ربيع عربي أم سايكس بيكو جديدة

ر

أثارت ولا تزال تثير ثورات الربيع العربي ردود فعل واسعة على كافة الصعد المحلية والاقليمية والدولية، واذا كانت الشعوب العربية تسعى وتناضل من أجل التغيير، كي تحصل على حرياتها وتبني دولة القانون والديموقراطية وتحقيق العدالة والقضاء على رؤوس الفساد والولاء للأجنبي، وكي تأخذ دورها الطبيعي بين الشعوب الأخرى بعد أن أخرجها حكم الطغاة من التاريخ مهزومة ذليلة فقيرة، فان القوى المعادية تعمل ليل نهار من أجل اجهاض هذه الثورات أو احتوائها على الأقل، وبين هذا وذاك يبدي البعض تخوفه من إمكانية تجيير الثورات لصالح القوى الامبريالية الطامعة لتخدم مشروع اعادة تقسيم الشرق الأوسط من جديد، وبأشكال جديدة قد تبهر الشعوب وتحظى برضاها ودعمها بعد أن ضاقت ذرعا بحكم الطغاة، وأصحاب هذه المخاوف لهم منابعهم الفكرية أيضا، وقد يكون لتخوفاتهم أساس يبنون عليه، لكن يجب التنبيه الى ثقافة “الخوف من التجديد” المترسخة، فثقافة”إلعب بنحسك خوفا من أن يأتيك الأنحس منه”ثقافة لها جذورها السياسية على أرض الواقع، فمن سعوا الى الخلاص من الحكم العثماني في الحرب العالمية الأولى، لم يحققوا طموحهم في الاستقلال وبناء الدولة العربية، فساعدوا بهدم الحكم العثماني وحصدوا اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، وتقاسمت بريطانيا وفرنسا العالم العربي وجزأتنا الى دويلات، واستأثرت ايطاليا بليبيا، وعندما سعى العرب الى الخلاص من الاستعمار الذي سيطر عليهم قامت اسرائيل كدولة على ارض فلسطين لتشكل قاعدة عسكرية متقدمة في المنطقة لقهر شعوبها ودولها، ومع أن أي بديل للطغاة الذين سقطوا والذين يتساقطون أو هم في طريقهم الى السقوط هو أفضل مما كان، إلا أن ذلك لا يمنع الشعوب الثائرة من أن تبقى يقظة خوفا من الالتفاف عليها وعلى منجزاتها، وقد أثبتت تجارب الشعوب العربية أن المخازي الاعلامية التي تحدثت ولا تزال تتحدث عن القائد الملهم والانجازات العظيمة والجيوش الجرارة والاقتصاد القوي، والتعليم المتقدم …الخ ما كانت تتحدث إلا عكس الحقائق، فعلى أرض الواقع لم تحصد الشعوب العربية غير الهزائم والجوع والجهل وكله بفضل القادة “الملهمين”من قوى أجنبية نصبتهم ودعمتهم لتحقيق أجندتها في المنطقة، حتى أن أسيادهم وأولوياء نعمتهم يجدون حرجا في استمرار دعمهم لهم، وليس الغزل مع نظام علي عبدالله صالح الاجرامي في اليمن بخافٍ على أحد. واذا كان الحكام هنا معنيون بتحقيق الحد الأدنى من متطلبات شعوبهم، فعليهم الاستجابة لذلك بالسرعة الممكنة، ولعل السلطان قابوس سلطان عمان كان رائدا في هذا المجال. سوريا : واضح أن النظام السوري يشكل دولة الممانعة الوحيدة في المنطقة، ويقف في وجه الأطماع الامبريالية والصهيونية، وان كان يضرب بعصا غير عصاه، إلا أن الشعب السوري والشعوب العربية تبدي استياءها من نظام التوريث في الأنظمة الجمهورية، وتبدي استياءها من حكم الحزب الواحد وقمع الحريات وتغييب الديموقراطية، وعدم الاستعداد لتبادل السلطة عن طريق صندوق الاقتراع، وانتشار الفساد والفقر، وتغييب العدالة، وعدم استقلالية السلطات الثلاث، وعدم بناء دولة القانون…الخ، وهذه هي دعامة الحكم القوي الذي يحميه الشعب وليس الأجهزة الأمنية، ولا يستطيع المرء أن يفهم كيف سيحمي نظام شعبه ووطنه ويحرر أرضه ما دام في صدام دائم مع شعبه، وما دامت دباباته وطائراته تقصف الشعب بدلا من حماية ثغور الوطن. صحيح أن سوريا تتعرض لمؤامرة كبرى قد تتخطى نتائجها حدود سوريا في حالة نجاحها، ويجري تجنيد وسائل اعلام وفضائيات لتسويقها، لكن هذا لا يعني مطلقا الوقوف أمام متطلبات الشعب السوري العادلة، والهادفة الى بناء الدولة الديموقراطية ونشر الحريات بكافة أشكالها….لكن في نفس الوقت لا يمكن فهم المعارضة التي تطالب بتدخل حلف الناتو لتدمير سوريا واحتلالها، فمن يخدم هذا الطلب؟ ولمصلحة من سيكون في حالة تحقيقه-لا سمح الله-؟ وألم يتعظوا مما جرى في العراق “المحرر”من حكم صدام؟ وكيف كانت نتائج ذلك من “تحرير” للعراق من عروبته ومن وحدة أراضيه، ومن عمرانه ومن مليون ضحية مدنية، لينتشر الفقر والفساد وملايين النساء الأرامل وملايين الأطفال الأيتام. واذا كان النظام السوري نظام ممانعة حقا، فعليه أن يستجيب لحقوق شعبه، وأن يطلق الحريات وأن يكون صندوق الاقتراع هو الفيصل في انتخاب رئيس وممثلي الشعب، عندها ستقوى سوريا وستكون دولة ممانعة حقيقية. 5 نوفمبر 2011

تعليق واحد

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات