بذراع يصطاد الشمس في اليوم السابع

ب

القدس:28-12-3013 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ديوان ” بذراع يصطاد الشمس” للشاعرة الفلسطينية منال النجوم. ويقع الديوان الصادر في العام 2011، والذي صمم غلافه الفنان سمير حنون، وقدّم له الشاعر الراحل فيصل قرقطي في 80 صفحة من الحجم المتوسط.

بدأ النقاش ابراهيم جوهر ومّما قاله:

في ديوانها (بيد تصطاد الشمس) تقدّم الشاعرة (منال النجوم) تمردها بأبهى صوره وهي تصول وتجول في ميدان التعبير تارة بخفّة وخجل وتردّد، وأخرى بتحدّ ووضوح. إنها تهدم قوالب اللغة والمسلّمات القديمة المتوارثة لتبني عالما خاصا من حلم، وجمال، وشمس، وحب، وأمان.

تتمرد على القائم الراكد، وتخضّه لتلقي به بعيدا عن ساحتها مخلية المكان لبنائها المعماري البنيوي الخاص. تبني القصيدة بلغة جديدة، وفكر جديد. تفاجئ قارئها بأسئلتها، وغرابة بعض صورها لتقوده إلى عالمها الخاص الذي تؤمن به وتصرّ على مواصلة بنائه.

لا حدود للغّة عندها، بمعنى كونها لا تتردد في استخدام لغتها التي تقدّم فكرتها وتبني صورتها وترجّ الراكد القائم الساكن.

تكتب تحت عناوين تبدو غريبة للقراءة الأولى: مثل (نص تجريبي) ثم (نصّ “ب”)، ثم (ش. ع. ر) وقبلها كتبت عنوانا “موسم قطاف مجنون”.

لعلّ في هذه العناوين ما ينبئ بجديد يكسر المألوف، ويشير لشاعرة تهدم ، وتجدّد البناء وفق خريطة خاصة بها. وكأنها تقول: ما الشعر إن لم يكن تجريبا وتجديفا في اللغة وتغييرا .

تسعى الشاعرة هنا لتضيف فوق ما بناه الآخرون. تأبى أن تشرب من البئر ذاتها بل تقدّم معين ماء جديد ليشرب منه الراغبون القادرون على الغوص في رمزها لفهم معمارها الخاص.

هذه شاعرة ليست سهلة؛ لا تقرأ قصائدها في أثناء دردشة عابرة، ولا على سرير راحة واسترخاء. إنها تدعو قارئها ليعيش لحظة التوتر التي تعيشها هي نفسها لحظة ولادة القصيدة- القنبلة. فقصائد الشاعرة قنابل تفجّر صخر الركود والحواجز والعوائق التي تحدّ من انطلاقة مسيرة الجمال والشمس.

والشاعرة لم تركن لأحلام وردية رومانسية عاجزة تكتفي بالتمني واللوم ، بل أعطت قصائدها عنوانا دالّا (بذراع يصطاد الشمس) مشيرة إلى قوة الفعل والعمل والتغيير وأداته (الذراع) . أما الشمس فهي البعيدة الحارقة مانحة الحياة للناس وسائر الكائنات، تلك الشمس التي ستجلبها الشاعرة هنا بذراع الفعل .

شاعرتنا تجرّب، والتجريب عادة جرأة، ووعي، ووضوح غاية. إنها تعرف ما تريد، وتدفع قارئها ليقف معها على حافة العالم الجديد الذي تبشّر به، وتسعى لإقامته.

هي شاعرة رقّة، وغموض، وتجريب، وجرأة. إنها صوت الشباب الطامح المصرّ على إثبات ذاته الجمعية ليبني وطنه الذي يتوق له.

وقال جميل السلحوت:

في العام 2011 صدر في رام الله والجزائر ديوان “بذراع يصطاد الشمس” للشاعرة الفلسطينية منال النجوم. وهذا الديوان الذي قدّم له الراحل الشاعر فيصل قرقطي وصمّم غلافه االفنان سمير حنون يقع في 80 صفحة من الحجم المتوسط، وشاعرتنا ولدت وتعيش في العوجا، شمال مدينة أريحا، وتعمل في مكتب وزارة الثقافة الفلسطينية في مدينة أريحا. وهذا هو ديوانها الثالث، وقد صدر لها قبله ديوان وجوه ومرايا وديوان مدارات المواسم. وشاعرتنا مبدعة لا يقتصر ابداعها على الشعر الفصيح، بل يتعدّاه الى الشعر النبطي أيضا، وهي غزيرة الانتاج في هذا المجال، كما أنها تكتب القصّة القصيرة جدّا، وهي تعدّ لاصدار ديوانها الرابع أيضا. وشاعرتنا وفيّة لمن أخذوا بيدها، لذا فقد وضعت شكرا خاصا للسيدة سهام البرغوثي وزيرة الثقافة الفلسطينية السابقة،  التي موّلت طباعة هذا الديوان على نفقتها الخاصة، وأشادت بذلك قائلة:” قد زرعت فيّ الأمل من جديد لجهة التعبير وحرّيّة القول الشعري الى مدى أرحب وأوسع وأشمل”. وامعانا منها بالوفاء فقد أهدت ديوانها الى الأديب الرّاحل محمد البطراوي، الذي تبناها أدبيا، منذ بداياتها الشعرية، واعتبرته حاضرا بشكل دائم، حتى وإن غيّبه الموت. وهي دائمة الحديث عن فضائله التوجيهية لها، تماما مثلما تتحدث عن الأديب الكبير محمود شقير، الذي تعتبره الأب الروحي لها خصوصا في كتابة القصة القصيرة جدا.

والقارئ لديوانها “بذراع يصطاد الشمس” ولمجمل ما تكتبه شاعرتنا منال النجوم، سيجد أنها شاعرة مطبوعة وغير متصنعة، ولمّا كان الشعر تعبيرا عن لحظة شعورية معينة، فان شاعرتنا إذا ما ألحّ عليها شعور أو انفعال معين، لا تلبث أن تستلّ قلمها، وتكتب فكرتها بعفوية تامة، ودون تخطيط مسبق، لكنّها بالتأكيد تعلم ما تريد، وهذا التعبير الفطري هو انعكاس للموهبة الشعرية المغروسة في وجدان شاعرتنا. وهي بهذا تخرج من دائرة النظم الى دائرة الشاعرية.

وعفوية شاعرتنا تقودها الى عدم الفذلكة اللغوية، فهي تستمد صورها الشعرية من الواقع المعاش، وبهذا فهي قريبة الى القلب والى العقل، لكنها تبتعد أحيانا عن تفعيلات الخليل بن احمد الفراهيدي، كما نشاهد في بعض مقطوعاتها، وتحلق في قصيدة النثر، لكنها لا تبتعد عن اللغة الشعرية.

ومضامين قصائدها ليست بعيدة عن الواقع المعاش، ولا عن هموم الانسان، فهي كأنثى تحلم بأن تكون أمّا وهذا شعور انسانيّ سام، فتقول في قصيدة “حنين للأمومة”ص77:

“ليس عندي طفلة

أرضعها اللبن

تبكي بحرقة

عندما ألفّ في كفن”

وهي ملتصقة بوطنها رغم كلّ المتاعب فتقول في قصيدة “بلادي” ص76 :

“أحبّ هذا البلد بتركيبته

الغريبة الى حدّ الخرافة

فهو بسيط جدّا ومعقد جدّا”

وشاعرتنا لا تنسى مدينتها أريحا فتقول في قصيدتها “لأريحا أبواب” ص50:

“لا تقل رحلتنا غبنا وعدنا

فأريحا باب حزن

وأراجيح زمان

باب ورد

وحكايات خيال

الأمل”

ونلاحظ صدق عاطفتها في رثائها الى الراحل محمد البطراوي الذي تبناها أدبيا من خلال قصيدة الى الحاضر…الحاضر محمد البطراوي”أبو خالد”] ص20.وقصائد الديوان في مجملها تحمل معاناة شخصية وجماعية.

وقال رفعت زيتون:

للوهلة الأولى بدا لي اسم الديوان غريبا وكأنّ الشاعرة لم تجد له من الأسماء لتعطيه هذا الاسم. ثم بعد ذلك قرأت المقدمة التي قدمها فيصل قرقطي، فقلت في نفسي أنّ هذا المدح الزائد عادة ما يؤثر سلبا على الكاتب أو الشاعر، فيظنّ أنه بلغ مراتب الكبار، رغم أن مشواره لا يزال طويلا. ولكن ما أن بدأت في أول قصيدة للشاعرة، حتى عرفت أن هذه الذراع حقيقة

تستطيع أن تطال شمس الإبداع والتغيير، أولا بثقتها بنفسها وقوتها، وثانيا بهذا الحرف الكبير الذي سطرته لنا الشاعرة خلال هذا الديوان. وعرفت أن الأستاذ فيصل كان على حق فيما ذهب إليه. في قصيدتها الأولى وراء اللوز :

قصيدة أخذت شكل قصيدة النثر، ولكن في حقيقتها هي قصيدة على تفعيلة الخبب. بدأتها الشاعرة بقولها “قفز القلب وراء اللوز المتفتح فيك” هذه قصيدة وككل الديوان من العيار الثقيل كتبت برمزية جميلة وعالية المستوى، بعض جملها كانت سهلة الفهم، والبعض الآخر يحمل غموض الفكرة، ولعل ذلك عن قصد ودراية من الشاعرة، فهي لم تكتب بعض الغموض بدعوى أن هذا ما لديّ وافهموا ما شئتم، ولكنّ الجمل جاءت ناطقة بالكثير من المعاني وارتبطت كلها ببعض؛ لتكون مناجاة جميلة رقيقة مع الآخر، في ظاهرها العتب، وفي باطنها حبّ

كبير يلبس ثوب الحزن.

الجمل كانت قصيرة ومكثفة وبعضها استطاع أن يرسم لوحة بكلمتين، فانظر قولها ( اشتعلت فيّ الكلمات، لم أنطق، أتأمل ) تلك أفعال مضارعة مستمرة ومتلاحقة، رسمت موقفا باختصار شديد، وكأننا نرى ذلك الموقف بأعيننا. ظهرت بين ثنايا السطور التناقضات التي يعيشها الشباب في مرحلة عمرية معينة، وقد وصفت ذلك ب( ظلي فوق زوايا الفوضى) وهذه بعثرة أخرى تتبع تلك البعثرة التي ابتدأت بها قصيدتها، وهذه فعلا حقيقة كثير من الشباب. فوضى وبعثرة فوق عدة زوايا وفي أكثر من طريق، وتشتت يجعل قرارات كثيرا ما تكون غير صائبة. وأظن أن شاعرتنا أبدعت لغة في هذه الحيثيات الدقيقة، فظهر نضج تفكيرها وحكمتها، وكذلك قدرتها على تطويع اللغة بأسلوب بليغ وجميل للوصول للفكرة.

وعادة ما يكون الشباب في هذه الفترة من العمر، وخاصة الفتيات يكنّ غارقات في الأحلام الوردية وسائد العشرينات من العمر، فانظر كيف تصف شاعرتنا هذه الأحلام بقولها ( سفينة قلبي تنتظر سنونو ) وهنا بلاغة تحسب للشاعرة، فاستخدام كلمة السفينة موفق جدا لأن السفينة تسير على أرض متأرجحة هي الموج، وليس على أرض صلبة، وهكذا فعلا تكون قلوب العذارى في ذلك العمر. والسنونو كناية عن الحبّ والحبيب، وهذا أيضا استخدام بليغ لارتباطه بالأحلام، فتحليق السنونو يشبه تحليق الأحلام، وكثيرا ما نرى الطيور محلقات فوق السفن

المضطربة فوق الموج.

“قبلتك سرّا”، ( أخجل) ، كلمات وجمل استخدمت بدقة متناهية وهي تلائم طبع الفتيات، فجمعت بذلك بين الرغبة والرهبة في جملتين قصيرتين.

“حين خلعت شريك العمر”، لم أفهم علاقة هذه الجملة الشعرية بباقي القصيدة

وربما قادني عدم الفهم إلى طرق أبواب لا أحبذ الاقتراب منها لفهم المعنى. وجملة أخرى مشابهة ( لفعت حريري بالخرقة) كانت كذلك مبهمة، وربما أرادت الشاعرة الإشارة فيها للموت، وقد قادتني الجملة التي وراءها إلى ذلك من خلال قولها( بايعت الملكوت)، كأنها تقول بها قد فات الأوان وانتهيت، فلماذا جئت؟

قصيدة على حافة أوراق الفصول:

قصيدة كبيرة بحجم الألم الذي ينتاب من نسيهم الحظّ، وسلتهم الأيام وتركتهم على حافة الأشياء معلقين بين سماء وأرض، فلا هم هنا ولا هم هناك.

“بذرة تذوب ولا تنبت” جملة رائعة تلخص تلك الحالة التي تحدثت عنها، وربما كنت سأقترح على الشاعرة استبدال الفعل تذوب بالفعل تموت. هؤلاء المشردون والمنسيون قليلو الحظ في هذه الحياة لو ماتوا لاستراحوا بموت ولكنهم لم يموتوا، ومن جهة أخرى تغلّق في وجوههم الأبواب ،وهي أبواب زجاجية فهم يرون ما خلفها من نعيم ولا يصلون إليه، هذه الوقفة

على الأعراف هي وقفة بين موتتين.

ثم تدخل الشاعرة من العام إلى الخاص لتتحدث عن فتاة وحيدة، وهنا ملاحظة أخرى واقتراح، فلو أبقت الشاعرة الحديث على عموميته لكان أجمل من تخصيصه، ولكن ربما لها أسبابها في التخصيص. فتاة وحيدة وعابر طريق وحيد، هي تبحث عنه وهو يبحث عنها، لكن بينهما برزخ لا يلتقيان تماما كماء البحر وماء النهر.

وما دام البحث جاريا فهذا يعني وجود الحياة والحركة والبذرة لا تذوب، ولكن لأن اللقاء كان مستحيلا فالبذرة لا تنبت ويظلّا غريبين على حافة الأشياء  لا ذبول ولا نبات.  والفصول تبقى أربعة، وهي متعاقبة كتعاقب الليل والنهار، وكل فصل يمر يرسم خطا جديدا في وجه النهاية حتى يأتيَ الخراب العظيم وينتهي هو، وتنتهي هي،وينتهي كل شيء، ويبقى كما تقول الشاعرة ( الماء رهن السراب) ( والأرض رهن الخراب) “والشمس رهن الأفول”

هي تقول “أشك لأطماعنا خاتمة سوى الاندثار العظيم” وتنهي هذه الشاعرة الكبيرة بجملة “دمار الفصول ولا شيء غير”.

هنا حزن ويأس وسوداوية وذبول وموت بطيء، كلّ ذلك سطرته الشاعرة بألق كبير.

القصيدة كانت على تفعيلة المتقارب، ولو أنها ثارت على تفعيلات الخليل في بعض

مواضعها، فتجاوزت فاء الفعولن في بعض المواضع، وكأنّ بحور الشعر حتى لم تسلم من ثورتها ورغبتها في التغيير، وهذا مما يمكن التجاوز عنه في الشعر الحرّ، ولكن في جملة ( لا يمتلك منعها من المرور) فهنا كسر داخلي مما لا يسمح به، وكان يمكن تجاوزه باستبدال لا بلم فلو قالت ( لم يمتلك منعها من المرور ) لاستقام وزنها.

قصيدة “موسم قطاف مجنون”

أيضا قصيدة على تفعيلة المتدارك أو الخبب. وفيها ولوج إلى أعماق الذرائع والدوافع وراء قتل البراءة. ولكنها لا تستسلم ولا تحب الهزيمة، فجعلت من الجدران الإسمنتية التي تحيط بغزة بستانا أخضر ذا تربة خصبة يتفتح فيها الورد.

الخيال هنا تفوق على الجدران الصلبة، إذ جعل هذه الوردة الرقيقة تفلّ حديد الجدران وهذا هو الإبداع في أبهى صوره.

صورة أخرى تصف بها الشاعرة قتل الطفولة، وكأنهم مجرد أوراق في تقويم العام المعلق على حائط البيت، تقول الشاعرة  “أطفالك أيام سقطت من عمر الوردة”

هنا استخدام دقيق للمفردة. فالأيام والأطفال والسقوط وعمر الوردة كلها، كانت خيوطا مختلفة الألوان نسجت بها الشاعرة رداء الموت في تلك البقعة.

لكن وبكبرياء وإباء تخرج الشاعرة الحياة من رحم الموت فتقول ( من أشلاء منازلك الثكلى هبّ غبار الطلع)، اللغة الشعرية هنا تلقي بظلال الجمال كله على المتلقي، ليقف تلفه الدهشة لهذه الجمل والتراكيب المتقنة، والبعيدة عن المباشرة ذات الرمز الخفيف الجميل. المنازل ثكلى وطبعا المقصود من سكن المنازل، وهذا أسلوب بليغ وبيان رفيع المستوى كما جاء في الآية الكريمة ( واسأل العير) فالمقصود ليس الإبل وإنما الناس الذين يركبونها.

وبلاغة أيضا في استخدام جملة غبار الطلع ومعروف دورها في عملية التلقيح في النباتات.

ثم تقول (عارية أنت وأكثر) وتقول عن غزة “حافية تمشي فوق صراط الجمر” وفيها أكثر من إشارة إلى الجوع والنار والفقر. والعريّ في تصور الشاعرة كان من كل شيء. حتى من قصيدة شعر يمكن أن تقال. تقول كذلك ( غزة تصليها كل جهات الأرض) والصورة هنا أبلغ من أي تعليق ووصف. وتختتم قصيدتها الكبيرة بقولها “فالصياد قتيل والقاتل صياد” هذا شعر كبير وعمق وفكر وفلسفة وانتماء وإحساس عال بالمسؤولية وتجذّر والتحام بالهمّ العام.

قصيدة نصّ تجريبي:

وهي في مقطعها الأول من شعر النثر، وأعرج هنا على أجزاء منها لأنها أعتبرها قصيدة منال أو لو أتيح لي أن أعيد تسميتها لأسميتها ” منال “. وذلك لأنني ببساطة شعرت أنها سيرتها الذاتية فيما كان من أمرها وأكثر من ذلك فيما سيكون.

إنها قصيدة الثورة والرفض والانقلاب على الأفكار والسائد من العادات، وخاصة في المجتمع الذكوري. هي هنا ترفض الاختباء وتريد لكل مشاعرها أن ترى النور، وتريد من حرفها

أن يشعل الأرض لتذيب الثلج المتراكم دهورا. رغبات لا نهائية في الثورة والتغيير حولت البطلة لإنسانة لا نهائية” ترفض أنصاف الحلول، وترفض الاستسلام والموت، وتعتبر الهزيمة موتا والموت هزيمة،

ولذلك لن تنتظر ملوك الكوكب، فهي كما تعتقد تملك ناصية الغيم، غيم حواء، لتسقط مطرا أنّى تشاء ومتى تشاء.

وهي تقول ( أنا بذرة فشجرة فغابة) وهذا تصوير جميل للإصرار على الارتفاع والزيادة والحياة. فهي قصيدة حواء المتمردة وقصيدة ” منال”. وهذا يظهر في موضع آخر في ذات القصيدة ولكن في الفقرة الثانية حيث تقول

“الحرف حرفي والشعر شعري وواقعكم لا يلامس خطوي”

وتقول “سأنزع جذري وأزرعه في التجلي، أنا امرأة من خيال”.

وليست فقط امرأة من خيال فحسب بل وواقعية وحكيمة وصاحب فلسفة خاصة في الحياة، فهي تقول في جملة شعرية أخرى “صوتان اثنان الحد الأدنى للأشياء”.

وتقول ( القطب الواحد لا يجدي، قطبان اثنان)، وفي ذلك الكثير من الإشارات

للوحدة وللمجتمع وللأخوة والأسرة والرفاق، والفكرة هنا كذلك مفتوحة على آفاق الخيال.

وهي تقول كذلك “حاور، جرب، جدد… أنت الشمس”

في هذه القصيدة تكرر الخطأ النحوي ( الشاعرة التي لم تأتي) مرتين ومعروف أن لم تجزم .

هناك الكثير مما يقال عن هذه الشاعرة وهذا الشعر وأبسط ما يقال أننا أمام شاعرة تعرف ما تريد وتعرف كيف تصوغ ما تريد بطريقة جديدة فيها الكثير من الإبداع

وقالت سوسن الحشيم:

في البداية أبدي إعجابي الشديد بإصدار مثل هذا الديوان، لأنه لامرأة فهذا يدل على  أن للنساء القدرة على الإبداع الأدبي النثري والشعري، هنا منال اقتحمت عالم الشعر بكل ثقة وجرأة، هي بنت أريحا شيخة المدن كما ذكر في مقدمة الكتاب فيصل قرقطي ، والأجمل من ذلك أنه اطلق عليها خليفة فدوى طوقان، وهذا فخر كبير لها، وتستحقه بجدارة، كلمة الشكر والإهداء  لأستاذها الراحل محمد البطراوي كانت روعة في الجمال ‘لأنك وحيي … إليك حصادي”، والى وزيرة الثقافة السيدة السيدة سهام البرغوثي راعية طباعة هذا الكتابة، اختيار الكاتبة للعنوان بذراع يصطاد الشمس دليل على القوة والأمل الذي تتحلى به الكاتبة، حيث ان الذراع يرمز الى القوة والبأس، كما أن الشمس هي مصدر للطاقة الضوئية والحياة للأرض، وبما أن ذراع الانسان المرسومة على الغلاف تقبض على الشمس بأكملها، فهذا يدل على  النصر الأكيد للانسان حيث وصل للأعلى واستطاع استجماع قواه البشرية؛ لتسيطر على أكبر مصدر للقوة في السماء والأرض، وهذا ما ذكرته الكاتبة في نصها الشعري رصاصة ص ٥٦، والأحجار تنام على مضجعهم، والوطن سليب بذراع يصطاد الشمس وأعلى، سافر اليه. …..كرّرت الكاتبة كلمة الشمس مرّات كثيرة، ومرّات كانت تجمعها شموسا كما في ص ٥٦ رشوه بعطر ودماء ملأوه شموسا ونجوما… كان شعرها متأثرا ببيئتها الرّيحاوية فقد ذكرت الموز والنخيل والبدو والخيام ….. وتاريخ اريحا كوطن سليب ووصفها لها  بالأمّ الثكلى أيّ التي فقدت ابنا لها باستشهاده من قبل رصاص العدو الغاشم، على أرضها المرويّة بدماء أبنائها الآخرين …. وجع وألم وحزن وكآبة يخيم على أبياتها الشعرية، لكن الكاتبة رغم ذلك تأمل وتحلم وتتحدى وتسأل وتجيب، وهذا ما نراه واضحا في نصها أحلام تاريخية والتي كانت في نظري الأجمل ، الف سؤال يحزن عقلي.  يزرعه قمحا زيتونا أزهارا وطنا رغم دمار الموطن الباص يسير كانت كتابتها مزيجا من الوطنية والرومانسية معا… لكنها في نصوصها كانت تبين أنها تفقد الحب في حياتها وتحن الى الأمومة،  وهذا ما أشارت اليه خلف الغلاف في نصها في شارع قلبي مارة كثر وحافلة واحدة على الرصيف، تبين وجه الخلاف والتناقض في علاقتها مع الآخرين، حيث من المعروف أن الحافلة هي التي تسير في الشارع والمارة هم الذين يكونون على الرصيف، لكنها قلبت المعنى كأنها تريد العكس ان يحصل… هي تميل الى أسلوب الرمزية، وهذا كان جليا في معظم نصوصها رصاصة، اتحاد، منديل الوقت، وراء اللوز ……ولا تخفي نصوصها ثقافتها العالية من كتب الأساطير اليونانية والمسرح لذكرها الديالوج والمونولوج..واقتباسها النوعي لبعض آيات القرآن:

“يا نار كوني بردا وسلاما” كما في سورة الأنبياء…

وللأحاديث النبوية “لجبال كاسية عارية”قال  رسول الله “سيأتي زمن على أمّتي …….نساء كاسيات عاريات” و وأخيرا ختمت الكاتبة بنص رائع جدا بشاعرنا محمود درويش، وكان آخر النص يبعث الحياة بروحه فينا :”عدت الى سلالم الحياة.

صعدت السلّم كي تبقى

أرّقك الموت  لكنك مزقت الحارس للموت

لتبقى في القصيدة

صوتا صورة فكرا روحا نثرا شعرا

فكأن الروح اذا خلتك حلت فينا

لسنا هندوسا

ولكنك فينا ودعت الصمت

وقالت لمى الخيري:

كنت أظن أنه باستطاعتي قراءته خلال ساعتين واليوم وأنا أقرأ تبين لي أني أحتاج أكثر من ذلك بكثير ،وقفت هذا الصباح أمام ديوان من نوع آخر، وشاعرة بنكهة خاصة فهي شاعرة جريئة موهوبة لها لغة خاصة بها، متمردة تارة بسيطة متأججة، وتارة أخرى رفيقة للشمس … صديقة للوز ….تحب النرجس .. قصائدها تفرض نفسها، تفرض عليك إعادة قراءتها والوقوف عندها، والغوص بمعنى كل حرف من قصائدها، لها نكهة التمرد، ولها جمال أدبي خاص بها .. غزارة بالوصف .. عمق بالمعنى .. احساس عال وجميل .. تكتب الشاعرة بعفوية من واقعها المعاش، فلها قصيدة عن الأمومة، وأخرى لمدينتها أريحا مدينة السحر والقمر، وقصيدة إلى “الحاضر .. الحاضر محمد البطراوي” الذي قدمت له حصادها ..محمود درويش حضر في قصائدها . غزة .. أريحا والوطن .. الشمس .. اللوز والنرجس .. البساطة والجرأة واللغة الجميلة جميعها تجدها في الديوان.

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: عماد الزغل، رائدة أبو صوي.

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات