بدون مؤاخذة- ثقافة الانبهار بالأجنبي

ب
يبدو أننا نعيش عقد نقص في الانتماء القومي، وهذا يلاحظ في بعض الرسومات الكاريكاتورية، وبعض الكتابات التي تمجد الشعوب والثقافات الأخرى، وتستهزئ بالعرب، ولا يفهمن أحد من هذا أنّه يعني الدعوة الى التعالي على الأعراق الأخرى، أو معاداة ثقافاتها، لكنه يعني بالتأكيد أن لا نعادي أنفسنا وأمتنا وشعوبنا ولغتنا وثقافتنا، وحتما لدينا سلبيات ونواقص كبيرة وكثيرة، والصحيح هو العمل على التغلب عليها، والعمل على النهوض من كبواتنا وليس بجلد الذات. والانبهار بالأجنبي يتجلى كثيرا في حياتنا اليومية عندما نجد أشخاصا يستعملون في أحاديثهم العادية كلمات أعجمية قد لا يعرفون من لغتها غيرها، وذلك ظنا منهم بأنها مظهر من مظاهر التقدم والرقي الحضاري. بل وصل الأمر في بعض دول الخليج العربي الى درجة أن من لا يتقن الانجليزية قد لا يستطيع قضاء حاجاته لأنها اللغة السائدة، والانبهار بالأجنبي يتعدى اللغة الى كل مظاهر الحياة، حتى أن هناك من يفاخر بأن سجائره وملابسه وأحذيته هي صناعة أجنبية، بل ان هناك من يترك المنتوجات الزراعية المحلية، ليشتري مثيلتها المستوردة مثل الزيتون المعلب.
وبما أننا ننفرد عن غيرنا من الشعوب والأمم بثقافتنا القائلة “لا كرامة لنبي في وطنه” فاننا نقدم الأجنبي علينا في أشياء كثيرة، ظنا منا أنه الأعلم والأدرى منا، فعلى سبيل المثال اتصل ذات يوم من عام مضى مسؤول كبير بموظفين في احدى محافظات الوطن طالبا استقبال وفد خبراء زيتون هولندي بما يليق بهم، والاستفادة من خبراتهم لتطوير زراعة شجرة الزيتون والعناية بها في بلادنا، ولما حضر الوفد وكان مكونا من شابين لم يصلا العشرين من عمريهما، لفت ذلك انتباهي أنا شخصيا، فكيف أصبح هذان الشابان خبراء وهما في بداية العمر، فسألتهما عن عملهما في بلادهما، فأجابا بأنهما طالبان واحد سنة أولى جامعية والثاني سنة ثانية، يدرسان في كلية الزراعة في احدى الجامعات التي أرسلتهما الى بلادنا؛ ليتعلموا من فلاحينا كيف يعتنون بشجرة الزيتون؛ وليستفيدوا من خبرتهم لينقلوها الى بلدانهم. وفي البلدان العربية يسهل جدا أن تجد مدراء ومستشارين وخبراء أجانب، مسؤولين عن أقرانهم العرب بمن فيهم خريجو نفس الجامعات التي تخرج منها الأجنبي، ويتقاضون رواتب مضاعفة.
وعلى المستوى الثقافي فان الكثيرين من مدعي الثقافة يفاخرون بأنهم لا يطالعون إلا كتابات أجنبية، بل ان بعضهم يحفظ بعض الأسماء الأدبية العالمية الكبيرة، يرددها كثيرا مع أنه لم يقرأ لها شيئا، واذا كان الانغلاق الثقافي يشكل كارثة ثقافية على شعوبنا وأمتنا، فان عدم الاطلاع على ثقافتنا المحلية والعربية يشكل كارثة أكبر.
واذا ما كنا مبهورين حقا بانجازات الشعوب الأخرى التي تفوقت علينا في مجالات مختلفة أساسها العلم الصحيح، فاننا مطالبون باللحاق بالركب العلمي من خلال التعلم، والاستفادة من التطور العلمي الهائل لتطوير ما لدينا، واستغلال مواردنا الطبيعية بما يفيد شعوبنا وأمتنا، لا أن نرتضي بأن نكون مجرد سوق استهلاكية لمنتوجات غيرنا.
8- ايار – 2014

جميل السلحوتبدون مؤاخذة- ثقافة الانبهار بالأجنبييبدو أننا نعيش عقد نقص في الانتماء القومي، وهذا يلاحظ في بعض الرسومات الكاريكاتورية، وبعض الكتابات التي تمجد الشعوب والثقافات الأخرى، وتستهزئ بالعرب، ولا يفهمن أحد من هذا أنّه يعني الدعوة الى التعالي على الأعراق الأخرى، أو معاداة ثقافاتها، لكنه يعني بالتأكيد أن لا نعادي أنفسنا وأمتنا وشعوبنا ولغتنا وثقافتنا، وحتما لدينا سلبيات ونواقص كبيرة وكثيرة، والصحيح هو العمل على التغلب عليها، والعمل على النهوض من كبواتنا وليس بجلد الذات. والانبهار بالأجنبي يتجلى كثيرا في حياتنا اليومية عندما نجد أشخاصا يستعملون في أحاديثهم العادية كلمات أعجمية قد لا يعرفون من لغتها غيرها، وذلك ظنا منهم بأنها مظهر من مظاهر التقدم والرقي الحضاري. بل وصل الأمر في بعض دول الخليج العربي الى درجة أن من لا يتقن الانجليزية قد لا يستطيع قضاء حاجاته لأنها اللغة السائدة، والانبهار بالأجنبي يتعدى اللغة الى كل مظاهر الحياة، حتى أن هناك من يفاخر بأن سجائره وملابسه وأحذيته هي صناعة أجنبية، بل ان هناك من يترك المنتوجات الزراعية المحلية، ليشتري مثيلتها المستوردة مثل الزيتون المعلب.  وبما أننا ننفرد عن غيرنا من الشعوب والأمم بثقافتنا القائلة “لا كرامة لنبي في وطنه” فاننا نقدم الأجنبي علينا في أشياء كثيرة، ظنا منا أنه الأعلم والأدرى منا، فعلى سبيل المثال اتصل ذات يوم من عام مضى مسؤول كبير بموظفين في احدى محافظات الوطن طالبا استقبال وفد خبراء زيتون هولندي بما يليق بهم، والاستفادة من خبراتهم لتطوير زراعة شجرة الزيتون والعناية بها في بلادنا، ولما حضر الوفد وكان مكونا من شابين لم يصلا العشرين من عمريهما، لفت ذلك انتباهي أنا شخصيا، فكيف أصبح هذان الشابان خبراء وهما في بداية العمر، فسألتهما عن عملهما في بلادهما، فأجابا بأنهما طالبان واحد سنة أولى جامعية والثاني سنة ثانية، يدرسان في كلية الزراعة في احدى الجامعات التي أرسلتهما الى بلادنا؛ ليتعلموا من فلاحينا كيف يعتنون بشجرة الزيتون؛ وليستفيدوا من خبرتهم لينقلوها الى بلدانهم. وفي البلدان العربية يسهل جدا أن تجد مدراء ومستشارين وخبراء أجانب، مسؤولين عن أقرانهم العرب بمن فيهم خريجو نفس الجامعات التي تخرج منها الأجنبي، ويتقاضون رواتب مضاعفة. وعلى المستوى الثقافي فان الكثيرين من مدعي الثقافة يفاخرون بأنهم لا يطالعون إلا كتابات أجنبية، بل ان بعضهم يحفظ بعض الأسماء الأدبية العالمية الكبيرة، يرددها كثيرا مع أنه لم يقرأ لها شيئا، واذا كان الانغلاق الثقافي يشكل كارثة ثقافية على شعوبنا وأمتنا، فان عدم الاطلاع على ثقافتنا المحلية والعربية يشكل كارثة أكبر. واذا ما كنا مبهورين حقا بانجازات الشعوب الأخرى التي تفوقت علينا في مجالات مختلفة أساسها العلم الصحيح، فاننا مطالبون باللحاق بالركب العلمي من خلال التعلم، والاستفادة من التطور العلمي الهائل لتطوير ما لدينا، واستغلال مواردنا الطبيعية بما يفيد شعوبنا وأمتنا، لا أن نرتضي بأن نكون مجرد سوق استهلاكية لمنتوجات غيرنا.8- ايار – 2014

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات