعلية “تعانق السماء” وهي في محل رفع صفة كناية عن الشموخ والعلو والارتفاع ، ففي العنوان انزياح تركيبي بالحذف، وهو كما أوضحنا متمثل بحذف المبتدأ، والكناية أيضا انزياح استدلالي أو دلالي، كما شبهت الكاتبة القناطر والألوان برجل يُعانق..استعارة مكنية وهي انزياح إبدالي، وهناك انزياح أو اختراق رابع تركيبي، فعندما يسمع المتلقي كلمة “تُعانق” يتوقع أن تليها كلمة “الرجال” مثلا، لكنه يتفاجأ بسماع كلمة “السماء”، وهذا يولد في خلد المتلقي الإثارة والدهشة، والعنوان صورة فنية، ويتجسد في العنوان عنصرا الحركة واللون.

المعنى اللغوي للعنوان: في هذه القصة يستطيع المتلقي من خلال العنوان استشراف مضمون الرواية وجوهرها، وقد نجحت الروائية في اختياره، واعتنى علماء السيمياء عناية فائقة بالعنوان في النصوص الأدبية.   

ويُعد العنوان من أهم العتبات النصية الموازية المحيطة بالنص الرئيس، حيث يسهم في توضيح دلالات النص، واستكشاف معانية الظاهرة والخفية إنْ تفسيرا وإنْ تركيبا، وانْ تفكيكا وافهاما. فالعنوان هو المفتاح الضروري لكشف أغوار النص، والتعمق في شعابه التائهة والسفر في دهاليزه الممتدة. كما أنه الأداة التي بها يتحقق اتساق النص وانسجامه، وبه تبرز مقروئية النص، وتنكشف مقاصده المباشرة وغير المباشر.  

معنى العنوان: شموخ الوطن بالمقاومة والتضحية وعلو مكانته كعلو القناطر والمباني الشاهقة، وقد نجحت القاصة في اختيار عنوانها الذي يتطابق مع المحتوى ويدلل عليه.

وقد استوقفني العنوان وتعابيره التي تتشابه مع نصوص سابقة لكتّاب، فجاء في مجلة أخبار الدنيا  اللبنانية الإلكترونية في آخر تحديث يناير2019  عنوان: “قلعة عنجر … قناطر تبدو كأنها تعانق السماء ” و”قلعة عنجر الأثرية … قناطر مفتوحة على المدى المفتوح، وأخرى تنفذ إلى الآفاق البعيدة…هي قلعة أخرى من قلاع لبنان الشامخة نحو العلا…لكأنها تعانق السماء … 

وجاء في رواية قصر الشوق لنجيب محفوظ /مؤسسة هنداوي:” خطوط وشكول وألوان تَخضع في النهاية للحواس والقياس. الجمال هزة في القلب جارحة، وحياة في النفس عامرة، وهيمان تَسبح الروح على أثيره حتى تُعانق السماوات.

واحتار فكري فكيف أربط بين ما سبق وبين عنوان قصة الكاتبة مريم،  فهل نعتبر ذلك من قبيل التأثر والتأثير وموضع التأثر والتأثير يثري الموضوعات الأدبية ويمدها خصبا ويرفدها ثراءً، أم نعتبر ذلك من قبيل التناص، وهو تقاطع نص أدبي مع غيره؟

ومفهوم التناص إعتمادا علي طروحات “کريستيفا وبارت” هو تعالق “الدخول في علاقة” مع نص حديث، بينما السرقات الأدبية تتمثل بسرقة اللفظ أو المعني أوكليهما.

وبناء على ما سبق كان الأجدر بكاتبتنا أن تغير شيئا من تعابير عنوانها، فتظهر بصماتها وتميزها ومواطن إبداعها كأن تقول مثلا: وطن يعانق الثريا أو مجد يعانق العلى والأفق.

وكتبت نزهة أبو غوش:

غمرتنا الكاتبة مريم حمد في روايتها (قناطر وألوان) بألوان مختلفة تعطي المعاني المجازيّة، والمعاني المباشرة الملموسة. للألوان في الرّواية دلالات وأهداف استخدمتها الكاتبة كوسيلة تعبيريّة تعزّز أهميّة المكان، سواء ابراز جماله، أو رداءته، كما أنّها أعطت من خلال استخدام الألوان المدى للزّمن، من حيث طوله أو قصره أو تقلّصه؛ اللون عبّر عن الفرح، والحزن والألم، والابتهاج، والحبّ، والكآبة وعواطف كثيرة حملتها شخصيّات الرّواية في مسيرتها الحياتيّة بما تحمله من أحداث وتقلّبات على مرّ أكثر من ثلاث مئة صفحة.

تعمّقت الكاتبة في وصف الطّبيعة الجميلة بسخاء مبالغ فيه: التشبيهات والاستعارات والسّجع حمل في طيّاته أجمل الألوان وأبهاها. روعة الأماكن في فلسطين بجبالها وأنهارها وبحارها وأشجارها وأزهارها؛ وألوان البنفسج والأبيض والوردي، والأصفر، والبرتقالي. من خلال دقّة الوصف يكاد القارئ أن يشتمّ رائحة الفلّ والياسمين والجوري وغيرها. من خلال الغوص في أحداث الرّواية، رأيت أنّ المبالغة في الوصف – رغم جمالها – كادت أن تتغلّب على الأحداث وتطفأها، فتشعرك بأنّ اللغة هي الهدف الأوّل، وبعدها تأتي الأحداث الّتي يترقّبها القارئ بلهفة لتأتي بعد نفس طويل.

من حيث الأهداف الّتي قامت بها الألوان أرى أنّ الكاتبة حمد قد استخدمتها بفنيّة وذكاء؛ فهي ألوان الحبّ، واحمرار الخدود ، هي اللون البرتقالي لتوهج المحبّين، هي الاصفرار عند الخوف والانفعال. هي الأزرق في المحيطات والأنهار، هي اللؤلؤ والمرجان في أعماق قلوب المحبّين، وهي كلّ الألوان الزّاهية حبن نعمّر القلوب بالتّفاؤل والأمل في حياة أفضل في وطن جميل بأصحابه؛ هي الألوان القاتمة السّوداء والرّمادي ساعة فقدان الأمل، وتردّي معنى الحياة في ظلّ احتلال يكسر من عزيمة الشّعب المظلوم. تغيّرت ألوان الغيوم، فهي ساحرة جميلة في لوس أنجلوس، وقاتمة غامقة في القدس. وكم هو الخريف رائع بألوانه الصفراء، والحمراء والبرتقالي الّتي تحملها الأشجار هناك بعيدا، حيث الهدوء والسّكينة  الألوان الحمراء والصفراء والخضراء هي ألوان زجاج القناطر في بلدة عين كارم، البلدة المهجّرة والّتي بدورها أذهلت مشاعر الطّفل ابن شمعون، ولم يتوقّف عن رسمها خلال فترة وجوده؛ فكانت هذه الألوان والقناطر شاهدة على تاريخ يحاولون انكاره، فهذه الألوان قد زغللت عيونهم وقالت لهم: “هذه بيوت عربيّة”؛ فعذّبتهم وأرهقت منامهم وأحلامهم، وما زالت.

بدا اللون الأخضر والأزرق على جسد منتصر الطّفل الّذي عذّبه المحقّقون؛ لأنّه قطف زيتون جدّه الّذي ضمّوه لمستوطنتهم. اللون الأحمر للدّماء الّتي سالت من قلوب الشهداء والمتظاهرين المناهضين للاحتلال الجائر. لون الهواء والفضاء القاتم في عيون الأمّهات الصّابرات، وفي قلوب الآباء المتفجّرة غضبا وقهرا.

اللون البني والأصفر والأخضر والأزرق للون الأرض سيطر على كلّ الألوان؛ لأنّه لون الوطن الّذي يسكن القلوب والعقول، ولا لون يشبهه على كوكب الكرة الأرضيّة. ألوان قوس القزح المنبثقة من تحت سماء الوطن تمنح بعض الأمل لمستقبل يحمل الحريّة بين طيّاته. 

رحت أبحث في الرّواية عن ألوان العنصريّة؛ فوجدتها ألوانا مندغمة ببعضها لا تُعرف أصولها؛ تماما كلون الحواجز العسكريّة، وذلك الجدار الّذي يلتفّ مثل الأفعى حول البيوت والشوارع والحقول؛ فقطّع الأوصال، وأكّد بامتياز على معنى مفهوم الاحتلال.

وجدت في رواية حمد ( ألوان وقناطر) لونا مميّزا للإِنسانيّة؛ هناك في المشفى، حيث البراءة والنّقاء والجمال في وجوه أطفال يولدون لآباء مختلفي الأصول؛ تسكنهم الكراهية لبعضهم، والخوف الكبير أن تتلوّن قلوب هؤلاء الأطفال وتفقد براءتها بلونها الأبيض النقيّ.

وكتب عفيف قاووق:

المتصفح لهذه الرواية يجد أن مفردات القناطر والألوان تكررت في أكثر من موضع، وكأنها إشارات رمزية يراد بها تأكيد الحق التاريخي للفلسطيني في أرضه، لما تُمثل تلك القناطر الملونة والبيوت الريفية من علاقة عشق وإنجذاب الفلسطيني لها. على عكس تلك العلاقة الباردة التي أبداها شمعون تجاهها، فلم نجد هذا التناغم أو التآلف بين شمعون اليهودي الدخيل على هذا البيت العريق وبين قناطره وزجاجه الملون.

وأيضا فقد تعمدت الكاتبة أن تعنون فصول الرواية  بأسماء وأنواع النباتات والأشجار مثل (سنديان، عُليق،رمَّان،لَوز، لبلاب، زعتر، زنبق، زيتون، مريمية، زيزفون وغيرها من الأسماء). هذه العناوين يُراد بها  التأكيد على أصالة الإنسان الفلسطيني وتعلقة بأرضه ومزروعاتها ونباتاتها، وخير دليل محاولة المُنتصر أن يحصل ولو على بضع حبات زيتون من كرم زيتون جدّه المُصادر من قبل المُحتل، وكذلك فعلت النسوة عندما أوقفنّ باص الصليب الأحمر واختفوا داخل بيّارة حمضيات على مقربة من يافا، لقطف بضعة حبات من الليمون اليافاوي،” شعرت ريم أن عليها أن تخرج عن صمتها وتقطف بضع حبات كرمزية على استعادة حق مسلوب، فقطفت بضع حبات وصعدت للحافلة”،259.

قراءة الروايات الفلسطينية بشكل عام تُتيحُ للقارىء الذي هو من خارج فلسطين أن ينعم ولو بنزر يسير من السياحة الجغرافية، وحتى الدينية في فلسطين لما تتضمنه تلك الروايات من توصيف لبعض الأماكن والعادات، وفي هذه الرواية نتعرف على بعض الأماكن في محيط مدينة القدس، وعن تفاصيل الأزقة والحارات، ذاك الزقاق الذي يضم عدة أبواب وخلف كل باب حوش صغير، يتسع لبيتين أو ثلاثة بيوت، وأيضا تأخذنا الرواية إلى تلال أبوديس والعيزرية، وبلدات سلوان، ومدن رام الله وبيرزيت وغيرها من الأماكن، ونتعرف على تفاصيل وأشكال البيت الفلسطيني الذي يتخذ شكل المستطيل وواجهة البناء مزينة بألوان زجاج أحمر وأزرق، وأن كل شباكين من شبابيكه قريبين من بعضهما البعض، وتلك الأقواس النصف دائرية المزينة بالزجاج الملون والتي تُزيد هذه الشبابيك أناقة، وهذا ما يعطي البناء جمالية مميزة رغم بساطة تصاميمه158.  

بالعودة للرواية نلاحظ أن الجانب الإنساني هو الطاغي في معالجة أحداثها بحيث نلحظ أن هناك ما يمكن اعتباره دعوة إلى التسامح وقبول الآخر، وبمعنى آخر الدعوة إلى ما يشبه أنسنة الدين، يصف الراوي العليم أسينات بأنها” كانت كأي إنسان نقيّ تُحب الجميع، وترى بأن كل الناس في أصقاع الأرض متشابهون، ويجب أن يتفق المسلمون مع اليهود، وكذلك مع المسيحيين، وكأن الصراع مع المُحتَل هو صراع ديني وليس صراعا سياسيا ووجوديا، فهي تقول لولا تدخل رجال الدين المتعصبون لكانت الدنيا أفضل وأجمل وتتسع للجميع، إن هي خلت من الأنانية والطمع اللذين يُتلفان الحياة والبشر.61 “. وفي موضع آخر تقارن ريم بين التجهيزات المكتملة في مستشفى هداسا العيساوية وبين الوضع المُتردي للمشافي الفلسطينية التي تفتقد حتى لأجهزة الأوكسجين التي يحتاج لها الجنين، ويصف الراوي العليم أجواء مستشفى هداسا بالنموذجية:” تبدو هذه الممرضة وكأنها ملاكا، أطباء وطبيبات وممرضات وممرضون، عرب ويهود كل واحد منهم يعمل بجد ونشاط، وكأن العالم الخارجي لا يمت لهذه المنطقة بصلة، 197″. أمّا ريم في وصفها للأطفال حديثي الولادة فتقول:” ينام كل هؤلاء الأطفال ولا تعرف منهم من هو المسلم ومن هو الولد النصراني أو اليهودي،” وتُكمل: “ليت البشر كلهم يبقون كما هم هنا مسالمون”. أيضا فإن في تعامل ريم مع المنتصر وجوناثان الكثير من التسامح وقبول الآخر، تقول:” الإثنان ابناي، وسأحبهما، أنا أمٌ ولم تُخلق الأمهات إلاّ للحب.  لم يعد لديّ فضول لأعرف أين ومن هو إبني الحقيقي؟ لكني حتما سأحبه، وقد  بدأت أدعو له في صلاتي، أنا أرفع كل يوم يديَّ وأدعو للمنتصر وأخيه بالخير”.

النقطة الثانية التي نستخلصها من الرواية هي الهوية الضائعة او المُشتتة وهذا ما جسدته أسينات التي  تُمثل المرأة الباحثة عن هويتها، وهي الآتية من مزيج جنسيات وديانات مختلفة، كما حدثها جدها الذي كانت أمّه عراقية، وأبوه إيراني وهو متزوج من شابة أمها كانت ألمانية، وأبوها بولنديّ، فأنجبا والدة أسينات،49. ولا بد لنا من تسجيل هذه المفارقة في شخصية أسينات، التي لا يمكن لنا  فهم هذه الإستدارة في حياتها، فبعد أن قدمتها الرواية بكونها الفتاة المتمردة المُمتلئة حماسا للعلم والمعرفة، ولا يعجبها أي شاب تقابله، بل كانت دائمة البحث عن ذاك الذي يحب الفلسفة ويشاركها متعة قراءة الكتب 49.  وتوحي بأنها لن تكون تلك المرأة التي ترتق الجوارب، وتعد أشهى المأكولات، ولن يهمها أن تتقن الحب لإرضاء شريكها، بل ستختار من يشاركها الحياة بتناغم ومساواة 53، نجدها فجأة وبعد أن خُيّل للقارىء بداية نشوء علاقة انجذاب ما مع عليّ العراقيّ، نُفاجأ بها وهي تحط في مطار بن غوريون متأبطة ذراع زوجها شمعون دون أي مقدمات. هذا الزوج الذي لا يرى في مؤسسة الزواج ربما سوى مجرد أجساد تلتقي لحظة المغيب بهدف الإنجاب. ويتمنى أن تصبح زوجته حاملا بأسرع وقت خدمة لإسرائيل كما يدعي:” هذه أرض إسرائيل، ليست كأي مكان، نحن بذلنا الغالي والنفيس من أجلها، بنيناها بالدم والدمع والعرق، وما زلنا نتعب ونبني ادعي الله كي تكوني حاملا، لنرزق بطفل يحمي هذه الأرض ويخدمها، كما  فعل أجدادنا من قبل، عليكِ أن تشعري كباقي الأمّهات الإسرائيليات أنك مسؤولة عن بناء ونشأة طفل لخدمة أرض إسرائيل. 187″ .

    سعت الرواية لفضح المحتل وممارساته، مُشيرة الى الإنتفاضة التي اشتعلت شرارتها الأولى من مخيم جباليا في قطاع غزة في عام 1987 بعد دهس أحد المستوطنين لمجموعة من العمال الفلسطينيين على حاجز إيرز، فهبّ الشعبُ كلُّه معلنا انتفاضة الحجارة في كل المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية.107″. كما أشارت الرواية إلى الجدار العازل في عملية توثيق تاريخية لما جرى ويجري داخل الارض المحتلة، وإلى لون الهويات الذي إبتدعه الإحتلال، اللونان الأزرق والأخضر لونا بطاقات الهوية الملعونة، التي دمغ الاحتلال بها البشر، وصنفهم بها إلى أصناف،وبسبب ذلك أصبح التنقل صعبا، فالجميع أصبح مجبرا على الاستدارة حول الجدار؛ لتصبح مسافة النصف كيلومتر التي كانت على مرمى العين أكثر من عشرين كيلومتر؟. وفي تذكيرنا بالأسرى داخل السجون، وثقت الرواية الأجواء الإحتفالية لعملية من عمليات تبادل الأسرى، وكانت بلدة سلوان على موعد مع تحرير أسيرين، وقد علت أصوات الشباب، وتبعتها زغاريد النساء، والكل ينظر ويتتبع بحب وشغف ذلك الموكب المهيب، والأمهات اللواتي لم يستطعن الخروج، تناقلن الفرحة من الشبابيك وحلقات صغيرة جمعتهن في طريق الزقاق، قرب شجرة الزيتون الكبيرة، وقرب شجرة التين الأقرب لشارع القرية، كيف لا والفرحة اليوم فرحة أمّة، والنصر اليوم للجميع؟.

كما أثارت الرواية الزيف والتزوير الذي يمارسه الإحتلال ومن يُسانده في محاولته طمس التاريخ الفلسطيني وتزوير الحقائق من خلال حديث شمعون، سواء مع زوجته أسينات أو ولده جوناثان، فهو دائم التذكير بأن هذه الارض هي أرضهم الموعودة، وأن هذه البيوت التي يسأل عنها جوناثان دوما ما هي الا بيوت الرعاة الذين تركوها ليرعوا أغنامهم، ويخاطب زوجته قائلا: بالله عليك يا أسينات، أنت لم تعرفي بعد كم عانى اليهود لإقامة هذا البلد، الذي هو وعد الربّ لنا، ألا تعلمين بأننا شعب الله المختار، وقد اختار لنا هذه الأرض لنعمرها؟ ويذكرها كيف كان اليهود يسردون القصص لأطفالهم منذ نعومة أظفارهم ليعيشوا على حلم بناء دولتهم، التي سُلبَت منهم، فعملوا جميعا بكدٍ وتعب لبناء هذه الدولة. وشمعون هذا يرفض كل إشارة إلى التاريخ والتراث الفلسطيني لذا نجده دائم التذمر من إهتمام جوناثان بالقناطر وألوان زجاجها، هذا الرفض ظهر في اللاوعي عنده أثناء قيامه بالتحقيق مع المنتصر الذي تباهى أمامه بجمال القناطر والبيوت الفلسطينية، حتى خُيّل لشمعون أنه أمام جوناثان فصرخ قائلا:”عن أية قناطر؟ وأية بيوت يا ابن الزنا تتحدث؟ لا أريد أن أسمع عن  القناطر ولا التماثيل، سحقا لك يا جوناثان من أي مكان خرجت لي؟ تبا لتلك القناطر، تبا لتلك الألوان، لقد سئمت رسوماتك وألوانك، أنا سأربّيك وسترى منّي العجب، أنت ملكي وتحت أمري، 250.

كذلك لا تكاد تخلو محاضرة من محاضرات البرفسور شتراوس إلا ويذكر فيها تضحية اليهود، وعملهم الدؤوب لبناء دولتهم، وكيف أنهم اهتموا بنقل العلم والآداب والثقافات المختلفة لدولتهم، وفوق كل ذلك التعايش والسلم الذي غلف المجتمع الإسرائيلي في دولتهم .  

كل هذه الإدعاءات سقطت أمام سؤال أسينات “هل كل هذا الطعام إسرائيلي؟”، كم أحب تعلم وتذوق الطعام الإسرائيلي، كم هو متنوّع، لترد والدة شمعون في الحقيقة لقد ساعدتني عمّة شمعون بتحضيرالأصناف المغربية، أمّا أنا فقد جهزت الكبّة العراقية والحمصية، وهذه إشارة إلى أن المجتمع الإسرائيلي برمته مجتمع هجين يعتمد على تراث الآخرين حتى في أنواع الأطعمة.

      خلال الحوار الذي جرى بين البروفسور شتراوس والطالب العراقي علي نلحظ أن الرواية قد خصصت مساحة لا بأس بها على لسان الرواي العليم؛ للإضاءة على ما يعتقده البروفسور  شتراوس المعروف بحُبّه لنصرة الأقليات في العالم،- كما وصفته !- والذي يتخذ من إسرائيل مثالا رائعا للتضحية والكفاح،” لقد كان معجبا بولادة دولتهم التي أقاموها بالدم والدمع والعرق، أوجدوا جيشا قويا، زرعوا جبال وتلال إسرائيل، حفروا فوق الأرض وتحت الأرض، كيف لا وكل أثارهم مدفونة هناك؟55″. ولم يكن رد الطالب العراقي علي بالمستوى المطلوب حيث اكتفى بتذكير البروفسور بمجازر العصابات الصهيونية التي لعبت دورا كبيرا  في تأسيس الكيان الصهيوني، وارتكاب المجازر في دير ياسين وكفر قاسم وغيرها من المدن.58 . دون أن يُضَمِن رده بالأدلة الدامغة لإثبات الحق التاريخي لشعب فلسطين بأرضه، وأن هذه الأرض هي أرض عربية إغتصبها الإحتلال، وليست أرض الميعاد كما يزعم.

  نقطة أخرى لا بد من الإشارة إليها والتي قد تلتبس على القارىء، حيث  قدمت الرواية بعض النسوة الفلسطينيات بصورة هشّة في ردة أفعالهن وهمساتهن حول ريم التي أصبحت زوجة لأسير:” جلست ريم في باص الصليب الأحمر وبدأت بسماع همسات النساء من حولها، حول آلاف السيناريوهات التي قد تحدث في الشهور المقبلة، البعض حزين على شبابها، والبعض يحسب الراتب الذي ستتقاضاه كون زوجها أسيرا، هل ستطلقه أم ستصبر؟ هل ستبقى في بيت عائلة زوجها أم ترحل؟.256 . هذه الهمسات وإن كانت تحصل في بعض المواقف لكن توثيقها ضمن رواية وإظهار المرأة الفلسطينية، وكأنها توظف أسر زوجها للحصول على مرتب أو للتخلص من إلتزاماتها الزوجية وطلب الطلاق أجد أن إدراجها في متن الرواية غير موفق ولا يخدمها.

   أمّا في موضوع الخطأ الذي حصل في المستشفى والذي أدى إلى إستبدال الطفلين المنتصر وجوناثان، فلا بد من الوقوف وطرح السؤال المركزي والبديهي في مثل هذه المواقف: ما هي ردّة فعل كل من الأشخاص المعنيين وكيف كان تعاملهم مع الحقيقة المستجدة. وفي تطرقنا إلى هؤلاء الشخصيات نسجل الملاحظات التالية :

  • جوناثان: بالرغم من نشأته في بيت يهودي-إسرائيلي، يبدو أن الجينات البيولوجية والوراثية فعلت فعلها في تكوين شخصيته واهتماماته، لدرجة أن كل من شمعون وأسينات وجدا فيه الطفل المختلف الذي أدمن على رسم قناطر الأبواب والشبابيك، التي كانت تزيّن البيت، رسم الشبابيك والقناطر الزجاجية التي تعلوها. أضف إلى ذلك فقد كان يطرح الكثير من الأسئلة التي كانت تستفز من حوله، يسأل أين ذهب الرعاة؟ من ساعدهم ببناء تلك القناطر؟ من صنع الزجاج الأحمر والأزرق والأخضر والأصفر؟ أكانوا كثيرين؟ هل نحن رعاة؟ هل بيتنا بيت رعاة؟ لماذا نسكن بيتهم؟ وفي أول زيارة له لحائط المبكى اضطرب كثيرا ولم يطق البقاء.

المنتصر:  وهو المولود من أبوين يهوديين، لم تظهر عليه أي علامات تثير الشكوك حول هويته، بل العكس كانت كل تصرفاته تدل على أنه فلسطيني المولد والنشأة، مؤمن بحقه وبمناهضة المحتل، وهذا ما ظهر من خلال إصراره على إختراق السور لقطف الزيتون من بستان جده رغم كل المحاذير، كما ظهرت صلابة موقفه أثناء التحقيق معه والإنتصار لأمّه ريم ورفضه التعرض لها.

شمعون: منذ البدء تولد لديه شعور بأن جوناثان مختلف، وعندما علم بحقيقة الأمر قال “نعم هو ليس ابني، أنا أستحق الأفضل، كنت دوما أشعر بهذا الشعور، ولم أقدر على البوح به.301” . وهنا لا بدّ من التساؤل كيف لم يتولد أي شعور غرائزي عندما تقابل شمعون مع ولده(المنتصر) خلال التحقيق؟ وما كانت ردة فعله عندما عرف أنه كان يحقق مع ابنه ويعذبه.

ريم : كما ذكرنا سابقا فقد تقبلت ريم الوضع بإعلانها أن الولدين هما ولداها، ولكن الملفت أنه مع نهاية الرواية وخلال مكالمتها الهاتفية كانت المكالمة مع المنتصر، ولم يكن لديها الفضول للتكلم مع ابنها الحقيقي “جميل أو جوناثان” إنها مفارقة تدعو للتساؤل.

 كما أن الرواية لم تبين لنا ردة فعل المنتصر عندما عرف بحقيقة نسبه اليهودي. وأيضا لم نعرف ردة فعل جوناثان وأسينات عند معرفتهما بالحقيقة، وإن كنا نتوقعها أخف وطأة. ولو  تطرقت الرواية لهذا وإستفاضت به لربما كُنّا أمام فيض من النقاشات والمشاعر التي تولدها الصراعات الداخلية داخل النفس الإنسانية.

وقالت رفيقة عثمان:

  امتازت لغة الرّواية، بلغة عربيّة فصيحة سلسة، وبليغة، تكاد تخلو من اللّهجة العاميّة، وإن وُجدت فهي تتناسب مع المواقف والأحداث، دون المبالغة فيها.

 طغى على اللّغة استخدام المحسّنات البديعيّة، والاستطراد في الوصف للأحداث؛ وخاصّةً فيما يتعلّق بوصف الطّبيعة وأجوائها.

 استخدمت الكاتبة أسماء معظم أنواع النّباتات الفلسطينيّة المعروفة وغير المعروفة، عناوين لفقرات السّرد في الرّواية؛ مثل: (السنديان – عُلّيق – رمّان – لوز – لبلاب – اللّيمون – خشخاش – جمّيز – حنّون – نخيل – جوري – زعفران – غار – منثور – عكّوب – زقوم – زعتر – سريس – جعدة – زنبق – سوسن – دفلة – خروب – زعرور – زيتون – عوسج – طيّون – زيزفون – قوص – عتاب – خبّيزة – ميرميّة – زيتة – عتّاب – خبّيزة – أبو ليلة – سدر – نرجس).

  إنّ استخدام الكاتبة لأسماء عديدة من النّباتات الفلسطينيّة، لعناوين داخل نصوص الرّواية، على الرّغم من عدم ارتباط العناوين بمضامين النّصوص؛ له دلالات عميقة جدّا، للجذور وشدّة الانتماء للأرض والوطن، ولكلّ نبتة لها حكايات تاريخيّة وشعبيّة عديدة، مرتبطة بالحضارة والتّراث الفلسطيني بشكل خاص، والعربي بشكل عام. يبدو لي أنّ هذا الاختيارموفّق جدًّا.

   Motif برزت بعض الموتيفات في الرّواية أعلاه ” الموتيف هو الدّالة أو الموتيفة أو نمط معيّن من الشّخصيّة مما نجده ماثلًا ومتكرّرًا في شتّى الأعمال الأدبيّة، وظيفته أن يثير حالة قد تؤدّي إلى التّعرّف والكشف أو يكون رمزا أو شاهدا على وضع معيّن” ويكبيديا. الموتيف البارز في الرّواية هو تكرار كلمات وعبارات: قناطر وأقواس، وألوان مرّات عديدة، ممّا يدل على أهميّة هذه الكلمات في نفس الكاتبة؛ لإلقاء الضّوء على التمسّك بأهميّة البيوت القديمة والمُهجّرة، وما يرمز إليها بحق العودة؛ كذلك الإشادة بالتعدديّة الفكريّة، وتقبّل الآخر، والشعور بالحريّة والتحلّي بالإنسانيّة بكافّة أشكالها وألوانها. من هنا وُجد الرّبط لهذه الدّلائل بالعنوان.

  رواية “قناطر تعانق السّماء” رواية لا ينقصها عنصر التّشويق، نهجت الكاتبة أسلوبا فنيّا مغايرا؛ حيث سردت الكاتبة روايتين مختلفتين، ومنفصلتين في رواية واحدة؛ حيث سردت الكاتبة قصّة علاقة أسرتين مختلفتين: الأولى فلسطينيّة، والثّانية أسرة يهوديّة؛ وحصل تبادل بالأبناء بعد الولادة على يد ممرّضة بالمستشفى، وتمّ اكتشاف الموضوع أثناء اعتقال أحمد، عندما اكتُشف عدم تطابق فصيلة دمه مع ابنه منتصر؛ والّذي تبيّن بأنه ابن لأب يهودي وأمّ يهوديّة أمريكيّة؛ بينما الابن الحقيقي جوناثان الّذي يعاني من اضطّراب طيف التوحّد أو بمتلازمة (أسبرغر) فاعتنت به أسينات، على خلاف زوجها.

 انتهت الرّواية، بإعادة منتصر إلى والديه الحقيقيين (أسينات وشمعون)، وتقبّل ريم للوضع الجديد، واعتبرت كلا الشّابين أبناء لها.

  كان السّرد في الرّواية سردا منفصلا لكل أسرة على انفراد، ثمّ تمّ الرّبط بينهما في نهاية فصل الرّواية؛ ابتداء من صفحة 301 عندما قال شمعون لزوجته: “جوناثان ليس ابننا يا أسينات”. يبدو لي أنّ الحبكة الفنيّة في الرّواية، برزت في نهاية الرّواية؛ والّتي أبدت تشويقا وإثارة، أكثر من البداية أو متنها.

   أنهت الكاتبة الفصل الأخير من الرّواية، على لسان ريم الفلسطينيّة، والّتي رمزت للوطن والأم الفلسطينيّة؛ بأنّها هي الأرض، وهي المحبّة والسّلام، وتستوعب كافّة أطياف البشر دون تمييز عرقي أو ديني، وتقبّل الآخر مع الاختلاف. حقيقة هذه النّهاية هي نهاية مفتوحة وفيها من السّمو والارتقاء بالفكر والشّعور الإنساني للإنسان الفلسطيني، وهذا يُحسب لصالح العمل الادبي.

  برأيي الشّخصي كانت نهاية الرّواية سريعة، وكان الانتقال سريعا، ولم تحظّ النّهاية بتفاصيل السّرد الّذي رافقنا خلال السّرد في مساحة واسعة من الوصف، الفصل الأخير لم يحظَ بنفس المساحة، لدرجة بأنّه اختفت بعض التّفاصيل الهامّة حول كيفيّة حدوث تسليم الشّاب الفلسطيني لوالديه ووصوله إلى (لوس أنجلوس) عند الوالدة أسينات.

  عدد الشّخصيّات في الرّواية محدود، الزّوجان: أحمد وريم الفلسطينيّان وابنهم مُنتصر؛ بالمقابل شخصيّة الزّوجين: أسينات وشمعون وابنهما جوناثان، وصديق أسينات علي العراقي. لعبت الشّخصيّات الرئيسيّة أدوارها، كما تحكّمت بها الكاتبة؛ لكنها تجاهلت شخصيّتين في الرّواية: الأولى شخصيّة علي، صديق أسينات الّذي رافقها، وكان صديقا جيّدا لأسينات، وفجأة اختفى ولم يستمر دوره بالرّواية؛ بينما الشّخصيّة الثانية، هي شخصيّة شيمعون زوج أسينات، انتهت مهمّته عند اكتشافه لحقيقة تبادل ابنه مع الزّوج الفلسطيني: احمد وريم. حبّذا لو استمر دوره ، وأظهرت الكاتبة ردود فعله من هذا الاكتشاف الصّادم.

  أتقنت الكاتبة وصف شخصيّة الطفل جوناثان، المضطّرب، ووصف حالته مع سلوكياته بإتقان؛ بالأخص وصف حالة الطفل وإصابته بظاهرة  “الأسبرغر” حالة من انعدام التّواصل الاجتماعي واللّغوي، مع التميّز والتّفوّق بمجال معيّن بقدرة تفوق العادي.

  أبرزت الرّواية أهم المعالم والأماكن المقدسيّة، بالإضافة لتأثير الحواجز والمعابر ما بين القدس وما وراء الجدار، على المواطنين الفلسطينيين، والمقدسيين بشكل خاص؛ ناهيك عن امتلاك الهويّة واختلاف ألوانها بينهم والتّمييز العنصري، بالإضافة لأسر الأطفال وطريقة معاملتهم السّيّئة من قِبل السّلطات المُحتلّة.

  زمنكيّة الرّواية: مكان أحداث الرّواية تراوح ما بين القدس وضواحيها، ولوس أنجلوس، منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطنيّة الأولى عام 1987.

    عنوان الرّواية: ” ألوان وقناطر تعانق السّماء” ، يبدو بأنّ العنوان يحظى بمساحة كبيرة ومطوّل؛ لكنه يحمل في طيّاته دلالات رمزيّة عميقة وعديدة، لِما تحتويه الرّواية، من تنوّع في مختلف الأجناس، والانتماءات، والأفكار، والصّراعات؛ لكن القناطر والألوان هي الرّسومات الّتي رسمها الطّفل (جوناثان) أثناء وجوده في القدس، بمسكنه في عين كارم القرية المٌهجّرة، والّتي تتحلّى بيوتها القديمة بالتصميمات الهندسيّة الجميلة المميّزة بالقناطر والأقواس؛ هذه الرّسومات تعانق السّماء؛ لأنّها فلسطينيّة الأصل، وستظل كذلك.

  خلاصة القول: رواية “قناطر وألوان تعانق السّماء” رواية ممتعة، وذات قيمة أدبيّة واجتماعيّة، تحمل في طيّاتها الرّوح المتسامحة، والطّيبة، والفكر المتشعّب، وتقبّل الآخر مهما كان عرقه أو جنسه، أو لونه.

   هذه الرّواية  تُصنّف تحت الجنس الأدبي كرواية واقعيّة، وتأريخيّة سياسيّة، وهي مطعّمة بخيال الكاتبة الخصب، فهي إضافة نوعيّة؛ لإنعكاس الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة، الّتي واجهها ويواجهها الفلسطينيّون تحت ظل الاحتلال، وعلى الأخص ما يواجهه المقدسيّون من تضارب الهويّة وقسوة الحياة، وممارسة العنصريّة المُمنهجة ضدّهم؛ على الرّغم من نهج الأسلوب في التّركيب الفنّي للرّواية غير النمطي، كما أوضحت سالفا. ويبقى التّساؤل: ” هل هذا الأسلوب مقبول ومتّبع في كتابة الرّوايات؟”.

   من الجدير ذكره، بأنّه يُنصح بترجمتها للغات أجنبيّة؛ للتعريف الحياة البائسة التي يعاني منها المقدسيّون؛ لأنّ القدس لا تشبه أي مكان في العالم، في ألوانها وتنوّعها.

وكتبت د. روز اليوسف شعبان:

يثير عنوان الرّواية فضول القارئ وتجعله يتساءل: ماذا تقصد الكاتبة؟ أي قناطر؟ أين تتواجد؟ لماذا القناطر بالذات؟ وما هو دور الألوان؟ وما هي دلالة عناق القناطر والألوان للسماء.

    بعد ولوجنا لعالم الرواية نكتشف أن القناطر هي رمز لوجود العرب في هذه البلاد وبنائهم البيت العربي القديم والمساجد، التي اصطبغ زجاجها  بالألوان الأساسيّة: الأحمر الأخضر الأزرق الأصفر.

   من اللافت أيضا استخدام الكاتبة في جميع  عناوينها الفرعية لأسماء أشجار ونباتات  تتميّز بها بلادنا، وتزرع في كافّة البيوت العربيّة، وفي ذلك رمز آخر على ارتباط الفلسطينيّ بالطبيعة والأرض. 

    تأخذنا الكاتبة في سرد شائق بين مدينة القدس وبلدة سلوان، ومدينة لوس انجلس في أمريكا. مسافة كبيرة تفصل بين البلدين، لكنّ فيها أرواحا تتآلف وتتنافر، تحبّ وتكره، تضحي وتعذّب، خلال هذه الرحلة بين القدس ولوس انجلوس، تختلط المشاعر بين الأمل والفرح، الحزن والعذاب، السجن ومعاناة الأسرى وفرحة الإفراج عن البعض منهم، الجدار الفاصل بين البلدات المحاذية للقدس، معاناة السكان في تنقلهم من بلدة لأخرى ونجاح البعض في الدخول عبر فتحة من الجدار، وحشية السجّانين وتعذيبهم الوحشيّ للطفل المنتصر ومحاولة اتهامه بتهم خطيرة، هو طفل أبيّ يرفض الخنوع ويصرّ على صدق روايته، كلّ ذلك في سرد مؤثر شائق.

     بين كل هذه التناقضات تعيش عائلتان عائلة مريم وأحمد في بلدة سلوان المحاذية للقدس وعائلة أسينات ذات الجذور اليهوديّة. تعيش أسينات مع جدها في لوس انجلوس. أمّا ديفيد جدّ أسينات فأمه عراقية وأبوه إيراني، وبعد وفاة أمّه تزوج أبوه من مغربية، وأصبح لديه أخوة وأخوات من زوجة أبيه المغربيّة. عندما كبر وأصبح شابّا تزوج من شابّة أمّها ألمانيّة وأبوها بولنديّ فأنجبا أسينات. توفّيت والدة أسينات في ريعان الشباب وتركها والدها فكفلها جدّها. تعرفت على شمعون وهو ابن صديق جدها قدم إلى أمريكا في عمل له، وأسفرت هذه العلاقة عن زواجهما وترك أسينات لموطنها والسفر مع زوجها إلى إسرائيل. إلا أن الجد رفض السفر معها وفضل البقاء في وطنه أمريكا. عاشت أسينات في بيت جميل جدّا وقديم، تزيّن نوافذه وأبوابه قناطر متعددة الألوان. ثم تلد  أسينات طفلا مميّزا جدّا ذكيّا ومختلفا عن باقي الأولاد أسمته جوناثان؛ لتكتشف في مرحلة متأخرة أنّ ابنها مصاب بطيف التوحّد؛ مع ذلك تحبّه وتحاول أن تفهمه وتشجّعه على الرسم، خاصّة رسم القناطر والألوان التي تزيّن بيتهم الذي ادعّى والده أنه كان لرعاة الأغنام الذين رحلوا من البلاد.

     أمّا مريم وأحمد فقد تعرّفا على بعضهما حين هرب أحمد من الجنود واختبأ في ساحة بيت مريم. أسفر هذا التعارف عن حبّ شديد انتهى بالزواج بعد إنهاء أحمد دراسته لموضوع الحقوق الدولية في مصر.

     يلد أحمد ومريم طفلا أسمياه  المنتصر. وحين كان في جيل الثانية عشرة حاول الدخول عبر السياج( السلك الشائك) الى المستوطنة المجاورة، ليقطف الزيتون من أرض جده، وهناك تجرح يده من السلك الشائك وينزل الدم. يلحق به الجنود ويتم سجنه وتعذيبه بوحشية، وفي صفقة بين المحامي والمحكمة يتم سجن والده أحمد بدلا منه، فيسجن لمدة سبع سنوات، بعد أن أسفر التحقيق أن المنتصر كان وحيدا، ولم يكن هناك هجوم متعمّد على المستوطنة، لكن اكتشافا آخر غيّر مسار حياة مريم وأحمد، إذ كشف الفحص الطبّيّ لدم  المنتصر أنّه ليس ابن احمد، لنكتشف بعد ذلك أنّه تمّ تبديل الطفلين في المستشفى، فابن أسينات وشمعون هو ابن مريم واحمد، والمنتصر هو ابن أسينات ووالده المحقق شمعون الذي عذبه في السجن.

     تنتهي القصة بمكالمة تلفونية بين مريم وابنها المنتصر المتواجد في لوس انجلوس عند أمّه أسينات؛ ليؤكد لها أنها ستبقى والدته، وسيبقى يحبّها للأبد. وهنا أتساءل: كيف تقبّل المنتصر هذا الواقع الجديد بهذه السهولة؟ كيف وافق على العيش في لوس انجلوس مع عائلته اليهوديّة الجديدة وهو الذي رفض الاحتلال وقاومه بأسلوبه الطفوليّ، حين اقتحم جدار المستوطنة وقطف بضع حبّات من الزيتون؟ كيف نسي ما لاقاه من تعذيب في السجن ومن سجن والده أحمد بدلا منه سبع سنوات ظلما؟ وكيف تقبّلت مريم هذا الواقع الجديد الذي قلب كيانها؟ وهل تقبّل شمعون ابنه الجديد الذي عذّبه بالسجن ونعته بالمخرّب؟

        بين كلّ هذه التناقضات ورحلة العذاب تنتصب القناطر في سماء القدس؛ لتعانق السماء، وتشهد على حقّ أصحابها المسلوب، تتلوّن بألوان الطيف، تبتسم للصبح والمساء، تزهو صيفا وشتاء. هناك على التلال تربّعت، ترقب قبّة الصخرة في إباء، تعانق صوت الأذان وتبتسم للرحمن. الشمس تغازلها،  قطرات المطر تقبّلها، أسوار القدس تناجيها، وهي في شموخها تعلو وتعلو لتعانقَ السماء.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات