رواية الخطّ الأخضر في اليوم السّابع

ر

رواية الخطّ الأخضر في اليوم السّابع

القدس: 17-12-2015 ناقشت ندوة اليوم السّابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية”الخطّ الأخضر” باكورة اصدارات الكاتبة الكرميّة رولا خالد غانم، والتي صدرت في الأسابيع القليلة الماضية عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس. وتقع الرّواية التي يحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيليّ جمال بدوان في 159 صفحة من الحجم المتوسّط.

بدأ النّقاش ابراهيم جوهر فقال:

تأخذ الرّواية من الخط الأخضر رمزا وواقعا للتّقسيم الظّالم الذي وجد في غفلة من الزّمن والاستعداد وتقدير حجم المؤامرة الدّوليّة لترسم من خلال معاناة أسرة تقيم في باقة الغربيّة وأقاربها في باقة الشّرقيّة ودير الغصون واقع المأساة الفلسطينيّة.

الخط الأخضر وهو يحمل عكس دلالة المسمّى – جاء على الغلاف باللون الأحمر لما يرمز إليه اللون – حمل معه معاناة أخرى لا تقل أهمّيّة عن القضيّة السّياسيّة وهي قضيّة اجتماعيّة ثقافيّة تتعلق بواقع حياة المرأة في المجتمع.

تنتصر الكاتبة لحرّيّة الأنثى في اختيارها المسؤول لمن تحب وترتبط وتعرّج على سلبيّة الرجل الذي لا يخلص لحبّه كما تخلص الأنثى.

حملت الرّواية حشدا من الأمثال الشّعبيّة التي جاءت داعمة للحوار والفكر الذي يقدّمه المتحدّث ذكرا كان أم أنثى، وتقدّم رأي الجيل الشّابّ بتلك الأمثال التي تظلم أحيانا أكثر مما تخدم.وحفلت الأحداث بعدد من الأغاني الشّعبيّة التي تثري النّصّ وتوضّح بيئته الثّقافيّة مسندة بهذا اللغة الحواريّة المحلّيّة بنكهتها الخاصّة.

وفي الإشارات الفنّيّة تعليقا على رواية الخطّ الأخضر يمكن نقاش مدى واقعيّة إلحاق ابن الرّابعة عشرة بالخدمة العسكريّة لجيش نظاميّ.

ثم هذا التفصيل الدقيق في الحدث بلغة الرّاوي الخارجيّ العليم الذي يقدّم ويروي ويعرّف بالنّاس والأماكن. وتلك الشّخصيّات التي تظهر فجأة.

وهذا التّبرير لوجودها أو غيابها متأثّر بأسلوب الحكاية الشّعبيّة ذات الشّخصيّات المتعدّدة التي تظهر لمرة واحدة، وهي تحمل مبرر وجودها غير المقنع فنّيّا بقدر خدمته للحدث الذي يريده الرّاوي.

لقد كتبت الكاتبة رولا غانم رواية اجتماعيّة- سياسيّة وهي تمسك بشخصيّاتها وأحداثها وتراقبها وتسيّرها بإطلالة الرّاوي كليّ العلم من عل، فلم تدعها تنمو وتتحرّك بحرّيتها بل أسقطت آراءها عليها، وراحت تتعجّل الحدث، فنراها تخبرنا بأنّ فلانة تزوّجت وأنجبت، أمّا فلانة فحصل معها كذا وكذا.

كنت أرغب لو راجعت صديقتنا رولا ما خطّطت له من أحداث؛ لتخرج أكثر نضجا فنّيّا على مستوى اللغة والحدث والحوار والتّاريخ والتّعليق السّيّاسي والوصف.

وقال جميل السلحوت:

الكاتبة: رولا غانم شابّة فلسطينيّة من مدينة طولكرم، تعمل محاضرة في جامعة خضوري، وتعد لرسالة الأستاذيّة – الدّكتوراة- في الأدب العربيّ. وها هي تدخل عالم الرّواية بقدرة واضحة.

مضمون الرّواية:

تتحدّث الرّواية عن فتى فلسطينيّ اسمه عبدالله من باقة الغربيّة في المثلّث الفلسطيني، أرغمته الظّروف بعد نكبة العام 1948 على ترك أسرته ومسقط رأسه؛ ليستقرّ في طولكرم الواقعة فيما بات يعرف بالضّفة الغربيّة، وهناك التحق بالجيش العربيّ الأردنيّ، وتعرّض لمآسي كثيرة، وتزوّج من فتاة كرميّة تربطهها علاقة صداقة باحدى قريباته. بعد هزيمة حزيران 1967 ترك الجيش الأردنيّ وبقي مقيما في طولكرم، ليلتقي بأسرته على غير ما كان يتمنّى ويتمنّون.

وتتطرّق الرّواية إلى علاقة اللاجئين الفلسطينيّين بديارهم وبما تبقى من ذويهم في الدّيار التي شرّدوا منها، لذا وجدنا عبدالله يتسلّل أكثر من مرّة للقاء والديه وأسرته.

وجاء في الرّواية وصف دقيق لمدينة البتراء الأردنيّة الأثريّة، التي زارها بطل الرّواية مع عروسه في شهر العسل.

اللغة: اتّكأت الكاتبة في روايتها هذه على اللهجة المحكيّة التي ينطق بها شخوص الرّواية الشّعبيّون، وجاء في الرّواية العديد من الأمثال والأقوال الشعبيّة، كما جاءت بعض الأغاني الشّعبيّة، وقد جاء الموروث الشّعبيّ في مكانه الصّحيح لخدمة النّصّ الرّوائيّ.

أمّا اللغة الفصحى في الرّواية فقد كانت سليمة مطعّمة بالفنون البلاغيّة.

الأسلوب:

اعتمد السّرد الرّوائيّ على لغة انسيابيّة فيه من الحكي الكثير، ساعد في ذلك اللهجة المحكيّة، ويبدو ذلك جليّا في الحوار، وهذا ما ساعد على تحريك عنصر التّشويق في الرّواية.

شخصيّات الرّواية:

في الرّواية عدّة شخصيّات، لكنّ اللافت فيها شخصيّتان هما عبدالله ومرام:

عبدالله: وهو بطل الرّواية الرّئيسيّ الذي اختطف من قريته”باقة الغربيّة” فتى في الرّابعة عشرة من عمره، التحق بالجيش العربيّ الأردنيّ، تزوّج في طولكرم التي أصبحت بعيدة عن قريته، يصعب الوصول إليها رغم قربها المكانيّ، وذلك لأنّ قريته بقيت داخل الخطّ الأخضر في الجزء الذي قامت فيه اسرائيل كدولة، وما تبع ذلك من حالة الحرب التي شتّتت الشّعب الفلسطينيّ.

وعبدالله –كما ورد في الرّواية- شخصيّة عصاميّة، اعتمد على نفسه في الزّواج وبناء أسرة وبيت. وهو شخصيّة لافتة تحلّت بالوعي الكافي لمعايشة الظروف التي فرضت عليه. ويشكّل نموذجا ناجحا لحالة الشّتات التي عاشها اللاجؤون الفلسطينيّون الذين أرغمتهم ظروف الحرب على ترك ديارهم.

ويلاحظ أنّ عبدالله بقي لاجئا في طولكرم بعد أن “توحّدت” الأراضي الفلسطينيّة تحت الاحتلال في حرب حزيران 1967، ولم يكن له خيار في ذلك، فالقانون الاسرائيليّ فرض عليه وعلى غيره أن يكونوا من الأراضي المحتلة، ولا يحق لهم أن يعودوا إلى ديارهم وإلى أحضان ذويهم.

مرام: هي شقيقة عبد الله، بقيت في حضن والديها في باقة الغربيّة، أكملت تعليمها الثّانويّ، والتحقت بالجامعة العبريّة في القدس، حوصرت في بيت والديها بعد أن علم والدها بعلاقة عذريّة مع زميل لها من قرية أخرى، حتّى أنّه رفض تزويجها منه رغم أنّه طلب يدها، وأراد الوالد تزويجها من ابن أخيه، لكنّها رفضته، وبعد حرب عام 1967 تمّت الموافقة على تزويجها من ذلك الشّاب الذي أحبّته.

وتمثّل شخصيّة مرام الجيل الجديد المتعلّم الذي تمرّد على القيم والعادات الموروثة، وذلك برفضها الزّواج من ابن عمّها. واصرارها على الزّواج من الشّاب الذي تريده.

العاطفة: تنضح الرّواية بالعاطفة الصّادقة، ويبدو أنّ شخصيّة بطل الرّواية الرئيسيّ شخصيّة حقيقيّة، تحدّثت عنها الرّواية على حقيقتها مع بعض الخيال الواقعيّ الذي يخدم الحبكة الرّوائيّة.

نهاية الرّواية: واضح جدّا أنّ الكاتبة كانت معنيّة بانهاء روايتها بشكل سريع، وهذا ما يفعله كثير من الرّوائيّين، فجاءت النّهاية بشكل اخباريّ سريع عن زواج مرام، دون الدّخول في تفصيلات ذلك الزّواج الاستثنائيّ، والذي تمّ بعد معاناة طويلة وتعنّت الوالد بموقفه.

يبقى أن نقول أنّنا أمام رواية تستحقّ القراءة، ونحن في انتظار جديد الكاتبة.

وكتبت ديمة السّمّان:

رواية “الخط الأخضر” للكاتبة الكرميّة رولا غانم تشهد أن

“الخط الأخضر” سيحتفظ بلونه ما دامت إرادة الشعب الفلسطيني حاضرة.

اصطحبتنا الكاتبة الكرمية رولا غانم في رحلة ما بين النكبة والنكسة بأسلوب شيّق جميل.. طرقت فيه أكثر من باب.. وألقت الضّوء على أكثر من قضيّة.. جمعت بين الجانب الوطنيّ والاجتماعيّ والسّياسيّ.. وكان الحضور الأكبر للجانب الانسانيّ الذي تفوّق على كلّ طرح. فالإنسان ابن قضيته.. وهو المحرك الأساسي للأحداث.. كما أنّه الأكثر تأثرا بها.. تنعكس تبعاتها على تفاصيل حياته، لتنقله من حالة إلى حالة.

لم يكن عبد الله سوى أنموذجا حيّا للشّابّ الفلسطينيّ الذي عاش حياة التّشرد بين النّكبة والنّكسة وتبعاتها، بفعل الاحتلال الاسرائيلي الذي حرم أبناء الأسرة الواحدة من أن يستمتعوا بالدّفء العائليّ.  شتّتهم.. وشغل بالهم.. كلّ يعيش حالة من القلق على أحد أفراد أسرته. حالة من الضّياع وعدم الشّعور بالاستقرار.

كان وصف العلاقات الإنسانيّة بين الأقارب والجيران موفّقا.. أقرباء عبد الله في طولكرم عوّضوه عن عائلته في باقة الغربيّة داخل الخط الأخضر.. زوّجوه وقاموا بدور الأمّ والأب والأخت والأخ.. ما أجملها من علاقة دافئة.. تحمل في طيّاتها أصالة العروبة..  أعادت لعبد الله توازنه النّفسيّ. ولم يُقصّر الصّديق موسى في عمّان أيضا.. أعطاه مفتاح بيته ليقضي فيه وزوجته بضعة أيام قبل أن يتوجّها إلى بيتهما في مدينة الزّرقاء. أمّا الجارة أمّ فوزي وزوجها أبو فوزي في الزّرقاء فكانا الدّعم والسّند في كلّ محطّة من محطّات ” تعثّر” عبد الله وزوجته سهر.. يرفدانهما بالمحبّة.. ويقدّمان لهما الحلول الفعّالة.

أمّا بخصوص المرأة ووضعها في المجتمع في تلك الفترة، فقد أجادت الكاتبة وصفها.. كما انتقت الأمثال التي كانت تعكس نظرة المجتمع إليها.. ( همّ البنات للممات.. وَ”اللي عنده بنات عنده همّ بالحفنات).. لم تأت الأمثال يوما الا لتصف الحقيقة.. عند عودة سمر إلى بيت اهلها بعد سجن زوجها  بعد مضي حوالي ثلاثة شهور على زواجها، أقلق والدها وكان همّه الأكبر أن لا يظنّ الجيران أنّ زوج ابنته  تخلّى عنها ورماها لأسباب تتعلّق بسلوكيّاتها. وقد زاد ذلك من همّها.. فكان يكفيها أنّ زوجها خلف القضبان.. وأنّ  طفلها سيرى النّذور بعيدا عن أبيه.. فلن يفرح برؤية ابنه.. وسيزيد غياب الزّوج من حجم ألم الولادة.. ليأتي فضول الجارات ويزيد الطّين بلّه.

أمّا مرام فكادت تُحرم من نديم لأنّ والدها رفض فكرة أن تتزوّج ابنته  (عن حبّ).. وبالتّالي سيلحقه العار لولد الولد.

كم كان جميلا وصف المدن الأردنيّة.. كان دقيقا دون ملل.. امتزج وصف المكان بمشاعر عبد الله وسهر بالسّعادة .. فنقلتنا الكاتبة هناك دون عناء. ولكنّ الوطن لم يغب أبدا.. ولم يغادر الأحاسيس والمشاعر.. بل استمر يسكن حجرات القلب دون منافس.. وقد ظهر ذلك  جليّا في أكثر من موقع  في الرّواية.. جاء بشكل عفوي على لسان سهر عندما عادت من الأردنّ إلى طولكرم، قالت: ( لو ألفّ الكون ما راح ألاقي أحلى من مدينتي وبلدي). كما أنّ تواصل الفلسطينيين مع بعضهم البعض لن يمنعه أي خطّ.. “الخط الأخضر” سيحتفظ بلونه ما دامت إرادة الشّعب الفلسطيني حاضرة. وقد كانت حاضرة في كلّ صفحة من صفحات الرّواية.

كما كان وصف الشّعور بالغربة جميلا جدا لدى عبد الله وسه!

وقد كان للأهازيج  والأغاني الشّعبية حصّة غير قليلة.. زادت من أصالة العمل الرّوائيّ.

لا شكّ أنّ الكتابة عن المرحلة التي تحدثت عنها الرّواية بمواقعها المختلفة.. وربط الأحداث.. ووصف الصّراع يعتبر إضافة للمكتبة الفلسطينيّة.. الا أنّ هناك بعض الملاحظات التي لا بدّ من ذكرها.

قد يكون استعمال الرّوائي اللهجة المحكيّة في الحوار قضيّة جدليّة.. أيّدها البعض ورفضها البعض الآخر.. أمّا أن يكون الرّدّ باللهجة المحكيّة فهذا ما لا يخضع للجدل أبدا.. فهو ضعف واضح يحسب على الرّوائيّ. مثال ص 70 ( كانت السّاعة على عبد الله سنة….) . وص. 83 “شجّه مفتاح على عينه”

كما أن اللغة كانت ركيكة في بعض المواقع.. وظهرت بعض المشاكل في ربط الجمل وتكرار من خلال تكرار بعض الكلمات بشكل غير مقبول.. مثال على ذلك ص 81   ( جهّز عبد الله شقة لزوجته…….. هذه الشقة…) وص 98. سيأتي الطفل ليرى النّور…… هذا الطفل….. ) وص. 100 “سمعت صوت المولود….. هذا المولود الذي”

أمّا وقد لجأت الكاتبة إلى أسلوب استذكار الماضي ( فلاش باك).. فكان عليها أن تنتهي من حيث بدأت.. فلم تفعل ذلك.. كما أنّ الصّفحة الأخيرة اختصرت عشرات السّنين.. خبّرتنا بأحداثها الكاتبة عن مصائر معظم شخوص الرّواية من خلال بضعة سطور. وكأنّها تريد أن ترفع عنها العتب.. وبقيت مرحلة مفقودة.. وبات القاريء معلّقا  بين السّماء والارض.. كيف عاش عبد الله وسهر حياتهما؟ كيف ماتت أمّ سلاف (سهر) ومتى؟ صعدت سلاف إلى شقّة العمّ أبو خليل للحصول على ما ينقصها من معلومات لتنجز روايتها.. ولم تنزل من الشّقّة.. بقيت هناك مع أبي خليل وأمّ خليل؟ وهل هناك جزء آخر.. وإن كان ذلك.. لماذا لم تشر الكاتبة إلى ذلك.

وقالت نزهة أبو غوش:

حركة الزّمان والمكان،  في رواية الخطّ الأخضر

في روايتها ” الخطّ الأخضر” نجد أنّ الكاتبة رولا غانم، قد جعلت من المكان بطلًا، حيث يمكن أن نستدلّ على ذلك البطل بداية من عنوان الرّواية ” الخط الأخضر”، ثمّ من مضمون الرّواية. الخطّ الأخضر، ذلك الخط السّياسيّ على الخارطة الفلسطينيّة، حيث يدلّ على أنّ من هم بداخله يحملون الهويّة الاسرائيليّة، ومن هم خارجه، فلسطينيّون يحملون الهويّة الأُردنيّة.

في المكان كان الصّراع مريرًا وصعبًا بين الجزئين، داخل الخطّ الأخضر، وخارجه. صراع الفلسطينيّ الّذي يعيش ما بين الشّرق والغرب من وطنه. فمن تواجد في الشّرق يُمنع من دخول الغرب؛ لأنّه ضمن الخطّ الأخضر، حيث المحتلّ وضع حدوده. وكذلك يحدث بالعكس.

في رواية الخطّ الأخضر تشتّت المكان ما بين طولكرم، والزّرقاء بالأُردن، وعمّان، تمامًا كما تشتّت الفلسطيني منذ عام النكبة 1948.

بطل الرّواية، عبدالله فلسطيني عاش ببلدة باقة الغربيّة، داخل الخط الأخضر مع عائلته، لكنّه أُجبر على ترك بلدته؛ حيث أُخذ بالعنف من قبل المخابرات الأردنيّة؛ من أجل الادلاء بشهادته عن بعض العملاء الّذين كان يراهم عند الجيران في بيت صديقه. هنا يمكن القول بأنّ المكان أصبح تعسّفيًّا، أُجبر الانسان العيش فيه دون ارادته. المكان هنا حدّد  تخطيط أو هندسة الرّواية كما أرادته الكاتبة رولا غانم، فبالتّالي تغيّرت، وتجدّدت أحداث، حيث أنّ الأحداث هنا متعلّقة بالمكان. اضطرّ عبدالله أن يتزوج بعيدًا عن أهله، لاستحالة عودته في ظروف الاحتلال، حيث سكن في طولكرم عند أهل زوجته. كذلك تغيير المكان بالأُردنّ لاضطراره العمل في الجيش الأُردني؛ لأنّه وحسب اعترافه لا يجيد عملًا آخر لعدم اكماله التّعليم.

المكان يمثّل حياة الفلسطيني ابتداءًا من السّجن ذلك المكان المغلق،  فهو بمثابة دائرة صغيرة مغلقة موجودة  داخل دائرة المكان الأكبر، بلدته باقة الغربيّة، داخل الخطّ الأخضر، حيث الاحتلال، ثمّ  مدينة طولكرم داخل فلسطين خارج الخطّ الأخضر، ثمّ الدائرة الأكبر، الأُردنّ؛ فهو إِنسان يعيش دائرة داخل دائرة داخل دائرة، وتكاد كلّ دائرة أن تطبق على أنفاسه.

تذبذب المكان بالرّواية كان مناسبًا لتذبذب الزّمان، ونجد أنّه كان متعلّقًا به تعلّقًا مباشرًا، وكان يسير بنفس الايقاع. فبعد النكبة علم 1948، حُرم الفلسطيني التّنقّل من مكان إِلى مكان بواقع الاحتلال، إِلّا إِذا خاطر بنفسه وتسلّل عبر الحدود. بعد نكسة 1967 استطاع الفلسطيني أن  يعبر المكان، ويتواصل مع أهله بالمناطق الفلسطينيّة، هنا نجد أنّ اتّساع المكان قد ارتبط باتّساع الزّمان.

وقال نمر القدومي:

هناك خط أخضر ما يسمونه “عرب إسرائيل”، وهناك خط أزرق في الجنوب اللبناني، ولن ننسى “بارليڤ” في سيناء، وخطوط الأقلام التي رسمت لنا صور التّضحيات. أمّا أصعبها فتلك المترهلّة على وجه عجوز تُحاكي مرارة العيش، شقاء السّنين وألم الذّكريات على أرض شريفة مقدّسة تكالبت عليها أيادي الأقرباء والأعداء.

الكاتب الأصيل هو إبن بيئته، أمّا “رولا غانم” فقد لبستْ ثوب مآسي وأفراح مجتمعها ووطنها. فكانت الحكايات واقعية وحقيقية، وثِقل الإحساس والمشاعر كان لهما صدى بعيد ورعشة دافئة في القلب، وذلك في روايتها ” الخطّ الأخضر ” الصّادرة عن دار الجندي للنشر والتوزيع لعام 2016 والتي تقع في (160) صفحة من الحجم المتوسّط، تُزيّن الغلاف لوحة “المرأة الفلسطينية” للفنان “جمال بدوان.

الأديبة تستعين بريشة التّاريخ لترسم لنا بألوانها القاتمة تلك النّكبات والمصائب التي حلّت بالشّعب الفلسطينيّ في الفترة ما بين نكبة عام 1948 ونكسة عام 1967 من هزيمة وتشرّد وخيانة، ذلك من خلال التّطوّرات السّياسيّة، الحكايات الاجتماعيّة، العادات والتّقاليد السّائدة والسّذاجة المُتمثّلة في الأفكار والمعتقدات آنذاك.

في بداية غير تقليديّة ومُشوّقة، أبدعت الكاتبة “رولا” في جذب القلوب عن طريق حكاية “عبد الله حمدان” ، ذلك الفتى الذي آلت به الأقدار أن يترك عائلته في قرية (باقة الغربيّة) داخل الخطّ الأخضر ليلتحق بالجيش الأردنيّ. إستطاعت الكاتبة في مشاهد دراميّة وعاطفيّة أن تحبس أنفاسنا في كلّ حركة ومغامرة يقوم بها من تسلل عبر الحدود لزيارة أهله. تزوّج من “سهر” وهي فتاة من طولكرم، ليعيش معها في الأردن في رحلةٍ أمتعت القاريء قلبا وروحا. زارا مدينة البتراء والعقبة وعمّان وذلك بالتوثيق الجغرافيّ والتّاريخيّ، والوصف الدّقيق لكلّ بقعة عبراها، مما جعل الرّواية أكثر متانة وقوّة .

“عبد الله” إختار طريق النّضال والكفاح من أجل تحرير وطنه فلسطين من نير الإحتلال، وتحقيق أحلامه في لمِّ شمل أشلاء الوطن. إلاّ أنَّ الواقع المرير الذي حلَّ بالشّعب والهزيمة النّكراء التي تكبّدها، أعادت أدراجه ليستقرّ في مدينة طولكرم .

حادتْ بنا الكاتبة من كآبة المنظر والحرب ونزوح اللاجئين إلى قصة حُبّ “مرام حمدان” مع الشّاب “نديم” . تلك الفتاة المدللة الوحيدة لعائلتها، تدرس التّمريض في الجامعة العبريّة، تعبّر عن الشّريحة التي لم تأبه أبدا للسّياسة والحرب وما يدور حولها، فكان شغفها للحياة كبير والعيش بسعادة هو الأهمّ. تمرّدتْ على طريقة تفكير أهلها، وكسرت عادة الزّواج من ابن العمّ، وبقيت على تعنّتها حتى كان “نديم” من نصيبها .

كان لأسلوب الحوار في الرّواية حيّزا كبيرا، وذلك باللغة البسيطة المحكيّة مدعومة بالأمثال الشّعبيّة الكثيرة والمتداولة التي تلامس القلوب.

الحبكة واردة بجليّة ووضوح في أماكن عديدة من الرّواية، وعنصر التّشويق يبقى بازدياد في سياق مجريات الأحداث. لم تنسَ الأديبة “رولا” عاطفة وقلب الأمّ الفلسطينيّة التي تفقد وتودّع أبناءها الشّهداء على مرّ السّنين، وما يميّزها عن غيرها تلك الزّغاريد بلا دموع، حكايات عاشها أجدادنا وآباؤنا مرفوعي الرّأس دون مهانة أو يأس من إسترداد الحقوق المغتصبة …

حاولت الكاتبة بين الفينة والأخرى أن تدسَّ لنا بعض الحِكم الاجتماعيّة والانسانية القيّمة لتبقى عالقة في أذهاننا؛ تكلّمت عن السّعادة التي لا تهبط من السّماء، بل هي من صنع الإنسان، وأنَّ كلّ خليّة في الجسد هي إمتداد لنزعة الأرض التي تمدّه ببقائها وديمومتها. صدر الأمّ وحنانها يعادل الوطن، فلا شيء يُضاهي حضنها والعائلة. كما أنّها تؤكّد على المجتمع الذّكوريّ الذي لا زال يسيطر على مساحات واسعة من عقولنا.

لقد وصلنا إلى ما نحن عليه من ضياع وشتات جسديّ وفكريّ حين بنينا بأيدينا الجدران ورصّ القضبان الحديديّة من حولنا؛ لدواعي إجتماعية زائفة لا أساس لها، نُثيرها بسذاجة عالية وجهل مستفحل؟

هنا ستضع حَملها .. وهناك أبٌ يحلم بالحرّيّة .. وفي جهة أخرى من الأرض أجداد ينتظرون .. وبين هنا وهناك عدوّ يقطع أوصال الوطن ويعيث في الأرض فسادا.

وقالت رائدة أبو صوي:

الكاتبة كانت موفقة في اختيار العنوان وصورة الغلاف. استطاعت من خلال سرد أحداث الرّواية أن تسلّط الضّوء على الكثير من العادات والتّقاليد الفلسطينيّة في الفترة الممتدّة بين 1948-1967. لم تتعمق الكاتبة في طرح الأحداث وخصوصا عندما كان بطل الرّواية عبد الله ينتقل من عمّان الى باقة الغربيّة وطولكرم، هل كانت الطّريق سالكة معه؟ مع أنّ القاريء يشعر بأنّ البطل يجازف عندما يزور أهله وزوجته .

عبد الله في بداية الرّواية كان طفلا مشاكسس ومشاغبا، وعندما اختطف أثار حبّ المعرفة في نفس القارئ؛ ليعرف ماذا ستكون نهاية هذا الشاب .

الرّواية لها أكثر من بطل، تقريبا جميع الشّخصيّات لها دور بطوليّ في الرّواية، استطاعت الكاتبة أن تنطق الشخصيات بطريقة محببّة مع أن اللغة المستخدمة هي اللهجة المحكيّة .

تطرّقت الكاتبة في روايتها لومضات جذّابة مثل طقوس الخطبة والزفاف والأنجاب والحبّ والمشاعر الأنسانيّة، من علاقة البنت بوالدتها والزّوج بزوجته وأطفاله، المشاكل الأجتماعيّة مثل الضّغط على الفتيات ومحاولة اجبارهن على الزواج من أبناء عمومتهنّ، ونظرة المجتمع إلى البنات، أهمّيّة الأصرار على المواقف خصوصا ما يتعرّض لتقرير المصير، عندما حاول الأهل اجبار مرام على الزّواج من ابن عمّها عصام وقدرتها على المواجهة .

الخطّ الأخضر …ذكّرتني ببرنامج اسمه الخطّ الأخضر للأعلاميّة أسماء عزايزة، كانت تتطرّق لأحداث تحدث داخل الخطّ الأخضر، أمّا كاتبتنا رولا خالد غانم الخط الأخضر بالنسبة لها كان يعني الحياة بجميع ينابيعها .

وكتبت هدى خوجة:

عنوان الرواية الخط الأخضر بلون برتقالي وهو عبارة عن مزج الأحمر رمز الدّم والأصفر بورق الخريف المتساقط وأشعة الشمس النّاريّة، ومن ناحية برمجة لغويّة عصبيّة للوهلة الأولى يقرأ الأصفر عند تكراره عدّة مرّات ،لأنّ الأخضر كتب بلون برتقاليّ مائل للصّفرة،وصفحة الغلاف موفقة “المرأة الفلسطينيّة للرّسام جمال بدوان” وتصميم الفنانّة رشا السرميطي، ويرتبط الغلاف بداخل الرّواية في ص67 حيث يمثّل الإرتقاء والصّمود والكبرياء والشموخ لبطلة الرواية سهر، وظهرت عدّة أماكن في الرّواية منها باقة الغربية ونابلس وطولكرم والزّرقاء وعمّان والبتراءوالعقبة، ظهرت الزّغاريد التّراثية والأمثلة الشّعبيّة، مثل” همّ البنات للممات”، وهنا تذكّرت قراءتي لرواية زمن وضحة  للكاتب جميل السلحوت، في احتوائها على عدّة أمثلة تبيّن اضطهاد المرأة وطغيان المجتمع الذّكوريّ،وتطرّقت الكاتبة لفلسفة السّعادة في ص 78، حيث بيّنت أنّ السّعادة من صنع الإنسان، وبيّنت سعادة سهر في البتراء، وهذه السّعادة لم تنتج عن زيارة الأماكن؛ ولكنها نتجت عن إيقاظ الأنثى بداخل سهر وإشباعها، وأيضا صورة المرأة في المجتمع والعادات والتّقاليد الطّاغيّة حتى وقتنا الحاضر، وتظهر عند رجوع سهر لبيت أهلها بعد عدّة شهور من زواجها، حيث كان هنالك حوار داخليّ وصراع الاحجام والتّفكير العميق، ماذا ستقول لأهلها عند الرّجوع إليهم؟ وما هي الاشاعات التي سستنطلق ضدّها، ومن المثل الّذي يرافق ذلك “اللي عنده بنات عنده همّ بالحفنات”

كان للون أثر مهمّ في الرّواية، حيث ظهر اللون الأخضرص 21-22 بوضوح في لون ورائحة المريميّة في أكواب الشّاي ورنين كؤوس الشّاي، فلقد اشتممت رائحة المريميّة من داخل الرّواية، وخضرة أرض خط أخضر وشجرة زيتون، وبدلة وزيّ عبد الله تكسوه الخضرة، واللون الورديّ في البتراء والصّخور الورديّة.

النّهاية تأتي بإيقاع سريع، وتبعث على الأمل بالحياة والصّمود، برغم العواصف العاتية.

وشارك في النّقاش عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، حسن أبو خضير، رائدة أبو صويّ، سليمان مطر وطارق السّيّد.

.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات