ا
ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية “عين اسفينه للأديب خضر محجز، تقع الرواية التي صدرت عام 2005 عن منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين في 230 صفحة من الحجم الكبير.
بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:
واضح أننا أمام أديب متميز، وهو متمكن في فنّ الرواية، وروايته التي نحن بصددها هي الثالثة التي تنشر له، وقد سبق وأن قرأت له روايته الثانية “اقتلوني ومالكا” التي صدرت عام 1998، وكان متميزا فيها أيضا، وروايته الأولى هي “قفص لكل الطيور” كما صدر له ديوانا شعر أيضا، غير أن مؤلفاته لم تصل الى الضفة الغربية والقدس، فالوصول الى قطاع غزة من الضفة الغربية أو العكس، أصبح ضربا من ضروب الاستحالة خصوصا منذ العام 1994 أي منذ اقامة السلطة الوطنية الفلسطينية، وليس من باب المبالغة أن السفر من القدس الى أي عاصمة أوروبية او امريكية بات اسهل من السفر الى قطاع غزة، وأن وصول الكتب من العواصم العربية هي أيضا أسهل من وصولها الى قطاع غزة والعكس صحيح أيضا.
اسم الرواية:-
معروف أن الأديب خضر محجز كان أحد المبعدين الفلسطينيين البالغ عددهم اربعمائة وخمسة عشر شخصا الى الجنوب اللبناني او الى المنطقة التي عرفت بمرج الزهور، وذلك في 17 كانون اول 1992، وقد عاد مائة وتسعة وثمانون شخصا منهم في 10 ايلول 1992، في حين عاد الباقون باستثناء ثمانية عشر شخصا في 15 كانون اول 1993. والرواية تدور غالبية أحداثها في منطقة الابعاد في الجنوب اللبناني، غير أن الأديب المؤلف أعطاها – أي الرواية – اسم “عين اسفينة” ليثير تساؤل ودهشة القارىء الذي سيكتشف في الصفحة 61 من الرواية أن هذا الاسم هو عين ماء جارية في الجنوب اللبناني، ماؤها عذب دائما، “وهي منعزلة في خفر بين شجيرات الدفلى الكثيفة هناك” ص61 ولو ان الكاتب اسمى روايته “مرج الزهور” مثلا لما كان تساؤل أو دهشة عند القارىء، لأن هذا الأسم اكتسب شهرة واسعة، ودخل كل البيوت، من خلال الفضائيات، في أزمة المبعدين اليه في حينه.
مضمون الرواية:
تتحدث الرواية عن عملية ابعاد اربعمائة وخمسة عشر فلسطينيا من الضفة الغربية، ومن قطاع غزة الى الجنوب اللبناني في كانون أول 1992، وما تعرضوا له من تعذيب وتنكيل على أيدي عسكر الاحتلال اثناء نقلهم بالحافلات، حتى أصبح قضاء الحاجة أمنية من أمانيهم، وهم مكبلو الأيدي، مجبرين على طأطأة رؤوسهم، كما تتحدث عما لاقوه من عنت وحرمان، وبرد وحرّ، في ذلك المكان المنقطع في الجنوب اللبناني بين نارين، نار المقاومة من الشمال، ونار الاحتلال من الجنوب، كما تتحدث الرواية عن كيفية قضاء مدة هذا الابعاد الذي استمر عاما لأكثر من نصفهم، وتسعة شهور للآخرين، ومعروف أن المبعدين كانوا من المحسوبين على القوى الاسلامية الفلسطينية، وتحديدا حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي، فقد نصّب بعضهم نفسه قياديا على المبعدين، وشكل مجلس “شورى” شكليا كما عين ناطقا اعلاميا، مستغلا بذلك نفوذه التنظيمي، وعدم جرأة الأخرين على معارضته، أو تذيل البعض له، خلافا لذلك الشاب الجريء صابر الذي كان قادرا على المعارضة، وقادرا بذكاء خارق ان يحقق النصر في ما يريده، مستغلا أخطاء القيادة، والثغرات التي ترتكبها في قراراتها، أو تناقضاتها، وفي الرواية تأريخ أيضا لقضية المبعدين لمرج الزهور، كما فيها رفض صارخ للذين يتاجرون بالدين لتحقيق مكاسب شخصية، وهم في نفس الوقت ينتقدون غيرهم على تصرفات ومسلكيات يمارسونها هم انفسهم.
رواية اشكالية
واضح أن الرواية اشكالية من اسمها حتى خاتمتها مرورا بفصولها الأربعة عشر، ومعلوم أن ليس كل الاشكاليات سلبية، فإشكاليات هذه الرواية ايجابية، وتـنبع اشكاليات الرواية من عدة جوانب التي يمكن أن نتبين من خلالها شخصية المؤلف نفسه، فكما قال النقاد:- أن الأديب عندما يكتب أنما يكتب سيرته الذاتية أو جزءا منها، وبغض النظرعن السيرة الذاتية، فإن عمق ثقافة الكاتب وسعة اطلاعه واضحة جدا في الرواية، وثقافته غزيرة في مجالات عدة كما ظهر في الرواية، التي تميزت بوعي ديني وثقافة دينية واضحين، فانتماؤه الديني الواعي لا يخفى على القارىء الفطن، وكذلك عمق انتمائه الوطني والقومي، وثقافته الأدبية واطلاعه على التراث الأدبي العربي القديم شعرا ونثرا، واحاطته بالعلوم الفلسفية، وفلسفته للأمور ايضا، وكذلك ثقافته الشعبية قديمها وحديثها، وهذا يدلل أيضا على فهمه للمجتمع الذي يعيش فيه، وقدرته على التحليل النفسي لشخصيات روايتة، فلكل حركة، أو نظرة، أو التفاتة، أو قول تفسير عنده، لذلك فإنه كان يحلل “القرارات” أو “الأوامر” فور صدورها، فما أعجبه منها أخذ به، وما لم يعجبه كان يعمل على اسقاطه.
الأسلوب:-
اعتمد الكاتب في روايته على الأسلوب السردي المدعوم بالحجج والبراهين، فقد روى لنا تجربة الابعاد بقدرة فائقة، تخللها بعض الحكي وإن كان قليلا، كما أن اعتماده على الهوامش في تفسير بعض الأمور التي كان يتطرق اليها في ا لمتن، كان مدهشا، فالسرد الذي جاء في الهوامش وكذلك بعض التفسيرات كان ذكيا وضروريا، لا اقحام فيه، وفي تقديري أنه لو جمع الهوامش لاستطاع كتابة رواية أخرى من خلالها.
التشويق:-
طغى عنصر التشويق على الرواية بشكل جارف، فهي تسيطر على القارىء، وتشده، وتجبره على قراءتها حتى النهاية حتى وإن كان غير مخطط لذلك.
اللغة:-
من خلال الرواية يتجلى لنا أننا أمام مبدع يمتلك ناصية اللغة، فلديه مخزون هائل منها، فقد أكثر من الوصف المحبب للأشياء، وللأشخاص، وكان في وصفه يدخل الى أدق التفاصل بلغة انسيابية جميلة، وليس من باب المبالغة ان نقول بأنه قد صور لنا ما كتب عنه، فنقلنا الى المكان والحدث، وكأننا نعيشه.
شخصية صابر:-
بالرغم من التنويه الذي وضعه الكاتب على الصفحة الخامسة بأن “صابر ليس هو الكاتب، لأنه أقل شأنا من ذلك” إلاّ أن هذا النفي يكاد يحمل تأكيدا على عدم صحته، خصوصا بعد قراءة الرواية وتتبع نمو شخصية صابر، وسواء كان صابر هو الكاتب نفسه أم لا، فإن ذلك لا يغير في الرواية شيئا، وإن كان يعطيها حميمية أكثر.
وشخصية صابر، كما تابعناها في الرواية شخصية لافتة للانتباه، فعدا عن مرارة اللجوء، وما يصاحبها من قسوة في الحياة، إلاّ أنه لم يجد من يدافع عنه، ويحمي طفولته، “أما لماذا لا يجد أحدا يدافع عنه، فجوابه معروف مسبقا لولد أبوه غائب لا يعود إلاّ ليلا، ولا أمّ له ولا إخوة أكبر يدفعون عنه العدوان” ص40 فلذلك لم تكن أمامه خيارات سوى الاعتماد على قدراته الذاتية في الدفاع عن نفسه، وأن تكون الغلبة له في عراكات الصبية، وهذا ما فطر عليه كما جاء في الرواية ص40 أما اذا كانت الغلبة لأحدهم عليه فإنه “تعلم ان يبتلع هزيمته مع دموعه في صمت.. وما لا تدركه اليوم، فقد تدركه غدا… والمهم هو الصبر والانتظار” ص41 لذلك فإن هذه الفطرة التي فطر عليها هي التي دفعته بأن يتصدى “للدفش” ذلك الطالب متكرر الرسوب، والذي يكبره بعامين، والذي كان يفرض هيبة على الطلبة الأخرين بكثرة اعتداءاته عليهم، فلذلك وعندما هجم “الدفش” عليه بقضيب حديد “تلقفت يداه القضيب، وتشبثتا به تشبث القتيل برقبة قاتله” ص42 و “بقوة الحياة ضرب، بقوة الخوف ضرب… ضرب برأسه أنف الدفش وعينيه، وسال الدم… وصار “الدفش” يصرخ ويجأر مثل ثور مذبوح” ص43 .
وحرمان الطفل صابر من حنان الأمومة، ومن رعاية الأب وقسوة الحياة في المخيم، والاعتماد على الذات، هي بمثابة الملامح الأولى لبناء شخصيته، هذه الشخصية التي تطورت لاحقا، وأكملت تحصيلها العلمي في ظل حرمان شديد، وأجواء لا تساعد على التعلم، وليأتي الاحتلال، وليجد صابر نفسه في مواجهة مع هذا الاحتلال، وليتم اعتقاله لاحقا وابعاده مع آخرين الى الجنوب اللبناني، وهذه الشخصية الصدامية، لم يكن من السهل اقتيادها فإذا رفض أن يقاد طفلا، فمن الاستحالة ان ينقاد شابا، فلذلك كان صدامه مع المتنفذين من المبعدين، وكان معارضته واعية ونقاشاته حادة في الأمور التي كان يراها خاطئة، وقوة شخصيته مكنته من ذلك.
لقد كان صابر احدى الشخصيات الرئيسة في الرواية، ان لم يكن هو الشخصية الأولى فيها.
يبقى ان نقول بأن الرواية تشكل اضافة نوعية للمكتبة العربية وللرواية العربية،ومن الاهمية بمكان ان تجري عليها دراسات جادة،مع التاكيد ان لاغنى عن قراءتها.
وبعده تحدث محمد موسى سويلم فقال :
اذا كان القاضي غريمك لمين تشكي ، وكما صدحت ام كلثوم اروح لمين واقول يا مين ينصفني منك، نعم الحكمة عقدت جلستها والشاحنات على ابواب معبر زمره ، فالحكم جاهز للتنفيذ ، وما هي الا ذر للرماد في العيون ، تحدث في البداية عن مسألة في غاية الاهمية الا وهي كسر حاجز الخوف والمواجهة بين الاطفال الفلسطينيين بصدور عارية الا من الايمان والحب ، والجيش الاسرائيلي الذي يعتبر من اقوى الجيوش واكثرها قسوة على الارض ، واصبحت كلمة خوف في قاموس غير قاموس الاطفال، واما المواجهة فاخذت طابع الندية والتحدي – بل اصرار على التحدي ، نعم سارت الرواية ، بخطى ثابتة تعكس واقعا وراءه واقع اخر ، اي رغم الالم والابعاد ، الا ان الابعاد اتخذ منحى ذا طابع هزلي رمزي استعاري ، وردّ فعل اصبح يحمل معاني كثيرة وما عملية التبول التي تمت تحت بصر الجنود الا رمز للاهانة والسخرية والانكسار والهزيمة لجيش استعمل كل انواع الاسلحة والعقوبات النفسية والجسمية .. الخ .
لاناس بل اطفال لم تلن لهم فناة .
دخلنا مخيم مرج الزهور ، نتحدث عن الشيخ تبارك والصحافية والحديث الصحفي ،وتدخل الدكتور في الترجمة وحول الوضوء والاستنجاء ( ازالة النجاسة ) ووصف احد المبعدين بالكاهن والحاخام فيما بعد ( 110 –111) هل فعلا هنالك كاهن مع المبعدين ؟ عن الصحافة والمؤثرات بانها نوع من الدعاية الشخصية والمقالب والنكات .. الخ ، اربع صفحات ص 119-120- 121- 122 عن سيدنا موسى عليه السلام والحبل والكلب الممسوخ وعين الماء ، وما علاقة هذا بالرواية ؟ ولماذا كل هذه المقدمة ؟ وما علاقتها بالمبعدين ؟ وعن الحب والزواج والمعاشرة الزوجية والجواري والسبايا وطرق البيع ، وطريقة العرض للبضاعة، وتحته زوجتان، ما هذا حديث يحسبة الظمأن ماءا، هل هو للهو ؟ وهل هذا هوحقيقة المبعدين؟ … أما التمرد فيما هو تمرد صاحب بابور الكاز على الواقع، ام تمرد الشباب على الشيوخ والمسؤولين وصناع القرار، ام تمرد المئة وواحد على البقية الباقية في المخيم ، دار نقاش حاد حول المبعدين المئة وواحد وفي اثناء النقاش وتداخل الاراء والصيحات والاتهامات، لبعضهم البعض والاختلافات والتصريحات والمعاني الكثيرة حول الديمقراطية والشورى في مخيم الايعاد،هذا جاء من اجل توضيح معنى الديمقراطية والشورى ناسين او متناسين الهموم والمشاكل والحياة في مخيم فرض عليهم فرضا، وليس الوقت مناسبا لاقامة الايام الدراسية عن الديمقراطية والشورى ،مع انه قد يكون جزءا من عمل ثقافي بين الفينة والفينة ، وليس تحديا لمفاهيم لسنا بصددها.
( ص 176) هكذا تكون الدولة الاسلامية والا فلا ، ما هذا؟ تساؤل احزن الكاتب ، ام استهتار بتصرفات اناس لم يكن بينهم تفاهم، ام على ما جرى من واقع في مخيم الابعاد كما يراه الكاتب ، وعبر عنه في اسلوبه الخاص ، في بداية الكثير من الفصول كتب الزمان كذا وكذا في يوم في شهر في سنة المكان الدولة الاسلامية .. او بين الدولة الاسلامية ومعبر زمريا .. او بين الدولة الاسلامية الراقصة بين جنوب لبنان ومناطقه الحررة .. الخ . هل فعلا قامت الدولة الاسلامية واصبح لها حدود وخليفة ووزراء وامراء و … الخ ثم انحلت الدولة بعد عودة المبعدين وازيلت ولم تعد لها ذكر هناك ، واذا كانت هكذا هي … فماذا نقول حين عودة النازحين … المبعدين .. المشردين … اللاجئين .. . المبعدين ؟.. هل تزول دولهم .؟. الاولى ان نقول مرج الزهور او مخيم مرج الزهور لان هذا الاسم يجب ان يبقى في ذاكرة جميع الفلسطينيين ورمزا للعجز والقوة .. للقيد والتحرر .. الكبرياء والاهانة والذل ورمزا لكل المهجرين والمبعدين والنازحين ( الذين تم نزحهم ) افرد الكاتب صفحات عدة عن المقالات الصحافية، وافرد ايضا صفحات عن الاستفادة الشخصية من المانحين الذين تعاطفوا مع القضية، وعن الاستغلال البشع اللا انساني لتلك الفترة .
ابدع الكاتب في الوصف الدقيق جدا في ابراز الملامح الانسانية والشخصية لكثير من الشخوص في الرواية، ابتدأ من الحطة والعقال والكوفية واللفة على الرأس الى كل الجسم، كما ابدع في وصف المناظر الخلابة للطبيعة في مرج الزهور، وقد رسم صورة دقيقة لاكثر من شخصية استطاعت ان تستوعب الحدث بكل اشكاله واطيافه، وأرخ لكثير من الشخصيات في وطنها، واستحضر الماضي لكثير من هذه الشخصيات التي اصبح الابعاد لها جواز سفر، فمنهم من استطاع ان يثبت و يرتقى ،ومنهم من طواه الزمن ، ان هذا الوصف ذكرني بالكثير من الادباء مثل نجيب محفوظ في قصته خان الخليلي ،واحسان عبد القدوس في قصته الوسادة الخالية ، من كثرة الوصف والتحقق في الشخصيات، فهذا الوصف الدقيق اوقع الكاتب في حساب بسيط ،فهو يقول عشر حافلات في حافلة خمسة واربعون وكررها اكثر من مرة من ( ص 13-14) 45× 10= 450 مبعدا لكن الواقع هم 415 مبعدا فأين الخمسة والثلاثون ، ثم نعود ادراجنا الى ص ( 5 ) ماذا يقول الكاتب :
صابر ليس هو الكاتب ، لانه اقل شانا من ذلك
والشيخ ذياب ليس شخصا اخر ، لأن الشخص الاخر اسوأ من ذلك .
وكذلك الشخصيات الاخرى وكل ما هو هنا كذب واختلاق ، لان ما هو صدق لا يحتاج للرواية كما لا يصلح للحياة .
لماذا صاير اقل شأنا من ذلك، وليس الكاتب فهل هناك صفات معينة للكاتب وصفات لغير الكاتب؟ والشيخ ذياب ليس شخصا اخر ، لان الشخص الاخر اسوأ ، ما هذا ؟هل نعود الى الفلسفة وعلم النفس والاحاجي والالغاز ونبدأ بالتحليل من جديد؟ ثم ان كان كل ما هو هنا كذب اذا فما الفائدة المرجوة من الرواية، ولماذا نقرأ كذبا؟ وعلى من نكذب على انفسنا ام علىوطننا ام على الاخرين؟ ولماذا لا يصلح الصدق في الرواية رغم رموزها ومعانيها وحقيقتها والواقع الذي عبر عنه بعفوية يراد بها مصلحة الجميع ، لقد ابدعت في لفت نظر من اراد الى كل من لهم شأن، نعم يا سيد خضر محجز ابدعت في الكثير، وقدمت الكثير ، وكان لوقع الامثلة الشعبية معان كثيرة لمن القى السمع وهو شهيد ، وكان يمكن ان نقول “ربنا بكسر جمل عشان يعيش واوي ” .
وبعده تحدث موسى او دويح :
قدم الكاتب لكل فصل من روايته بما يناسبه من شعر او نثر ، حديث شريف ، او خطبة لعمر بن الخطاب في القضاء او بيت شعر او بيتين أو ابيات، وغالبا ما كان التقديم مناسبا للفصل .
والرواية تدور احداثها حول ابعاد اليهود لاربع مئة وخمسة عشر فلسطينيا الى الاراضي اللبنانية ، وزمنها وتواريخها حقيقية واماكنها كذلك ، ولكن اسماء الشخوص مستعارة .
والمبعدون او اكثرهم من الحركة الاسلامية ، ومن ذوي الاتجاه الاسلامي والميول الاسلامية ومن حركة حماس، وقليل منهم من حركة الجهاد الاسلامي ، لذلك نجد الكاتب كثيرا ما يقول في بداية كل فصل ، المكان ، الدولة الاسلامية الواقعة في المنطقة الحرام الفاصلة بين جنوب لبنان المحتل ومناطقه المحررة .
انتقد الكاتب رجال الحركة الاسلامية انتقادا لاذعا، وغمز من طريقتهم في اتخاذ القرارات وادعاءاتهم غمزا قويا صائبا ، ولقد كان الكاتب فيه محقا في رايي .
واضمن كتابتي هنا بفقرة من الفصل الرابع يقول فيها الكاتب .
( لماذا دعي صابر ، بعد ذلك الى خيمة الاجتماع؟ لا احد يدري على وجه الدقة ، ولا احد عليه ان يتصور، للحظة واحدة ، ان السبب وراء هذه الدعوة ، يكمن في الحرص على مكانة شخص قوي مكافح وراءه آخرون ، فلا اهمية هنا للاخرين ، ولا اعتبار هنا للكفاح والقوة في مواجهة عبارة من نوع ( اجمع الاخوة ) وهم في الحقيقة غير مجمعين ولا مجتمعين، كما لم تكن طبيعة صابر المشاكسة قد فضحته بعد عند هؤلاء نظرا لطول الافتراق بفعل السجن – حتى يظن احد بانه قد دعي دفعا لمشاكسته المتوقعة، المهم انه دعي وقد كان مستحقا لهذه الدعوة ، وحريا به ان يثير الكثير من المنغصات )
والكاتب على علم ودراية بما عند اصحاب الحركة الاسلامية من ادعاءات وتبريرات، كما في قوله ( اجمع الاخوة ) حتى يمرروا مرورا ما يريدون تحت شعار ولافتة ( اجمع الاخوة ) وهم في الحقيقة غير مجمعين ولا حتى مجتمعين ، وهذا كذب وافتراء واختلاق، والمهم انه صادر عن اقطاب الحركة الاسلامية ، وهذا يعني انهم لا يسألون عن الحكم الشرعي اذ ارادوا تحقيق امر من الامور ، وينسون الالتزام بالاسلام واحكامه ، واذا وضعوا نصب اعينهم تحقيق هدف ما ، فالشرع والالتزام به اخر ما يخطر لهم على بال وهذا مما يوسف له .
لغة الكاتب جيدة وسرده للوقائع رائع ،واسلوبه سلس وسهل وواضح، وجاء استعماله للغة العامية في محله ومقبولا.
وبعده تحدث خليل سموم فقال:
رواية خيالية ، بل هي من صميم الخيال، تكشف لنا بان مؤلفها ذو موهبة فذة في ميدان التخيل.
لهذا ، ولان الكاتب كان صادق النية ، وبلا أهواء ، وغير متحيز إطلاقا الى جهة ما ، ولا يبغي الا كشف الحقيقة ، ولانه كذلك لم يدع صفة من الصفات الانسانية الايجابية عند قوم الا وذكرها في كتابه هذا ، لهذا كله ، فاننا نشكره اشد الشكر .
وبالطبع، لن ننسى ان نشكر ايضا اتحاد الكتاب الفلسطينيين على اهتمامه بنشر مثل هذه الكتب الخيالية ، وفي هذا الوقت بالذات ، لانها تؤلف القلوب، وتوحد الصف ، وتعزز التعاون، وتخدم في النهاية قضيتنا ، وبهذا يكون هذا الاتحاد قد صرف جزءا من اموال الدعم للشعب الفلسطيني في الاتجاه المناسب جدا.
لكننا وبشدة وباصرار ، لا ننصح بقراءة الكتاب اطلاقا ، خوفا من ان يصاب القارئ بالعمى من شدة ضوء حسن النية لدى كل من المؤلف واتحاد الكتاب الفلسطينيين ، وخوفا كذلك من ان يتقيأ بشدة، ويموت نتيجة قرفة من تصرفات من كان يعتقد انهم اشبه بالملائكة ، فاذا هم باخلاقهم المعدومة ادنى مرتبة من أحط مخلوقات الله .
حقا ، ان الكاتب يستحق منا كل الاعجاب والتقدير والاحترام ، ونقول له : لقد كفيت ووفيت ، فلا تقترب اطلاقا من ميدان الكتابة ، لأنك جاهدت كثيرا في تاليف هذاالكتاب العظيم ، وأديت واجبك بكل اخلاص في ميدان التأ ليف ، وأتممت رسالتك تجاه الاجيال ، وكنت وفيا للتاريخ ، وعرفنا ما عندك، ونخاف على صحتك ، ليعطك الله العافية .