بدون مؤاخذة-ثقافة المطالعة

ب

لا أعتقد أن هناك عاقلين يختلفان على أهمية العلم والمعرفة، فبالعلم تنهض الأمم، وبالثقافة والابداع تسمو، وفي الوقت الذي تعتبر فيه الشعوب المتحضرة والراقية الرياضيات أساس العلوم، فإن “شيوخ” العربان يعتبرون العلوم الشرعية أساس كل العلوم، متناسين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على التفكير وطلب العلم، ولم يميزوا بين متطلبات الدين ومتطلبات الدنيا، ولم يشغل تفكيرهم يوما سبب تقدّم الشعوب الأخرى ورقيها على مختلف الأصعدة، وهم راضون بما هي عليه شعوبهم ودولهم من تخلف عن الرّكب الانساني، وحتى أنّهم يسيئون مفهوم التّوَكّل القائم حقيقة على قاعدة “اعقل وتوكل” فهم يتوكلون ولا يعقلون. ولا ينتبه كثيرون الى الأميّة المتفشية، والتي تصل الى حوالي 70 مليون عربي، يضاف اليها أشباه الأمّيّين وهم أكثر من نصف العلم العربي، عدا عن “أميّة المتعلمين” بسبب تخلف التعليم في مختلف مراحله بما فيها المرحلة الجامعية في جامعاتنا، لعدم مواكبتها التطورات العلمية على مستوى العالم. ومع ذلك نجد مناّ من هو فرح وسعيد بجهله ظنّا منه أنه العالِم الوحيد في عصره، غير مدرك لمقولة الامام الشافعي رضي الله عنه والتي مفادها ” أجهل الجهلاء من يجهل ولا يعلم أنه يجهل” وهذا ما أدركه أبو العلاء المعري المتوفى عام 1057م، أي قبل عام عندما قال:ذو العقل يشقى في النعيم بعقله…وأخو الجهالة في الجهل ينعمويضاف الى جهلنا جهل آخر هو”الانغلاق الثقافي” المتمثل بعدم الاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى، وعلى ما وصلت اليه من نهضة مذهلة. وبعدها نتساءل: لماذا أمّة اقرأ لا تقرأ؟ ولماذا كبريات دور النشر في العالم العربي لا تطبع أكثر من عشرة آلاف نسخة من مؤلفات كبار المبدعين والمفكرين العرب؟ توزع في الدول العربية جميعها. في حين غيرنا من الشعوب تطبع مئات آلاف النسخ من كل كتاب، مع أن عدد شعوبها لا يساوي 10% من عدد شعوب العربان. وعدم قراءة العربان لها أسباب كثيرة منها تفشّي الأميّة، والفقر والحرمان وارتفاع سعر المطبوعات قياسا بالمداخيل المتدنية وغيرها، لكنّنا نغيب السبب الأكثر أهمية وهو تغييب ثقافة المطالعة، التي اذا ترسخت تصبح سلوكا. ودعونا نتساءل عن نسبة من يملكون مكتبة في بيوتهم؟ وعن نسبة من يشترون كتبا لأطفالهم في مراحل الطفولة ليشجعوا بناتهم وأبناءهم على المطالعة؟ وعن نسبة من يُهدون كتابا لأصدقائهم في المناسبات؟ وعن نسبة من يحترمون الكتاب والكاتب؟ وعن نسبة المدارس التي تمتلك مكتبات وتشجع طلابها على المطالعة؟ وعن نسبة رواد المكتبات العامة؟ وبالتأكيد فاننا اذا حصلنا على اجابات دقيقة لأسئلتنا فانها ستشكل صدمة لنا. ونحن إذ نسوق ذلك ليس من باب جلد الذات، ولا من باب تسجيل المواقف، وانما لنقف على أسباب الخلل في عدم وجود مجتمعات قارئة، لأنها لو وجدت لكان باستطاعة دور النشر أن تطبع مئات آلاف النسخ من كل كتاب، وستبيع الكتاب بسعر معقول؛ لأنها ستحقق أرباحا مجزية سيكون للكاتب منها نصيب، وسينعكس ذلك فيما لو حصل على وعي الشعوب وتقدّمها، لكن الأمنيات شيء، والواقع شيء آخر مع الأسف.22-4-2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات