تصبحون على حب لجمعة السمان

ت
صدر هذا الكتاب عن منشورات دار الجندي في القدس في أواخر نوفمبر 2012، وهو باكورة كتابات الكاتب المقدسي جمعة سعيد السمان.
بداية يجدر التنويه بأن كاتبنا جمعة سعيد السمان المولود عام 1935 في القدس، لم يفكر يوما بأن تصدر كتاباته في كتاب ورقي، فقد انشغل الرجل بعمله التجاري، لكنه لم يبتعد عن الثقافة، فهو مطالع جيد، وربّى أفراد أسرته على المطالعة وحب الثقافة، وكان يكتب ما يجول في خاطره، ويلقيه كيفما تيسر في جنبات بيته، وتردد على ندوتنا المقدسية”ندوة اليوم السابع” منذ تأسيسها في آذار-مارس- 1991.كان يأتي هو وأسرته، يكتب رأيه في الكتاب موضوع النقاش، يقرأه أمام الحضور، ويناقش في المواضيع التي تطرح، ويبدي رأيه بتواضع جمّ، دون ادعاء أو مزايدة على أحد، وعند ظهور شبكة المعلومات الألكترونية”الانترنت” نشر بعضا من كتاباته على بعض المواقع الأدبية، ولا يفوتنا هنا ذكر كريمته الروائية ديمة، وهي أحد المؤسسين الرئيسيين للندوة، فهذه الأديبة المقدسية كانت ولا تزال وستبقى فخورة بوالديها، وبفضل والدها عليها، حيث حبّب اليها المطالعة منذ نعومة أظفارها، وكان يقرأ لها بعض قصص الأطفال قبل أن تتعلم الأبجدية، ويروي لها بعض الحكايات، ويتناقش معها في كل ما يقرآنه، وكأني به قد اكتشف موهبتها الابداعية في سنّ مبكر، فأراد صقلها منذ البداية، وهو القارئ الأول والناقد  الأول لمخطوطات روايتها، وكانت تستمع له وتثق بصحة آرائه، فتأخذ بها قبل أن تعرضها على أي شخص آخر ممن تثق بقدراتهم على تقييم الأعمال الأدبية، وعندما صدرت روايتها الأولى”القافلة” في العام 1991 كانت فرحته بها أكثر من فرحة صاحبة الرواية، وكأني به يرى جهوده قد أثمرت وأتت أُكلها.
فما كان من الابنة الروائية إلا أن فكرت بردّ الجميل لهذا الأب الرائع، ففكرت أن تفاجأه بعد أن بلغ من العمر سبعة وسبعين عاما مفاجأة سارة له ولها، فجمعت بعضا من كتاباته، وقدمتها لدار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، لتصدر في كتاب ورقي، وقد نجحت في مفاجأتها حيث أدخلت السرور الى قلب الوالد، وكأني بها ترد له شيئا من جمائله العديدة عليها، فنعمت البنت البارة بوالديها، ونعم الأب الذي رعى ابنته رعاية فائقة.
وكاتبنا جمعة سعيد السمان الذي لم يخطط يوما بأن يكون كاتبا، بل كان بشكل عفوي يرسم على الورق ما يدور في خلده، فيزيل همّا من صدره، لم يفكر يوما أن ينشر كتاباته في كتاب، جاءت كتاباته عفوية كعفويته وطيبته، وهذا سرّ جمالها، وقد تفاوتت مواضيعه بين المقالة الأدبية، والخاطرة، وبعضها كان يقترب من القصة دون أن يقصد كتابة القصة، وبعضها جاء على شكل حكاية أيضا، فقد أراد طرح بعض القضايا الاجتماعية سواء كان يؤيد ترسيخها وتعميمها، أو أراد فضحها وتنفير القارئ منها، فمثلا في:
“لا تنس نفسك…فتتيه”ص37 هذا النص جاء على شكل حكاية من حكايات كليلة ودمنة، ليعالج قضية زواج كبار السن من فتيات صغيرات أو قاصرات، محذرا من عواقبها الوخيمة، وقد جاءت الحكاية حول عصفورة وقعت في شباك صياد، وتركت صوصتها الصغيرة في العش، فافتقدت الصوصة أمّها، فهرع لنجدتها عصفور كبير السن، فاعتنى بها وأطعمها وعلمها الطيران، وأوقعها في حباله، فتزوجها”تزوج العصفور العجوز بالعصفورة الفتية، وكان الفرح أياما عاشتها في حب وسعادة ووئام”ص38، فانتبه العصفور العجوز الى قواه الخائرة، وأنه لم يعد قادرا على حمل الأعباء الزوجية، فقال في نفسه”زوجتك باتت تشتاق الى الفراخ…وأنت عجوز ما عاد فيك خير ولا فلاح”ص38. وانتبه متأخرا بأنه لم يعد كفؤا لأنثاه” طلّ برأسه خارج العش…رأى عصفورته تغازل ابن الجيران…عصفور فتيّ آية في الأناقة والجمال…………..طار العصفور الى عشّه وتبعته العصفورة بجناح الحب…وعلا صوت التغريد أنغاما”ص39.
وفي قصة”تاه الميزان…هل حقا هذا حرام”ص62 ينحاز الكاتب الى المسحوقين من عمال وفلاحين، فيطرح قصة بستاني أجير في بيارة برتقال، كيف طرده صاحب البيارة من عمله واشتكاه الى الشرطة فسجنته شهرا بتهمة السرقة، لأنه حمل معه بضع برتقالات لأبنائه، فانتقم الله من صاحب البيارة فأنزل عليها المطر طوفانا”لم يبق على أرض البستان زرع ولا شجر….وباتت الأرض جرداء”ص63 وهذا النص فيه مقومات القصة.
وفي المقال بعنوان”كفى أيها الزعيم”ص149 يعالج الكاتب قصة بعض الكتاب والمثقفين الذين يبيعون أنفسهم لذوي الشأن من أصحاب القرار، فيسيئون لأنفسهم ويتساقطون بمكانتهم، تماما مثلما هي المرأة الجميلة التي تبيع جسدها لذوي الشأن الدنيوي”لكن لعنة الملائكة تبعتها…أشقتها…ما رأتها عين إلا لعنتها…فما سعدت بجنة ولا حصدت ثمرا من بؤس ذلّ كرامتها”.ص 150.
ويبدو أن العلاقة بين الرجل والمرأة، بصحيحها وبما يشوبها من أخطاء وسلبيات كانت تؤرقه، فأخذت حيزا كبيرا من مضامين كتاباته، ومن هنا جاء اختيار ابنته لعنوان مجموعة النصوص المنشورة في الكتاب” تصبحون على حب” وهو اختيار موفق جاء عنوانا لأحد النصوص صفحة 46، وواضح أن كاتبنا في كتاباته منحاز الى المرأة، كونها صاحبة الحقوق المهضومة في مجتمعاتنا الذكورية، وهو يريد علاقة متكافئة بين الرجل والمرأة في حدود الشرع والدين، كل منهما يعطي واجباته، ويأخذ حقوقه.
وكاتبنا في نصوصه هذه، طرح تجربته الحياتية، وهي تجربة غنية، فانتقد، ووجّه، وقد نجد شيئا من شخصيته في نصوصه، ولا غرابة في ذلك، فكل الكتاب يكتبون شيئا من سيرتهم في كتاباتهم دون أن ينتبهوا لذلك.
ولغة كاتبنا بليغة فيها تشبيهات وكنايات واستعارات، وإن شابتها بعض الأخطاء النحوية.
فتحية لكاتبنا، وتحية لابنته ديمة الروائية البارة بوالدها.

جميل السلحوت:تصبحون على حب لجمعة السمانصدر هذا الكتاب عن منشورات دار الجندي في القدس في أواخر نوفمبر 2012، وهو باكورة كتابات الكاتب المقدسي جمعة سعيد السمان.بداية يجدر التنويه بأن كاتبنا جمعة سعيد السمان المولود عام 1935 في القدس، لم يفكر يوما بأن تصدر كتاباته في كتاب ورقي، فقد انشغل الرجل بعمله التجاري، لكنه لم يبتعد عن الثقافة، فهو مطالع جيد، وربّى أفراد أسرته على المطالعة وحب الثقافة، وكان يكتب ما يجول في خاطره، ويلقيه كيفما تيسر في جنبات بيته، وتردد على ندوتنا المقدسية”ندوة اليوم السابع” منذ تأسيسها في آذار-مارس- 1991.كان يأتي هو وأسرته، يكتب رأيه في الكتاب موضوع النقاش، يقرأه أمام الحضور، ويناقش في المواضيع التي تطرح، ويبدي رأيه بتواضع جمّ، دون ادعاء أو مزايدة على أحد، وعند ظهور شبكة المعلومات الألكترونية”الانترنت” نشر بعضا من كتاباته على بعض المواقع الأدبية، ولا يفوتنا هنا ذكر كريمته الروائية ديمة، وهي أحد المؤسسين الرئيسيين للندوة، فهذه الأديبة المقدسية كانت ولا تزال وستبقى فخورة بوالديها، وبفضل والدها عليها، حيث حبّب اليها المطالعة منذ نعومة أظفارها، وكان يقرأ لها بعض قصص الأطفال قبل أن تتعلم الأبجدية، ويروي لها بعض الحكايات، ويتناقش معها في كل ما يقرآنه، وكأني به قد اكتشف موهبتها الابداعية في سنّ مبكر، فأراد صقلها منذ البداية، وهو القارئ الأول والناقد  الأول لمخطوطات روايتها، وكانت تستمع له وتثق بصحة آرائه، فتأخذ بها قبل أن تعرضها على أي شخص آخر ممن تثق بقدراتهم على تقييم الأعمال الأدبية، وعندما صدرت روايتها الأولى”القافلة” في العام 1991 كانت فرحته بها أكثر من فرحة صاحبة الرواية، وكأني به يرى جهوده قد أثمرت وأتت أُكلها. فما كان من الابنة الروائية إلا أن فكرت بردّ الجميل لهذا الأب الرائع، ففكرت أن تفاجأه بعد أن بلغ من العمر سبعة وسبعين عاما مفاجأة سارة له ولها، فجمعت بعضا من كتاباته، وقدمتها لدار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، لتصدر في كتاب ورقي، وقد نجحت في مفاجأتها حيث أدخلت السرور الى قلب الوالد، وكأني بها ترد له شيئا من جمائله العديدة عليها، فنعمت البنت البارة بوالديها، ونعم الأب الذي رعى ابنته رعاية فائقة.وكاتبنا جمعة سعيد السمان الذي لم يخطط يوما بأن يكون كاتبا، بل كان بشكل عفوي يرسم على الورق ما يدور في خلده، فيزيل همّا من صدره، لم يفكر يوما أن ينشر كتاباته في كتاب، جاءت كتاباته عفوية كعفويته وطيبته، وهذا سرّ جمالها، وقد تفاوتت مواضيعه بين المقالة الأدبية، والخاطرة، وبعضها كان يقترب من القصة دون أن يقصد كتابة القصة، وبعضها جاء على شكل حكاية أيضا، فقد أراد طرح بعض القضايا الاجتماعية سواء كان يؤيد ترسيخها وتعميمها، أو أراد فضحها وتنفير القارئ منها، فمثلا في: “لا تنس نفسك…فتتيه”ص37 هذا النص جاء على شكل حكاية من حكايات كليلة ودمنة، ليعالج قضية زواج كبار السن من فتيات صغيرات أو قاصرات، محذرا من عواقبها الوخيمة، وقد جاءت الحكاية حول عصفورة وقعت في شباك صياد، وتركت صوصتها الصغيرة في العش، فافتقدت الصوصة أمّها، فهرع لنجدتها عصفور كبير السن، فاعتنى بها وأطعمها وعلمها الطيران، وأوقعها في حباله، فتزوجها”تزوج العصفور العجوز بالعصفورة الفتية، وكان الفرح أياما عاشتها في حب وسعادة ووئام”ص38، فانتبه العصفور العجوز الى قواه الخائرة، وأنه لم يعد قادرا على حمل الأعباء الزوجية، فقال في نفسه”زوجتك باتت تشتاق الى الفراخ…وأنت عجوز ما عاد فيك خير ولا فلاح”ص38. وانتبه متأخرا بأنه لم يعد كفؤا لأنثاه” طلّ برأسه خارج العش…رأى عصفورته تغازل ابن الجيران…عصفور فتيّ آية في الأناقة والجمال…………..طار العصفور الى عشّه وتبعته العصفورة بجناح الحب…وعلا صوت التغريد أنغاما”ص39. وفي قصة”تاه الميزان…هل حقا هذا حرام”ص62 ينحاز الكاتب الى المسحوقين من عمال وفلاحين، فيطرح قصة بستاني أجير في بيارة برتقال، كيف طرده صاحب البيارة من عمله واشتكاه الى الشرطة فسجنته شهرا بتهمة السرقة، لأنه حمل معه بضع برتقالات لأبنائه، فانتقم الله من صاحب البيارة فأنزل عليها المطر طوفانا”لم يبق على أرض البستان زرع ولا شجر….وباتت الأرض جرداء”ص63 وهذا النص فيه مقومات القصة.وفي المقال بعنوان”كفى أيها الزعيم”ص149 يعالج الكاتب قصة بعض الكتاب والمثقفين الذين يبيعون أنفسهم لذوي الشأن من أصحاب القرار، فيسيئون لأنفسهم ويتساقطون بمكانتهم، تماما مثلما هي المرأة الجميلة التي تبيع جسدها لذوي الشأن الدنيوي”لكن لعنة الملائكة تبعتها…أشقتها…ما رأتها عين إلا لعنتها…فما سعدت بجنة ولا حصدت ثمرا من بؤس ذلّ كرامتها”.ص 150.ويبدو أن العلاقة بين الرجل والمرأة، بصحيحها وبما يشوبها من أخطاء وسلبيات كانت تؤرقه، فأخذت حيزا كبيرا من مضامين كتاباته، ومن هنا جاء اختيار ابنته لعنوان مجموعة النصوص المنشورة في الكتاب” تصبحون على حب” وهو اختيار موفق جاء عنوانا لأحد النصوص صفحة 46، وواضح أن كاتبنا في كتاباته منحاز الى المرأة، كونها صاحبة الحقوق المهضومة في مجتمعاتنا الذكورية، وهو يريد علاقة متكافئة بين الرجل والمرأة في حدود الشرع والدين، كل منهما يعطي واجباته، ويأخذ حقوقه. وكاتبنا في نصوصه هذه، طرح تجربته الحياتية، وهي تجربة غنية، فانتقد، ووجّه، وقد نجد شيئا من شخصيته في نصوصه، ولا غرابة في ذلك، فكل الكتاب يكتبون شيئا من سيرتهم في كتاباتهم دون أن ينتبهوا لذلك.ولغة كاتبنا بليغة فيها تشبيهات وكنايات واستعارات، وإن شابتها بعض الأخطاء النحوية.فتحية لكاتبنا، وتحية لابنته ديمة الروائية البارة بوالدها.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات