بدون مؤاخذة ـ ذكرى هزيمة 5 حزيران

ب

تمرّ هذه الأيّام الذّكرى الكارثيّة لحرب حزيران ١٩٦٧ العدوانية، وما نتج عنها من هزيمة للأنظمة العربيّة وجيوشها، والتي تمثّلت في احتلال ما تبقى من فلسطين والمعروف بالضّفة الغربية وجوهرتها القدس وقطاع غزّة، وسيناء المصريّة، ومرتفعات الجولان السورية.

وبانتهاك عصمة القدس العربيّة في تلك الحرب لم تعد عصمة لأيّ عاصمة عربيّة، فقد سقطت بيروت عام ١٩٨٢، وسقطت بغداد عام ٢٠٠٣، وسقطت طرابلس الغرب عام ٢٠١١، وها هي دمشق وصنعاء تحترقان، وسيتوالى سقوط عواصم عربيّة أخرى، والسّبب بسيط جدّا، وهو أنّ غالبية الأنظمة لم تعمل شيئا للخروج من الهزيمة، بل هي موغلة بسرعة فائقة للوصول إلى قعر الهزيمة الذي سيطيح بها، لكن بعد قتل ملايين من شعوبها وتدمير أوطانها. ولا تزال هذه الأنظمة تعتمد على نوايا “الصّديقة أمريكا” التي ما صدقت يوما مع حلفائها العرب، تماما مثلما لم تتخلّ يوما عن دعمها لاسرائيل في مختلف المجالات، بما في ذلك استمرارها في احتلال الأراضي العربيّة، ومنعها الشعب الفلسطينيّ من حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.

ونظرة سريعة إلى ما يجري في عالمنا العربيّ هذه الأيّام، فإنّ المرء لا يحتاج إلى كثير من الذكاء ليستنتج بأن هزائمنا الحالية تفوق كثيرا هزيمة حزيران ١٩٦٧، فالعراق وسوريا دمّرتا وتدمّران وشعباهما يقتلان ويشرّدان، ويجري تقسيمهما، وليبيا واليمن تحترقان، وهناك من يعيثون تخريبا وقتلا وتدميرا في أرض الكنانة، والسّودان جرى تقسيمة، والعمل جار على تقسيم ما تبقى منه…وآلة الدّمار والقتل تواصل طريقها إلى بلدان عربيّة أخرى.

وامعانا في الهزيمة فإن عمليّات القتل والتدمير والتخريب في العالم العربيّ تتمّ بأيد عربيّة تدّعي الاسلام، وبأموال عربيّة، وذلك تنفيذا لأجندات أجنبيّة….ومع أنّ من يسعون إلى تقسيم العالم العربي لم يخفوا نواياهم ومخططاتهم العدوانيّة، إلا أنّهم وجدوا من يقوم بتنفيذ هذه المهمّة القذرة نيابة عنهم، مثل داعش وأخواتها التي قتلت ودمّرت وخرّبت وجعلتنا “أضحوكة بين الأمم” إلا أنّنا لا نزال نجد من يتطوّع في صفوفهم ومن يموّلهم ويدعمهم.

وإذا ما خسرنا المعركة في حزيران ١٩٦٧ بحرب شكليّة في ستّة أيّام، فإن الاقتتال العربيّ يأخذ طابعا جدّيا واجراميّا ومتواصلا لسنوات طويلة، وإذا ما أسقط العربان حتى مجرّد التفكير بتحرير الأراض المحتلة، فإنّهم جادّون وجدّيّون في استمرارية الاقتتال الدّاخلي، وقتل شعوبهم وتدمير أوطانهم وكأنّ مهمّتهم هي تمكين اسرائيل من مواصلة احتلالها واستيطانها للأراضي العربية، وتمكينها أيضا من السّيطرة الكاملة على الشّرق الأوسط.

والذي لم يعد عجيبا هو أنّ أداة القتل والتخريب والتقسيم في العالم العربيّ تأخذ بعدا”دينيا” طائفيّا، وتجد من يفتي لها بذلك على رؤوس الأشهاد تماما مثلما تجد من يموّلها ويدرّبها ويسلّحها على رؤوس الأشهاد أيضا. فهل ضلّ” المتأسلمون الجدد” طريق الجهاد أم أنّهم ينفّذون سياسة مرسومة لهم؟

2 _ 6_2015

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات