رواية برد الصيف في اليوم السابع

ر

القدس: 14-3-2013 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني مساء الخميس القادم 14-3 الحالي  رواية”برد الصيف” للأديب المقدسي جميل السلحوت، والتي صدرت عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس في الأيام القليلة الماضية، وتقع في 190 صفحة من الحجم المتوسط، وتشكل هذه الرواية الجزء الرابع من سلسلة روايات درب الآلام الفلسطيني التي يواصل السلحوت كتابتها، وقد سبقتها الأجزاء الثلاثة الأولى وهي:”ظلام النهار” وجنة الجحيم” و”هوان النعيم”وهي من اصدارات دار الجندي أيضا.

بدأ النقاش رفعت زيتون فقال:

برد الصّيف هي الجزء الرابع لسلسلة رواياته التي ابتدأها الكاتب المقدسي جميل السلحوت برواية ظلام النهار، وجنة الجحيم، وهوان النعيم، هي رواية المعتقل والزنزانة والصمود والأسر بامتياز. وجاءت في فترة أصبحت فيها قضية الأسرى حديث الساعة بعد هذا الصمود الأسطوريّ لأسرانا البواسل في زنازين القهر. وبطل الرواية خليل الأكتع هو نموذج لهؤلاء الأبطال في غياهب الأسر وغرف التحقيق.

الرواية تعددت أبعادها والقضايا التي طرقت أبوابها ومنها:

– قضية الأسر والتحقيق

– قضية الإبعاد والتهجير من البيوت

– قضية التعاون مع الاحتلال

– قضايا اجتماعية مركبة : منها ما يخص الاقتصاد نتيجة الانفتاح على سوق العمل الاسرائيلي بعد الحرب، ومنها ما يخص النواحي الإنسانية كالزواج في زمن الحرب والمذابح، ومنها ما كان يخصّ العادات والتقاليد.

الجهل الذي ساد لا يزال كالثوب الأسود يغطي جسد المجتمع كما كان الحال في الأجزاء السابقة من رواياته المتسلسلة، ولو أن تجربة الحرب والهزيمة ونشوء أحزاب جديدة ساهمت في انخفاض نسبيّ لهذه الظاهرة، مع أن هذه الاحزاب كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق أهدافها – إلا القليل منها –

إلا أنها ساهمت مساهمة جدية في رفع المستوى الثقافي لأفرادها وبالتالي المجتمع.

انخفاض نسبة الجهل هذا كان في بعض حالاته سلبيا وطبعا هنا الحديث عن تجربة عليان وأبي سالم وجدوع الذي أصابه بعض الثراء بالغرور إلى درجة كبيرة جعلته يتطاول على رموز أهل بلده.

الرواية استطاعت أن تحاكي المجتمع بجميع شرائحه، المتعلمة وغير المتعلمة، الذكر والأنثى، الشريف والعميل، والعادات والتقاليد، ولقد بلغت هذه المحاكة ذروتها عند اعتقال الأستاذ داوود وخليل ووصف غرف التحقيق والزنازين والمحققين والعملاء، فقد كان الوصف دقيقا للمكان والشخوص وتغلغل في نفوسهم شارحا ما يختلج في صدورهم، مفصلا مراحل هذه التجربة من لحظة الاعتقال وصولا إلى الوقوف أمام القاضي بكل أبعادها الإنسانية والسياسة والاجتماعية والنفسية.

أما المرأة فلا زالت مهمشة وهامشية في مجتمع الرواية فهو مجتمع ذكوري، والمرأة فيه  للزوج والبيت وتربية الأطفال، والانجاب والضرب أحيانا،

وهي للصبر على الزوج والأهل والإهانة في كثير من الأحيان، وربما تساق إلى مصيرها كما تساق الأغنام دون حول منها ولا قوة، كما كان من شأن الفتيات اللواتي أرسلن إلى خطّابهن في الأردن أولئك الذين نزحوا خلال الحرب.

الأحداث تدور في فترة ما بعد الحرب وهي فترة انتقالية لمجتمع عاش عادات وتقاليد موروثة ينتقل فجأة إلى حياة أخرى عاش فيها من انخرط في سوق العمل الاسرائيلي. هذه الفوضى والغبار الذي أثار نقعه الكاتب جميل السلحوت لم تهدأ حتى نهاية الرواية مما يشير إلى أن الكاتب سيكمل عمله الروائي بجزء آخر استكمالا لكل الاحداث التي تركت مفتوحة.

رجل الدين ظهر في شخصية الرجل التقي والمتعلم والذي يعمل للصالح العام والاصلاح.

الحوار كان ناجحا ومهنيا وفي جمل قصيرة في أغلب الأحيان وخاصة في الثلث الأخير من الرواية مما رفع مستوى عنصر التشويق فيها.

العنوان برد الصيف فيه رمزية لطيفة عن شعور الأسير بالبرد في نهار الصيف الحار نتيجة الإهانة والتهميش والمذلة التي يتعرض لها أثناء فترة الاعتقال والتحقيق في تلك الغرف المظلمة، والعنوان كان رائعا وموفقا. ولحظة الاحساس بالبرد حتما لحظة طارئة وصغيرة، عندما تكون في فصل الصيف، وربما أراد الكاتب أن يقول أن هذه الحالة الطارئة إلى زوال وسوف يعود للصيف دفؤه بعد حين.

في الثلث الأخير طغت شخصية خليل في الرواية بينما في باقي القصة فقد كانت شخصية أبي سالم طاغية أكثر.

الكاتب في هذا العمل وظف أدواته جيدا في كل الحيثيات والشخوص والأحداث مستفيدا بذلك من نقاشات سابقة في ندوتنا وهذا أمر يحسب للكاتب وللندوة وأهلها.

اللغة كانت سهلة جميلة بلا أي تعقيد وتكاد تخلو من الخطأ المطبعي والنحوي.

وقال محمد عليان:

ربما من غير المعتاد تناول شخصية واحدة من بين مجموعة من الشخوص الروائية في العمل الواحد وذلك لأن  الشخصية تتطور وتنمو فكريا وثقافيا وجسديا  في اطار المنطق العام للحدث الروائي، ومن خلال العلاقة بين مختلف الشخوص الروائية .

ولكنني آثرت الكتابة عن هذه الشخصية تحديدا، لأنها كانت الأبرز والأكثر اقناعا في الروايتين السابقتين ” جنة الجحيم ” و ”  هوان النعيم ”  وهي الشخصية الرئيسة والأكثر ديناميكية في برد الصيف التي تشكل الجزء الرابع من سلسلة روايات للكاتب .

شخصية أبي سالم في روايات الكاتب السلحوت هي شخصية نمطية واقعية، تتكرر في كل المراحل والحقب التاريخية، وهي التي تقتنص الفرص، وتستغل المناسبات والتغييرات لصالح رفاهيتها ومصالحها الشخصية ..

في  رواية ” جنة الجحيم ”  استغل أبو سالم الفرصة خير استغلال، ونسج علاقات شخصية مع المرشحين لملجس النواب الأردني في انتخابات العام 1956، ووافق أن يكون ” ذيلا ” لأحد المرشحين مقابل مبالغ من المال كانت تشكل ثروة في تلك الايام. ونحج الكاتب في أن يرسم للقاريء شخصية غير محبوبة، انتهازية ، مثيرة للكراهية وأحيانا مقززة، ولكنها شخصية ضرورية لشرح مرحلة معينة من المراحل التي تناوالها الكاتب في روايته

وفي ” هوان النعيم ” كان أبو سالم الشخصية الأكثر إقناعا ، فقد توجه فورا للتعامل مع سلطات الاحتلال بعد حرب حزيران مباشرة، وكأني بالكاتب يريد القول أن أبا سالم في “جنة الجحيم” الذي كان يسعى نحو المال والجاه دون اعتبار للكرامة والشرف، سيواصل انحطاطه في رواية “هوان النعيم” وسيمعن في الذلّ والهوان سعيا وراء مكاسب شخصية آنية . وكانت بداياته المذلّة مع المخابرات وتوريطه جنسيا  في “هوان النعيم” هي التي رسمت شخصيته النمطية ووضعته في نقطة اللا عودة .

وكان من المنطق أن تلعب هذه الشخصية الدور الأبرز في الرواية الجديدة “برد الصيف” والتي تمثل فترة زمنية لعام كامل من الاحتلال .. هذا العام الذي شهد أحداثا وإرهاصات سياسية واجتماعية كانت مفصلية في حياة مجتمعنا الفلسطيني .

في برد الصيف تطورت شخصية أبي سالم، وأخذت منحى آخر وهو التعامل مع جهاز المخابرات الاسرائيلية، وتقديم معلومات استخبارية عن منظمات فلسطينية ودول عربية مجاورة، وكذلك عن أفراد قاموا بنشاطات سياسية وحزبية في القدس ومنطقة “جبل المكبر” (مكان الرواية) . وهذا المنحى جاء كنتيجة طبيعية للتطور الفكري والسياسي والاجتماعي لشخصية أبي سالم عبر  ثلاث مراحل روائية “قبل الحرب ، اثناء الحرب ، بعد الحرب .”

وكانت هذه الشخصية قد نمت وتطورت في الروايات الثلاث مستغلة المناخات التالية :

1. المناخ الاجتماعي : استغل  أبو سالم الوسط الاجتماعي الذي كان سائدا في فترة ما قبل الحرب وهو المجتمع القبلي البدوي المتعصب الذي كان  ينتصر لابنائه، -حتى لو كانوا على خطأ- ورأينا كيف أنه استطاع تجنيد شباب القبيلة للتوجه الى مدينة أريحا والوقوف الى جانب أحد المرشحين للبرلمان مقابل مبلغ من المال. وقد وجد أبو سالم في القبيلة حماية له من المعارضين الذين طالما تصدوا له واعترضوا على سلوكه مثل داود وخليل .

وفي إطار هذا المناخ لم يستطع أفراد القبيلة نبذ وطرد أبي سالم من الاجتماعات واللقاءات، رغم علمهم أنه كاذب وجاسوس، فهو يعد من كبار العائلة وشخصياتها المهمة .

2. المناخ الاقتصادي : لقد نمت شخصية أبي سالم في أجواء من الفقر والجوع،  وقلّة الامكانيات واستغل ذلك لتبرير الكثير من مواقفه المتخاذلة، فهو يعمل من أجل المال، وبالنسبة له فإن الغاية تبرر الوسيلة، فاذا كانت خيانته تجلب له المال فليكن، وسيتوقف الناس عن اتهامه اذا ما أصبح ميسورا يملك المال والجاه .

3. المناخ السياسي :  لقد استغل أبو سالم حالة القلق والاضطراب واللا يقين التي سادت بعد الحرب مباشرة. فبينما  اعتقد البعض أن اسرائيل الى زوال بعد أيام أو أشهر، كان أبو سالم يعتقد أنها باقية والى سنوات طويلة، لذلك لا مناص من التعامل مهعا واستغلال وجودها  ولو من باب الوقوف مع القوي. وربما كان المناخ السياسي هو المناخ الذي منح أبا سالم فرصة التطور والامعان في عمالته مع المخابرات الاسرائيلية. فهو يستطيع جمع معلومات استخبارية عن نشطاء وأشخاص وتنظيمات وغير ذلك، مقابل المال أو امتيازات أخرى. وهذا المناخ كان تربة خصبة لنمو كثيرين من أمثال أبي سالم، الأمر الذي لا يزال رائجا حتى اليوم .

4. المناخ الجنسي : أحسن الكاتب استخدام هذا المناخ في الجزئين الأخيرين، فقد بدا تعطش أبي سالم للجنس واضحا وجليا، مما دفع رجل المخابرات الى استغلاله على نحو جيد وناجح.  سواء في الصفحات الأخيرة من “هوان النعيم”أو في “برد الصيف”  التي تعرض فيها أبو سالم الى مواقف جنسية بارزة وواضحة الدلالة .

لا أدعي  العمق في هذه العجالة التي تهدف الى القاء شعاع خفيف من الضوء على هذه الشخصية المثيرة للجدل، والتي كانت ولا تزال تشكل خطرا على النسيج الاجتماعي لشعبنا الفلسطيني، والتي استطاع الاحتلال استغلالها لتمرير الكثير من سياساته ومخططاته ..

وربما لم يعد أبو سالم اليوم فردا إنما مؤسسة أيضا .

وقالت نزهة أبو غوش:

رواية ” برد الصّيف” جاءّت لتكمل الأجزاء الّتي سبقتها، رغم أنّ الأجزاء السّابقة لم تكن مبتورة، وإِنّما تحتمل أجزاء أُخرى بعدها، كما أنّ هذه الرّواية تحتمل أجزاء أُخرى بعدها؛ لأَنّها تحمل بين صفحاتها هموم وطن وشعب تشرّد وتقطّعت أوصاله.

في هذه الرّواية اتّخذ الكاتب السلحوت بيئته الّتي يعيش فيها- جبل المكبّر، القدس- مكانًا تجري عليه أحداث الرّواية من الجزء الأوّل، حتى الجزء الرّابع.

أمّا الزّمان، فهو بعد حرب 1967، حيث هُزم العرب ووقعت الأراضي الفلسطينيّة المتبقّية بعد 1948 تحت الاحتلال الاسرائيلي.

دمج الكاتب الزّمان بالمكان بشكل مبسّط يستوعبه القاري بسهولة، وكأًنّه تاريخ مختصر للأحداث المشبعة بالهزيمة والانكسار وقلّة الحيلة.

عندما نقرأ الرّواية نشعر وكأَنّنا نعيش داخل هذا المجتمع، القروي، البدوي بكلّ تفاصيله، يمكننا القول بأًنّ الرّواية بأحداثها تمثّل ثقافة الشّعب الفلسطيني القروي من حيث  العادات، التّقاليد، المعايير الاجتماعيّة، التّواصل، الخصومات، الصلح العشائريّ، عادات الزّواج، الطّعام، اللباس، الدّين، الموت. الأمثال الشّعبيّة…

بالنسبة للصلح العشائري، الّذي توسّع فيه الكاتب، لم يكن هناك أَيّ شكّ بأنّها غير حقيقيّة، بل كانت تحمل صدقًا وعفويّة ، يتسارع القاريء لمعرفة ما سيحدث، وهنا يكمن عنصر التّشويق في الرّواية. لا أعتقد بأنّ هناك كاتبا يمكنه انجاز مثل هذا العمل؛ لأَنّ كاتبنا خرج من رحم الأحداث، عاشها، وتعايشها، حيث عمل بنفسه مصلحًا عشائريًّا في قُرى قضاء القدس.

أمّا بالنسبة للأَحداث عام 1967، فقد عاشها الكاتب بنفسه أًيضًا حيث كان حينها شابًا، 18 عامًا تمامًا بعمر بطل الرّواية، خليل؛ لذلك جاءت تأريخًا صادقًا.

الشّخصيّات في الرّواية، معظمها شخصيّات الأجزاء السّابقة، حيث لكّل شخصيّة رمز أَراد الكاتب إيصال الفكرة من خلالها:

شخصيّة خليل: خليل بطل الرّواية، شاب متعلّم مناضل، يكره الاحتلال ويقاومه بأَضعف الإيمان، وهو توزيع المناشير.  ترمز شخصيّة خليل للقوّة، المقاومة،  رفض الاحتلال، ربّما يمثّل –هو-  جزءًا من المجتمع الرّافض، حيث بُترت يده، تمامًا كما بُتر من المجتمع أُناسُ قلائل تذيّلوا بالمحتلّ.

شخصيّة أبو سالم: رجل متزوّج له أولاد، أكبرهم متزوّج. عاش قبل الحرب إنسانا غير محبوب من الجميع؛ بسبب سلوكه غير المرغوب، أمّا بعد الحرب-1967- فعمل متعاونًا مع الاحتلال وجاسوسًا ينقل الأحداث والأخبار، ويشي  بالشخصيّات الشّبابيّة المقاومة.  ترمز هذه الشّخصية للضّعف، والذّبذبة، وقلّة الحيلة، وفقدان المبادئ، والتّماهي مع المحتلّ؛ لأنّه الأقوى، ومصدر للإنعاش الاقتصادي.

شخصيّة المختار، وأبو السّعيد : شخصيّات ترمز للاتّزان،  والقوة، والتّسامح، والخبرة الطّويلة، وهي الشّخصيّات الّتي ساهمت على إحداث التّوازن في المجتمع، واستمرار التّواصل الاجتماعي. تحمل في داخلها مبادئ وقيما. ترمز للجزء الايجابي في المجتمع.

شخصيّة أُمّ سالم  : تمثّل هذه الشّخصيّة، الضّعف، والخنوع وقلّة الحيلة، تحمل القيم والمبادئ، لكنّها تقف مكتوفة الأيدي أمام قوّة أكبر منها بكثير. هي ترمز للوطن الضّعيف الّذي يقف صامتًا أمام المحتلّ؛ بسبب ضعفه السّياسي، والعسكري، والاقتصادي.

شخصيّة البنات المخطوبات: شخصيّات ضعيفة، مغلوبة على أمرها، تأتمر بقوّة عليا، تتمثّل بالسلطة الأبويّة في المجتمع. حكم عليهنّ أن يذهبن بعد الحرب مرغمات لخطّابهنّ. ترمز هذه الشّخصيّات للإنسان الّذي تهجّر عن أرضه رغمًا عنه؛ بسبب السّلطة العالميّة الّتي وقفت خلف هذا التّهجير.

الخيال: مزج الكاتب السلحوت في روايته الخيال بالواقع، مستمدًا هذا الخيال من الواقع الأليم والقهر الواقع على الشّعب، فبدت فيها الأحداث مشوّقة للقارئ.

الحبكة الرّوائيّة: نلحظ من خلال قراءًتنا للرّواية بأنها لا تحمل حبكة روائيّة مطوّلة، بل هي عدّة حبكات تتكرّر بشكل بسيط ومصغر على طول الرّواية.

اللغة: لغة فصحى بسيطة سلسة تتخللها اللغة العاميّة ، حين الحاجة لذلك، هناك بعض الأخطاء المطبعيّة البسيطة، أمكن الكاتب تجاوزها.

وقال جمعة السمان:

أنهيت قراءة رواية برد الصيف.. لكنني ما زلت أشعر أنني في ديوان إحدى القرى..أجلس على فراش.. وأتكئ على وسادة.. وفي وسط الديوان كانون نار كبير.. يصحو فيه الجمر حينا.. فيعلو اللهب حدّ سقف الديوان.. أو يتطاير منه الشّرر عزيرا.. كانه شلال نار.. لكنه يخبو بسرعة.. فليس للشرر عمر طويل.. وضباب الأراجيل دخان.. يخرج من الصدور همّا يحمل أوجاع القرية، وما جرّه عليها من مصائب وويلات ذلك الإحتلال اللئيم.

صوت الريح بالخارج تعصف.. وزخّات المطر تهطل بقوة.. وعزم غيمات مثقلات

والخير عميم.. وصوت الوادي نهر له هدير…. ودويّ الرعد يعلو على صوت الراوي .. فيعود ويكرر الراوي الحديث.

الآذان صاغية.. والراوي عجوز.. جهوريّ الصوت .. خبر الدنيا.. ودخل التجربة .. ووعي الحدث.. وذاق من ويلات الإحتلال.. منذ اليوم الذي كان فيه طفل أسود الشعر.. الى أن ابيضّ شعره وأصبح اليوم عجوزا.. وخبأ في عمق أخاديد جبهته.. وتجاعيد وجهه ما غفل عنه التاريخ من مصائب وويلات القضية الفلسطينية.

أصاب الكاتب حين سلك في هذه الرواية أسلوب الحدّوثة.. فأجواء القرية.. وعشائر البداوة كانتا تحتل الرواية.. لكثرة ما ورد فيها من قوانين وعادات وأمثلة وتقاليد.

وأبدع الكاتب في تحريك أشخاص الرواية.. وأجاد حين رسم القرية بأشخاصها بحيث أن كلّ شخص من شخوص هذه الرواية كان يمثل شريحة من شرائح المجتمع القروي.. لتطلّ في النهاية على القارئ .. القرية الفلسطينية النموذج.

أبو سالم: كان في شخصية أبي سالم الإبداع.. وكلمة الحق في بعض كبار وجهاء القرية.. الذي يمكن أن نطلق عليهم “الجهلة الأذكياء”.. الذين يعرفون كيف يركبون الموجة.. ويصلون الى الهدف.. علما بأن الجميع يعرفونهم.. ولا يستغنون أبدا عن خدماتهم.. فمثلا الجميع يعرفون أن أبا سالم رجل فتنة.. يسير في ركابه الشر والأذى في كل ما يفعل ويقول.. ولا هدف له سوى أن يتصدّر الديوان، يدّعي ويتبجّح ببطولات وكرم وشرف وتضحيات.. وهي في الحقيقة أبعد ما تكون عن تركيبته الوصولية المتسلقة الدنيئة.. حتى ولو كان على حساب دمار القرية .. أو إلحاق الأذى بأهله وأبناء قريته.

عذاب الضمير حين يتأرجح بين الأنانية والواجب:

وأبدع الكاتب أيضا حين دخل عمق نفس شريحة الوجيه الجاهل من أبناء القرية بحيث أن المال كان في حياته هدفا وأساسا.. والنية والقصد كان سيئا.. حين ارتضى لنفسه أن يكون عميلا من أجل أن يهين ويذلّ ويبتز أبناء قريته ويسود عليهم.. وكان قمة الإبداع حين وصل الكاتب بأبي سالم عند حدّ “الأنا”.. والحدود التي لا يسمح فيها حتى العميل لنفسه بالإنحدار لدرجة المسّ بالعرض والشرف، فتوقف وتراجع مذعورا حين طلب منه الكابتن نمرود أن ياتيه بإحدى بنات القرية، وإذا عجز فليحضر ابنته أو زوجة ابنه .. لتقوم بدور الفتاة العاهرة تسيبورا..

لقد امتد قلم الكاتب الى داخل عمق نفس أبي سالم حتى منتهاها.. ليصل أنه اشتهى أن يكون لوطيا مع “جينولا”.. وقد ضحكت عندما ارتد أبو سالم مذعورا وقد دخله الظن أن الكابتن نمرود قد يكون لوطيا.. فيستعمله كما يستعمل عليان جينولا.. فقال مضطربا في حديث مع النفس حين شعر أن نظرة الكابتن نمرود له.. كنظرته الى جينولا.. فقال وقد آذته الإهانة ” والعياذ بالله.. يزعم أنني أجّرته مؤخرتي”.

وفي ظني أن الكاتب ما أخطأ أبدا في تحليل شخصية أبي سالم.. فهو الشخص الذي بقدر اشتهائه للرذيلة.. يكون حرصا على أن لا يدمغ بها.

لا شكّ أن أبا سالم كان الوجه البشع للقرية .. وكما أنّ في كل مجتمع الجيّد والقبيح.. فلا شكّ أن في القرية رجال بطولة وتضحيات.. كانوا قدوة للنضال الفلسطيني.. وقد تمثل هذا في شخصيتيّ الأستاذ داوود .. والأستاذ خليل..

الذي أتمنى من كل مسئول أن يحث كلّ فلسطيني على قراءة جبروت المناضل الفلسطيني الوفيّ لشعبه ووطنه.. حتى يصمد صمود هؤلاء الرجال من بني قومه.. ويكون لهم فطنة الواعي لأساليب تحايل ومكر عدوه.

تهويد مدينة القدس: كانت لفتة من الكاتب أن ينبه الى أساليب المحتل لتهويد مدينة القدس.. فمثلا شارع بور سعيد سابقا في مدينة القدس أصبح اليوم اسمه شارع الزهراء.. ومدرسة عبد القادر الحسيني أصبجت أسمها مدرسة سلوان الإعدادية.. والأمثلة على ذلك كثيرة.

شخصية المختار أبو سعيد: هي شخصية المختار الشهم العاقل الذي يحب قريته.. وأبناء قريته.. ويخاف عليها من الفتنة.. فكان رجل اصلاح وقدوة .

عرس ماهر وأميرة: كان عرس ماهر وأميرة نموذجا رائعا لأعراس وأفراح القرية الفلسطينية.

شهامة أهل القرية: لقد تجلى الشرف والحرص على العرض عند أهل القرية .. حين أرسلوا بناتهم المخطوبات الى خاطبيهنّ في الأردن.. فكان هذا دليل وعي وحفاظا على التمسك بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة .. الحريصة على الشرف والعرض والأسرة.

السياسة: كان للسياسة حضورمكثف .. حتى أنك لتجد بين الكلمة والكلمة سياسة..

لقد مر الكاتب على جميع المراحل التي مرت على البلاد منذ الإحتلال البريطاني.. الى إضراب سنة “36”.. الى حرب “1948”.. الى هزيمة”1967″.. الى جميع الأحداث التي مرت بها المنطقة.

كما أنه تحدث عن الفوضى ..وعدم الإستقرار التي مرت بها البلاد.. ودور الشائعات التي أفقدت الأمّة العربية الثقة بقادتها..التي لم يسلم منها حتى الزعيم عبد الناصر.

ولم ينس أيضا أن يذكرنا ببعض المآسي والمصائب الموجعة التي مرت على بعض إخواننا أصحاب القصور والبيارات والأراضي الذين هجروا ديارهم.. وفرّوا سالمين بأعراضهم.. ليعيشوا ضنك الحياة في مخيمات الهجرة.

أعجبني في هذه الرواية كلمة.. شعرت أنها تعطي المناضل صمود الجبال.. حين استعان بها الأستاذ خليل.. ولا أشك أبدا أنها كانت أحد أسباب صموده “بيت الظالمين خراب”.

في الختام: أستطيع أن أقول أن هذه الرواية مرجع يعتمد عليه.. وتوثيق للقرية الفلسطينية النموذج.. والحياة البدوية العشائرية من قوانين وعادات وتقاليد..إن في قراءة هذه الرواية معرفة وتوعية وعظة.. يتعرف بها القارئ على أساليب الإحتلال الخبيثة.. حتى لا يكون لقمة سائغة لألاعيب المحتل وخداعه.. فمعظم الذين وقعوا في حبائله.. كانوا ضحية الجهل.. وعدم الوعيّ والخبرة.

وقال موسى أبو دويح:

تناول الشّيخ في هذا الجزء الوضع الفلسطينيّ في القدس بخاصّة، وفي جبل المكبر على وجه الخصوص، وجرائم الاحتلال في فلسطين مع المعتقلين السّياسيّين بخاصّة، والشّباب منهم على وجه الخصوص.

عنوان الرّواية (برد الصّيف) يعبّر عن حالة الخوف الّتي يمرّ بها المعتقل، وهو يرتجف من سجّانه كأنّه مصاب بالحمّى، لا سيّما إذا كان حديث عهد بالاعتقال. وقد يتصبّب عرقًا في أوقات البرد والزّمهرير.

ركّز الشّيخ في هذا الجزء من الرّواية على حرص أهل بلد جبل المكبر على تزويج البنات قبل العنوسة، بل في ريعان الشّباب بين الرّابعةَ عشْرةَ والعشرين من العمر؛ ولذلك حرص الأهالي بعد حرب الأيّام السّتّة على إرسال الفتيات المخطوبات إلى خاطبيهنّ الّذين نزحوا إلى الأردنّ؛ ليتزوّج كلّ خطيب من مخطوبته.

شخوص رواية الشّيخ هم هم في أجزاء الرّواية الأربعة، إلا أنّ هذا الجزء ركّز على شخصين رئيسين هما: الأستاذ خليل الأكتع، الشّاب العصاميّ الّذي يدرس في كلّيّة بيرزيت، والمملوء وطنيّة بحبّ فلسطين ومقاومة الاحتلال. وأبو سالم ذلك الرّجل الكذوب العميل الرّخيص الوضيع، الّذي يحرص على جمع المال ببيع نفسه للأعداء وبالنّصب والاحتيال.

لغة الرّواية لغة سهلة واضحة فصيحة، وقلّت فيها العامّيّة إلاّ في بعض الأمثال، والكلام الّذي كان يرد على ألسنة كبار السّنّ، البسطاء من الرّجال والنّساء.

والوصف في الرّواية لشخوصها وملابسهم وللبيوت وللزّنازين وللطّبيعة – كوصف وادي شعيب في طريق السّلط- كان وصفًا دقيقًا مفهمًا. وأسلوبها جميلٌ شيّقٌ يجبر القارئ على متابعتها حتّى النّهاية.

أمّا إخراج الرّواية في الكتاب فكان سيّئًا؛ حيث كان أحيانًا يفصل بين موضوعين بعدد من النّجوم الخماسيّة الصّغيرة تطول أحيانًا، وتقصر أحيانًا أخرى بدون نظام، ويتابع الموضوع الآخر بعد النّجوم مباشرة. وأحيانًا أخرى يترك أكثر الصّفحة بيضاء ولا يضع النّجوم، ويبدأ الموضوع التّالي على صفحة جديدة. ولو كان يضع النّجوم متناسقة في نهاية كلّ موضوعن ويبدأ الموضوع التّالي على صفحة جديدة لكان أجمل وأفضل. وجاء وضع القوسين ( ) خطأً في صفحة (71) حيث جاء القوس الأوّل في آخر السّطر وفي بداية السّطر التّالي وسخ الذّنين)، وكذلك في صفحة (82). وكان أسوأ الإخراج في صفحة 186 وصفحة187.

تناولت الرّواية فترة مهمّة من تاريخ فلسطين السّياسيّ، هي فترة حرب حزيران بشكل يجعل القارئ الّذي لم يشهد حرب حزيران، أو لم يكن مولودًا حينها، يكوّن صورة واضحةً عن تلك الفترة.

وجاء في الرّواية في الصّفحة الرّابعة: كنيسة القيامة ومآذنها تعانق مئذنة المسجد العمريّ الشّامخ أمامها. وليس للكنائس مآذن، وإنّما لها أبراج للأجراس.

وجاء فيها في صفحة (35): (فما لله لله، وما لقيصر لقيصر)، وهذا المفهوم هو مفهوم خاطئ في نظر المسلمين، لأنّه مأخوذ من المبدأ الرّأسماليّ الّذي ثار على الكنيسة يوم استبدّ رجالها على شعوبهم واستعبدوهم، لدرجة أن وضعوا صكوكًا للغفران يبيعونها للنّاس ليدخلوا بها الجنّة. وهذا هو ما يُسمّى بعقيدة فصل الدّين عن الحياة. وهذه العقيدة عقيدة فاسدة لأنّ الحياة لا تستقيم إلاّ بنظامٍ إلهيّ جاء به الرّسل من عند اللّه، وآخرهم محمّد صلّى الله عليه وسلّم الّذي جاء بالإسلام نظامًا شاملًا لنواحي الحياة كلّها، ونسخ ما سبقه من شرائع.

أمّا أخطاء الرّواية الطّباعيّة والنّحوية فمنها:

صفحة (4): (وتساءل إذا ما كانت أبواب السّماء قد أغلقت أبوابها، ولم تعد تقبل دعوات وصلوات المؤمنين؟) وهذه الجملة غير مفيدة، والصّواب هو أن يقول: وتساءل لماذا كانت السماء قد أغلقت أبوابها، ولم تعد تقبل دعوات المؤمنين وصلواتهم؟

صفحة (5): (رأى االمدينة تنتعش قليلا)، والصّواب المدينة بحذف الألف الأولى، لأنّها كتبت بألفين. وفيها: (وعندما شاهد خليل يرفع يده)، والصّحيح: وعندما شاهد خليلًا يرفع يده… اقترب منه وقال.

صفحة (6): (إن كنت غير مرغوب بي)، والصّحيح: مرغوب فيّ؛ لأنّ العرب تقول: رغب في الأمر أي رضيه وأحبّه، ورغب عن الأمر أي كرهه.

صفحة (34): (بدون عناء)، والصّحيح: بدون غناء بالغين المعجمة لا بالعين المهملة.

صفحة (48): (غصبًا عن الرّاضي وعن الغاضب)، ونصّ المثل عن الزّعلان بدل الغاضب.

صفحة (53): (بناءً عبى رغبة الأسرتين)، والصّحيح: على.

وقال حسين ياسين:

على مساحة صغيرة لا تتجاوز مساحة ورقة واحدة أدخلنا الكاتب جميل السلحوت مباشرة الى أجواء القدس الحزينة، ليقول لنا أن حزن المدينة وغياب مباهجها سببه الاحتلال الذي مزق كل بقعة جميلة كانت في المدينة، وأن مباهج ومآثر المدينة كانت كثيرة ومتعددة، لكنها اختفت، يفعل الكاتب ذلك على لسان الأستاذ خليل، خليل الأكتع بن أبي كامل،  بطل وشخصية مقدسية مقاومة يستعملها الكاتب حسب المواقف والاحتياجات الأدبية، وهو الوجه الناصع الذي لا يرضى بالضيم ولا يقر بالهزيمة التي لحقت بمدينة وشعبها. مقاوم للاحتلال وواثق بزواله ولا يهادن المنحرفين. بسبب ذلك منحه الكاتب مساحة واسعة وقلده شرف الخاتمة”اعتقال، تعذيب مبرح وصمود أسطوري، بعد أكثر من شهر صمد خليل وغادر السجن. شخصية وطنية أخرى كان الأستاذ داود، اعتقال وشرح مفصل عن عذاب التحقيق وصمود الأستاذ داود الأسطوري ثمّ نفيه بسبب ذلك الى الأردن.”

بعد حوار قصير دار بين سمّار مضافة المختار أبي السعيد، حول مشاكل الاحتلال المستجدة من: سهولة العمالة في اسرائيل عند المحتل.”جدّوع بن أبو القمل لم تتعثر قدماه عندما عمل مع مقاول اسرائيلي في حارة الشرف، بعد الحرب بأقل من اسبوعين، لم يرفّ له جفن وهو يرى الغبار المتطاير من الأبنية العربية التاريخية المهدمة ويحطّ في ساحة المسجد الأقصى، وعلى قبّة الصخرة المشرفة وعلى جدرانها المزخرفة،…جدّوع بن أبو القمل اغتنى من الاحتلال، شبع بعد أن كان جائعا، الاحتلال غيّر الدنيا، وما كان مقبولا بالأمس لم يعد مقبولا اليوم، فتزوج امرأة أخرى” بعض السّمّار تحدث عن ضرورة مقاومة الاحتلال، والبعض الآخر تحدث عن ضرورة العودة الى فلاحة الأرض، قبل أن يسلبها المحتل.

بعد تلك المقدمة المقتضبة جدا ولج الحضور في بحث مشكلة مهمة تقلق بال المختار.

ضرورة العودة الى الحياة الطبيعية والتقيد بنواميس المجتمع؛ زواج البنات وستر العرض واجب وطني من الدرجة الأولى،…كالعادة فالمختار قدوة، فكان أول من يزوج ابنه ماهر من أميرة بنت أبي صالح بدون”طنطنه وجراس…ع السكت”. يفعل ذلك لأن الحياة يجب أن تستمر، رغم أن دماء الشهداء لم تجف بعد، ونعيق غراب البين شتّت الأحبة والأهل، والفرحة سرقها الاحتلال من قلوب الناس…نعضّ على النواجذ ونستعد للغد الوافد.”كون وبدّه يعمر”

ضائقة “تزويج البنات” مساحة جديدة في الهمّ الفلسطيني، لم يتناولها أدبنا المحليّ من قبل، كأن الكاتب جميل السلحوت أراد أن يوسع الساحة الفلسطينية، وهو فعلا قد وسّعها، لدرجة أنني اعتقدت أن هذا سيكون محور الرواية، فبقيت مشدودا أبحث عن مصير تلك الفتيات، محنتهن المستجدة ومعاناة ذويهن، وتمزيق أسر كانت تحلم بعشّ الزوجيّة وبغد أفضل،…حبّذا لو طوّر الكاتب هذه الفكرة ودفعها نحو خواتم مؤثّرة أكثر، وفاجعة أعمق وأشدّ إيلاما….لكن الكاتب كان له رأي آخر، فرواية”برد الصيف” تعالج تفكّك القيم الخلقية في شخصية مهادن”عند مخالفة الدّول الشاطر بخبي راسه” وساقط منحل باع ضميره والوطن للمحتل “اللي بتزوج أمّي هو عمّي”.

أبو سالم بطل الرواية الحقيقي يقدّمه لنا الكاتب في دور السّاقط المتعاون مع الاحتلال”سارق، جاسوس، كلب، مرتشي، نذل، حمار، زائر في ماخور المخنثين، يصلي لكنه يشرب المحرمات، حليف الشيطان، يطلب المحتل منه أن يجند احدى بناته أو إحدى قريباته، أو زوجة ابنه”عصفورة” بيد المحتل يغري أو يهدّد بها الشباب الفلسطينيين…الكاتب عرّاه حتى أخمص قدميه، وزبّله تحقيرا، وشحننا غيظا وكراهية له ولكل أمثاله وأفعاله.

الاحتلال وشروره كثيرة ومتعدّدة، خاصة وأنّ هذا الاحتلال طال كلّ شيء؛ البشر والشجر والحجر، اعتدى على التاريخ والفضاء الانساني، وما سلمت من شرّه العقيدة، وأن هذا الاحتلال امتدّ زمنا طويلا، ولا يزال الفلسطيني يعاني منه حتى يومنا هذا، وهذا الاحتلال في مسبباته وعواقبه يذكر باحتلال عام 1948، أو ما اتفق على تسميته بـ”النكبة” الفلسطينية.

الأدب الفلسطيني في العموم هو أدب “القضية” وقلّما نجد عملا فنّيّا لا يشيل هذا الهمّ والغمّ،…ما بين أيدينا الآن”برد الصيف” للأديب جميل السلحوت رواية تتناسق وتنسجم مع التيمة الأساس، وهي الوطن-فلسطين. ولأن واقع البلاد الجديد ثقيل بغيض ضاغط جدا، قدّم الكاتب خيال الرواية قربانا رخيصا للصريح المباشر.

يتبرع أبو سالم باصطحاب البنات الى الأردن، تنفيذا لقرار”الجماعة” ستر أعراضهن بأن يتزوجن من خطّابهن الذين شرّدتهم الحرب الى الأردن. طبعا أبو سالم يفعل ذلك مقابل المال…أبو سالم ينسّق الأمر مع سيّده المحتل بواسطة مشغله المباشر كابتن نمرود الذي يزوّده بمهمات أخرى،؛ التجسّس على رجالات المقاومة الفلسطينية في الأردن،؛ انتماءاتهم السياسية والعقائدية، مكان تمركز فصائلهم،…أبو سالم لا يخيّب توقعات مشغله “من يهن يسهل الهوان عليه”.

الرواية عبارة عن شحنة وطنية تثقيفية غنية للقارئ، لا سيّما الشباب منهم، الذين ما عاشوا الحرب…وهذه أجرة الكاتب.

سؤال: ص22 بيت المخنث جبريئيل”جيئولا” زوجة عليان بن الحاج عبد الرؤوف، هو بيت عربي لصاحبه السابق محمد محمود جودة، بناه في حيّ رحافيا سنة 1789″حي رحافيا حيّ يهودي، تعود ملكية الأرض الى الكنيسة المسكوبية، لم يسكن فيه عرب، وهو أيضا حديث لا تناسبه السنة المشار اليها”.

وشارك في النقاش كلّ من: محمود شقير، ديمة السمان، نبيل الجولاني، وعيسى القواسمي.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات