بدون مؤاخذة-داعش وليدة الهزائم

ب
للخروج من هزائمنا المتلاحقة علينا نحن العرب الاعتراف بتلك الهزائم، والبحث عن أسبابها، والعمل على معالجتها، بدلا من “الانتصارات” الزّائفة التي يبثّها الاعلام الرّسمي والحزبي المعارض أيضا، فهذه “الانتصارات الوهميّة” لا تقودنا إلا لهزائم أكبر وأشدّ إيلاما، وإذا كان أعداء الأمّة استطاعوا تمزيقها، وانفردوا بكل إقليم على حدة، وهاجموه عسكريّا من خارج حدوده، أو نصّبوا عليه حاكما “ملهما” ليمنع مواكبة شعبه للحياة المعاصرة، فإنّ طبيعة المرحلة أملت أن يتم تدمير الوطن العربي وقتل شعوبه من داخله، ساعد في ذلك أنّ الأحزاب المعارضة التي كانت ترفع الشعارات الثّورية، وتعد الشّعوب بمستقبل زاهر، لم تتساوق مع طموحات شعوبها، بل كانت بعيدة عن شعوبها، ولم تكن هي الأخرى أكثر من فقاعات اعلاميّة تتلاشى عند المحك، من هنا جرى حرف ما يسمّى بالرّبيع العربيّ عن مساره، واستبداله بخريف يرتدي ثيابا من الدّماء التي يحرم سفكها، ومن هنا برزت ظواهر دينيّة من المتأسلمين الجدد الذين ركبوا الموجة وأخرجوا الثقافة الدّينية عن الدّين الصحيح، واستغلّت العواطف الدّينيّة للشعوب التي أرهقها الجهل والتّخلف في مختلف مجالات الحياة.
ولعل ظهور جماعات “الدّواعش” يشكّل نموذجا للإيغال في هزائمنا المعاصرة، ويضعنا في مواجهة مع شعوب العالم، ليسهل لحكوماتها الطامعة في عالمنا العربيّ تجنيدها لمحاربتنا.
وإذا ما وضعنا أعمال “الدّواعش” تحت المجهر، وقمنا بتقييمها من خلال أعمالها، سنجد أنّها قد رفعت راية الجهاد للنّهوض بالأمّة – حسب زعمها-، ووجدنا من يهلّل “للصّحوة الاسلامية” الجديدة! والمراقب “لجهاد الدّواعش” سيجد أنّ هؤلاء”المجاهدين” لم يوجّهوا أسلحتهم ضدّ أعداء الأمّة، بل ينفّذون مآرب وأطماع الأعداء في المنطقة، ووجّهوا أسلحتهم إلى شعوب عربيّة غالبيّتها العظمى من المسلمين، ودمّروا بلدانا عربيّة، واستهدفوا الجيوش العربيّة الوطنيّة، كما يجري في سوريّا وليبيا وسيناء المصريّة وغيرها. ولم يكتفوا بتدمير أقطار عربيّة، وقتل مئات الآلاف من شعوبها، واستنزاف جيوشها، والعمل على تقسيمها وتجزأتها من جديد، بل أوغلوا في تشويه ثقافة الأمّة، وتدمير حضارتها الانسانيّة، ويعملون لإعادتها إلى العصور البدائيّة، فدواعش العراق وسوريّا ومصر استهدفوا الأقليّات الدّينيّة والعرقيّة من مواطني هذه البلدان الأصليّين، ودمّروا دور عبادتهم وأمعنوا فيهم قتلا وتشريدا، مع أنّ غالبيّة ضحاياهم من المسلمين، وتحديدا من أتباع المذهب السّنيّ، أي أنّ حربهم ليست حربا دينيّة “لنصرة الاسلام” كما يزعمون، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا ويقومون بهدم ومحو حضارة الشّعوب، والحضارة الانسانيّة في البلدان التي ابتليت بهم، وما تدمير مكتبة الموصل التّاريخيّة في العراق، وما تحويه من كتب ومخطوطات قيّمة جرى حرقها وإتلافها، وتدمير وتحطيم متحف نينوى، وتدمير مدينة النّمرود التّاريخية والتي يزيد عمرها على ثلاثة آلاف وثلاثماية عام، وتدمير مدينة “الحضر” التّاريخية، وهدم المقامات والأضرحة الدّينيّة الاسلاميّة والكنائس  التّاريخيّة، إلا شواهد على وحشيّة  وهمجيّة هؤلاء الدّواعش، وإذا ما أضفنا إليها عمليّات قطع الرؤوس، وحرق أناس وهم أحياء، واسترقاق نساء بعض الأقليّات الدينيّة والعرقيّة، سنجد أنفسنا أمام فاجعة حقيقيّة.
والدّواعش الذين يستندون في جرائمهم على بعض “الفتاوي” التي صدرت من أناس في مراحل تاريخيّة سابقة،  ولم يشغلوا أنفسهم بالتفكير أنّها صدرت من بشر يخطئون ويصيبون، فألبسوها ثياب القداسة مع ما تحمله من جهل وفهم خاطئ للدّين.
لكن يجب أن لا يغيب عن العقل السّويّ التساؤل عمّن موّل ودرّب وسلّح هؤلاء “الدّواعش”، وهم أنظمة عربيّة قامت بذلك لتحقيق أجندات أجنبية، دون أن تدرك أنّها نفسها تقع في دائرة الخطر القادم إليها لا محالة.
ومع الاعلان عن التحالف الدّولي العربيّ لمحاربة الدّواعش، إلا أنّ هذا التّحالف خجول جدّا في حربه هذه، لأنّ الهدف هو إطالة حروب الدّواعش حتّى تصل إلى أهدافها بتقسيم بلدان عربيّة إلى دويلات طائفيّة وعرقيّة متناحرة، لتأمين اسرائيل التي يخطط لها أن تكون صاحبة اليد الطولى في المنطقة. لذا فإنّ التحالف يحارب الدّواعش بيده اليسرى الضّعيفة، ويدعمها بيده اليمنى القويّة، فقد نقل مراسلون صحفيون يغطون هجوم الجيش العراقي المضاد على محافظة صلاح الدّين ومنطقة الأنبار مشاهداتهم لآلاف اللسيّارات المحمّلة بالأسلحة لا تحمل لوحات وأرقاما من بلدان مجاورة إلى المناطق التي يسيطر عليها الدّواعش.
ومن اللافت أيضا أنّ “الدّواعش” يقومون بتصدير البترول من حقول البترول العراقية التي سيطروا عليها، وهم يصدّرونها عبر الأراضي التّركية، علما أن تركيّا عضو في حلف “النّاتو” المشارك في الحرب على “الدّواعش”، فمن يشتري هذا البترول؟ وكيف يمكن تفسير ذلك يا ذوي العقول؟
9-3-2014

جميل السلحوت:بدون مؤاخذة-داعش وليدة الهزائمللخروج من هزائمنا المتلاحقة علينا نحن العرب الاعتراف بتلك الهزائم، والبحث عن أسبابها، والعمل على معالجتها، بدلا من “الانتصارات” الزّائفة التي يبثّها الاعلام الرّسمي والحزبي المعارض أيضا، فهذه “الانتصارات الوهميّة” لا تقودنا إلا لهزائم أكبر وأشدّ إيلاما، وإذا كان أعداء الأمّة استطاعوا تمزيقها، وانفردوا بكل إقليم على حدة، وهاجموه عسكريّا من خارج حدوده، أو نصّبوا عليه حاكما “ملهما” ليمنع مواكبة شعبه للحياة المعاصرة، فإنّ طبيعة المرحلة أملت أن يتم تدمير الوطن العربي وقتل شعوبه من داخله، ساعد في ذلك أنّ الأحزاب المعارضة التي كانت ترفع الشعارات الثّورية، وتعد الشّعوب بمستقبل زاهر، لم تتساوق مع طموحات شعوبها، بل كانت بعيدة عن شعوبها، ولم تكن هي الأخرى أكثر من فقاعات اعلاميّة تتلاشى عند المحك، من هنا جرى حرف ما يسمّى بالرّبيع العربيّ عن مساره، واستبداله بخريف يرتدي ثيابا من الدّماء التي يحرم سفكها، ومن هنا برزت ظواهر دينيّة من المتأسلمين الجدد الذين ركبوا الموجة وأخرجوا الثقافة الدّينية عن الدّين الصحيح، واستغلّت العواطف الدّينيّة للشعوب التي أرهقها الجهل والتّخلف في مختلف مجالات الحياة. ولعل ظهور جماعات “الدّواعش” يشكّل نموذجا للإيغال في هزائمنا المعاصرة، ويضعنا في مواجهة مع شعوب العالم، ليسهل لحكوماتها الطامعة في عالمنا العربيّ تجنيدها لمحاربتنا.وإذا ما وضعنا أعمال “الدّواعش” تحت المجهر، وقمنا بتقييمها من خلال أعمالها، سنجد أنّها قد رفعت راية الجهاد للنّهوض بالأمّة – حسب زعمها-، ووجدنا من يهلّل “للصّحوة الاسلامية” الجديدة! والمراقب “لجهاد الدّواعش” سيجد أنّ هؤلاء”المجاهدين” لم يوجّهوا أسلحتهم ضدّ أعداء الأمّة، بل ينفّذون مآرب وأطماع الأعداء في المنطقة، ووجّهوا أسلحتهم إلى شعوب عربيّة غالبيّتها العظمى من المسلمين، ودمّروا بلدانا عربيّة، واستهدفوا الجيوش العربيّة الوطنيّة، كما يجري في سوريّا وليبيا وسيناء المصريّة وغيرها. ولم يكتفوا بتدمير أقطار عربيّة، وقتل مئات الآلاف من شعوبها، واستنزاف جيوشها، والعمل على تقسيمها وتجزأتها من جديد، بل أوغلوا في تشويه ثقافة الأمّة، وتدمير حضارتها الانسانيّة، ويعملون لإعادتها إلى العصور البدائيّة، فدواعش العراق وسوريّا ومصر استهدفوا الأقليّات الدّينيّة والعرقيّة من مواطني هذه البلدان الأصليّين، ودمّروا دور عبادتهم وأمعنوا فيهم قتلا وتشريدا، مع أنّ غالبيّة ضحاياهم من المسلمين، وتحديدا من أتباع المذهب السّنيّ، أي أنّ حربهم ليست حربا دينيّة “لنصرة الاسلام” كما يزعمون، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا ويقومون بهدم ومحو حضارة الشّعوب، والحضارة الانسانيّة في البلدان التي ابتليت بهم، وما تدمير مكتبة الموصل التّاريخيّة في العراق، وما تحويه من كتب ومخطوطات قيّمة جرى حرقها وإتلافها، وتدمير وتحطيم متحف نينوى، وتدمير مدينة النّمرود التّاريخية والتي يزيد عمرها على ثلاثة آلاف وثلاثماية عام، وتدمير مدينة “الحضر” التّاريخية، وهدم المقامات والأضرحة الدّينيّة الاسلاميّة والكنائس  التّاريخيّة، إلا شواهد على وحشيّة  وهمجيّة هؤلاء الدّواعش، وإذا ما أضفنا إليها عمليّات قطع الرؤوس، وحرق أناس وهم أحياء، واسترقاق نساء بعض الأقليّات الدينيّة والعرقيّة، سنجد أنفسنا أمام فاجعة حقيقيّة. والدّواعش الذين يستندون في جرائمهم على بعض “الفتاوي” التي صدرت من أناس في مراحل تاريخيّة سابقة،  ولم يشغلوا أنفسهم بالتفكير أنّها صدرت من بشر يخطئون ويصيبون، فألبسوها ثياب القداسة مع ما تحمله من جهل وفهم خاطئ للدّين. لكن يجب أن لا يغيب عن العقل السّويّ التساؤل عمّن موّل ودرّب وسلّح هؤلاء “الدّواعش”، وهم أنظمة عربيّة قامت بذلك لتحقيق أجندات أجنبية، دون أن تدرك أنّها نفسها تقع في دائرة الخطر القادم إليها لا محالة.ومع الاعلان عن التحالف الدّولي العربيّ لمحاربة الدّواعش، إلا أنّ هذا التّحالف خجول جدّا في حربه هذه، لأنّ الهدف هو إطالة حروب الدّواعش حتّى تصل إلى أهدافها بتقسيم بلدان عربيّة إلى دويلات طائفيّة وعرقيّة متناحرة، لتأمين اسرائيل التي يخطط لها أن تكون صاحبة اليد الطولى في المنطقة. لذا فإنّ التحالف يحارب الدّواعش بيده اليسرى الضّعيفة، ويدعمها بيده اليمنى القويّة، فقد نقل مراسلون صحفيون يغطون هجوم الجيش العراقي المضاد على محافظة صلاح الدّين ومنطقة الأنبار مشاهداتهم لآلاف اللسيّارات المحمّلة بالأسلحة لا تحمل لوحات وأرقاما من بلدان مجاورة إلى المناطق التي يسيطر عليها الدّواعش. ومن اللافت أيضا أنّ “الدّواعش” يقومون بتصدير البترول من حقول البترول العراقية التي سيطروا عليها، وهم يصدّرونها عبر الأراضي التّركية، علما أن تركيّا عضو في حلف “النّاتو” المشارك في الحرب على “الدّواعش”، فمن يشتري هذا البترول؟ وكيف يمكن تفسير ذلك يا ذوي العقول؟ 9-3-2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات