بين التحرر والتعري

ب

أثارت فتاة مصرية نشرت صورا عارية لها على مدونتها في الانترنت ردود فعل واسعة، بين مستكشف ومستطلع ومؤيد ومعارض ومستنكر وباحث عن الشهوة، ومتلهف لرؤية جسد امرأة عارية، حتى أن الملايين دخلوا موقعها-حسبما ذكرت وسائل الاعلام- لرؤية صورها وهي عارية، حتى أن أيّأ من النساء العالمات والمكتشفات والمبدعات والحائزات على أرفع الجوائز التقديرية، بما فيها جائزة نوبل، لم يحظين بـ1% من البحث والشهرة كما حظيت المتعرية علياء المهدي، تماما مثلما لم يحظ أيّ من أشهر روائيي العالم بالشهرة التي حظي به روائي كان مغمورا اسمه “سلمان رشدي” صاحب الآيات الشيطانية، أو غيره من مبتدعي تقليعات توصلهم الى مزابل التاريخ بسرعة فائقة، والغريب في الأمر ليس في صور جسد علياء العاري، بمقدار ما هو عري فكري صاحب هذا التعري الجسدي، وتلك التغطية الاعلامية الواسعة جدا لهذا الحدث، لكن اللافت هو في المقالات الرنانة لبعض العربان “المتفرنجين” والذين يزعمون أنهم متحررون ويدافعون عن حقوق المرأة، وكأن النساء حصلن على حقوقهن كاملة، ولم يتبق منها الى التعري-ان كان التعري حقا- ويدافعون عن حق “علياء”في التعري ويهاجمون أمتهم التي لا تؤيد التعري، وكنت سأحترم تضامنهم مع”حق التعري” الذي يؤيدونه لو وفروا تنظيراتهم، واستبدلوها بصور عارية لهم ولبناتهم ولأخواتهم وأمهاتهم، وبذلك يثبتون للجميع بأنهم متساوون مع هذه”العلياء”.

فهل الاتجار بالجسد تحرر وثورة؟ وهل العري والتعري أمام الملأ حرية؟ فاذا كان الأمر هكذا فان بائعات الهوى المتعريات في المواخير هن السباقات في التحرر من كرامة الجسد…وهل الحرية الشخصية لا حدود لها؟ وهل الشعوب المتقدمة تبيح العري أينما كان؟ صحيح أن هناك دولا خصصت أماكن محدودة على بعض شواطئها للعراة، لكنها لا تسمح لهم بقوة القانون بالخروج منها عراة….وذات يوم شاهدت في شيكاغو امرأة مخمورة ومدمنة مخدرات تعرت في جزيرة أحد شوارع المدينة، وشرعت ترقص أمام المارة، فتوقفت حركة السير ونزل بعضهم من السيارات لالتقاط الصور لها، وبعد دقائق حضرت الشرطة بطائرة هليوكبتر وحاولوا جرها معهم، ولما رفضت أشبعوها ضربا وقيدوها وجروها عنوة واصطحبوها معهم…فلماذا لم يتركوها تمارس”حقها في الرقص العاري” أمام المارة؟ خصوصا وأن أمريكا تعتبر نفسها أمّ الديموقراطية، وتحمي الحريات الشخصي لمواطنيها وعلى أرضها؟

 وهل لو لم تكن “علياء” المتعرية عربية كانت ستحظى بكل هذه الضجة الاعلامية؟ وهل عادات وقيم بعض الشعوب ملزمة للشعوب الأخرى؟ أم أن لكل أمة عاداتها وتقاليدها الخاصة؟

 وكم تمنيت لو أن من يدعون الى الحريات الشخصية أن يركزوا دعواتهم على حرية التعبير وحرية التفكير والمعتقد وحرية الصحافة وحرية الأحزاب والانتماء اليها، وحرية العلم والتعلم، وحرية اختيار الحاكم وحرية الوطن وتحرير المرأة من سطوة العقلية الذكورية، وتحرير المجتمع ككل من العادات والتقاليد البالية، أما الاحتفاء بفتاة تنشر صورها عارية فهذا أمر يدعو الى التوقف والمراجعة….فالى أين نحن سائرون؟

3-كانون اول-ديسمبر-2011

 

 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات