رواية سرّ الزّيت والتّفاؤل بالمستقبل

ر

كتب الأسير وليد دقّة روايته الموجّهة لليافعين “حكاية سرّ الزّيت” في سجن “جلبوع” عام 2017، وأصدرتها عام 2018 “مؤسسة تامر للتّعليم المجتمعي”. وتقع الرواية التي رافقتها رسومات الفنات فؤاد اليماني في 96 صفحة من الحجم المتوسّط؟
صدر حتّى الآن عشرات المؤلفات التي تتراوح بين الرّواية والقصّة والشّعر والمذكّرات التي خطّتها أقلام فلسطينيّة عانت من ويلات الأسر بسبب الاحتلال الإسرائيلي الذي أهلك البشر والشّجر والحجر.
حكاية سرّ الزّيت
وليد دقّة: ولد الأسير الفلسطيني وليد دقّة هام 1961 في باقة الغربيّة، في المثلّث الفلسطينيّ، ووقع في الأسر عام 1986، وحكم عليه بالسّجن المؤبّد، ولا يزال وراء الأبواب المغلقة، حصل على ماجستير في العلوم السّياسيّة وله عدّة دراسات وأبحاث. وفي عام 1999 اقترن الأسير وليد دقّة بالصّحفيّة سناء أحمد سلامة، ورزق الأسير وزوجته بابنتهما ميلاد التي جاءت إلى العالم 3 فبراير- شباط- عام 2020 بعد حمل زوجته عن طريق نطفة مهربة.
عودة إلى رواية “حكاية سرّ الزيت”: يلاحظ أنّ الكاتب سمّى نصّه” حكاية سرّ الزّيت”، ولم يطلق عليها رواية، كما يلاحظ أنّ النّاشر “مؤسّسة تامير للتّعليم المجتمعي”، لم تكتب تصنيفا للنّصّ على الغلاف عندما أصدرته، وهذا يعني أنّنا أمام حكاية موجّهة لليافعين، وأنّ النّصّ ليس رواية، مع التّنويه بأنّ هذا لا ينتقص شيئا من قيمة النّصّ الذي يعتبر النّصّ الأوّل الذي يكتبه أسير ويوجّهه لليافعين.
تحكي الحكاية مغامرةَ الفتى جود، وخطّته التي تتطلّب مساعدةً من أصدقائه: الأرنب السمّور، والعصفور أبو ريشة، وبراط الحمار، وأم رومي شجرة الزيتون، والقط الخنفور، والكلب أبو ناب.
أهداف النّصّ: يجد التّنويه بداية إلى أنّني لم أقرأ النّصّ في كتاب ورقيّ، بل قرأته كما وصلني في البريد الإلكترونيّ، وهذا يعني أنّه يصعب على المتلقّي أن يحيط بجوانب النّصّ المختلفة عندما يكتب عنه، ولن يستطيع الإقتباس ببعض ما جاء في هذا النّصّ، وبالتّالي سأعتمد على الذّاكرة في كتابتي هذه. وقد لجأ الكاتب إلى الخيال في سبيل خدمة نصّه. فماذا يريد قوله؟
وإذا كان بطل الحكاية هو الطّفل جود، الذي هو ثمرة لنطفة من أبيه مهرّبة من وراء البواب المغلقة، ومحروم من زيارته لأبيه، كعقاب من المحتلّ للأسرى الذين هرّبوا نطفا منهم، لينجبوا أطفالا من زوجاتهم دون أن يلتقوهنّ، فإنّ جود هذا تعاون مع طائر وكلب وقط وأرنب وحمار وشجرة زيتون معمّرة، التي زوّدتهم بزيتها الذي يسمح لهم بالتّخفي لعبور جدار التّوسّع الإسرائيلي، ليستطيع جود زيارة والده دون أن تحول موانع الاحتلال الكثيرة دون ذلك. وأعتقد أنّ الكاتب في اختياره لشجرة الزّيتون قد استفاد من قصيدة الشّاعر الكبير محمود درويش “أوراق الزّيتون” التي يقول فيها:
لو يذكرُ الزّيتون غارسَهُ
لصار الزّيت دمعا
يا حكمة الأجداد
لو من لحمنا نعطيك درعا
لكن سهل الرّيح
لا يعطي عبيد الرّيح زرعا
إنّا سنقلع بالرّموش
الشّوكَ والأحزانَ… قلعا
سنظلّ في الزّيتون خُضرتَه
وحولَ الأرضِ درعا
يضاف إلى ذلك أنّ شجرة الزّيتون رمز للسّلام، كما هي دلالة على حضارة الشّعب الفلسطينيّ العريقة، حيث يوجد في فلسطين اثنا عشر مليون شجرة زيون معمّرة، أي يزيد عمر الواحدة منها على الألف عام. وهذه الأشجار يقتلع المحتلون بعضا منها، ليزرعوها في مستوطناتهم، في محاولة منهم لنهب الثّقافة الفلسطينيّة ونسبها إليهم. لكنّ شجرة الزّيتون في “حكاية سرّ الزّيت” عرفت أبناءها الذين هم أحفاد من غرسوها، فاحتضنتهم وأخفتهم في ساقها الضّخم عن عيون المحتلين، ودهنتهم بزيتها السّحري؛ ليزور جود والده الأسير في سجون الاحتلال دون عناء” وهذا هو سرّ الزّيت الذي ورد في النّصّ.
فهل استبق الكاتب ميلاد ابنته عندما كتب هذا النّصّ أو جاء نصّه تعاطفا مع زملائه الأسرى الذين هرّبوا نطفاتهم، وحملت منها زوجاتهم ومنعهم الاحتلال من رؤية فلذات أكبادهم؟ لكن هذا لا يغيّر من قيمة النّصّ ومن الأهداف التي يرمي إليها.
وهل جاء التّعاون بين الزّيتونة التي تمثّل تراث الآباء والأجداد مع “الابن جود”، كإشارة إلى مستقبل الأجيال النّاشئة التي لم تقبل السّكوت على مظالم الاحتلال، وستنتصر عليه كما انتصر “جود” على سياسة منع أبناء النّطف المهرّبة من زيارة آبائهم والإلتقاء بهم؟ وهذا التّفاؤل الذي ورد في ثنايا النّصّ جاء مقرونا بالحثّ على العلم، لأنّ أحدالأسباب الرّئيسة في هزائم أمّتنا هو الجهل، ولا تنتصر الشّعوب إلا بالعلم.
اللغة والأسلوب: اعتمد الكاتب في نصّه على السّرد الحكائيّ الإنسيابيّ أكثر من اعتماده على السّرد الرّوائيّ، وهذا ساعد على تنمية عنصر التّشويق، ويلاحظ أنّ الكاتب أكثر من استعمال اللهجة الفلسطينيّة المحكيّة، مع وضع معانيها باللهجة الفصحى لتسهيل فهم النّصّ على من لا يستعمل اللهجة المحكيّة.
2-11-2020

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات