ثنائية ديمة السمان الروائية في اليوم السابع

ث

القدس: 7 شباط –فبراير-2013 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ثنائية ديمة جمعة السمان الروائية وهما”وجه من زمن آخر ” الصادرة  عام 2011 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، وتقع في 265 صفحة من الحجم المتوسط، وهي الجزء الأول من ثنائية، وجزؤها الثاني هو “بنت الأصول” الذي صدر عن نفس الناشر عام 2009 ويقع في 248 صفحة من الحجم المتوسط، وهذا يعني أن الناشر قد وقع في خطأ بحيث نشر الجزء الثاني قبل الجزء الأول بعامين، مما يربك القارئ، ويضيع عليه فرصة متعة الرواية وفهمها بشكل صحيح.

أدار الأمسية رفعت زيتون فبدأ النقاش قائلا:

قال أحد أدباء الغرب المشهورين أن جريمة القتل مكوّنة من عنصرين مهمّين الأّوّل هو القاتل،

أما الثّاني فهو ذلك الإنسان القابل لأن يُقْتل( والحديث حتّى هنا لصديقي الدكتور أحمد العطاري)، وفي هذه الرّواية تضعنا الكاتبة أمام مجتمع مقدسيّ وفلسطينيّ وعربيّ كان قابلا أن يكون مقتولا بسيف الجهل والتّخلف. مجتمع عجز فيه الأفراد عن تفسير الأشياء فبحثوا عن شمّاعة يعلقون عليها أثواب عجزهم وخيباتهم وانحرافهم عن طريق العلم وجادّة الصّواب.

هم يصنعون التّماثيل بأيديهم ليعبدوها، ثمّ إذا سارت عكس ما يتوقّعون حاولوا تحطيمها وقلوبهم منها وجلة، خشية أن تطالهم لعنتها، وهذا ما جعلهم يعتقدون أنّ مريم – وهي بطلة الرّواية، القادمة من بلاد الاندلس أنّها تلك الشّماعة التي يعلقون عليها أسباب مصائبهم ومشاكلهم، رغم  أن الأحداث كانت من صنعهم هم.

مريم، هذه الشّخصيّة الشّبهَ أسطوريّة التي جاءت بها الكاتبة من بطون كتب التّاريخ الى هذا المجتمع المقدسيّ الغارق كباقي البلدان العربيّة في تردٍّ عامّ أواخر الحكم العثمانيّ وبدايات الانتداب البريطانيّ على فلسطين، جاءت إلى بيت المقدس تبحث عن أمجاد أجدادها العرب المسلمين، وتقول أنّها عربية أندلسيّة من أصول مسلمة، وتحفظ أسماء أجدادها أنطونيو وكارلوس وجريس ومنويل، إلى أن تصل إلى جدّها محمد الحسن.

وهنا يعلو التّساؤل، هل كانت مريم شخصيّة حقيقيّة ألبستها الكاتبة ثوبا غير حقيقيّ أرادته  الكاتبة لغاية تريد أن تصل إليها في النّهاية؟

أم أنّها شخصيّة أسطوريّة وهميّة من نحت خيال الكاتبة، وضعتها في مجتمع غير وهميّ ونفخت فيها الرّوح فخرجت من رحم التّاريخ ماردا يمثّل النموذج العربيّ الصّادق الأصيل الشّهم الكريم العالم الغيور؟

مهما كانت تلك الشّخصيّة فإنّها بطلة الرّواية الأندلسيّة العربية الأصل، وهنا ذكاء محسوب للكاتبة التي جاءت بالجمال لماض مفقود، كدلالة على جمال حاضر مفقود أيضا، ولعلّ هذا الإحياء كان من أجل الدعوة للإحياء الجديد، وفي هذه الومضة أرادت الكاتبة أن تجعلنا نرى الواقع الأسود بوضع الخيال الأبيض بجانبه لنرى شدّة سواده، فهي مريم الطاهرة الكريمة الشّجاعة، وبنت الأصول التي تقف إلى جانب من أجارها وترفض الاستغلال والتّخلف، وهي بنت العلم والكتب، وهذه أعادتني إلى الفكرة التي طرحتها الأديبة كاملة بدارنة في كتابها سباحة بين الحروف، والذي قارنت فيه بين صفريّة الموجود ومئويّة المنشود.

الأحداث تبدأ بوصول مريم الى القدس غير مصدّقة أنّها تسير فوق حجارة كتب فوقها التّاريخ أجمل سطوره، تتلمّس الحجارة وتتنسّم الهواء كأنّ بلاد الإسبان قد خلت منه، جاءت تحمل في رأسها كلّ ما هو جميل من عبق هذا التّاريخ، لتكون أولى صدماتها في هذا الواقع مع الدّليل السّياحي مصطفى، وهو من عائلة مقدسيّة عريقة، كانت قد طلبت منه زيارة عائلة من أهل المدينة،  ليأخذها إلى بيت دعارة ومجون على بعد خطوات من المسجد الأقصى في حيّ الواد، وتسمع وهي ذاهبة الى ذلك البيت صوت الأذان، ثمّ ليدور حوار أشبه بحوار الطرشان بينها وبين من دارت رؤوسهم من السّكر، لتهرب منهم ويلحق بها مصطفى ثملا يمزّق جزءا من ثوبها محاولا اغتصابها، فتقع أرضا تصرخ مستنجدة بالأهالي في منطقة عقبة السّرايا، حيث استطاع مصطفى الإمساك بها هناك مكسورة السّاق، فينقذها منه الجيران، وتنزل عند آل رشيد، وصاحب البيت هو شيخ الحيّ وابنه عزو شيخ شباب الحارة، كما كانوا يدعونه وامرأته الحجة أمينة وابنته لبيبة. كانت هذه أولى صدماتها بالواقع الموجود لخيالها المنشود في بلاد الأجداد.

تجيرها عائلة آل رشيد ليعود إليها الأمل بأنّ الحلم الأندلسيّ الجميل ما زال موجودا، ولم تبعثره يد الغدر، وأنّ الأندلس المقدسيّة ما زالت بخير.

وتمضي الأحداث قُدما لتعيش في كنف أسرة آل رشيد كأنها واحدة من العائلة، يرعونها حتّى تتعافى، ولكنها تقدّم المال للحاج رشيد، فيأبى حتّى يأتي يوم يموت فيه الحصان الذي يعمل في الطّاحونة، فتقدّم المال للحاج الذي يتمنّع في البداية ليقبله لاحقا، ثم تغدق المال عليه في حفلة عرس ابنته، وبعدها تذهب لتسكن في حارة النّصارى، وتظلّ على تواصل مع عائلة آل رشيد، لتأتيَ اللحظة التي تكتشف فيها جشع الحاج، وكيف أنّه انقلب عليها عندما ظنّ أنّ نقودها قد نفذت، ويكون هناك الارتطام في واقع السّوء مرّة ثانية، ولكن هذه المرة مع من اعتبرته أباها،  ثمّ يتبيّن للحاج رشيد أنّها ما زالت تمتلك الكثير من المال، فيعود للتودّد إليها، وتبدأ أحداث الجزء الثّاني بالمفاجأة أنّ عزو إبن الحاج رشيد قد تزوّج من مريم بطريقة دبّرها أبوها احتيالا دون أن تظهر تفاصيل هذا الحدث ( وتبين لاحقا أن خللا في الطّباعة في دار النشر أسقط خطأ آخر صفحات الجزء الأول وهذا للتوضيح فقط)، تبقى العلاقة بين مريم وعزو صوريّة باتفاق بين الاثنين الى أن تتفجر أحاسيس مريم العاطفيّة بعد ظهور مارجريت في مكان عمل عزو، ومريم في دائرة الآثار. هذه الغيرة فجّرت مشاعرها وكشفت عنها في حوار عاطفيّ متّزن تتميّز به الكاتبة، فيقرّران أن تصبح العلاقة حقيقية ويعيشا حالة حبّ حرما منها شهورا.

الجشع يقضي على الحاج رشيد خلال وقوعه في حفرة كان يعتقد حين حفرها أنّها تحتوي على كنز. وخلال تلك الأعوام تحدث بعض الحوادث صدفة، وتكون مريم طرفا فيها من قريب أو بعيد، ليعتقد أهل الحيّ أنها مبروكة فتثور عليهم، وتتكرّر هذه الأحداث مرارا وفي كلّ ارتطام تشعر كم هي كانت بعيدة عن المدينة الأفلاطونية التي عاشتها في خيالها، وقطعت المسافات قادمة من بلاد الأندلس لتبحث عنها في هذه البلاد.

هذه الأحداث جميعها كانت في أواخر العهد العثمانيّ.

تبدأ بعدها حقبة الانتداب البريطاني فينضمّ عزو ومريم للمقاومة التي تقبض على عزو فيسقط شهيدا أثناء التّحقيق معه،  فتقرّر مريم الانتقام، وتعمل كراقصة في ملهى يرتاده الجيش الانجليزيّ،  فتتعرض للقال والقيل من قبل أهل الحيّ، وتسكن في حيّ بعيد، وتزور الحاجة أمينة خفية لتعطيها المال وتطمئن عليها، والحاجة أمينة شخصيّة عجيبة تتقلّب في المواقف بشكل لا يمكن تصّوره، يجعل القارئ يرتبك في تحديد ما يمكن أن يكون تصرّفها القادم، فهي والحاج رشيد لديهما القدرة على التلوّن والتّكيّف مع الموقف سريعا في تناقضات أبعد عن المنطق منها إلى المنطق، لأنّ هذا التناقض كان يحدث بين لحظة وأخرى دون فاصل زمنيّ معقول، ولكن حتّى هذه الشّخصية موجودة في المجتمع وبشكل كبير، وهذا يثير النّقاش حول تركيب هذه الشخصيات وتطويرها من قبل الكاتبة.

ثم تموت الحاجة أمينة نتيجة لتناولها السّم الذي أرادت به اختبار مريم، ويقتل زوج لبيبة من قبل المقاومة لاشتغاله عميلا مع السلطات الانجليزيّة، فتظن لبيبة أنّ لمريم علاقة بالأمر فتحاول قتلها. تفشل محاولتها وتحتضنها مريم مؤكّدة أن لا علاقة لها بحادثة زوجها….. تمرّ الأيام إلى أن تأتي الفرصة للانتقام بتفجير كبير يؤدّي بها أيضا إلى غرف التّحقيق، في مرحلة لم تكن سهلة… يحكم فيها القاضي على مريم أنّها مختلّة عقليّا ويحولها إلى مشفى الأمراض العقليّة. تثور مريم لتقول في النّهاية أنّها تشبه تلك الفتاة التي نادت وامعتصماه فلبّى فارسها النّداء، وأنّها ستنتظر ذلك الفارس.

فكرة الرّواية ذكيّة جدّا في الطّرح وكذلك الرّبط مع الأندلس والعودة إلى ذلك المجد المندثر كان دعوة مبطّنة لتحرير القدس من باب أولى.

التّشويق كان كبيرا رغم كثرة التّكرار في بعض الجمل والأفكار واستخدام الأمثال الشعبيّة بكثافة.

واللغة كانت سهلة وواضحة دونما تعقيد مع الكثير من الأخطاء الطباعيّة والنحويّة وهذه مشكلة يقع فيها الكثير من الكتّاب مع دور نشر لا يكون فيها مراجعة وتدقيق.

أبدعت الكاتبة في وصف مظاهر الحياة وخاصة في المواسم والاحتفالات مثل الاحتفال بموسم النّبي موسى والأعياد المسيحيّة، وكلّ ما يتخللها من مظاهر احتفاليّة وهتافات وثقت تلك الحقبة بشكل كبير وبطريقة قصصيّة جميلة.

الحوار غلب على معظم الرّواية وأعتقد أن شخصيّة الراوي كان تدخّلها  ظاهرا في كلّ الشّخوص فكلّهم يقولون ذات الأمثال، ويأتون بالآيات والأحاديث، فهل خفّض ذلك قليلا من مستوى الرسم الحقيقي للشّخوص رغم إبداع الكاتبة في ذلك؟

الرّواية كانت مقدسيّة بامتياز، والمدينة بحاجة أن يحذو أبناؤها الكتاب حذو كاتبتنا لسرد تلك التفاصيل الحياتيّة في تلك الحقب.

أوجّه للكاتبة سؤالا فيما لو كانت ستعيد كتابة الرّواية من جديد فهل ستعطي الثّلث الأخير من الجزء الثّاني عن ذلك الصّراع مع المستعمر البريطانيّ مساحة أكبر على حساب بعض الأحداث المكرّرة في الجزء الأول؟ وهل يمكن دمج الجزئين في جزء واحد للتخلّص من بعض تلك التّكرارات التي اضطرّت لها الكاتبة عندما انتقلت للجزء الثّاني.

أما العنوان فقد كان لافتا وموفقا وله دلالته الكبيرة في الهدف العام للرّواية، وكذلك الغلاف الذي فيه صورة الشّابّة مشرقة الوجه وهي تعبر عن المنشود، والعجوز الهرم الذي يعبّر عن الموجود.

وبعده قال جميل السلحوت:

ديمة جمعة السمان :

–  ولدت في القدس الشريف وتلقت تعليمها في مدرسة شميدت، وبعد الثانوية درست “علم اللغات” في جامعة بير زيت .

– حاصلة على دبلوم عال في الاخراج التلفزيوني.

-عملت في الصحافة حيث عملت في بعض الدوريات التي كانت تصدر في القدس ومنها:

مجلة الأسبوع الجديد، مجلة مع الناس، صحيفة الصدى، صحيفة مرايا ..

– شغلت عضواً منتخباً في الهيئة الادارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين .

–   متزوجة من المحامي علي أبو هلال، وأنجبا ثلاثة اطفال : يارا ، يزن ، وراني .

–  تعمل الآن مديراً عاماً في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.

–  كتبت القصة القصيرة، الخاطرة، المقالة، اضافة الى أعمالها الروائية وهي:

– القافلة، صدرت عن منشورات دار الهدى في كفر قرع عام 1992

–  الضلع المفقود، صدرت عن دار العودة للدراسات والنشر في القدس في كانون ثاني 1992.

– الأصابع الخفية: صدرت عن منشورات دار الكاتب في القدس عام 1992.

– جناح ضاقت به السماء، صدرت عن مؤسسة ابداع للنشر في أمّ الفحم عام 1995.

– برج اللقلق -ثنائية روائية من جزئين- صدرت عام 2005 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة.

رحلة ضياع:صدرت عام 2012 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس.

المضمون: تتحدث الرواية عن فتاة أندلسية”ماري”مريم التي تنحدر من أصول عربية اسلامية، جاءت الى القدس في أواخر العهد العثماني لتدرس تاريخ آبائها العرب المسلمين، وتتعرف عليه من قرب، -مع أنه من خلال الرواية يظهر لنا أنها تعرف العادات العربية والاسلامية أكثر من العرب أنفسهم- ومنذ يومها الأول في القدس يصطحبها الدليل السياحي”مصطفى” الى حانة خمور، تُمارَس فيها الرذيلة، غير أنها هربت من الحانة فطاردها الدليل، ووقعت على احدى درجات باب السرايا، وهرع على صراخها أصحاب البيت المجاور”الحاج رشيد وابنه عزّو” وحموها وأسكنوها في بيتهم، وهناك تتطور أحداث الرواية حيث تشارك مريم في احتفالات موسم النبي موسى، وعيد الفصح الذي يتزامن معه، كما تشارك في حفل زفاف لبيبة بنت الحاج رشيد، بل هي من يسّرت ذلك الزواج بدعمها المالي، كما أنها أنقذت أسرة مضيفيها من افلاس عندما تبرعت لهم بثمن حصان للطاحونة التي يملكونها بدل الحصان النافق.

أمّا في الجزء الثاني فاننا نجد أنفسنا أمام أسطورة متداخلة الأحداث، بطلها الرئيس هو ماري الأندلسية، التي حيكت حولها خرافات كثيرة ومتشعبة، فظنها المقدسيون كتلك المشعوذة “المبروكة” التي كانت تعيش بينهم وتحتال عليهم، مع أن ماري”مريم” كانت تنفي ذلك بشدة، وسبب ظنهم هذا ناتج عن أنها فتاة متعلمة كانت تفسر الأمور بمنطق وعقل، في حين كان الجهل هو السائد في المدينة، فحاكوا حولها خرافات كثيرة، في اعتقاد منهم أنها كانت تستعين بالجن، وقد دخلنا في أساطير وحكايات متعددة ترسخ ذلك الفهم الخاطئ، في حين أن ماري الثرية كانت تعمل في دائرة الآثار، وحيكت هذه الحكايات على مدار حوالي 170 صفحة من الجزء الثاني، تزوجت خلالها ماري من “عزو” ابن مضيفها الحاج رشيد في حكاية درامية طويلة، وتزوجت قبله شقيقته لبيبة من تاجر مقدسي، ومات الحاج رشيد، لندخل بشكل سريع الى نهاية الحكم العثماني وبداية عهد الانتداب البريطاني في فلسطين، لتتسارع الأحداث ونصل في أقل من صفحتين الى ثورة الشعب الفلسطيني عام 1936، وكيف قاوم الشعب مستعمريه، واستشهاد “عزو”تحت التعذيب، لتواصل ماري المقاومة بعده، ولتقوم بتفجير مرقص كان يرتاده الجنود البريطانيون، وتقع جراء ذلك في الأسر ويحكم عليها بايداعها في مستشفى للأمراض العقلية.

الخيال والحوار: من يقرأ روايات أديبتنا ديمة السمان سيكتشف بسهولة ويسر أنها تملك خيالا خصبا، تستطيع من خلاله أن تحلق عاليا لتدير أحداث روايتها كيفما تشاء، من خلال طرح حكايات وقصص وأساطير وخرافات وأحداث متتابعة  تخدم النص الروائي، وهذه الرواية ليست استثناء، فالخيال فيها جامح أيضا، فقد احتوت على حكايات وأساطير وخرافات. والحوار كان طويلا بدون اثقال على القارئ.

اللغة وعنصر التشويق: لغة الرواية أدبية انسيابية جميلة كما هي لغة السير والحكايات الشعبية، وعنصر التشويق طاغ في الرواية.

الأمثال والعادات الشعبية: ورد في الرواية عشرات الأمثال والأقوال الشعبية، واستعملت في مكانها الصحيح لخدمة النص الروائي، كما احتوت الرواية على الكثير من العادات والتقاليد المقدسية التي كانت سائدة في حينه، وأجادت في وصف احتفالات موسم النبي موسى وعيد الفصح.

غير أن الكاتبة وقعت في خطأ عندما تكلمت عن الحاج أمين الحسيني مفتي القدس والديار الفلسطينية، فالحسيني المولود عام 1897م أستلم دار الفتوى في العام 1922 أي بعد انتهاء العهد العثماني، كما أنها لم توفق في سردها عن أمينة زوجة الحاج رشيد عندما قالت عن نفسها صفحة 226مخاطبة زوجها”يا واخد القرد على ماله بكره بروح المال وبظل القرد على حاله” ها قد ذهب المال…وفضلت انا القردة في وجهك كما تراني” فهل يعقل ان تقول امرأة ذلك عن نفسها؟

ووقعت في خطأ آخر فقد وصلت ماري القدس في أواخر العهد العثماني، وعندما وقعت في الأسر بعد العام 1936 سألها القاضي عن عمرها فأجابت:26 سنة، فكيف يكون ذلك؟ وعندما وقع أحدهم في أحد آبار المدينة واستعانوا بها للعثور على جثمانه، شرحت لهم بأنهم سيجدون الجثمان في عين سلوان لأن آبار المدينة تقوم على أحواض مائية تنساب مياهها الى عين سلوان، وهذا يجانب الحقيقة أيضا، فعين سلوان ترشح مياهها من شقوق في الصخور لا يمكن أن تمر جثة أو أقل منها بكثير من بين هذه الشقوق.

وفي الصفحة 229 من الجزء الأول تحدثت الحاجة أمينة عن الرقص والغناء وملابس النساء بما لا ينطبق على نساء تلك المرحلة”أواخر العهد العثماني”بل هي أوصاف تنطبق على عصرنا هذا.

ماذا تريد الكاتبة؟ في تقديري أن الكاتبة مستاءة من وضع العرب منذ بداية القرن العشرين، لأنهم تخلوا عن مبادئهم وأخلاقهم الدينية والعربية، وأن غيرهم تمسك بها، حتى أن ماري الاسبانية”حفيدة الأندلسيين” جاءت الى القدس تبحث عن جذورها العربية الاسلامية، وألفيناها تفهم في أمور الدين والأخلاق العربية أكثر من العرب أنفسهم، فالحاج رشيد وجيه القدس، أمضى حياته مقامرا محتالا، أنفق أموال زوجته دون وجه حق، وثبت أنه كان يتظاهر بالعفة والصدق والشرف والأمانة لخداع الناس، وكان يخطط لكيفية الاستيلاء على أموال ماري التي أجارها وحماها في بيته. ويبدو أن أديبتنا طرحت ذلك في محاولة منها لاستكشاف أسباب هزائمن، وأن الجهل والايمان بالخرافة، والبعد عن التعليم سبب من أسباب الهزيمة على مختلف الأصعدة. ويسجل لصالح الرواية أن أحداثها تدور في حارات وأسواق وأزقة القدس القديمة.

أما رفيقة عثمان فقد قالت:

الأمثال الشعبيَّة الفلسطينيَّة في الرواية:

طعّمت الروائيَّة ديمة السمَّان روايتيها بعدد زاخر من الأمثال الشعبيَّة الفلسطينيَّة، والتي اعتبرت من التراث الفولكلوري الفلسطيني، استندت الروائيَّة عليها؛ لتثبيت أقوالها، من خلال الحوار الذي كان دائِرًا بين اطراف شخوص الرواية، وتكاد لا تخلو صفحة واحدة من وجود ثلاثة أمثال فيها، بل أكثر أحيانًا.

تعتبر الأمثال الشعبيَّة جزءً مهما من هذا التراث الشعبي؛ لتعبيره البليغ عن التجارب المختزنة للمجتمع عبر العصور والتي تعبر عن بنية المجتمع وثقافته. ” المثل الشعبي جملة قصيرة بليغة جاءَت تعبيراً عن تجربة محددة، وشاع استعمالها بمناسبة وقوع تجارب أو مواقف مماثلة للتجربة الأصلية. وبعض هذه التجارب اختفت قصتها أو تفاصيلها، واستمر المثل المعبر عنها في التداول. وما زالت قصص وتفاصيل بعضها الآخر متداولة حتى اليوم” (يسرى جوهرية عرنيطة: 1997).

لا شك أن تراث الأمة أو المجتمع، ما هو مكنوز من ذخائر الحضارة القديمة؛ وتمتثل في الحضارة الجديدة، ويعتبر التراث الشعبي من الفنون المنقولة من الأجيال السابقة للأجيال اللاحقة، وله الدور الهام في تكوين الهويَّة الفرديَّة والجماعيَّة للأمة؛ والمتمثِّلة في العادات والتقاليد، واللغة، واللهجة، والمأكولات الشعبيَّة، وكافة الفنون الأخرى.

كما هو معلوم لدينا بأن الأمثال، والحكايات الشعبيَّة، كانت منذ العصور القديمة، في كافَّة المجتمعات، وخاصَّة في مجتمعنا العربي، والأخص في المجتمع الفلسطيني؛ الذي يزخر بالأمثال، والحكايات الشعبيَّة التي عاصرها الأجداد، ونقلها الآباء للأبناء، والأحفاد؛ استنادًا لقوله تعالى في سورة الروم، آية 58، “وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ” * الأمثال الواردة في القرآن وردت ا لتوضيح الحقائق، وتوضيح الأمور، وقطع الحجَّة. ،ولتقريب الأمور المعقولة بالمحسوسة.

لم توفِّر الروائيَّة جهدًا، لِما أوردته من امثال فلسطينيَّة شعبيَّة في الروايتين المذكورتين أعلاه، لتكون أرشيفًا حافظًا للأمثلة الهامَّة، والمتداولة في فلسطين، وفي مدينة القدس بشكل خاص، وِفق سياق الحديث.

بعض من الأمثال الواردة في روايتي ديمة السمان:

اورد بعضَ الأمثال الواردة في الرواية الأولى: (وجه من زمن آخر)ط من صفحة 1- 117، “عذر أقبح من ذنب- اللي ماله قديم، ليس له جديد- اللي فات مات، واحنا اولاد اليوم- ومن فات قديمه تاه- الدار دار ابونا، واجو الغرب يطحونا- على الأصل دور- كل عنزة معلقة من عرقوبها- انا وبعدي الطوفان- الخلاف لا يفسد في الود قضية- وجهك لا بيحمر، ولا بيصفر، وعينك بتندَّب فيها رصاصة- جاي وجايب معاه راس كلب- البلدي يؤكل- طشت وابريق، وزيحوا عن الطريق- ساعة لقلبك، وساعة لربك- والله غاب وجاب- ايش جاب الغراب لأمّه- الذي يعرف الحلال، لا بد ان يعرف الحرام- قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق- تقتلون القتيل وتمشون في جنازته- جاي تبيع المية بحارة السقايين- ويا نيالك يا فاعل الخير عند الله- العتب على النظر- الضيف جاي وفي ايده سيف- عذر اقبح من ذنب- العور ولا العمى كله- خللي الطابق مستور يا جماعة- يا صدمي يا ندمي- الطفران بدور في الدفاتر العتيقة- ومن الحب ما قتل- يا داخل بين البصلة وقشرتها، ما ينوبك غير صنتها- مش كل طير يؤكل لحمه- شيخ وإلا فريخ- للضرورة احكام- الضرورات تبيح المحرمات.، الغريب اعمى- دخول الحمام موش زي دخوله- الدم لا يصير مية- لا يضير الشاه سلخها بعد ذبحها- اذا عرف السبب بطل العجب- فيه ضحك من الراس… وفي ضحك نمن الإفلاس- حط راسك بين هلروس، وقول يا قطَّاع الروس- من عاشر القوم اربعين يوم، صار منهم- اخلع السن، واخلع وجعه- اللي بتجوز أمي، هو عمي- لا برحمك، ولا بخلي رحمة الله تنزل عليك- خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود- الطايح رايح، ويا ويل الغريب- التجارة شطارة- علمناهم على الشحذة، سبقونا على الابواب”- (من صفحة 1- 117) وما الى ذلك.

عنوان الرواية:

وجه من زمن آخر – الجزء الأوَّل:

كان العنوان موفّقًا، ، ، الوجه الآخر يوحي بالبطلة مريم، أو بأي وجه آخر لأبطال الرواية، أو وجه لحياة أخرى في زمن ليس زمننا، إلا أنه يتضارب العنوان مع صورة الغلاف المرسومة على الرواية، والتي تصور صورة رجل طاعن في السن مما تحد من التفكير.

بنت الأصول – الجزء الثاني:

حازت البطلة على عنوان القصَّة، حيث منحتها الروائيَّة صفة الأصالة، لمواقفها البطوليَّة، وتضحيتها بنفسها للدفاع عن زوجها، ومقاومة الاحتلال الإنجليزي. شخصية البطلة كانت شخصيَّة متهوِّرة احيانًا، وعاقلة احيانًا أخرى، شعرة دقيقة ما بين الجنون، والتعقُّل، حملت كنية الأصالة رغم انها أجنبيَّة؛ حبَّذا لو كانت ابنة الاصول من اهل البلاد.

الخيال في الرواية: طغى على الرواية خيال مفترض، استعرضت الروائيَّة من خلاله الفكرة التي تنشد ان توصلها للقارئ، وذلك باستخدام تحريك شخصيَّة البطلة الرئيسيَّة، مريم اسبانيَّة الأصل، والتي حضرت الى القدس؛ لتبحث عن جذورها الأصليَّة، ونسبها فيها، ولم تحقق الهدف الذي قدمت من أجله، أرى بأن هذا الخيال مبالغ فيه بعض الشيء، وغير منطقي..

نهاية الرواية: بنت الأصول:

نهاية الرواية لم تكن موفَّقة، حيث انتهت بالحكم على البطلة، بسجنها مدى الحياة في مستشفى للأمراض العقليَّة، مما توحي للقارئ باليأس، وعدم الوصول للهدف المنشود، ربما أرادت الروائيَّة ان توصل الفكرة بأن من يبحث عن الحقيقة، سيكون مصيره الضياع، والفقدان، والجنون. حبَّذا لو اختارت النهاية للبطلة، كأن حكم عليها القاضي شنقًا من اجل هدف وطني، ربَّما يعطي قيمة أكبر، ولكان ذلك مقنعًا.

العاطفة في الرواية:

غطَّت الروائيَّة في الرواية كافَّة اشكال العاطفة: حيث امتازت العاطفة في الرواية، بتنوُّع الانفعالات، والمشاعر بشدَّتها: مثل: الحزن الشديد، الغضب، الألم، الحقد، الفرح، والخوف، الحب، والكراهيَّة، والغيرة، عاطفة حب

الذات، وحب الآخرين، العاطفة الدينيَّة، والعاطفة الوطنيَّة، والمحبَّة،والحنين للوطن – Nostalgia

الجانب الديني:

يبرز تأثُّر، وانتماء الروائيَّة للدين الإسلامي، من خلال استعمالها للمصطلحات الدينيَّة المختلفة، المفعمة بلفظ اسماء الله، والاستعادة به؛ كما ورد في الرواية ذات الفصلين: “معاذ الله – الله حي – الحمد لله- القسم بالله والله، لا بارك الله فيك – سامحك الله- الله يلعن الشيطان- لا بارك الله فيك- خاف الله- حسبي الله ونعم الوكيل- ولا حول ولا قوة إلا بالله… “.

الأماكن، والمواقع الأثريّة:

اختارت الروائيَّة أسماء أماكن واقعية موجودة داخل القدس وما يجاورها، من خلال عرض الأحداث الجارية، وتفاعل شخصيات البطولة ضمن الموقع الجغرافي في يعتبر هذا التوثيق مصدرًا هامًّا لجغرافيا المكان في فلسطين، وفي مدينة القدس بشكل خاص.

اللغة: تميَّزت لغة بالبساطة، والسهولة، غير متكلفة، وُفقت الروائيَّة، في دمج اللغة العاميَّة عند الحاجة، بصورة غير مبالغ فيها، وعند الضرورة، خاصَّة عند كتابة الأمثال.

خلاصة القول، تعتبر رواية الروائيَّة ديمة السمَّان، من الروايات المرجعيَّة الهامَّة لتتصدر المكاتب العربيَّة، وغيرها؛ نظرًا لتأريخها مدينة القدس، في ازمنة مختلفة، وتعرض ما يميِّز هذه المدينة من حضارة، وتراث، وفنون شعبيَّة: من عادات وتقاليد، وامثال، واناشيد، واماكن متعارف عليها.

وقال موسى أبو دويح:

رائعتا ديمة السّمّان: (وجه من زمن آخر)، و(بنت الأصول) روايتان

صدر للرّوائيّة ديمة السّمّان روايتان بعنوان: (وجه من زمن آخر)، و(بنت الأصول)، عن الهيئة المصريّة العامّة للكتاب سنة (2011)م، وسنة (2009)م من القطع العادي (الكبير)، الأولى في (248) صفحة والثّانية في (268) صفحة. وكان الأَوْلى أن تجعلَ الرّوايتين رواية واحدة بعنوان واحد، وتقسمها إلى جزئين أو قسمين اثنين؛لأن موضوعهما واحد.

الرّواية مهداة إلى القدس القديمة داخل السّور بأبوابها السّبعة، وخصّت المسجد الأقصى والصّخرة المشرّفة بقولها: (إلى القدس الّتي ربطت أرضها بالسّماء).

تتحدث الرّوايتان عن (ماري) فتاة أندلسيّة من أصل عربيّ، تسمّي نفسها (مريم)، جاءت سائحة إلى مدينة القدس زمن الانتداب البريطانيّ، وفي زمن الحاجّ أمين الحسينيّ في ثلاثينات أو أربعينات القرن الماضي. لدى عائلتها (شجرة نسب) تثبت أن نسبها متّصل بجدّها الأوّل محمّد الحسن الّذي وفد إلى الأندلس بعد فتحها من قبل عبد الرّحمن الدّاخل الأمويّ، والذي أقام الدّولة الأمويّة في الأندلس، الّتي عُمّرت ثمانية قرون، وبعدها تمكّن الفِرنجة من تقسيمها إلى دويلات صغيرة، وقضَوا عليها وعلى الحكم الإسلاميّ في الأندلس، ونكّلوا بالمسلمين شرّ تنكيل.

ومريم (ماري) باحثة وعالمة في علم الآثار والتّاريخ، تحاول الرّبط والوصل بين الماضي والحاضر، وتحاول أن توجد من يحرّر الأندلس من ظلم الفرنجة، ويعيد إليها أمجادها وعلومها وحضارتها الّتي عاشتها زمن الحكم الإسلاميّ الأمويّ.

ومريم هذه، تهتم بعلم الأنساب، وتفاخر بنسبها العربيّ وبشجرة عائلتها الّتي تصل إلى جدّها الأوّل محمّد الحسن. ومعلوم أنّ إثبات النّسب ومعرفته فرض؛ لأنّه تتعلّق به أحكام شرعيّة كالميراث، فإذا ضاع نسب الإنسان ضاع ميراثه، وضياع الميراث ضياع لحكم شرعيّ ثابت في القرآن الكريم، ومن هنا جاءت المحافظة على الأنساب وتدوينها، وكتابة أشجار العائلات الّتي تثبت إلى عشرات بل قل مئات الأجداد. وهناك عائلات إلى اليوم لديها شجرة نسب تصل إلى الحسن والحسين ابني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعًا كعائلة (الشّريف) في الخليل.

عاشت مريم في مدينة القدس في كنف عائلة مقدسيّة عربيّة من آل الرّشيد وهم: (الحاج رشيد -شيخ البلد-، وزوجته أمينة، وولده عزّو –شيخ شباب البلد-، وابنته لبيبة)، وصارت مريم واحدة من أفراد العائلة وعملت في دائرة الآثار، وهي الدّائرة الوثيقة الصّلة بالتّاريخ، وزوّجها الحجّ رشيد من ولده عزّو طمعًا في مالها.

كانت مريم ذات عقل راجح، وفكر ثاقب، ووعي على كثير من الأمور، فحاربت الشّعوذة، والخزعبلات، والخرافات، والأساطير؛ كالرّصد، وكتابة الأحجبة، والدّجل، والاحتيال على البسطاء، ونهب أموالهم، فاستطاعت بحسن عقلها أن تثير النّاس على المبروكة، ودجّالها الشّيخ درويش فقضَوا عليهما.

الرّواية ملأى بالأمثال الشّعبيّة ففيها مئات الأمثال الّتي جاءت في موضعها، وأضفت لونًا جميلا على الرّواية.

أمّا الحوار فغلب على الرّواية من أوّلها إلى آخرها، وكان أكثر الحوار باللّغة المحكيّة السّهلة البسيطة الّتي يفهمها كلّ قارئ.

وصفت الرّوايةُ حياةَ النّاس في القدس في تلك الفترة، فترة الانتداب البريطانيّ على فلسطين، وصفًا مفصّلا دقيقًا، وفي خاتمتها وصفت محاكمتها (مريم) في المحكمة العسكريّة البريطانيّة، وكان موقفها رائعًا، ويكفي قولها للقاضي في الجزء الثّاني صفحة (264): (الأندلس ستعود، هذه مهمتي، سأفرد صفحات التّاريخ، وأعيد رسم خطوطها، فلا يضيع حقّ وراءه مطالب).

جاء في الرّواية بعض المفاهيم الخاطئة: كقولها في الإهداء في ج(1) صفحة (5): (إلى القدس الّتي طهّر ترابها دم المسيح) فدم المسيح -عليه السّلام- لم يهرق؛ لأنّه لم يقتل ولم يصلب. وجاء في ج(1) صفحة (8): (الطّريق الّتي شهدت عذاب السّيّد المسيح) والمسيح -عليه السّلام- لم يعذّب بل عصمه الله من أعدائه. وجاء في صفحة (23) مثل ذلك، وهو قولها عنه –عليه السّلام-: (معذّبًا مهانًا من بني قومه).

ومنها قولها في ج(1) صفحة (53): الحديث الشّريف: (تعلموا السّحر ولا تأتوا به)؛ هذا الحديث لا أصل له، بل هو باطل، لا يجوز تعلّم السّحر ولا تعليمه.

ومنها قولها في ج(1) صفحة (132): (لا يحمّل الله نفسًا إلا وسعها) والصّحيح: (لا يكلّف الله). وجاءت أيضًا في صفحة (144).

ومنها قولها في ج(1) صفحة (137): (قول الله سبحانه: “ولا ترموا بأنفسكم إلى التّهلكة”)، والصّحيح: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة).

ومنها قولها في ج(1) صفحة (140): (قال تعالى: “الإحسان بالإحسان”)، والصّحيح: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).

ومنها قولها في ج(2) صفحة (90): قول الحكماء: (ناقصات عقل ودين)، وهذا القول هو جزء من حديث شريف وليس من أقوال الحكماء. (جاء في صحيح البخاريّ في باب ترك الحائض الصوم: “ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرّجل الحازم من إحداكنّ، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرّجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلِّ، ولم تصمْ. قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها”).

ومنها قولها في ج(2) صفحة (121): (ولكن الله سبحانه وتعالى يقول: “وجعلنا لكلّ شيئا سببا”). والصّحيح: أنّ هذه ليست آية من القرآن الكريم، وفيها خطأ لغويّ أيضا وهو لكلّ شيءٍ.

ومنها قولها في الجزء الثّاني صفحة (240): (وجاءت بوعاء معدنيّ.. وضعت فيه المال.. وأوقدت فيه النّار..) وحرق المال جنون. فالمال لا يوصف بأنّه مال حلال أو مال حرام، وإنّما طريقة كسبه تكون بطريق حلال أو طريق حرام؛ فالعميل يكسب المال بطريق حرام؛ لأنّ العمالة حرام، وأمّا الوارث فيرثه بطريق حلال، لأنّ الإرث سبب من أسباب كسب المال المشروعة، والمورِّث هو الّذي ارتكب الحرام بعمالته، وأمّا الوارث فاكتسابه للمال عن طريق الإرث فحلال.

أمّا الأخطاء اللغوية والمطبعية الّتي وردت في الرّواية فكثيرة، ومنها ما جاء في الجزء الأوّل (وجه من زمن آخر):

1. صفحة (5): (إلى أسوار القدس السّبعة)، والصّحيح: أبواب بدل أسوار.

2. صفحة (13): (يا ابنتي)، والصّحيح: يا بنتي، بحذف ألف ابن أو ألف ابنة؛ لأنّها تحذف بعد النّداء. ولقد وردت هذه الألف خطأ في الجزئين حوالي ألف مرّة، ووردت صحيحة محذوفة حوالي خمس مرات.

3. صفحة (14): (كيف أبدوا الآن يا جدي)، والصّحيح: أبدو بحذف الألف في آخر أبدو.

4. صفحة (15): (أن تلومي نفسك وتجلدينها)، والصّحيح: وتجلديها.

5. صفحة (18): (ويتوه)، والصّحيح: ويتيه. وجاءت هذه الكلمة وما تصرّف منها في الكتابين كثيرًا.

وأمّا الأخطاء في الجزء الثّاني (بنت الأصول) فمنها:

1. صفحة (12): (إذا كان القوم عقلاء أم جاهلون)، والصّحيح: أم جاهلين.

2. صفحة (15): (آل الرّشيد تخلو عن مجيرتهم)، والصّحيح: تخلَّوا بألف بعد واو الجماعة.

3. صفحة (17): (ما أبشعه منظر)، والصّحيح: ما أبشعه من منظر.

4. صفحة (22): (يا ابنتي لا تأخذين الأمر، وتهوّلين الأمور)، والصّحيح: لا تأخذي الأمر بحذف النّون وتهولي الأمور.

5. صفحة (31): (الموضوع هامّ والأمر هامّ)، والصّحيح: الموضوع مهمّ والأمر مهمّ.

وكثيرًا ما جاءت همزة (انّ) مفتوحة بعد القول وبعد القسم والصّحيح: أنّ همزة (إنّ) تُكْسَر بعد القول وبعد القسم. ولا أبالغ إن قلت إنّها جاءت في الكتاب الثّاني أكثر من مئة مرّة.

وقالت نزهة أبو غوش:

اخترت أن أَتناول بالتحليل، شخصيّة بطلة الرّواية مريم، أو ماري؛ لأّنّها بطلة مميّزة تختلف عن باقي الشّخصيّات بصفاتها وقدراتها وطباعها، كما أّنّها كانت مركزَا لتحريك أّحداث الرّواية في جزئيها، إِذ منحتها الكاتبة السّمّان العديد من الصّفات الّتي بدا بعضها غريبَا يحمل الكثير من التّناقضات الّتي خدمت أغلبها نصّ الرّواية وجارت الخيال الممتدّ فيها.

مريم إِنسانة مغامرة، ومبادرة، ومستقلّة تعتمد على نفسها في تنفيذ ما تخطّط له. خطّطت أن تترك وطنها – اسبانيا – الّتي سمّته ببلاد الأندلس، وتحضر إِلى مدينة القدس؛ لتبحث عن جذورها العربيّة لجدّها محمّد الحسن. درست علم الآثار الّذي خدم هدفها في البحث والتّنقيب عن الآثار، كما وعملت موظّفة في دائرة الآثار في مدينة القدس.

شخصيّة البطلة مريم تحمل في ذاتها وقلبها، وعقلها ديانتين تكمّل الواحدة الأُخرى، حيث أنّ جدّها العربي محمّد الحسن، مسلم، بينما والدها وجدّها ووالده، هم نصارى؛ لذلك حفظت مريم الكتابين المقدّسين القرآن والانجيل، وعرفت أُمور كثيرة عن الدّيانة الاسلاميّة، مثل الحلال والحرام، والقضاء والقدر…وغيرها، كما أنّها حفظت تقاليد البلد وعاداته وقيمه الاجتماعيّة.

منحت الكاتبة ديمة السّمان صفة المعرفة والذّكاء لشخصيّة البطلة مريم، حيث برز ذلك من خلال تصرّفاتها وتعاملها مع الآخرين، كذلك من خلال معالجتها لأُمور وحلّ المشاكل العديدة الّتي كانت تواجهها وتواجه أُسرة الرّشيد ، الأُسرة الّتي لجأَت إِليها عند قدومها، كذلك مشاكل الأُسر في منطقة حي السّرايا، داخل القدس القديمة. استخدمت المنطق والمعرفة، فتحقّقت لها الحلول الّتي استعصت على الآخرين، مما جعل الشّك يدخل عقول النّاس من حولها بأَنّها فتاة مبروكة، بل هي إِمرأة أسطورة.

قتلت المبروكة المشعوذة كذلك الحاج درويش، والحاجّ أمين، و….مريم فتاة جميلة في شكلها، وهي شابّة في مقتبل العمر، غنيّة جدَّا، أحضرت معها الكثير من الأموال والذّهب، ولم تبخل بها على أُسرة الرّشيد، الّتي لجأت إِليها، وقد منحتهم من أموالها بسخاء عندما رأت حاجتهم له، علمَا بأَنّ حاجتهم كانت كثيرة.

تصبح مريم فتاة شرّيرة حين يتعامل معها الآخرون على أَنّها مبروكة، حيث كانت تصرخ وتهجم على الآخرين دون رحمة، علمَا بأَنّ كلّ من حولها في الحيّ، ومن

أَفراد الأُسرة اقتنعوا بذلك: الحاج رشيد، وزوجته، وابنتها لبيبة، حتى أنّها هجمت بقسوة شديدة على الحاج رشيد الّذي كان يؤويها في بيته حين عاملها على أنّها مبروكة. في هذا الموقف كان يبرز التّناقض في الشّخصية المهذّبة الوديعة الّتي لا تؤذي أحدَا، حاربت مريم؛ من أجل أن تمحو من عقول النّاس فكرة المرأة

المبروكة ، المشّعوذة، لكنّها لم تنجح. ربّما عزّو هو الشّاب، ابن الخاج رشيد الّذي لم يقتنع بأفكار الآخرين، حيث كان ينهرهم دائمَا، ويقنعهم بأنّ مريم هي إِنسانة متعلّمة ومنطقيّة في استنتاجاتها؛ لكنّ هذا لم يمنعه من استغلال صفة المبروكة؛ من أَجل التّهديد، حيث سكت حين سمع والدته تهدّد الحاجّ عبد المعطي وتحذّره من غضب مريم:

” هل رأيت نهاية المبروكة، هل رأَيت نهاية الشّيخ درويش، هل رأيت الشّاب الّذي غرق في المصارف…لا تدخل دائرة غضب مريم… معك حتّى باقي هذا اليوم …تأتي وتعتذر…” ص 89.

جعلت مريم من نفسها إِنسانة متحدّية، حتّى أنّها تحدّت الرّصد ورمت نفسها في براثنه – حسب رأي الحاجّة أمينة- حتّى شكّ أَغلبهم بأنّها مجنونة.

” أيّها الرّصد الوهم اللعين، أقلقت المدينة، أتحدّاك بأن تكون حقيقة”

ولجت الرّوائيّة السّمان أغوار شخصيّة بطلتها، ووصلت بها إلى أبعد مدى من التّحدّي حيث تحدّت القاضي في نهاية الرّواية، وقالت له بعد أن أصدر حكمه عليها بدخول مصحّة للأمراض النّفسيّة؛ لأنّها مجنونة، حسب استنتاجاته، فقالت:

” المجنون هو من يظنّ بأنّ الشّعوب تموت”

لماذا استنتج القاضي بأنّ مريم مجنونة؟ لماذا قالت أُمّ عزّو في بعض الأحيان عنها بأنّها مجنونة، كذلك الحاج رشيد، ولبيبة وغيرهم؟

هل قصدت الرّوائيّة الكاتبة أن يفهم القاريء ذلك؟ هل أرادت أن تقول:

” أن تأتي إِمرأة من الأندلس لتبحث عن الأجداد، وتضحّي بنفسها، وتنسى أهلها هناك، ولا تتذكّرهم طوال وجودها، منذ نهاية العصر العثماني، حتّى وجود الانتداب، وتشارك في عمليّات تفجير الجيش الانجليزي؛ شيء غير معقول، أو ربّما هو جنون؟ ”

أم أَنّ هناك بعض الأحداث الّتي حدثت من قِبل مريم وصوّرتها الكاتبة بشكل مبالغ فيه، ربّما لم تقصد أن توحي به للقاريء بأنّ مريم إِنسانة مجنونة بل هي مجرّد هفوات، أرادت أحيانَا أن يكون الوصف مجازيَّا لم يفهمه الجميع؟ مثالَا على ذلك ما حدث عندما أجابت القاضي:

“سوف أفتح القمقم وسيتمطّى المارد العربي” ص 265

” الأندلس ستعود..هذه مهمّتي.. سأفرد صفحات التّاريخ..وأعيد رسم خطوطها فلا يضيع حقّ وراءَه مطالب.”ص 264.

كذلك حين قالت للقاضي بأنّها تحمل الدّيانتين معَا، الإِسلاميّة، والنّصرانيّة، كما أنّ مريم حين وقفت أمام المحقّق وجادلته وردّت عليه دون خوف، أو تحفّظ:

” ضحك المحقّق.

قلت لك ( الشّاطر الّذي يضحك بالآخر) ص261.

ربّما أرادت الكاتبة السّمان هنا أن تبرز جرأة وقوّة البطلة، ومدى حبّها وانتمائها للوطن، فبدا الأمر غير ذلك للقاضي!

إِنّ تهجّم مريم، في حالات كثيرة، عند غضبها على الأشخاص، وضربها لهم وهي في حالة مخيفة، حيث تفنجر عينيها وتغرز أظافرها في أجسادهم، حتّى أنّ أقوى الرّجال لم يقدر عليها. ربّما أرادت الكاتبة أيضَا هنا أن تبرز مدى قوّة انفعالات البطلة، بينما سيفهم البعض بأَن تلك الانفعالات المبالغ بها، هي مؤّشر أو علامة من علامات الجنون.

عملت مريم بعد استشهاد زوجها عزّو في نادِ ليلي راقصة عارية لا ترعى حرمة الدّين والعرض، والأعراف المجتمعيّة، بصرف النّظر عن هدفها النّبيل لمقاومة الاحتلال، والانتقام لزوجها عزّو. وهذا الشيء بعيد عن امرأة عاقلة متّزنة.

قبول مريم بعزّو زوجَا لها رغم أنّ والده لفّق زواجهما تلفيقَا، طمعَا بأموالها الكثيرة؛ والغريب أنّها أحبّته بجنون وضحّت بنفسها من أجل الانتقام له، رغم أنّها غضبت كثيرَا من حيلة الحاج رشيد ورفضت ذلك الزّواج واستنكرته بشدّة في البداية.َ هذا أيضَا مؤشّر على عدم الاتّزان والذّبذبة في المعاملة.

هل نهاية البطلة، الّتي جاءَت لاهثة من بعيد تبحث عن جذورها، نهاية معقولة؟ امرأة محبوسة بمستشفى للأمراض العقليّة؟

إِذا فهم البعض بأنّ مريم مجنونة أم عاقلة، فهي في النّهاية فتاة بنت اُصول في زمن آخر.

وقال جمعة السمان:

الثنائية وجهٌ من زمن آخر وَ بنت الأصول رواية انبثقت من فكرة أو إشاعة، شغلت العالم أجمع في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي.. تناولتها الصحف والمجلات لفترات طويلة.. تحدثوا عنها بإسهاب  مع البراهين والبيّنات.. فتاه الناس في ذلك الوقت بين مصدّق ومكذّب.. وعلى سبيل المثال.. كتبت احدى المجلات عن طفلة بالاسم والصورة.. ثقول أنها وصفت أماكن تاريخها يرجع الى مئات السنين.. تصرّ على أنها تعرفها.. ومشت في دروبها وشوارعها.. وتؤكد أنه كان لها حياة فيها.

كما أن عدة أشخاص من رجال ونساء تحدّثوا عن ماضٍ كان لهم في ؟أماكن معينة قبل مئات السنين.

ولمّا كانت فكرة – أو إشاعة- تناسخ الأرواح عند بعض أهل الديانات إيمانا وعقيدة.. فقد أصبح من الصعب البتّ فيه.. أو حتى الوصول الى حلّ لها.. ولذلك ؟أحجم العديد من الكتاّب عن تناولها.. ولم يجرؤوا على الخوض في غمارها لشدّة حساسيتها.. وصعوبة مسالكها.. وعمق تعقيداتها النفسية والعقائدية.

الا أن الروائية ديمة السمان .. أقدمت على تناولها.. وخوض غمارها.. لتجعل منها أجمل رواية.. لأقدس وأجمل هدف.. وهي الأندلس التي كانت امتدادا لأجمل بلاد العرب.

رواية كانت حلقة الربط والوصل والتّذكير بالأندلس.. كأرض وطن.. لآباء وأجداد عرب.

هو مطلب حق وشرع نتمناه.. ونرجو أن يحقق الله الطلب.

عشنا مع هذه الرواية مع الانسان العربي بأصالة عرقه وخلقه.. وكرم عطائه.. ونقاء روحه.

عشنا في هذه الرواية في مدينة القدس.. في حضن سورها العظيم.. عشنا مع التراث المقدسي من جوامع وكنائس وزوايا وتكايا.. وكتّاب الشيخ لولو منارة العلم والثقافة في ذلك الزمان وكل تاريخ شامخ عظيم.

عشنا في هذه الرواية على خطى الآباء والأجداد.. في حواريها.. في أزقّتها.. في أسواقها.. مع أبناء القدس يتحلّون بأخلاق آبائهم وأجدادهم.. ويتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم.. وكل خلق كريم.

عشنا في هذه الرواية مع ظلم وتعسف الحكم العثماني.. ومعاناة الشعب من ويلاته.

عشنا في هذه الرواية.. مع عظمة وجبروت النضال الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني.

عشنا في هذه الرواية مع روعة الشعب الفلسطيني في احتفالات النبي موسى.. وأداء طقوسه.. وجمال أسواقه.. والتنافس بين أبناء مدنه وقراه في الفنون.. رأينا الدبكة الفلسطينية.. وسمعنا روائع الشعر والزجل.. والأمثال التراثية.. والأغاني.. وبطولات المبارزة بالسيوف تلمع في ضوء القمر.. وسباق الخيول العربية الاصيلة.. وغيرها.. وغيرها من أعاجيب فنون وحضارة هذا الشعب.. ما يجعلنا نفتخر به.

عشنا في هذه الرواية مع متعة المثل العربي.. حيث وُظّف في المكان الذي يجب أن يكون فيه.

عشنا في هذه الرواية زمن الخرافة.. وهيمنة شياطين الجن.. من رصد واشباح وأرواح وخيالات احتلّت جزءا كبيرا من حياة اهل ذلك العصر.

عشنا مع مريم التي أعطتنا البرهان الأكيد أن الدم العربي هو الأصل.. وأنه موصول بين أبناء الأمة العربية الواحدة رغم بعد المسافات بين البلدان والمدن.

أمّا عبقرية الروائيّة ديمة السمان.. فقد تجلّت في هذه الرواية حين سرقت القاريء من نفسه على مدى زمن قدره خمسمائة صفحة من القطع الكبير.. تغرقه في بحر من التشويق.. يتلمّظ جمالية اللغة.. ومتعة الحدث.. ودهشة المفاجأة.. وجناح خيال طار به الى عوالم وعصور .. يكاد أن ينساها الزّمن.

وعلى الرغم من انتهاء القاريء من الرواية.. إلا أنها تلازمه في حوار مع العقل والنفس.. يسأل.. من هذه مريم؟؟

هل هي فتاة عاشقة للشرق؟ جاءت الى القدس تدرس تاريخ العرب..؟؟

هل هي فتاة أصيلة جاءت تبحث عن جذور الأب والجد لتعيد ربط الصلة بين الحفيد والحفيد؟؟

هل هي جاسوسة جاءت تنقل أخبار المدينة وتنشر الفساد فيها؟؟ كما قال الحاج رشيد.

هل هي فتاة تتقمّصها روح من أرواح أحد الأندلسيين العرب..؟؟

وهكذا هي دائما روايات ديمة السمان تعيش مع القاريء مدى عمر السنين.

الروائي هو الأديب الذي يتأثر بحدث ما.. أُسري.. تاريخي.. ثورة طبيعة بركان.. زلزال.. تسونامي.. أي حدث من مثل هذه الأحداث العظيمة.. التي يقف أمامها الإنسان ضعيفا يرهبها.. ولا يستطيع حيالها شيئا.. يتأثر بها

.. يرتّبها وينسقها.. ويجمّلها بما أفاض الله عليه من تعابير وصور وتشابيه وعوامل تشويق.. بحيث يأسر القارئ فيحبها ويمتدحها.

أما الروائي العبقري .. فهو الروائي الخلاّق.. الذي عنده من الخبرة والتجربة والدراية بالنفس والإنسان .. ما يجعل القارئ مأخوذا في حدث غريب عجيب يحيّره الشك فيه بين الواقع والخيال.. بين المعقول واللا معقول.. وتستمر هذه الحيرة “الجزرة” التي تصل بالقارئ الى نهاية الرواية معتقدا أنه انهاها.. وفي حقيقة الأمر أنه وقع في حبائل الشك والتخمين بين الحقيقة والخيال.. والمعقول واللامعقول.. مثل ثنائية ديمة السمان “وجه من زمن آخر”.. “بنت الأصول” من هي مريم..؟؟.. وكذلك ثنائية برج اللقلق.. من هو الشيخ علي الحيّ الميت الذي حكم حارة برج اللقلق..؟؟

وقالت نسب أديب حسين:

سأتوجه في قراءتي هذه ببعض النقاط والملاحظات عن الجزء الأول والذي جاء تحت عنوان “وجه من زمن آخر”.

•          أحداث الرواية تدمج بين الواقع واللاواقع، فتأتي الكاتبة ببطلة إسبانية من أصل عربي الى بدايات القرن العشرين متمسكة بعادات وتقاليد العرب، وتستهجن كل فعل غير أخلاقي يصدر عن العربي. هذه الشخصية التي تظهر أحيانًا بأحاديثها وتوجهاتها شخصية غير واقعية، ويصعبُ أن ترى مثيلا لها على أرض الواقع.

فيما تدور أحداث الرواية في مدينة القدس، مما يمنح طابعًا واقعيًا للأحداث عندما تتحرك الشخصيات في أزقة البلدة القديمة، وتنقل بعض الأحداث عن الظروف المحيطة بالمقدسيين في فترة الحكم العثماني.

•        يظهر في الرواية التكرار لبعض المفاهيم والأفكار، خاصة تلك التي تنطق بها شخصية البطلة. كما استخدمت الكاتبة الى حدٍ كبير الأمثال الشعبية، هذا الاستخدام وإن كان يحفظ ويؤرخ الأمثال، لكنّه في تقديري أضعف لغة وأحداث الرواية بسبب كثافة ظهوره. فهناك بعض الصفحات يظهر فيها ثلاثة أمثال شعبية أو أكثر، وشعرتُ أحيانًا أنّ هناك حوارات طالت واستمرت لتخدم المثل، وليتم إدراجه في النص. وهنا أجدني أستشهد بالمثل الشعبي القائل “كل شيء زاد عن حدّه انقلب ضدّه”.

كما أنني لم ألمس فرقًا في لغة الشخصيات رغم اختلاف مستواها الثقافي.

•          تتميز الكاتبة بقدرتها على  الكتابة المشوقة، فالقارئ يستمر في القراءة ومتابعة الأحداث.

•          هدفت الكاتبة من خلال بطلتها مريم الأندلسية تذكير القارئ بتاريخ وأمجاد العرب، من الاهتمام بعادات محافظة، والاحتفاظ بشجرة النسب.. وما الى ذلك، وتريه الى أي حال وصلنا اليوم أو في بداية القرن الحادي والعشرين، بحيث أنّ الأجنبي الذي له صلة قربى بعيدة مع العربي، يهتم بعاداته وتاريخه أكثر من العربي نفسه..

•        في هذه الرواية رأيت توجهًا تربويَا للقارئ الناشئ بحيث تثير انتباهه ليهتم بتاريخه وبشجرة نسبه لتكون منبع فخره.

وقالت صابرين فرعون:

الروائية ديمة السمان كاتبة مُحنكة لقدرتها على التحكم بالنص الأدبي لتقديمه كعمل سينمائي مستقبلاً..لها القدرة على السير في رسم منتظم لشخوصها وحبكة رواياتها..بلمسة فنان يضع لمساته على النص ويمنحه القوة للمنافسة في البوكر الأدبي…

في ثنائيتها والتي وضعتها في جزأين بمسميين مختلفين تتيح الفرصة لانجاز جزء آخر..أما العناوين فهي تناسب الرواية التي تشير كلها إلى الشخصية الرئيسية للرواية وهي مريم الأندلسية التي جاءت تبحث عن أصولها العربية بعد مئات السنين من انتهاء ما سمي بالأندلس…حيث ينتهي أصلها إلى جدها محمد الحسن في القدس العريقة…

عالجت الكاتبة  في روايتها قضايا ومواضيع اجتماعية متعددة أهمها:التسامح بين الأديان “المسلمين والنصارى”..كرامة الإنسان وشهامة العرب أهل النخوة..وجزاء المعروف في أهله وغير أهله…

احتوت روايتها العناصر الدرامية كاستخدام الأمثال الشعبية مما يجعلها صالحة لأن تكون عملا سينمائيا أو تلفازيا ..هنا سأتطرق إلى أن وجهات النظر ستختلف في استخدام الكاتبة للأمثال الشعبية وذلك بسبب غزارتها…القاعدة تقول “الكثير كما القليل يُفسد الشيء” لكن ليس هنا..فالرواية تدور أحداثها في القدس في زمن الحكم البريطاني والحكم العثماني في فلسطين، وفي ذلك الوقت كانت الثقافة الشعبية هي السائدة..وهذا ما توضحه الكاتبة في شخصية الحاجة أمينة التي تمثل شريحة كبيرة من النساء الفلسطينيات في ذلك الوقت..ويظهر ذلك أيضاً في باقي الشخصيات بنسب متفاوتة…كذلك الحوار الذي حصل في الجزء الأول “وجهٌ من زمنٍ آخر” صفحة 203 عندما همَّ عزو ولبيبة والحاجة أمينة في توجيه تهمة القتل والغدر لمريم الضيفة للحاج رشيد حينما قالوا :”قتلت التي أجرتها”…

تُعد الشخصية الروائية وسيلة الكاتب لتجسيد فكرته وبلورة رؤيته وشعوره بالواقع..والكاتب الحذق هو الذي يتحكم بخيوط تسيير الشخصية في ايضاح فكرته، وايصالها للمتلقي كقارئ للرواية أو مشاهد لها كعمل اخراجي..كذلك يقع على الكاتب الجمع بين أربعة أبعاد للشخصية وهي :البعد المادي والبعد الاجتماعي والبعد النفسي والبعد الأيدلوجي..وهذا ما أوجدته الكاتبة هنا، وهو برهان على اجتهادها في رسم الشخصية بأدق تفاصيلها من أجل ادخالنا في الجو الابداعي للكتابة..وقد أثبتت أيضاً فكرتها في أن الانسان لم يُخلق بريئا، وأن المجتمع أفسده، بل أن الانسان قد خُلق بقوة متوازنة من الخير والشر وبسلوكه المجتمعي تبنى فكرة الغاية تبرر الوسيلة، كما في شخصية مريم الطاهرة البريئة، حينما عملت كراقصة في النوادي الليلية من أجل الانتقام لزوجها الشهيد عزو..وكذلك المشهد الذي تمثل في طريقة اعلان الحب بين عزو ومريم بعدما صدته، فابتعد واشتعلت غيرتها من تلك الأجنبية الشقراء حينما انتشرت الاشاعة بوجود علاقة بين عزو وبينها…مثال أخير والذي تمثل في توظيف الكاتبة لعنصر التشويق في شخصية الحاج رشيد الذي بدا في أول الرواية انسانا مضيافا صاحب دين وخُلق، فلم تُظهر نواياه الحقيقية مع مريم إلا بعدما كشفت الحاجة أمينة عمله الشائن في التستر خلف قناع العجوز الحكيم صاحب الفضيلة، واذا به الشيطان الذي يُعلم الدهاء والمكر…

عمدت الى اظهار اظهار جماليات النص الأدبي بأيدلوجية دينية، حيث استخدمت الأيات القرآنية حيناً وأشارت إلى أيات من الانجيل أو من شخوصه حيناً أخر..كما حينما قالت :”فأصبحنا أنا وأنتَ حملاً وذئباً”..نقول ذَئُبَ الشخص بمعنى صار بدهاء الذئب..وفي الانجيل “يشرب الذئب والحمل من معينٍ واحد” والمقصود أن النفوس التي تشبه الذئب والحمل عندما تؤمن بسيدنا المسيح ابن مريم يزول الخلاف ويحل السلام..كذلك حينما أشارت لمريم ب”مريم المجدلية” وهي من الشخصيات التي ذُكرت في العهد الجديد وتعتبر شاهدة على قيامة المسيح، وهي رمز للإنسان الخاطئ الذي يتوب بحسب انجيل يوحنا…

أما عن بعض الأخطاء البسيطة والتي في رأيي يقع أغلبها على عاتق دار النشر لعدم التدقيق اللغوي والدلالات والاختصارات كما في: “صلعم”..ينبغي لمن كتب اسم نبي الله محمد-صلى الله عليه وسلم- أو نطق به أن يصلي صلاة كاملة عليه، لأن السُنّة أن تُكتب الصلاة صريحة .. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا) رواه مسلم

أخطاء أخرى كعدم التدقيق في كتابة الهمزات كما في صفحة 20,22,28 من الجزء الأول في :”مسئولية” “رءوس” شئون”..وكتابة الياء بصورة ألف لينة مقصورة كما في صفحة 23,36,37 “انتهي” “علىّ” “أدرى”..وخطأ نحوي كما في صفحة 155 من الجزء الأول :”الظاهر أنك غاضباً” والصحيح غاضبٌ لأنها خبر أنَّ…

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: نبيل الجولاني ود.اسراء أبو عياش.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات