د. عمر كتمتو: رواية الليلة الأولى وجرأة الطرح في محاربة الجهل

د

يقدم لنا الأديب السلحوت عددا من الشخصيات المتناقضة، ويرسمها بوضوح لا لبس فيه، ويترك للقارئ فرصةً كي يفكر متسائلاً ومستغربا، أيمكنُ أن يكون في مجتمعاتنا من يصدق استمرار السذاجة والغباء لهذه الدرجة التي شطر فيه العلم الذرة الى شطرين، ووصل فيها العلم والمعرفة الى صناعة انسان آلي تتوفر فيه كل مواصفات الانسان باستثناء الروح ؟

 الجواب عند كاتبنا القدير نعم ، هذا ممكن، ولكن هذا، لايعني الكل بل إن البعض من  شخصيات الرواية استخدموا الدين والسحر وكل الخصال المنحطة والكبائر التي يلفظها العقل والدين، غير مهتمين بتدمير القيم والانسان، والأسرة، مقابل المال والشهوة.

لن أتناول تفاصيل الرواية، ولن أفلسفها فاجعلها عصية على الفهم، فإن صاحبها أمتعنا ببساطة سردها، وتشويقنا لما يصبو إليه الأديب القدير جميل السلحوت.

كل من قرأ أعماله الأدبية، يعرف كم هو معادٍ للمجتمع الذكوري، ومناصرٍ للمرأة، وهذا ما بدا واضحا في روايته، الليلة الأولى، فجاءنا بنموذجين للمرأة، أحدهما مبروكة، التي تتوفر فيها كل خصال الانحطاط وسوء الأخلاق، ونموذجا آخر يتمثل بليلى التي لا تؤمن بخزعبلات مبروكة التي تقول أن ضرب المرأة ضروري لإخراج الجن من جسدها. لم يكتفِ بهذا بل قدم لنا نموذجاً واقعياً ثالثا للمرأة التي تحب بصدق، وفقدت عذريتها وهي غادة، التي تدبرت أمر حملها بخداع عبد الفتاح أبو ربيع لخليل ومثيل المنافقة مبروكة، حينما لجأت إليه غادة – مضطرةً – ليساعدها على تبرير حملها من حبيبها سميح، وبعد أن أنجز هذه المهمة مقابل معاشرتها، فوعدته بالموافقة غير أنها وحفاظاً على مصداقيتها لنفسها ولحبيبها سميح الذي حملت منه خدعت عبد الفتاح (أبو ربيع) ورفضت مستنكرةً، تسليمه جسدها، ولم يقربها أحد سوى حبيبها سم

هنا نجد أن أديبنا القدير، يقدم لنا ثلاث أنواع من النساء، وثلاثة أنواع من الرجال. اما النساء الثلاث فهنّ مبروكة النصابة، وليلى الواعية، وغادة العاشقة المتمردة ، والمؤمنة بحبها العميق الصادق لسميح الذي بادلها الحب بالحب وسعى للزواج منها.

وبالنسبة للرجال، لدينا عمر شقيق ليلى القوي، والذي أوقف محاولة ضرب شقيقته ليلى لإخراج الجن من جسدها، أمّا الشخصية الذكورية الثالثة، فهو موسى زوج ليلى الضعيف أمام تقاليد المجتمع التي لم يواجهها بشجاعة، مبتعداً عن الصدام معها أو تحديها، والاحتفاظ بزوجته التي صبرت على (عجزه) طويلاً، فلاذ بالهجرة والفرار بعيدا عن الأهل والوطن.

هذه قراءتي لرواية الاديب جميل سلحوت، الذي يمنح في أدبه الغزير دائما حيّزاً واسعا للمرأة وتأثيرها المماثل لتأثير الرجل داخل المجتمع، معتمدا على حقائق كثيرة لاتزال تجد طريقها إلينا، فيكشفها، ويعريها مستندا إلى ثقافته الأدبية والدينية والشعبية، وعلى سعة معرفته وثقافته، وسلاسة أسلوبه التشويقي، فجاءت رواية الليلة الأولى إنجازا ثرياً  لمكتبتنا الأدبية، تكتمل فيها جميع عناصر فن الرواية الحديثة بُنْيةً، ومضموناً.

7-7-2023

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات